منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   طلبات الانتقال بالتبادل (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=80)
-   -   دراسة حالة (نموذج تطبيقي)-امتحان الكفاءة المهنية لولوج السلم 11 لاستاذ السلك 1 /2006 (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=37885)

ابوحسام الهمام 12-11-2008 18:13

دراسة حالة (نموذج تطبيقي)-امتحان الكفاءة المهنية لولوج السلم 11 لاستاذ السلك 1 /2006
 

دراسة الحالة التربوية (نموذج تطبيقي)د جميل حمداوي

قدمنا في دراسة سابقة فرشا نظريا لدراسة الحالة التربوية ونشرناها في عدة مواقع رقمية ، ريثما نتمكن من نشرها في المطبوعات والصحف الورقية. بيد أن الجانب النظري غير كاف للإحاطة بالحالة التربوية فهما وتفسيرا، إذ لابد من نموذج تطبيقي يسعف رجال التعليم وأطر الإدارة التربوية على مقاربة النصوص التي تشخص الحالة التربوية. وإليكم نموذجا للتطبيق والمعالجة يمكن الانطلاق منه لكتابة الموضوع الإنشائي التربوي في دراسة الحالة التربوية.
1- النص المعطى:
"تقع مؤسسة تعليمية بين منطقتين مختلفتين من حيث الجوانب السوسيو ثقافية والسوسيو اقتصادية، وهي مؤسسة يدرس فيها أبناء المنطقتين معا. وقد لوحظت اختلافات وتباينات في فضاء المؤسسة وفضاء القسم مما أدى إلى ظهور تمايزات وصراعات ثقافية واقتصادية ورمزية وعرقية، وفضاء لصراعات الانتماء والهوية... الخ
إن ظاهرة مثل هذه تحفز المدبر ومجلس المؤسسة والمدرسين على خلق أنشطة للتجديد البيداغوجي بواسطة مشاريع تربوية ومشاريع مؤسساتية وتواصل بيداغوجي نوعي لتلافي مختلف مظاهر الصراع بين المتعلمين..."
2- المطلوب:
ادرس هذه الحالة دراسة شاملة مع اقتراح حلول لها.
3- نموذج لإنشاء تربوي حول دراسة الحالة التربوية :
إن النص الذي نحن بصدد دراسته عبارة عن حالة تربوية تنتمي إلى حقل سوسيولوجية التربية أو المدرسة أو مايسمى بعلم الاجتماع التربوي . أي إن هذه الحالة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية وتواصلية ، تشخص لنا الصراعات الموجودة داخل الفضاء المدرسي. ومن المعروف أن المؤسسة التعليمية عبارة عن مجتمع مصغر يعكس لنا حسب إميل دوركايم المجتمع الخارجي بكل تناقضاته الاجتماعية ومفارقاته الطبقية الصارخة. ومن ثم، تترجم لنا المدرسة وخاصة في المجتمع الرأسمالي والمتخلف الصراع الاجتماعي والطبقي، وتعكس لنا إيديولوجية الدولة ومصالح الطبقة السائدة أو الحاكمة. ونفهم من هذا أن المدرسة ليست محايدة بريئة، بل هي نتاج تصورات إيديولوجية تمارس العنف الرمزي من خلال النظام التربوي أوالتعليمي أوالصفي المفروض على المدرسين والمتمدرسين بتنفيذه وتطبيقه وتمثله، والمقنن بمناهج وبرامج ومقررات محددة بدقة على مستوى الأهداف والغايات والمرامي التي لاتخدم في الحقيقة سوى مصلحة الطبقة المالكة للسلطة والثراء أو الحائزة على الرأسمال الثقافي..
إذاً، مانوع المدرسة التي يشير إليها النص؟ وإلى أي مدى يمكن اعتبار المؤسسة فضاء للصراع الاجتماعي والطبقي والإيديولوجي؟ وكيف نستطيع أن نجعل من المدرسة فضاء للتوحيد والمساواة وتلافي الصراع الجدلي والثقافي واللغوي والاقتصادي بين المتعلمين، وبالتالي، تحويل المؤسسة التعليمية إلى مؤسسة التعايش الطبقي والانسجام المتكامل القائم على التعاون والتواصل والتفاهم لخدمة الوطن والأمة بشكل جماعي؟
يبين لنا النص أن المدرسة المرصودة هي مدرسة تقع بين منطقتين متفاوتتين اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وعمرانيا، وقد ترتب عن هذا التباين اختلاف مس جميع مظاهر الحياة المدرسية سواء على صعيد المؤسسة أم على صعيد القسم الصفي. ويعني هذا أن المدرسة التي تقع بين منطقتين مختلفتين سوسيواقتصاديا وثقافيا، أثرت سلبا على الفضاء المدرسي عبر تجسيد التفاوت الطبقي وبروز التناقضات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وقد ولد هذا الاختلال والتباين مجموعة من الصراعات الرمزية، بل والمادية أيضا كما تتمظهر في العنف والاحتقار والازدراء والنظرة الدونية التي يستشعرها المتعلم الذي ينتمي إلى الطبقات الدنيا، ناهيك عن الاستلاب والتغريب الذي يحسه كذلك داخل الصف الدراسي بين زملائه التلاميذ ذوي الأصول الاجتماعية الغنية.
ويتجلى هذا الصراع أيضا على مستوى الهوية والانتماء والثقافة واختلاف السنن اللغوي واللهجي، بله عن الصراعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعرقية. ومن هنا ، تتحول المدرسة إلى فضاء التطاحن والعداوة والكراهية والصراع الجدلي والحقد الذي يتشربه التلاميذ الفقراء شعوريا ولاشعوريا إزاء أبناء المحظوظين. و لايتشكل هذا الصراع بهذه الخصائص النفسية والاجتماعية الصارخة إلا في المجتمع الرأسمالي أو المجتمعات المتخلفة التي تتصارع فيها البنيات الفوقية والبنيات التحتية صراعا جدليا قائما على النفي والإزاحة والتركيب.
ويؤيد هذا الطرح الذي يعتبر المدرسة فضاء للصراع الجدلي ما ذهب إليه الدكتور شبل بدران الذي اعتبر المدرسة من أخطر أجهزة الدولة الإيديولوجية إلى جانب مؤسسة الإعلام والمؤسسة الدينية والمؤسسة السياسية والثقافية. ومن ثم، فالمدرسة أداة للاستلاب والاغتراب؛ لأنها تجرد المتعلم من إنسانيته وتشيئه وتخضعه لإيديولوجية التطبيع والتكييف والمحافظة على أعراف المجتمع وقيمه الموروثة ومبادئه المرسومة في الدستور، والذي يجسده بكل وضوح الميثاق الوطني للتربية والتكوين و ديباجة فلسفة النظام التربوي التعليمي كما تشخصه مقدمات المقررات والبرامج والمناهج الدراسية. و في هذا السياق يقول شبل بدران عن المدرسة بأنها:" أداة للحقن الإيديولوجي للإيديولوجيا السائدة. والتي هي بطبيعتها إيديولوجيا الطبقة السائدة، وفي اعتبارها أيضا أداة لإضفاء الشرعية والعقلانية وتبرير الأوضاع الاجتماعية السائدة والتي هي في غالبها تحقق مصالح الطبقات المسيطرة وتحقق المزيد من الانتشار والذيوع لإيديولوجيا على اعتبار أنها الإيديولوجيا التي تحقق المصالح العامة في المجتمع. إلا أن التربية- المدرسة- وهي تحقق كل ذلك، تخلق حالة من الاستلاب لدى الطلاب والمعلمين، تلك الحالة التي تجرد الإنسان من إنسانيته وتجعله كائنا مسحوقا، مشيئا، يعيش حالة من الاستلاب- الاغتراب- في المجتمع."
وتذهب المقاربة الصراعية إلى أن المدرسة لاتنتقي من هو أكثر كفاءة وقدرة وذكاء وإنتاجا وخبرة ، بل تختار من يساير مصالح الفئة الحاكمة ويخدم منافع الطبقة الاجتماعية السائدة، أي إن المدرسة لاتعترف سوى بالذي يخدم مصالح الفئة المسيطرة على الحكم وزمام السلطة وتملك الرأسمال المادي والرمزي.
وفي هذا الصدد يبين كولانز Collins بأن المدرسة تفرض على المتعلم ثقافة الطبقة السائدة ولغتها ومنظومتها التصورية والإيديولوجية، أي إن المدرسة تكرس ثقافة الجماعة المسيطرة على ضبط النظام التعليمي، وتقدمها له كثقافة عالمية مشروعة. ومن ثم، فإن الأفراد المثقفين الذين تنتجهم المدرسة لايتم اختيارهم حسب إنتاجهم الثقافي وكفاءتهم المعرفية، بل حسب خضوعهم للنظام المفروض تربويا وسياسيا، وإعلانهم التبعية للفئة الحاكمة والطبقة السائدة وولائهم لها ولقيمها الرمزية. فمن خلال هذا الاستسلام الطبقي والاجتماعي، يمكن للمثقف أن يصل إلى امتلاك السلطة والوصول إلى الثراء المادي والرمزي لتحقيق ذاته وتغيير أصله الاجتماعي ومنبته الثقافي والطبقي والإيديولوجي.
ويذهب كل من بورديو Bourdieu وپاسرون Passeron في كتابهما" إعادة الإنتاج/ La reproduction " إلى أن المدرسة نتاج تقسيم العمل وصراع الطبقات الاجتماعية . ومن ثم، فالمدرسة تعيد إنتاج نفس الطبقات الرمزية، أي إن المدرسة تعمل على إعادة نفس قيم الطبقة الحاكمة عن طريق تشريب أبناء الطبقات الدنيا نفس القيم الثقافية واللغوية للطبقة الحاكمة. فالطفل الشعبي يجد عدة فوارق داخل المؤسسة التربوية تتعلق بلغته الأصلية التي قد تختلف مع لغة المدرسة وتتنافى مع لغة الطبقة الحاكمة، كما أن الهوية الثقافية مختلفة عن هوية زملائه من الطبقة الغنية التي قد تكون متشبعة بالهوية الفرانكفونية أو الأنگلوسكسونية مثلا . كما أن فقر التلاميذ المنحدرين من الأحياء الشعبية يجعلهم أمام ظاهرة انعدام تكافؤ الفرص على مستوى التعليم واكتساب المهارات الذكائية وقدرات التحليل والبرهنة ، وقد يؤدي بهم الأمر إلى الفشل المدرسي والرسوب والتكرار والانقطاع عن الدراسة والانحراف والتطرف. ويعني هذا أن التفاوت المادي والاقتصادي واختلاف دخل الأسر يساهم في تأجيج الصراع الاجتماعي بين المتعلمين داخل المؤسسة التربوية وداخل الصف الدراسي. ومن هنا، فالفقراء لاينتجون عبر المؤسسة التعليمية سوى الطبقة البروليتارية، بينما البورجوازيون لايكونون سوى ورثة السلطة والجاه.
وهذا يعني أن طفل الفئة البرجوازية يعيش استمرارية وتكاملا بين ثقافة فئته وثقافة مدرسته؛ مما يسهل عليه عملية التوافق، إن لم يكن مسبقا متوافقا، ومن ثمة يصبح وريثا للنظام المدرسي.
أما طفل الطبقة الدنيا، فهو يعيش قطيعة وتناقضا بين ثقافة فئته وثقافة مدرسته؛ مما يجعل هذه الأخيرة غريبة وبعيدة عنه.
ولكي يتوافق دراسيا معها، عليه أن يتخلص من رواسب ثقافته، وأن يتعلم طرقا جديدة في اللغة و التفكير. أي أن يتخلص حسب پيرونو Perrenoud من ثقافته الشعبية الدونية عن طريق عملية الانحلال من ثقافته الأصلية Déculturation، للانتقال إلى تمثل أسلوب الانفتاح على الآخر والتثاقف معه Acculturation .
ويتضح لنا حسب أطروحة إعادة الإنتاج أن المدرسة ضمن أهدافها لاتخدم سوى الطبقة الحاكمة أو السائدة ، حيث إن أبناء هذه الطبقة يتوافقون مع تطلعات هذه المؤسسة التربوية إيديولوجيا لذا يكون النجاح حليفهم ، بينما المدرسة لاتتكامل ولا تتوافق في أهدافها مع تطلعات الطبقة الشعبية الفقيرة، لذا، فأبناؤها يتعرضون للفشل الدراسي والانقطاع عن المدرسة.
ومن جهة أخرى ، يذهب كل من بودلو و إستابلي Baudelot et Establet في كتابهما:" المدرسة الرأسمالية في فرنسا" إلى تبني أطروحة المسلكين Thèse de deux réseaux . ويقصد بهذه الأطروحة أن هناك مسلك التعليم الابتدائي المهني ومسلك التعليم الثانوي العالي. يمتاز المسلك الأول بالتعليم القصير، ويقوم على التوجه المهني، ويربط التعليم بالشغل، ولا ينال صاحبه سوى فتات الثقافة، وبالتالي، يصبح المتعلم بروليتاريا في المستقبل. ويتسم المسلك الثاني بالتعليم الطويل والمستمر، والحصول على الشواهد العليا، وامتلاك ثقافة عميقة خاصة العقلية منها ، ويستفيد من هذا المسلك أبناء البورجوازية والطبقة السائدة.
وهكذا، نلاحظ بأن المدرسة الرأسمالية الفرنسية ليست مدرسة موحدة، بل هي متعددة القنوات والمسالك، يتصارع فيها البروليتاريون والبورجوازيون بطريقة رمزية وسيميائية واجتماعية، فلا يمكن للمدرسة – إذاً - أن توحد ماتم تفريقه سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
هذا، وتنطبق مواصفات المدرسة الرأسمالية الفرنسية على المدرسة المغربية التي تعيد إنتاج نفس القيم التي تسهر عليها الطبقة السائدة، وتتميز أيضا بخاصتين متقابلتين: التوجيه المهني والتوجيه العالي. أي إن التعليم المغربي هو كذلك خاضع لنظرية القناتين أو المسلكين، ومازال المغرب متشبثا على مستوى التخطيط والتوجيه التربوي بالتعليم المهني قصد الحد من ظاهرة بطالة حملة الشواهد العليا والدكتوراه . وهذا يبين لنا مدى تبعية المدرسة المغربية المتخلفة للمدرسة الفرنسية الرأسمالية في تجسيد تناقضات المجتمع الصارخة اقتصاديا واجتماعيا وطبقيا.
ويتمثل بازل برنشتاين Basil Bernstein التصور اللساني الاجتماعي الذي يقر يأن الطبقات الوسطى والعليا تملك سننا لغويا واسعا ومرنا ورصينا يتسم بالخصوبة واتساع معجم مفرداته وبخاصية الاسترسال في التعبير واستعمال الجمل الطويلة الحافلة بالنعوت والصفات فضلا عن تشغيل الجمل البسيطة والمركبة الفاصلة والواصلة واستعمال المصادر المؤولة والتفكير المنطقي المتسلسل والتحليل المجرد الرمزي الذي يستوعب كل التناقضات.
أما طفل الفئات الدنيا فيشغل سننا لغويا ضيقا بسيطا وفقيرا من حيث اللغة والتعابير والمفردات، ناهيك عن قصور في التعبير والإنشاء ، وخلو الفقرات من التسلسل والتآلف التركيبي، ونقص في التقديم والاستنتاج والبرهنة، والميل بكثرة إلى المحسوس والملموس. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على فقر بيئة الطفل اللغوية، والتي تؤثر سلبا على مستوى التعليمي للطفل وتواصله الشفوي والكتابي داخل المؤسسة التربوية.
وهناك من دعا إلى إلغاء المدرسة الرأسمالية والقضاء عليها مادامت ذات أبعاد طبقية وإيديولوجية كما عند إيڤان إليتش IVAN ILLICH في كتابه" مجتمع بدوم مدرسة"، ذلك أن السيد إليتش:" ينزع أحيانا إلى القول بأن المدرسة ملائمة للعصر الصناعي وأنها من إرث مخلفاته، وينبغي أن تشجب فقط في البلدان المتخلفة وخاصة بلدان أمريكا اللاتينية ، حيث لاتستطيع أن توفر الانطلاقة اللازمة، وحيث يكون حذفها شرطا لازما لحذف الاستعمار والقضاء عليه. إلى أنه في أحيان أخرى يطلق أحكاما تنادي بالقضاء عليها قضاء جذريا ويرى فيها مؤسسة بالية أنى كانت."
إذا كانت المقاربة الصراعية لاترى في المدرسة سوى فضاء للتطاحنات الإيديولوجية والطبقية وفضاء للتفاوت الاجتماعي والثقافي واللغوي والاقتصادي. وبالتالي، أدت بالمدرسة إلى الفشل والإفلاس اللازمين، حيث صارت المدرسة عند الكثير من الملاحظين مؤسسة الخيبة والمأساة والصراع الجدلي والتناقضات الصارخة . فإن هناك من يعارض هذا الطرح الصراعي ، فيعتبر المقاربة الصراعية ذات أبعاد سياسية وحزبية ضيقة تنطلق من تصورات ماركسية أو هيجيلية أو منطلقات ڤيبيرية أو ألتوسيرية، ومن ثم تفتقد هذه التصورات خاصية الموضوعية والحياد والتحليل العلمي المنطقي ومصداقية التحليل المعقلن.
وعليه، فليس من الضروري أن تكون المدرسة فضاء للصراع والتطاحن العرقي واللغوي والثقافي وانعدام تكافؤ الفرص، بل يمكن أن تكون فضاء لإذابة الفوارق الاجتماعية وتعايش الطبقات وتوحيد الرؤى والتطلعات بين المتعلمين . ومن ثم، على المؤسسة التربوية أن تذيب كل الخلافات الموجودة بين التلاميذ على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واللغوي، وتحرير المتعلمين المنحدرين من الفئة الدنيا من عقدهم الطبقية الشعورية واللاشعورية وتخليصهم من مركب النقص عن طريق تنفيذ المشاريع المؤسساتية وتقديم الأنشطة للترفيه عن التلاميذ وتكوينهم تكوينا ذاتيا يمحي كل الفوارق التي يمكن أن توجد بين المتمدرسين داخل المدرسة الواحدة. ومن أهم الوظائف الأساسية للمدرسة " إيجاد حالة من التوازن بين عناصر البيئة الاجتماعية، وذلك بأن تتبع المدرسة لكل فرد الفرصة لتحريره من قيود طبقته الاجتماعية التي ولد فيها وأن يكون أكثر اتصالا وتفاعلا مع بيئته الاجتماعية والمذاهب الدينية.".
و لابد أن تساهم المدرسة في خلق علاقات إيجابية مثمرة بين التلاميذ فيما بينهم ، وبين المتعلمين وأطر التربية والإدارة ، تكون مبنية على التعاون والأخوة والتسامح والتواصل والتآلف والمشاركة الوجدانية والتكامل الإدراكي، ونبذ كل علاقة قائمة على الصراع الجدلي والعدوان والكراهية والإقصاء والتهميش والتنافر والكراهية والتغريب والجمود والتطرف والإرهاب.
ولابد للمدرسة من الاحتكام إلى منطق المساواة وتوفير العدالة والعمل على تحقيق تكافؤ الفرص ودمقرطة التعليم من أجل تكوين مواطن صالح ينفع وطنه وأمته، ويحافظ على ثوابت المجتمع، ويعمل جاهدا من أجل تحديث البلد وتغييره إيجابيا والرفع من مستواه التنموي والسير به نحو آفاق أرحب من الازدهار والرفاهية. كما تعمل المدرسة على تغيير المستوى الاجتماعي والاقتصادي للمتعلمين الذين ينحدرون من منطقة فقيرة، فعن طريق التعلم والحصول على الشواهد والدبلومات يستطيع ابن البيئة الفقيرة تغيير مستوى معيشته والمستوى الاقتصادي لأسرته كما هو الحال في المغرب، حيث تصبح الوظيفة العمومية التي يحصل عليها الطالب الناجح مسلكا للثراء والسلطة والترقي والتسلق الطبقي واكتساب قيم طبقة اجتماعية أخرى. أي تعمل المدرسة على تحسين الظروف الاقتصادية للمتعلم وتغيير طبقته الاجتماعية عن طريق التحلل من ثقافة بيئته الأصلية عن طريق تمثل ثقافة الطبقة الجديدة. وبالتالي، يجرنا هذا التصور إلى رفض ماتذهب إليه المقاربة الصراعية التي لاترى في المدرسة سوى فضاء للصراع الطبقي والتناحر العرقي وحلبة للتطويع الإيديولوجي وتبليغ قيم الطبقة الحاكمة أو السائدة. وهكذا لايجب:" أن يوقعنا هذا الطرح الصراعي في خطى الاعتقاد بتصور ميكانيكي وقدحي لدور المدرسة، أي اعتبارها دوما الجهاز الإيديولوجي للدولة البرجوازية أو الطبقة السائدة بمعنى أنها مؤسسة طبقية ذات وظيفة إيديولوجية. فلا بد من تجاوز هذا التصور الضيق لوظيفة المدرسة الاجتماعية، نظرا لكونها تتمتع باستقلالية نسبية عن قيود وتحديدات المحيط العام الذي تتفاعل معه وفيه، كما تتمتع بنظامها الداخلي الخاص بها، ومنطقها المتميز الذي تشتغل فيه وبه بنيانها".
وما نلاحظه عن المدرسة المغربية من تبعية للمدرسة الفرنسية منذ الحماية إلا دليل على "الانفصامية" التي تعيشها المدرسة المغربية،ومن المؤشرات الحقيقية كذلك على التناقضات الصارخة التي تبرز داخل المؤسسات التعليمية والتربوية ، و" يجب مراعاة وظيفة المدرسة في البلدان المتخلفة من حيث إنها تتحدد في سياق التبعية، وهذا مايترتب عنه طبيعة الأوضاع المزرية التي يشهدها التعليم في هذه البلدان، من انعدام العقلانية لافي التفسير ولا في التوجيه ولا في التأطير. وخير دليل على هذا ما يعرفه التعليم ببلادنا من غياب منظور شامل وعام يصوغ الأهداف المعرفية والتربوية ويحدد الوسائل البيداغوجية، وذلك لأننا ورثنا ذلك من الاستعمار وبقي مستمرا دون إعادة النظر الشامل في البنية التعليمية ، وكذا في جميع البنيات الأساسية في المجتمع المغربي.
هذا عكس ماتم بالغرب حيث تمكنت المؤسسة من تحقيق نوع من الانسجام والتكامل مع المحيط الثقافي والمجتمعي الذي تندرج فيه، أما بالمغرب فإن " الفصامية" عندنا ماتزال قائمة بين الثقافة المدرسية ككل، وبين الإطار الاجتماعي والثقافي الذي تنخرط فيه. زيادة على هذا، تبقى المدرسة- حسب مصطفى محسن- بمثابة" صندوق أسود" لانمسك علميا بميكانيزمات وظائفها واشتغالها، وتحركها، ولا بالبرامج والنماذج المعرفية والسلوكية السائدة فيها."
وعلى الرغم من كون المدرسة فضاء للتعدد الثقافي واللغوي والتفاوت الاجتماعي والطبقي، إلا أنها تعتبر" عامل توحيد، عامل لم وجمع مختلف الطبقات الاجتماعية وصهر أفكارها وبلورتها بقدر الإمكان عبر خطابها التربوي."
ومن الحلول المقترحة للحد من ظاهرة الصراع المتعدد داخل الفضاء التربوي تطبيق البيداغوجيا الفارقية لمحو الفوارق المعرفية والقضاء على الفشل الدراسي والحفاظ على مستوى الذكاء الدراسي الموحد قصد تحقيق النتائج المرجوة من بيداغوجيا الكفايات وبيداغوجيا المجزوءات. وتنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة بأن:" أطفال الفصل الواحد يختلفون في صفاتهم الثقافية والاجتماعية والمعرفية والوجدانية بكيفية تجعلهم غير متكافئي الفرص أمام الدرس الموحد الذي يقدمه لهم المعلم. ويؤول تجاهل المدرس لهذا المبدإ إلى تفاوت الأطفال في تحصيلهم المدرسي. وتأتي البيداغوجيا الفارقية لتحاول التخفيف من هذا التفاوت . ويعرف لوي لوگران البيداغوجيا الفارقية كالآتي:
"هي تمش تربوي يستعمل مجموعة من الوسائل التعليمية- التعلمية قصد إعانة الأطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكات والمنتمين إلى فصل واحد، من الوصول بطرق مختلفة إلى نفس الأهداف".
لبلوغ هذا الهدف لابد أن يتعرف المعلم على الخاصيات الفردية لتلامذة فصله: مستوى تطورهم الذهني والوجداني والاجتماعي،قيمهم ومواقفهم إزاء التعليم المدرسي، وتنصح البيداغوجيا الفارقية المربين بتقسيم تلامذة الفصل الواحد إلى فرق صغيرة متجانسة، وبمطالبة كل فريق بعمل يتلاءم مع صفاته المميزة وذلك في إطار عقد تعليمي يربط المعلم بتلاميذه."
ومن الحلول المقترحة لتوحيد مستوى التعليم ومحاربة الفوارق المعرفية بين التلاميذ اتباع سياسة الدعم البيداغوجي والتفريدي عن طريق تقديم دروس إضافية مجانية للمتعثرين من أبناء الطبقة الفقيرة وحتى من الطبقة العالية لتعميم المعرفة وخلق فرص متساوية أمام جميع الأطراف لاكتساب الذكاء ومهارات التحليل والمعالجة قصد تكوين تلاميذ مقتدرين أكفاء يستطيعون مواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة. ومن ثم، يشكل الفصل الدراسي:" مجموعة غير متجانسة من الأطفال، في استعداداتهم وقدراتهم، مما يدعو في عملية الدعم، التي تقلل من المتخلفين دراسيا عن أقرانهم. كما يمكن النظر إلى ضرورة الدعم وأهميته من ناحية ثانية، وهي اختلاف طريقة أو أسلوب تعلم كل تلميذ، ومعظم المدرسين لايأخذون هذا الأمر بعين الاعتبار، فيدرسون بطريقة واحدة. وفي هذه الحالة فإن عملية الدعم لاتكسب معناها الحقيقي والمفيد إلا إذا تم تعليمها بطريقة مختلفة عن الطريقة التي علمت بها المادة أول الأمر.
إن التعريف الذي تم تبنيه لبيداغوجية الدعم والتقوية، من قبل وزارة التربية والتعليم أنها:" مجموعة من الوسائل والتقنيات التربوية التي يمكن إتباعها داخل الفصل ( من إطار الوحدات الدراسية) أو خارجية ( في إطار أنشطة المدرسة ككل) لتلافي بعض ما قد يعترض تعلم التلاميذ من صعوبات ( عدم الفهم- تعثر- تأخر...) تحول دون إبراز القدرات الحقيقية والتعبير عن الإمكانيات الفعلية الكامنة."
و من ناحية أخرى، تعمل الحياة المدرسية على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري والقضاء على الفوارق الطبقية والحد من كل أسباب تأجيج الصراع وتنامي الحقد الاجتماعي ، خاصة أن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع، وتوفر حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة ، وتحقق الأمان والحرية الحقيقية للجميع ، وتسعى إلى تكريس ثقافة المواطنة الصالحة في إطار احترام حقوق المتعلم/ الإنسان داخل فضاء المؤسسة وتطبيق المساواة الحقيقية وإرساء قانون العدالة المؤسساتية وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام الجميع بدون تمييز عرقي أو لغوي أو طبقي أو اجتماعي، فالكل أمام قانون المؤسسة سواسية كأسنان المشط الواحد. ومن ثم، فلا قيمة للرأسمال المالي أو المادي في هذا الفضاء المؤسساتي أمام قوة الرأسمال الثقافي الذي يعد معيار التفوق والنجاح والحصول على المستقبل الزاهر .
و يقصد بالحياة المدرسية la vie scolaire في أدبيات التشريع المغربي التربوي تلك الفترة الزمنية التي يقضيها التلميذ داخل فضاء المدرسة، وهي جزء من الحياة العامة للتلميذ/ الإنسان. وهذه الحياة مرتبطة بإيقاع تعلمي وتربوي وتنشيطي، متموج حسب ظروف المدرسة وتموجاتها العلائقية والمؤسساتية. وتعكس هذه الحياة المدرسية مايقع في الخارج الاجتماعي من تبادل للمعارف والقيم، وما يتحقق من تواصل سيكواجتماعي وإنساني. وتعتبر"الحياة المدرسية جزءا من الحياة العامة المتميزة بالسرعة والتدفق، التي تستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية والقيم الاجتماعية والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي يعرفها المجتمع، حيث تصبح المدرسة مجالا خاصا بالتنمية البشرية. والحياة المدرسية بهذا المعنى، تعد الفرد للتكيف مع التحولات العامة والتعامل بإيجابية، وتعلمه أساليب الحياة الاجتماعية، وتعمق الوظيفة الاجتماعية للتربية، مما يعكس الأهمية القصوى لإعداد النشء، أطفالا وشبابا، لممارسة حياة قائمة على اكتساب مجموعة من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة".
ومن الحلول التي نعتبرها شكلية للحد من ظاهرة الصراع الطبقي توحيد الزي المدرسي وفرضه إجباريا على جميع التلاميذ ، ومساعدة المتعلمين المعوزين الذين يوجدون بالمؤسسة ، وهنا نستدعي دور جمعية الأنشطة الاجتماعية والتربوية والثقافية باعتبارها فاعلا مشاركا ؛ لأنها تنشط في مجالات متعددة، تساعد التلاميذ الفقراء وتلبي حاجياتهم المادية وتقدم للتلاميذ المتعثرين دراسيا حصصا في الدعم والتقوية، وتنظم للمجتمع المدرسي محاضرات وعروضا، وتمنح للتلاميذ المتفوقين جوائز تشجيعية، وغيرها من الأنشطة الاجتماعية والتربوية والثقافية.
و تتوفر المؤسسة على عدة مجالس يمكن أن تساهم في إثراء المؤسسة وتفعيلها على جميع المستويات والأصعدة مع لم المتعلمين في بوتقة اجتماعية واحدة كالمجالس التعليمية والفرق التربوية التي تحتل مكانة بارزة في تنظيم الحياة المدرسية وتنشيطها، وتتمثل في إبداء الملاحظات والاقتراحات حول البرامج والمناهج، وبرمجة مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، وتحيين الإمكانيات والتدابير اللازمة لتنفيذها وغير ذلك من الأعمال التنظيمية والتربوية ، وإن "اعتماد الفرق التربوية بمختلف الأسلاك كآليات تنظيمية وتربوية لمن شأنه أن يقوي فرص نجاح التغييرات المرغوب فيها، ولضمان فعالياتها وانتظام أنشطتها تحدد بشكل دوري مهام هذه الفرق وطبيعة أعمالها ووظيفتها الاستشارية في تنشيط الحياة المدرسية...." .
ولكن أهم مجلس يقوم بدور كبير وفعال من أجل خلق فضاء مدرسي متجانس ومتعايش نذكر: مجلس التدبير. إذاً، ما أدوار هذا المجلس واختصاصاته؟
تتمثل المهام المسندة لمجلس التدبير في اقتراح النظام الداخلي للمؤسسة التعليمية في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية والقانونية المعمول بها ، ولن يكون هذا النظام الداخلي مقبولا وفعالا حتى تتم المصادقة عليه من قبل الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين.
ومن الاختصاصات الأخرى للمجلس دراسة برامج عمل كل من المجلس التربوي والمجالس التعليمية والمصادقة على المقترحات المرفوعة من قبل هذه المجالس الموازية وإدراجها ضمن برنامج عمل المؤسسة المقترح من قبله، بله عن تسطير برنامج عمل سنوي يخص أنشطة المؤسسة وتتبع مراحل إنجازه لتفعيل الحياة المدرسية وتنشيطها حسب مقتضيات الميثاق الوطني والمذكرات الوزارية التي تنص على تنفيذ الحياة المدرسية داخل المؤسسة التعليمية في علاقة مع الفاعلين الداخليين والخارجيين.
ومن الاختصاصات الأخرى التي يتكفل بها مجلس التدبير الاطلاع على القرارات الصادرة عن المجالس الأخرى ونتائج أعمالها واستغلال معطياتها للرفع من مستوى التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة. ويقوم المجلس أيضا بدراسة التدابير الملائمة لضمان صيانة المؤسسة والمحافظة على ممتلكاتها، وإبداء الرأي بشأن مشاريع اتفاقيات الشراكة التي تعتزم المؤسسة إبرامها، ودراسة حاجيات المؤسسة للسنة الدراسية الموالية، والمصادقة في الأخير على التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط المؤسسة وسيرها، والذي يتعين أن يتضمن لزوما المعطيات المتعلقة بالتدبير الإداري والمالي والمحاسباتي للمؤسسة.
هذا، و يقوم مجلس التدبير بعدة وظائف أساسية ومهمة كتنمية المؤسسة التربوية داخليا وخارجيا، وخلق موارد ذاتية بشراكة مع المؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني كشركاء فاعلين أساسيين، ودعم سياسة اللامركزية واللاتمركز ، وإشراك جميع الشركاء في العملية التربوية، وتحسين جودة التعليم داخل المؤسسة من خلال العناية بفضائها الداخلي ومحيطها الخارجي، وإعداد برنامج عمل سنوي للأنشطة المزمع القيام بها في مختلف المجالات.
ويساهم التعليم بالكفايات والتعليم بالمجزوءات في تحقيق مدرسة مبدعة تتميز بالجودة الكمية والكيفية التي بواسطتها يتم القضاء على اللاتجانس التربوي ودرء الهوة المتسعة بين أبناء الطبقتين : الشعبية الفقيرة والبورجوازية الثرية. ومن ثم، فالتعليم المجزوئي تعليم قائم على بيداغوجيا الكفايات التي تستهدف البحث عن القدرات الكفائية لدى المتعلم عبر أداءات وإنجازات طوال سيرورة التعلم ووضعه في وضعيات معقدة أو أقل تعقيدا لاختبار أدائه السلوكي وتقويم كفاءاته وقدراته في التعامل مع مشاكل الواقع المحيطة به. ويراعي هذا التعليم الفوارق الفردية وينكب على ظاهرة اللاتجانس من خلال دراسة كل حالة فردية ودعم كل متعلم وتحفيزه على إبراز قدراته وميولاته واستعداداته سواء في حلقة واحدة أم في حلقات متعددة متواصلة ؛لأن المقياس هنا ليس هو الدرس الذي ينتهي داخل حصة زمنية محددة كما في التعليم الموسوعي، بل الحلقة الديداكتيكية المتوالية التي تمتد عبر حصتين فأكثر.
ومن الحلول الأخرى لتفادي مدرسة الفوارق الطبقية والاختلال الاجتماعي اللجوء إلى دمقرطة التعليم ، ويطلق هذا المفهوم على"العملية التي يتم بموجبها توفير الموارد البشرية والمادية والمالية الضرورية داخل الوسط المدرسي لنقل المعارف إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص. يضاف إلى ذلك اقتناع السياسة التربوية واعتراف بما يترتب عن هذا التوجيه."
ويمكن تحقيق دمقرطة التعليم عن طريق تحقيق مفهوم تكافؤ الفرص الذي صار شعارا جميع الشعوب سواء أكانت متقدمة أم نامية منذ 1948م مع تبني هيئة الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتضمن لمادتين أساسيتين:" لكل شخص الحق في التربية والتعليم اللذين يجب أن يكونا مجانيين على الأقل فيما يخص المرحلة الابتدائية والتربية الأساسية ، و" لكل شخص الحق بالمشاركة بحرية في الحياة الثقافية للمجموعة"، فهاتان المادتان تشيران إلى الحق في التربية والتعليم للجميع.".
وإلى جانب مجموعة من الحلول المقترحة التي أجملناها في تعميم التعليم وتوحيده وتحقيق الجودة ودمقرطة التعليم، نرفض أن تتحول المؤسسة التربوية إلى مؤسسة الثكنة أو فضاء بيروقراطي يكرس التمييز العنصري ، ويؤجج الصراع الطبقي، أو يتم إصلاحها خارجيا ، بل ينبغي أن يكون الإصلاح داخليا قائما على مبادئ البيداغوجيا المؤسساتية PIDAGOGIE INSTITUTIONNELLE التي نظر لها كل من أوري OURY ولوبرو LOBROT ولاپاساد LAPASSADE . ومن المعروف أن المدرسة المؤسساتية اتجاه ظهر في فرنسا يعتبر أن الإصلاح:" يجب أن يمر عبر المؤسسة، بالإضافة إلى البنيات الاقتصادية والاجتماعية ، ومن ثمة يجب الاهتمام بمفهوم الإدارة الذاتية والتسيير الذاتي من أجل تحقيق الاستقلال الذاتي للمتربين في إطار مؤسسي مفتوح".
إذاً، ترفض هذه البيداغوجية الجديدة المدرسة الثكنة التي تخنق التلميذ بنظامها الانضباطي البيروقراطي الذي يحد من حرية التلميذ، فتتحول المدرسة إلى صندوق أسود أو إلى ثكنة عسكرية لاتؤمن إلا بالنظام والانضباط على حساب حرية التلميذ ولعبه وأنشطته الثقافية والفنية والرياضية والعلمية. لهذا تقترح البيداغوجيا المؤسساتية مدرسة مرنة ومنفتحة تنبع قوانينها من التفاعل الداخلي لأفرادها قصد الانتقال بالمدرسة من مؤسسة التلقين والتوجيه والانضباط الوحشي نحو مؤسسة إبداعية فاعلة وفعالة مبدعة ومبتكرة تسعى إلى تحقيق التقدم والازدهار.
ولا ننسى كذلك أهمية الشراكة التربوية وخلق مشاريع المؤسسة لتنمية المؤسسة التربوية وإزالة تناقضاتها الاقتصادية والاجتماعية الصارخة ؛لأن المدرسة جزء من المجتمع ومرآة صادقة تعكس سلبياته وتفاوتاته الطبقية الصارخة التي يجسدها المتعلمون داخل الساحة المدرسية أو داخل الصف الدراسي.
ومن الحلول المقترحة لتفادي الظاهرة الصراعية داخل الفضاء التربوي المطالبة الفورية بتنفيذ قانون سيگما SIGMA الذي دعا إليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين لمد المؤسسة التعليمية بميزانيتها السنوية، وكل ذلك من أجل تدبير شؤونها الداخلية وإنجاح برامجها التنشيطية دون اللجوء إلى الاستجداء والتوسل المخزي تحت شعار "الشراكة".
كما أن تفعيل التواصل سواء أكان لفظيا أو غير لفظي يمكن أن يذيب جميع الصراعات الموجودة داخل المؤسسة التعليمية عن طريق اختيار كل الأنماط التواصلية الحميمية القائمة على التعاون والأخوة والمشاركة الجماعية والتعاطف والتعايش الصفي أو المؤسسي دون نبذ أو إقصاء أو تهميش، ويمكن أن يتحقق هذا النوع من التواصل عن طريق تخفيف الأقسام من الاكتظاظ و تبني طريقة التفويج لتسهيل عملية التبادل والتواصل أفقيا أو عموديا أو دائريا، وتقسيم التلاميذ إلى فرق ومجموعات وفئات متجانسة لتحقيق النتائج المثمرة من عملية التفاعل والتواصل المدرسي.
وخلاصة القول: تدرس سوسيولوجيا التربية الأنشطة التي تقام داخل المدرسة وترصد التفاعلات الاجتماعية والنفسية التي تتم داخل النسق التربوي في المؤسسة التعليمية ، كما تعكس تأثيرات المجتمع على المدرسة والتلاميذ والمدرسين ورجال الإدارة التربوية. وهناك من يعرف هذا العلم بأنه يقوم على:" دراسة أشكال الأنشطة التربوية، كأنشطة المدرسين والتلاميذ والإداريين داخل المؤسسة المدرسية. كما يقوم بوصف طبيعة العلاقات والأنشطة التي تتم بينهم. كما يهتم علم الاجتماع التربوي بدراسة العلاقات التي تتم بين المدرسة وبين مؤسسات أخرى، كالأسرة، والمسجد، والنادي. كما يهتم بالشروط الاقتصادية والطبيعية التي تعيش فيها هذه المؤسسات ، وتؤثر في شروط وجودها وتعاملها."
وعليه، فإذا كانت المقاربة الصراعية ترى أن المدرسة مؤسسة لا تعكس سوى الصراع الجدلي والتفاوت الاجتماعي والطبقي ، كما أن العلاقات الموجودة بين تلاميذ الطبقة الشعبية الفقيرة والطبقة البورجوازية ما هي إلا انعكاس لتقسيم العمل و استجلاء تناقضات المجتمع الرأسمالي أو المتخلف ، وتجسيد لمختلف الصراعات الاجتماعية والطبقية والإيديولوجية بين الطبقة الحاكمة أو السائدة والطبقات المغلوبة على أمرها. ومن ثم، فالمدرسة بدورها ليست بريئة أو محايدة، بل هي فضاء لتلاقي الأيديولوجيات واختلاف المصالح.
لكن نظرية الانسجام والتكامل تؤمن بوحدة المؤسسة وتكاملها مع المجتمع في تكوين أطر قادرة ومؤهلة سواء أكانت من الطبقة الاجتماعية السائدة أو الفقيرة مادام الهدف هو خدمة الوطن والأمة ، وأن الوظائف متوفرة للجميع عن طريق الشواهد والدبلومات والمباريات التي تنظمها الدولة أو المؤسسات الخاصة.
ولتفادي كل أنماط الصراع داخل المؤسسة التربوية نلتجئ إلى مجموعة من الحلول الشكلية والجوهرية كتوحيد الزي وتطبيق الحياة المدرسية وتفعيل المجالس الداخلية وتنشيط المؤسسة وتمثل بيداغوجيا الكفايات وإثراء التواصل بكل أنواعه وتطبيق المجزوءات وبيداغوجيا الفارقية وسياسة الدعم التربوي واللجوء إلى بيداغوجيا الجودة والشراكة وخلق مشاريع المؤسسة وتفعيل نظام التمويل الداخلي للمؤسسة على غرار الاستقلال المالي للجامعة.


sam 55 13-11-2008 01:32

جزاك الله خيرايا أخي على هذا الموضوع المفيد

ELMEHDI 13-11-2008 14:48

موضوع جدير بالاهتمام.شكرا جزيلا أخي...

larbi_boujallaba 14-11-2008 11:38

مشكور أخي على هذا الموضوع الشيق والمفيد. لكن ما يلاحظ عليه هو أنه طويل، الأمر الذي
يؤدي الى ملل القارئ..والعزوف عن قراءته،مما قد يجعله لا يحقق المقصود منه.
وأخيرا ، تقبل مني فائق الاحترام والتقدير على المجهودات التي بذلتها من أجل تهييئ واعداد
هذا الموضوع القيم.....فشكرا مرة أخرى وجزاك الله كل خير .

mouftarad 15-11-2008 15:40

شكرا جزيلا على الموضوع .


الساعة الآن 13:53

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها