منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   القصص والروايات (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=75)
-   -   نهاية مسار (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=84123)

lamgharir11 20-04-2009 21:58

نهاية مسار
 
وقف التلاميذ وقفة احترام وإجلال لأستاذهم سى احمد ؛ مرددين بصوت تنبعث منه البراءة : صباح الخير يا أستاذ.رد عليهم والابتسامة لا تفارق محياه :أنعمتم صباحا...ووضع المحفظة فوق مكتبه ؛وارتدى وزرته الناصعة البياض .ثم توجه نحو السبورة ليكتب بخط واضح تاريخ اليوم :الاربعاء 31 دجنبر 2008...
أخرج من محفظته وثائقه اليومية وتأكد من حضور كل التلاميذ.وكتب قطعة نثرية على السبورة...تلاها وتلاها التلاميذ من بعده . وشرحها لهم شرحا أهلهم لاستيعابها.واستفسرهم حول فحواها ومدلول بعض الكلمات في سياق النص وخارجه ؛ وكان يزداد سرورا كلما ازدادت رغبة المتعلمين في الإجابة.
مُسِحَت السبورة وعلقت بها خريطة المغرب...الوطن الحبيب...وبعد استفسار المتعلمين عما سبق من دروس..تهاطلت الاجوبة تهاطل الامطار...واستبشر سى احمد خيرا لما لمسه من تجاوب مع متعلميه...ولما لاحظه من بريق في عيونهم..بريق الجد والاجتهاد والتفاؤل..نعم التفاؤل لمغرب أفضل..مغرب الغد..وكان يتنقل بنظراته بين التلاميذ والخريطة...وفي قرارة نفسه أمل...أمل أن يتبوأ كل تلميذ منصبا في نقطة داخل الخريطة...أمل ناضل سى احمد من أجله مدة طويلة تزيد على واحد وأربعين سنة من العمل في حقل التعليم الابتدائي...
جال سى احمد في الخريطة طولا وعرضا..شارحا مفاهيم جغرافية...موضحا ما غمض منها..مع إشراك جميع تلاميذه وتلميذاته في بناء الدرس...الذي كانت نتائجه إيجابية..
دق جرس الاستراحة وخرج التلاميذ إلى الساحة..وكعادته خرج سى احمد من الحجرة ودخل بستانه الصغير؛ وتعهد بعض الورود والأزهار..ولامسها وشم ترابها وعطرها وسقاها بماء...ثم اقتربت منه قطة الحارس تموء وداعبها كعادته كل يوم..وقدم لها قطعة خبزوانصرفت....
أما التلاميذ فقد لاحظوا حركة غيرعادية في مدرستهم..لاحظوا أن كل الأساتذة متواجدون ببهو كبير تحت الحجرات ؛ويرتبون الكراسي والطاولات..استغرب التلاميذمن ذلك.قال أحدهم : ربما سيزور البهلواني مدرستنا وسيتحفنا بأنشطته ورقصاته البهلوانية مجانا...ردت عليه تلميذة :ربما سينظم الأساتذة أمسية ثقافية نتسابق فيها عبر الأسئلة ؛ويحرز المجتهدون على جوائز...قال أشرف وهو عضو بتعاونية المدرسة : من الثامنة ونحن نساعد أساتذتنا ونتعاون معهم في ترتيب البهو..وقد دخلت الادارة في مهمة كلفني بها أحد الأساتذة ؛فشاهدت الأستاذة صفاء تبكي والمنديل في يدها تجفف به دموعها.وبجانبها بنتها لمياء وهي تبكي أيضا.علينا ان ننتظر خروج صديقتنا لمياء فلها الخبر اليقين..قال رسيد ابن الحارس :لقد نظف ابي حجرة المطعم ليلة البارحة وهي مملوءة بأطباق متنوعة من الحلويات وبصناديق المشروبات..وبعض الهدايا...بعد حين خرجت لمياء من الادارة..وتجمع حولها الأصدقاء فأخبرتهم أناليوم هو آخر يوم لنا مع الأستاذ سى احمد.لقد أشرف على التقاعد وسيغادرنا لامحالة...اندهش الاطفال للخبر وبكى بعضهم وبكت لمياء أكثر...
دخل التلاميذ الحجرة التي تحولت إلى مبكى ؛وهدأهم سى احمد وقبلهم واحدا واحدا..ومر بين الصفوف.وأخبرهم أنه سيغادرهم اليوم..وأن مهمته انتهت..وسألوه عن بكاء الاستاذة صفاء ولمياء بنتها..فأجابهم أن صفاء كانت إحدى تلميذاته في أول عهده بمهنة التعليم...وكانت مجتهدة في عملها ...وتخرجت أستاذ ة في هذه المدرسة ..وتزوجت وأنجبت لمياء صديقتكم التي هي الان تلميذتي...ولدي مفاجأة لكم وهي صورة الاستاذة صفاءوهي تلميذة مثلكم ..مرر الأطفال الصورة بينهم وقبلتها لمياء بحرارة وأدرفت الدموع....هذه هي سنة الحياة يا أبنائي..لكل شيء نهاية..ووصيتي لكم احترام الاساتذة..والجد والاجتهاد..والتعاون فيما بينكم...
حول سى احمد نظره إلى الصورالمتبتة على الجدران ؛ وتأملها واحدة واحدة كأنه يودعها...وتأمل المتحف..وتأمل وجوه التلاميذ....وهو كذلك..دخل المديروسلم على سى احمد وتكلم معه...وأخبرنا بضرورة الحضور مساء اليوم للمشاركة في حفل تكريم الأستاذ سى احمد....
جمع سى احمد وثائقه في المحفظة..وخلع وزرته..وسلم على التلاميذ على أمل اللقاء في حدود الساعة الثالثة بعد الزوال..وغادر المدرسة يتأبط المحفظة...وعند وصوله إلى البيت ؛تفاجأ لما رأى أربع سيارات أمام المنزل...لا شك أنهم ضيوف ؟
نعم ؛لم يكن الضيوف إلا أبناؤه؛وقد تلقوا الدعوة من إدارة المدرسة لحضور حفل تكريم والدهم ؛ فلبوا الدعوة متحملين مشاق السفر...:* هاهوابنه الأكبر كريم المهندس يعانق أباه عناقا حاراويقبل يده ..وبعده تقف زوجته الاستاذة زينب..وتقبله وتقدم له حفيدته الثانية ...*وتقف بنته صفيةالطبيبة العسكرية وزوجها الضابط فؤاد ليقدمان له تحية عسكرية...*أما ابنه المدلل سامي أستاذ الفلسفة يقف هو الآخرليسلم على أبيه...*وتخرج سعاد المحامية من المطبخ لتصافح والدها وتعتذر له عن غياب زوجها...
ابتسم سى احمد في وجوه أبنائه؛واستفسرعن الأحوال والأحفاد..وعن سير الدراسة.وعن العمل...وبما أن سامي هوآخرالعنقود وهو المدلل الوحيد ؛فقد جلس بجانب أبيه وتكلم معه في أمور الزواج .....وأحضرت الأم الطعام مرحبة بأبنائها وأزواجهم..
وبعد ان انتهى الجميع من الأكل ..صلى سى احمد ركعتين حمدا لله على إنهاء مشواره المهني بتفان وإخلاص..وحمد الله الذي رزقه ذرية صالحة جنى ثمارها...ودعا لهم بالفلاح والنجاح في أعمالهم...وتكلم معهم في مواضيع عدة ومتنوعة..
الساعة تشير إلى الثانية والنصف بعد الزوال..وقف سى احمد وودع ابناءه على أمل اللقاء بهم بعد نصف ساعة بالمدرسة..ومن عادته أنه يحب المشي بعد الأكل دائما..
خرج سى احمد من البيت متوجها إلى المدرسة..ووجهه يفيض بهجة وسرورا بهذا اليوم السعيد الذي التقى فيه جميع ابنائه .وفي الطريق كان يسلم على من لقيه ويرد التحية ..ويبتسم في وجوه التلاميذ...ورأته تلميذة من تلميذاته من بعيد وجرت نحوه وهي تحمل وردة تريد إهداءها له..ولم تر سيارة آتية بسرعة جنونية... قفز أستاذنالإنقاذ الطفلة ورمى بها لكنه تعرض لما لم يكن في الحسبان....حيث سقط على ظهره والابتسامة تعلو محياه والوردة على قلبه...
هرع الجميع إلى مكان الحادث...وبكى الجميع...وبكى التلاميذ أكثر...وتلقى أبناؤه العزاء...
وبعد صلاة العصر...مرت جنازة أمام المدرسة...شارك فيها كثير من الناس وأغلبهم تلاميذ المرحوم سى احمد...وفي الغد أقيم حفل تأبين الأستاذ داخل المدرسة بحضور أبنائه وأصهاره وجميع التلاميذ والاساتذة...وتحولت حجرته إلى نادي للمطالعة...ساهم أبناؤه في تجهيزها وتأتيتهاوملئها بالكتب والقصص..وحملت اسمه./.
رحمك الله يا سى احمد.....



tayf lmaghrib 20-04-2009 22:40

أسلوب مشوق .. أثار شجني .. انسربت دمعت من عيني .. سأغادر الآن .. لي عودة إن شاء الله
تقديري

lamgharir11 21-04-2009 05:17

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة tayf lmaghrib (المشاركة 606314)
أسلوب مشوق .. أثار شجني .. انسربت دمعت من عيني .. سأغادر الآن .. لي عودة إن شاء الله
تقديري


هكذا أردتها أن تكون...قصة مثيرة...ومصورة لرجل تعليم ذي ضميرحي ويقظ...أفنى عمره في خدمة الوطن...وتحمل المسؤولية إلى آخر دقيقة...وربى أبناءه تربية حسنة جعلتهم يتبوؤون مراتب عليا في سلم الوظيفة...
قصة أردتها أن تكون قدوة لمن أراد أن يقتدى...وما جزاء الاحسان إلا الاحسان...
أشكرك أختي طيف على التتبع ...وعلى رقة القلب...الذي أدرف دمعة...ونحن ندرف دموعا على من لا ضمير له....

علال ابن الشرق 21-04-2009 07:01

السلام عليكم ؛
أيها الأخ الكريم قد أحسنت صنعا بهذا الطرح ، وإني لألمس فيه بعض الحقيقة..
سي أحمد نموذج لرجل تعليم أفنى زهرة شبابه مشتعلا يضيء درب أجيال من الصغار بينما يحترق هو كشمعة بيضاء تبتسم من فرط الألم..ثم إن عطاءه لازال مستمرا حتى 31 / 12 ، وهو آخر يوم من مشواره ، ولا شك أن إخلاصه في رسالته وتفانيه في العمل كانا سببا في صلاح ذريته ونجاحها ..وبعد أن أنهى المهمة راح فداء تلميذة من بنات يده.. لينقلب الحفل مأتما..تلكم الشهامة حين لا تخطئ العنوان..
تقنية سردك مميزة ، وأسلوبك جزل ؛ وإشاراتك موفقة : الوزرة الناصعة البياض ، خريطة الوطن الحبيب ، ...دخل بستانه بعد الخروج من الحجرة ،...
تقبل المودة ..

ضيف المنتدى 21-04-2009 08:05

لقد صدق من قال :المعلم شمعة تحترق لتنيرللآ خرين .
رحم الله سي أحمد ،وانالله وانا اليه راجعون .
بدأ نهاره بوقوف التلاميذ احتراما له ،وأنهاه واقفين على جثته يوم تكريمه والوردة تحمل قبلات توديعه .
قضى حياته عبدا للقسم ومات فداء للتلميذ .
مات سي أحمد بعدما ترك ارثا ثقافيا وبشريا ،كما ترك سمعة قادرة على مسح خطايانا .
مات ولم يكن يفكر لا في الترقية ولا في الادماج .فادماجه كان ذريته الصالحة ،وترقيته كانت الشهادة في سبيل انقاذ اللآ خرين .................
مرة أخرى أدميت القلوب وأبكيت العيون ،فهنيئا لك لما تملكه من أسلوب الاستمالة
تقبل مروري ...........ضيف .


الساعة الآن 06:56

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها