منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

كيف يستمر شاعر معاصر في كتابة قصائده حسب الأوزان التقليدية،التي ضت عليها عدة قرون؟ إنه السؤال الذي دفع بالشعراء العرب،في منتصف القرن العشرين،إلى تأسيس نمط شعري جديد،وإلى الثورة على التقاليد.هكذا ظهرت "قصيدة التفعيلة"التي تخلصت من وطأة بحور الخليل.وكان العراقيان بدر شاكر السياب و نازك الملائكة من روادها الكبار...ثم جاءت"قصيدة النثر"لتُعلن الخلاص النهائي من الأوزان.
ثورة في القول الشعري
إن معاناة الشعوب العربية من الإستعمار،إضافة إلى نكبة فلسطين(1948)،جعلت الشعراء يرتبطون بالواقع و مستجداته.كما أن الشعر الغربي كان له أثره الملموس على القصيدة العربية الجديدة.هكذا ظهر شعر جديد يعتمد التفعيلة عوض الاوزان التقليديةوقد أطلقت عليها الشاعرة العراقية نازك الملائكة (المزدادة سنة1923)تسمية الشعر الحر.وإن كانت هذه التسمية غير دقيقة:فالشعر الذي كتبته نازك الملائكة وبدر شاكرالسياب وعبد الوهاب البياتي في العراق، وصلاح عبد الصبور في مصر،لم يكن"حرا" تماما،بل بقي مقيدا بأوزان معينة،رغم أنه تخفف من القيود الصارمة للشعر التقليدي.
أما القصيدةالحرة الحقة، فهي التي ستظهر في مجلة "شعر" اللبناية(التي أسسها يوسف الخال).و ذلك على يد شعراء مثل السوري محمد الماغوط و اللبناني أنسي الحاج...وقد أطلق أدونيس على القصيدة المتحررة من الوزن تسمية"قصيدة النثر".والحال أنه يجب التمييز بين "القصيدة الحرة"(التي تكتب في أبيات متوالية)،و "قصيدة النثر"(التي تكتب مثلما مقطوعة نثرية).و سرعان ما انتشرت"قصيدة التفعيلة" في العالم العربي(من روادها في المغرب:أحمد المجاطي و محمد السرغيني)،مثلما انتشرت "القصيدة الحرة" و "قصيدة النثر)
أزمنة جية،أزمنة التمرد
مع نهاية عهد الاستعمار،تعمق المد التحرري،وهو ما جعل الشعراء العرب يكتسبون وعيا جديدا بواقعهم يضاف إلى ذلك نكبة فلسطين عام1948.لقد أخذ الشعراء على أنفسهم أن يكونوا مرتبطين بالشعب المتمرد،معبرين عن آماله،وعن توقه إلى الحرية.هكذا أصبحت القصيدة"ملتزمة" ولم تعد عملا فنيا خالصا،إذ بات لها موقعها المهم في الصراع.وقد بدأ الشعر الجديد في العراق،معتمدا التفعيلة عوض الاوزان التقليدية،كما سبقت الاشارة الى ذلك.وفي هذا البلد،بواقعه المرير،كان الشعر أكثر عنفا مما هو عليه في لبنان أو في مصر.وما لبث هذا الشعر الجديد أن انتشر في كافة البلدان العربية.
ويعتبر العراقي بدر شاكر السياب(1926-1964)واحدا من أهم المجددين.و شعره مفعم بمشاعر الالم وروح التمرد:
- أتعلمين أي حزن يبعث المطرْ؟
وكيف تنشج المزاريب إذا انهمر؟
و كيف يشعر الوحيد فيه بالضياع؟
بلا انتهاء-كالدم الراق،كالجياع
كالحب كالأطفال،كالموتى-هو المطر!
(...)
أكاد أسمع العراق يذخر البروق و الوعود
و يحزن البروق في السهول و الجبال
حتى إذا ما فض عنها خَتْمَها الرجال
لم تترك الرياح من ثمود
في الواد من أثر.
أما العراقية نازك الملائكة،فقد أحرزت شهرة مستحقة إثر نشر ديوانها"شظايا و رماد"سنة 1949،الذي خصته بمقدمة،تضمنت تصورا عميقا للتحولات الشكلية في الشعر العربي الحديث.وقد نشرت نازك الملائكة واحدة من أولى القصائد المكتوبة بهذا الشكل الجديد،وهي قصيدة "كوليرا"، فأكدت بذلك ريادتها للشعر الحديث.