منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية

منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية (https://www.dafatir.net/vb/index.php)
-   الدفتر العام لللتكوين المستمر والامتحانات المهنية (https://www.dafatir.net/vb/forumdisplay.php?f=90)
-   -   سيكولوجية المتعلم و العملية التعلمية (https://www.dafatir.net/vb/showthread.php?t=155489)

ahmed1207 20-11-2013 21:12

سيكولوجية المتعلم و العملية التعلمية
 
يلج المتعلم المدرسة و هو طفل ذو الست سنوات؛ و للطفولة خصائصها حيث يحب الطفل أن يلعب، بل يريد أن يتعلم و هو يلعب، فهو لا يتقيد بشروط و ضوابط الانضباط الذي يعرقل نموه، وتكوين شخصيته. يستحسن أن يتعامل المدرس مع المتعلم( الطفل ) بمرونة وأن لا يفرض عليه نظاما قاسيا ينفره من الدراسة، و المشاركة في تنشيط الحصة الدراسية، خاصة في السنوات الأولى من التمدرس، لأن الطفل يريد أن يتعلم و يطلع على عدة أمور؛ فتجده كثير السؤال و ملحا على الحصول على جواب يجعله يندمج في وسطه الذي لا زال يكتشف خباياه.

يبقى التعلم عن طريق اللعب و المنافسة بين الأقران من العناصر المهمة التي يُطالب المدرس بتوظيفها كي يحترم خصوصيات الطفل الذي غادر بيت والديه رغما عنه متطلعا إلى تعويض حنانهما و تسامحهما في مدرس من المفروض أن يعي هذا الوضع الوجداني و العلائقي الذي يمر منه الطفل؛ لكن، للأسف، نادرا ما نجد أساتذة يتفهمون خصوصيات المتعلم الصغير الذي تصطحبه أمه ذهابا وإيابا من المدرسة إلى البيت، ليس لأنه لا يعرف الطريق، بل لأنه لا يرغب مغادرة البيت و الابتعاد عن حنان أمه الذي تعوده ويحسسه بالأمان.

يخرج الطفل إلى الشارع رغما عنه؛ ويصل باب المدرسة وهو خائف من المجهول الذي ينتظره داخل القسم، و لا يعرف ردود فعل المدرس إزاء عمله وأجوبته؛ لذا فهو يحتمي بحنان أمه بصفة خاصة( نلاحظ ظاهرة انتظار الأمهات لأبنائهن عند باب المؤسسة التعليمية)، فهي آخر شخص يغادره قبل دخول قسمه، وأول محام يود اللقاء به عند مغادرة المؤسسة كي يحكي لها ما جرى في القسم، و يشكو لها سوء المعاملة التي لقيها من مدرسه؛ فتقول له أمه التي لا تعرف حقوق التلميذ« لا بأس ، ضربك المدرس لأنه يريد لك الخير».

تنمو طموحات المراهق و انتظاراته، لذا على المدرس أن يراعي المرحلة الحرجة التي يمر بها المتعلم في المراهقة؛"لا يريد المراهق أن يتعلم للعلم، لذلك لا يعود باستطاعة المعلم، منذ تلك اللحظة، أن يقتصر دوره على تثبيت المعارف، بل يجب عليه أن يبين الوظيفة و المعنى لهذه المعرفة التي ينقلها. و بسبب نمو الفكر المنطقي عند المراهق نجده يصبح حساسا جدا للثغرات و للتناقضات. لذلك على المعلم السيطرة على مادته التي يعلمها"1

كي يساعد المدرس المراهق على معرفة ذاته و التحكم فيها، و إثبات وجوده كشخص مستقل و متحرر من التبعية؛ عليه أن يتحرر هو أولا من سلطته المعرفية، و يتنازل عن مركزيته في العملية التعليمية و يعطي الأولوية للعملية التعلمية التي يوجه فيها المتعلم نحو الاستمرارية في البحث على الحقيقة النسبية التي لا ترسو على حال نظرا للتطور التكنولوجي و العلمي الذي يجعلها تتغير في كل وقت و حين.

عندما يدرك المراهق معنى تعلماته، و يعلم أن مجهوده الدؤوب لتجاوز العقبات، و مواجهة التحديات لن يواجه بالسخرية، و الحط من كرامته، فإنه حتما سيصقل مواهبه، و يحدد ملامح شخصيته التي تميزه عن باقي أقرانه و تخول له صلاحية التفوق و القيادة والتأثير على الآخر." إذا كان المتعلم يبحث من أجل اللذة التي يمنحها فهم موضوع جديد، فإنه يفعل ذلك من أجل مواجهة الآخرين، و ما ينجم عن ذلك من صراعات معرفية تساعد على مجاوزة الذات لذاتها باستمرار."2

ينتظر المراهق من المدرسة أن تعلمه بعض القيم مثل احترام الآخر، قبول الاختلاف، حرية التعبير؛ لكنه يصطدم بواقع مخالف تماما لانتظاراته، فالمادة الدراسية شبه علمية، و احتكار المدرس للحصة الدراسية، و العلاقة السلطوية التي يواجه به داخل الفصل الدراسي، كلها عوامل تجعله ينفر من المؤسسة التعليمية و يثور عليها و على العاملين بها. تلعب القيم التي يتبناها مجتمع معين و يربي أفراده عليها دورا حاسما في تطوره و تقدمه، فالقيم ليست مجرد شعارات ينبغي أن نرددها في اللقاءات و المحافل. بل يجب أن تكون من أولويات أي نظام يريد الازدهار و بناء دولة الحق و القانون التي تعطي لكل ذي حق حقه؛ أي توزيع الواجبات و الحقوق بشكل عادل.

تكرس طرائق التدريس الفعالة الحديثة القيم العالمية و الإنسانية من خلال تمركزها على المتعلم وجعله المحور الأساسي الذي يجب أن يشتغل عليه كل الفاعلين في المجال التربوي. لاحظ أوليفيي روبول بأن لويس لوكران" يجد القيم الحقيقية في التربية الحديثة، كذلك عند سلستان فريني (....) المشروع الحر المقبول يخلق روح التعاون، يوقظ المعنى الديمقراطي، الحماس لكن أيضا روح النقد، احترام الآخرين، التعايش، الكرم،......" 3.

يجب على المدرس بصفة خاصة أن يجسد قيم التسامح، و قبول الاختلاف على أرض الواقع في علاقته مع المتعلم، و أن يترك له حرية اختيار القيم التي تناسب شخصيته و نموه السيكولوجي. لأنه إذا فرضنا قيمنا على الآخر جعلنا منه نسخة طبق الأصل لنا، و محونا ذاكرته التي نشأت منذ الصغر، أي مرحلة الطفولة التي نعتبرها المرحلة الحاسمة في تكوين شخصية الراشد. يوجد صراع ضمني بين المتعلم المراهق و أستاذه نظرا :
• لاختلاف الثقافة التي يتبناها كل واحد منهما؛
• فارق السن بينهما؛
• تباين القيم التي يؤمن بها كل واحد منهما؛
• التربية التي تلقياها؛
• انتظارات و طموحات كل واحد منهما.

تؤدي هذه الاختلافات، في غالب الأحيان، إلى صراع بين ما هو قديم و حديث، أصولي و حداثي. يحسم المدرس الموقف لصالحه، فينهج خطة إقصاء المراهق و عدم الاستماع إليه أو الإجابة على أسئلته التي نعتبرها مصدر الفهم و البحث عن إدراك الأولويات، و إعطاء المعنى للتعلمات. بل قد يذهب المدرس إلى أبعد من ذلك، بتوظيف رد قاس ساخر يحط من كرامة المتعلم، في حين أن من " أخلاق الرد....التحلي بأخلاق كريمة على ما تلقيته من كلام، بحيث ينبغي أن أتحلى بالصبر و الهدوء و التأني، و انتقاء ألفاظ غير جارحة و لا مبتذلة أو ذات منحى هجومي"4

ما لا يحصى من الأطفال يكبرون و هم في رعب دائم من أن يكونوا موضع ضحك الآخرين . السخرية من الأطفال تكاد تكون جريمة، إنها تحتفظ بتأثيرها على نفس الطفل و تنتقل إلى عاداته و أفعاله عند بلوغه ".5

يولد الضغط الذي يمارس على المتعلم، الرغبة بالثورة و التعويض عن النقص الذي يحس به ؛ فنجده كثير الجدال مطالبا في بعض الأحيان أكثر من حقه، لأنه جرح في شعوره و شخصيته. "حين يشتد الشعور بالنقص لدرجة أن الطفل يخشى أن لن يكون بمقدوره أبدا أن يعوض عن ضعفه ينشأ بداخله خطر في نضاله للتعويض، لن يرضيه استعادة بسيطة لتوازن القوى. بل سيطالب بزيادة التعويض، و يبحث عن إدارة الميزان لصالحه"6.

يريد المراهق أن يلعب دورا في المجتمع، يطلب المعاملة الحسنة، و التفاهم اللذين يمنحانه الحس الاجتماعي و التشاركي في اتخاذ القرارات التي يثبت من خلالها وجوده، و يعبر عن مبادئه و مواقفه التي تميز شخصيته كفرد مستقل." يلعب الشعور الاجتماعي، بعد النضال من أجل القوة، أهم دور في نمو الشخصية. و يعبر عنه - تماما كالنضال من أجل الأهمية- في الميول النفسية الأولى للطفل، خاصة في رغبته في التواصل و الحنان"7

مما لا شك فيه، أن احترام شخصية المتعلم يتطلب إشراكه في تسيير و تنشيط الحصة الدراسية؛ و هذا يعني خلق تفاعلات وحوارات داخل الفصل الدراسي يبرهن من خلالها المدرس أنه يقبل التغذية الراجعة و يزكي تدخلات و تساؤلات المتعلمين دون إقصاء أو فرض سلطته المعرفية عليهم.

تنحصر المراهقة بين الطفولة و سن الرشد؛ فهي مرحلة انتقالية تتميز بظهور عدة غدد و تطور فيزيولوجي و سيكولوجي يشعر معهما المراهق بالقوة و الرجولة التي تخوله إمكانية الإنجاب، لكنه يعيش في حيرة و تناقض من أمره؛ فهو رجل لكنه ليس مستقلا، لأنه لازال يخضع لأوامر أستاذه، و تحكم أهل بيته في قراراته و تصرفاته.

ينجم عن هذا القلق الوجودي توترات، و اختلالات يجب على المدرس، بصفة خاصة، أن يأخذها بعين الاعتبار في تواصله البيداغوجي، و علاقاته مع المتعلمين المراهقين الذين يريدون أن يثبتوا ذواتهم كأشخاص بالغين تخطوا سن الطفولة و اللعب. غالبا، ما ينسى الأستاذ هذه الفرضية، فيحتقر المراهق ، و يعنفه أمام أقرانه و زميلاته، فيولد هذا الضغط و العنف، عنفا مضادا، لأنه كما يقول فيليب ميريو:" لا يكون الطفل عدوانيا إلا إذا اعتدي عليه" . لذا يستحسن أن يوجه المدرس المراهق في طريقة تعلمه، و أن يتيح له فرصة التعبير عن رأيه كي يساعده على إثبات ذاته و إعادة الثقة إلى نفسه.

تتأثر حالة المراهق الوجدانية بالمناخ التربوي الذي لا يحترم خصوصياته، و رغبته في إثبات ذاته انطلاقا من إدراك ما يتعلمه و إعطاء معنى له . فالمعنى هو الذي يحفز المتعلم كي يبحث عن الحقيقة التي يستمدها من تمثلاته، و أسئلته، و رصيده المعرفي الذي بناه و تمكن من فهمه." يكمن المعنى في العلاقة القائمة بين تورط الذات في بنائه و التفسير الذي تقدمه لذلك. إنه أساس بناء الشخصية و صلبه"8

عندما يعطي المراهق معنى لتعلماته، فإنه يدمجها و يستوعبها، و يتداولها في نقاشاته، و لربما استقى منها بعض المبادئ الأساسية التي يجعلها ملكا له يدافع عنها لأنها تعبر عن شخصيته و تأويله للأحداث التي تدور حوله في عالم متغير ينتمي إليه." و هكذا يصبح أساسا تحفيز التلاميذ الذين لا ينخرطون في لعبة بناء المعنى. و يقتضي هذا تغييرا عميقا في مهمة التدريس إذ أصبحت تستوجب الانخراط في علاقة بيداغوجية معرفية و عاطفية في آن"9 .

نود أن نشير إلى مسألة مهمة، في نظرنا، هي طريقة و كيفية التفكير عند المراهق الذي لم يعد طفلا يفكر في اللعب؛ فهو يتحدث في مواضيع عدة سياسية، اقتصادية، اجتماعية.....؛ يفكر المراهق في مستقبله و يتطلع إلى تحقيق طموحاته كالحصول على دراجة، و حبيبة، و مال.... . يؤثر فكر المراهق على تصرفاته و شخصيته بصفة عامة؛ يريد الحصول على أشياء و القيام بمهام مختلفة لا يسعه الوقت و لا رصيده المعرفي أو المالي لإنجازها. يأتي هنا دور العائلة و المدرس كي يوجهوه في اختيار ما يناسب مؤهلاته و قدراته، و أن يوضحوا له بأن المرء لا يستطيع أن يحقق كل ما يصبو له و يتطلع إليه.

يعتبر المراهق عدم بلوغ أحد أهدافه فشلا ناجما عن ضعف شخصيته فيحس بالإحباط الذي يؤثر سلبا عليه؛ والذي قد يجره إلى البحث عن متنفس في التدخين أو التعاطي إلى المخدرات. يجب أن نوضح للمراهق أن المشكلة كيف ما كان نوعها تستوجب مواجهة و تحديا من أجل التغلب عليها( هذا إذا كانت المشكلة موضوعية و حقيقة)، فحياة الفرد عبارة عن اختلالات و إعادة توازن حتى يرقى إلى مرتبة أعلى بفضل تفكيره و عزيمته على قهر الصعاب وبلوغ أهدافه. أما إذا كانت المشكلة افتراضية وهمية فلا يجب أن نوليها اهتماما لأنها من نسيج الخيال، أو أنها عرضية عابرة فقط.

إن الرفض والعناد بل وأحيانا التمرد على قوانين الكبار و أعرافهم، والاختلاف معهم في الآراء و المواقف كثيرا ما ينظر إليه الراشدون الذين يحتكون بالأطفال والمراهقين نظرة سلبية على اعتبار أن ابنهم المراهق خرج عن طاعتهم و تمرد عليهم. و من ثم يجب عقابه وردعه. و الواقع أن هذا الاختلاف أو التحدي الذي يظهره المراهق في هذه المرحلة ليس سلوكا ملازما له، و إنهما هو مرحلي فقط".10
يريد المراهق أن يثبت ذاته عندما يناقش أوامر أستاذه؛ فهو يحسب نفسه(المتعلم) ندا له لذا على مدرسه أن يحاوره و يقنعه بصحة أقوله لا أن يأمره بالحفظ و الصمت لأن ذلك ينقص من قدره أمام أقرانه. يستحسن أن يخاطب المدرس المراهق على أنه قادر على الفهم و التحليل والمشاركة في تنشيط الحصة الدراسية، و أن يوكل له بعض المهام التي يبرز من خلالها قدرته على التسيير، وقيادة جماعة القسم.

غالبا، ما يريد المراهق أن يلعب دور قائد جماعة القسم، بل يكون التنافس على أشده بين المراهقين لمن يثور على المدرس و الإدارة و يعصى الأوامر، و هذه كلها مؤشرات ينبغي للمدرس أن يتنبه إليها، لأنه لا يكون هو المستهدف الأساسي في بعض الأحيان، بقدر ما يكون ذلك العصيان و التمرد إثباتا للذات و فرضا لاحترام بقية جماعة القسم للمراهق الذي يتزعم " الشغب" في نظر بعض المدرسين.


هوامش العرض

1 . منى فياض، مرجع سابق، ص 222؛
2 . 1992،Aumout et All) ذكرهم محمد بوبكري، مرجع سابق، ص 101
3 . نجيب بن داود مقال بمجلة فكر، العدد الثالث، « valeurs système de valeurs et éducation ». ،2006، p 215،مطبعة النجاح الجديدة.
4 . عبد الإلاه الإسماعيلي: "اللغة و التواصل الاجتماعي " مجلة فكر، العدد السابع، 2007، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء،ص83
5 . ألفرد أدلر: ترجمة محمد مسعد مراجعة سلوى جادو: "فهم الطبيعة الإنسانية" مكتبة دار الكلمة القاهرة، 2005، ص 67.
6 . أدلر، نفسه، ص 70.
7 . أدلر، نفسه، ص 145.
8 1996 davala،ذكره محمد بوبكري في:"المدرسة وإشكالية المعنى،مرجع سابق، ص 74؛
9 1997 dubet ذكره محمد بوبكري،نفسه، ص 76؛
10 أحمد أوزي : المراهق والعلاقات المدرسية"؛ الطبعة الثالثة، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2011،ص 117؛


الساعة الآن 13:05

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها