تعليم و تربية الأطفال بالقصةانطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية (*)
تعليم و تربية الأطفال بالقصة انطلاقا من تجربة ميدانية حقيقية (*) بقلم : عبد المجيد التجدادي ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ تقديم : تعتبر القصة من الآداب الجميلة المحببة عند العموم ، سواء أكانوا صغارا أم كبارا . و كلما كانت القصة جيدة الفكرة و الأسلوب و مقنعة كلما كانت أكثر إثارة و جاذبية . و يتمثل بناء القصة المبسط في ثلاث مراحل أساسية : مقدمة ، و عقدة و حل . فالمقدمة مدخل قصير للقصة ، تليها بعد ذلك حوادث و صراعات تصل ذروتها في العقدة ، ثم تتدرج فيما بعد نحو الحل في نهايتها . و تتنوع أشكال القصص بشكل كبير ؛ منها المقروءة ، و المرئية و المسموعة . أما بالنسبة للأطفال فإن القصة وسيلة تربوية و تعليمية ذات تأثير عظيم ؛ فهم ينتبهون إليها مختارين انتباها عجيبا يغيب في سواها ــ راقبهم مثلا عند عرض أفلام الرسوم المتحركة . و لعل الشعوب بمختلف درجات رقيها فطنت في وقت مبكر إلى الدور الكبير للقصة في تربية و تعليم الأطفال ؛ فحتى يضمنوا استمرارية الأعراف و القواعد المنظمة لحياتهم و احترامها من طرف الجميع ، جعلوها في قوالب قصصية باختراع حكايات شعبية تحكيها العجائز للأطفال تُسَرّبْن عبرها ضمنيا و دون عناء مختلف الأعراف إلى نفوسهم ، لهذا نجد مثلا أن هناك فرقا بين سلوكات أطفال البوادي و المدن في علاقة كل منهما بمحيطه ( قارن مثلا بين سلوكات عدد من أطفال المدن الذين فوض أمرهم للتلفاز و سلوكات عدد من أطفال البوادي الذين لم يتقاعد بعد أولياؤهم عن سرد الحكايات ) . أهداف القصة : و للقصة أثر بالغ في تكوين شخصية الطفل من مختلف جوانبها ، و نخص بالذكر القصة المسموعة ، لأنها يسهل التحكم فيها من طرف القائم بمهمة التربية . و يمكن بها أن تتحقق عدة أهداف دون عناء ، نذكر منها أساسا : ــ إغناء الرصيد اللغوي للطفل ؛ اختيار القصة : قبل إلقاء القصة على التلاميذ ، لا بد أولا من اختيار القصة المناسبة ، و من بين الأمور الواجب مراعاتها في هذا الاختيار : ــ أن ترمي القصة إلى فوائد أخلاقية و أدبية و علمية مقصودة و هادفة ، و ليس قصصا عبثية سخيفة ( أنظر مثلا عبثية العديد من الرسوم المتحركة الحديثة حيث الشكل البراق المثير و المضمون الهزيل المجنون ) ؛ إلقاء القصة : مرحلة إلقاء القصة مرحلة مهمة جدا و حاسمة ، يجب إذن على المربي أن يكون مستعدا لها استعدادا كافيا ؛ إنه مطالب بالتفنن لشد انتباه الأطفال و جعلهم يستمتعون و يستفيدون في آن واحد . و نقترح إتباع الخطوات التالية : ــ البحث عن القصص المناسبة كيفما كانت مصادرها تراثية أم حديثة ، شفهية أم مكتوبة ؛ ثم استيعابها مع مرونة التصرف فيها بالحذف أو الإضافة أو التغيير حسب الفائدة التي يراها المربي ( و هذه إحدى نقط قوة هذا النوع من الحكي ) كما أنه ليس ملزما بحرفية النص فيما يتعلق باللغة ؛ إن هذه المقالة التي أعرضها عليكم هنا بحماس هي خلاصة لتجربة ممتعة خضتها بالتعليم الابتدائي في القسمين الأول و الثاني في مناطق قروية يتكلم أهلها الأمازيغية ، أما أطفالها فالأمازيغية فقط . ففي القسم الأول كنت أخصص حيزا زمنيا لرواية قصص أجتهد في البحث عنها أنى أمكنني ذلك ( قصص الأنبياء ، و قصص عطية الأبرشي ، و قصص أخرى مستمدة من التراث المغربي ، إلخ ) ؛ و لعجيب ما رأيت أن الأطفال كانوا يتجاوبون معي تجاوبا عجيبا و يحثون بعضهم البعض على الإصغاء ..؛ مثال على ذلك التجاوب أني كنت مرة أحكي لهم قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام ، فلما وصلت إلى حدث الذبح و وضع السكينة على رقبة إسماعيل لمحت من طرف خفي تحديقات الأطفال و أحسست من خلال وجوههم بخفقات قلوبهم لهول هذه اللحظة من القصة ، بل إن إحدى التلميذات أسرعت بوضع يديها على وجهها خوفا و إشفاقا ..، و بعد برهة صمت جُلت خلالها بعيني على الفصل تابعت القصة بحدث كبش الأضحية المنزل من السماء فانفرجت أسارير الجميع فرحا بالنجاة ... أما في القسم الثاني ، فقد اتبعت نفس النهج السابق ، غير أني أضفت إليه هذه المرة توزيع القصص على التلاميذ للمطالعة مع مطالبتهم بحكي ما استوعبوه منها على زملائهم ، فكانت النتيجة مشجعة للغاية ؛ ففي آخر السنة ، و بعد العودة من عطلة قصيرة ، كلفت التلاميذ داخل الفصل بكتابة موضوع إنشائي يحكون فيه عن عطلتهم تلك كيف قضوها ، فكتب جلهم مواضيع تجاوزت الصفحة ( و الصفحتين عند بعضهم ) و بلغة عربية أحسن بكثير مما قد تجده عند تلاميذ مستويات أعلى . أبانوا في مواضيعهم تلك عن رصيد لغوي ممتاز الأكيد أنهم حصلوه من خلال تجربة القصص ، كما أبانوا عن أسلوب طفولي ممتع عبروا من خلاله باللغة العربية حتى عن أحاسيسهم ... و تخيل معي لو أن التجربة رافقتهم إلى بقية المستويات كيف سيكون هؤلاء ... أنهي مقالتي هذه بملاحظة أساسية أود من الإخوة الذين يرون في خلاصة تجربتي فائدة أن يهتموا بها و يتأكدوا من فعاليتها في العمل : إنها الحرص الشديد على التحدث مع التلاميذ في مختلف الحصص و المواد باللغة العربية الفصحى ، بل و في مختلف تفاصيل الأنشطة الدراسية ؛ قد يبدو الأمر مبالغا فيه أو غير ذي جدوى ، لكن هذه هي الحقيقة ، فقد عوّدت نفسي و صبرتها على ذلك و الفائدة لا شك واقعة : فالعربية هي لغة التواصل الأساسية التي تدرس بها كل المواد طيلة الحياة الدراسية للتلميذ بالابتدائي ــ باستثناء الفرنسية ــ و هي بذلك أساسية لفهم و استيعاب بقية المواد الدراسية ، لهذا فإنني لا أحصر العربية الفصحى في أوقات من حصص التعبير والقراءة و الخط بل إنني أوظفها طيلة الحصص طيلة السنة ..، و إنني لم أجد في ذلك أية صعوبات في التواصل مع التلاميذ ذوي اللسان الأمازيغي بل إنهم استفادوا أكثر مما استفاد غيرهم الذين يتعلمون العربية الفصحى في التعبير و القراءة ، و الدارجة في كل المواد !... و الدليل ما سبق ذكره ... جرب و سترى إنشاء الله ... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ (*) ــ نشرت هذه المقالة بجريدة المحجة المغربية ، العدد 272 ، 02 مارس 2007 ، ص 14 . كما نشرت بمجلة المعرفة السعودية ، العدد ، ، ص ؛ بعنوان : . (1) ــ الدكتور محمد يوسف نجم : » فن القصة « ؛ نشر دار الثقافة ، بيروت ؛ الطبعة السابعة 1979 . ص 53 ـ 54 |
موضوع قيم و متكامل مشكور اخي على تعميم الفائدة من خلال اطلاعنا عاى تجربتك الميدانية و ماذكرته فعلا يمكن تحقيقه بشئ من الصبر و العزيمة
حتى على مستوى البرامج هناك ادراج للقصة خاصة في دروس الاداب الاسلامية حيث انها تسهل عملية التواصل مع المتعلم بشكل مبهر وفقك الله اخي |
|
شكرا أخي على المساهمة |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكرا جزيلا لك سيدي |
الساعة الآن 22:06 |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها