منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=6)
-   -   لا لإلغاء مشروع مدرسة التميز (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=126817)

التربوية 22-03-2012 17:33

لا لإلغاء مشروع مدرسة التميز
 
لا لإلغاء مشروع مدرسة التميز
المساء : 22 - 03 - 2012

لعل من أصول الديمقراطية توضيحَ الرأي دون مصادرة الرأي الآخر.
من هذا المنطلق، أستميح وزير التربية الوطنية في مخالفته الرأي بشأن قراره إيقاف مسلسل إحداث مؤسسات التميز، وإذ أتمنى أن يتسع صدره لسماع الرأي الآخر، أسارع إلى القول إننا معه في الدفاع
عن مبدإ تكافؤ الفرص الذي نعتبره من مقومات النَّصَفَةِ وتجليات الديمقراطية.
ولو أن الأمر كان يخص تمييز أبناء النخبة وسليلي ذوي الحظوة، لانخرطنا معه في تعزيز قرار إيقاف مسلسل إحداث مؤسسات التميز ولسايرناه في هذا التوجه؛ ولكن الأمر مختلف عن ذلك تماما، لأن هذه المؤسسات إنما كان الهدف من إحداثها أن تحقق بالفعل مبدأ تكافؤ الفرص وترسخ الديمقراطية والعدالة الاجتماعية الحقة، لأسباب نسعى إلى تبيانها في ما يلي.
ولعل أول ما ينبغي استحضاره أن التعليم في بلاد العالم المتقدم يعمل باستمرار على تفريد التعليم، ويسعى نحو تمكين كل تلميذ من الوصول بإمكاناته إلى حدودها القصوى، وإلى جانب ذلك يحرص على إحداث مؤسسات احتضان التميز.
وإذا كان أبناء النخبة والأعيان عندنا يحظون بكامل التعهد وموفور الرعاية في مدارس البعثة والمؤسسات الخصوصية، مما يساعدهم على اكتشاف قابلياتهم ويمكنهم من تحقيق ذواتهم، فإن بقية أبناء الشعب، خاصة المتميزين، وأغلبهم ينحدرون من أسر فقيرة أو محدودة الدخل أو يوجدون في أوساط قروية، يعانون من الخصاص، وكثير منهم يضيع وسط زحام الفصول المكتظة وطرائق وأساليب التعليم التي تتعامل مع التلاميذ بالجملة، ولا تزال في كثير من مؤسساتنا بحاجة إلى تطوير وتحديث.
وهذا ما يؤكد أن مؤسسات التميز ليست هدرا للمال العام، ولن تكون عبئا على ميزانية الدولة ما دامت إطارا لاستثمار النبوغ وفضاء لاحتضان ورعاية التميز.
وشتان بين بطل ينافس الأبطال، وآخر يشعر بالتميز ويخلو له الميدان.
مدرسة التميز مشتل لرعاية النبوغ، وصناعة التميز، والدفع به نحو الاستثمار المستدام والتنافس المعطاء.
إذن، فهي ربح للوطن، وفضاء للإبداع المتجدد والبحث المتواصل عن النموذج والمثال:
- في الإطار التعليمي (حين تلحق بمؤسسة التميز داخلية تستقبل النوابغ من أبناء القرى والمدن الصغيرة، وتجهز بالورشات وقاعة الندوات والمحاضرات، وكل ما يساعد على البحث ومواصلة التعلم)؛
- وفي المؤطرين (حين يتم اصطفاؤهم من العناصر المؤهلة لاكتشاف التميز والتعامل معه وتوجيهه)؛
- وفي المتعلمين (حين تُحَكَّمُ الموضوعية لا النخبوية ولا التمييز في ترشيحهم للالتحاق بمدرسة التميز، ثم في إذكاء التنافس البنّاء بينهم لاكتساب آليات التعلم، والتحفيز على استثمار النبوغ وتحقيق الذات).
ومتى تم التوصل إلى بلورة النموذج لما ينبغي أن تكون عليه المؤسسة الراعية للتميز والمحفزة عليه، أمكن النسج على منواله والعمل على تعميمه، وبذلك تكون مدرسة التميز (لا التمييز) رائدة تطوير المدرسة العمومية وقاطرة الإصلاح والتأهيل.
ولو أن مغربنا كان يشكو الفاقة لساندنا توجه الوزير في نزوعه نحو التقتير والترشيد، غير أنه يعلم قبلنا بأن بلدنا غني بثروتيه المادية والبشرية؛ أما ثروته المادية فالآمال معقودة على حكومتنا الراهنة للمضي قدما في إرساء أرضية الترشيد وسد ثغرات الهدر وإيقاف مسلسل النزيف، وأما ثروته البشرية فَنَضِنّ بها أن تهْدَرَ بتعليم يقدم إلى التلاميذ بالجملة.
في هذا السياق، يجب التأكيد على ضرورة التعجيل بإصلاح التعليم، وفي الآن ذاته يجب المضي في رعاية النبوغ ودعم التميز، فكم فكرة حققت سبقا وسجلت اختراعا وأحدثت تحولا وفجرت طاقة، وكم عبقرية غيرت مسار أمة.
ولعل ما تعلل به الوزير من أن مدرستنا العمومية بخير وأنها تفرز خريجين يلجون أكبر المدارس العليا، سواء داخل المغرب أو خارجه، لا يَعْدُو أن يكون طمأنة للذات وتبريرا للإقدام على إلغاء مشروع واعد بالعطاء، لأن ما يحققه عدد محدود من الخريجين إنما يعود إلى مؤهلات خاصة وتضحيات عائلية يطغى عليها الإيثار، تمكنهم من تجاوز واقع التعليم العمومي بكل ما يحفل به من اكتظاظ ونقائص يعاينها ويعترف بها الجميع.
لأجل كل ذلك، نناشد وزير التربية الوطنية أن يراجع قراره ويفتح حوارا على الصعيد الوطني لمناقشة الموضوع في رَوِية، وسيتكشف له أن الإبقاء على مشروع مدرسة التميز عين الصواب، وأن المضي في تعميمها بدلا من إغلاق الموجود منها عين الحكمة وبعد النظر، وأن رعايتها وتعهدها بالتقويم والسير بها نحو الأرقى والأمثل عون على الارتقاء بمستوى التعليم العمومي وحافز على السير بالمدرسة العمومية نحو استرجاع اعتبارها كمؤسسة وطنية تتجاوز ذاتها، وتسعى إلى الوفاء بأمانتها، والارتقاء بمستوى أداء رسالتها، بعيدا عن تكريس واقع التمييز بين سليلي النخبة الذين ترعاهم مؤسسات البعثات والمدارس الخصوصية، وأبناء عامة الشعب الذين يتجمعون في أقسام مكتظة ويقدم إليهم تعليم بالجملة، فيضيعون وسط الزحام دون أن تتسنى فرصة اكتشاف تميزهم ورعايته والإفادة منه.
ويبقى السؤال: إذا كانت كثير من بلاد العالم المتقدم تتنافس في استقطاب التميز، وكذا في اكتشافه وتعهده، فأي مخطط لدى وزارتنا للتربية الوطنية للسير في هذا الاتجاه؟ أم إنها تؤثر أن تترك الأمور للصدفة، وللأفراد يشقون طريقهم إن أمكنهم ذلك، فإذا ضاعوا وسط الطريق تحملوا وحدهم وزر الضياع؟ وهل قدر التعليم عندنا أن يخضع لرؤى السادة الوزراء؟ فما يبرمه الواحد منهم لا يلبث أن ينقضه الآخر؟ أم إن الأمر يكتسي جدية أكبر ويقتضي روية أكثر، وإعمالا للتشاور، وتفعيلا لحكامة تتبصر حتى لا تتسرع، وتجتهد حتى لا تتعثر؟
فاعل تربوي وجمعوي



عبد الحي الرايس


الساعة الآن 17:10

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها