منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - إخواني الأساتذة لمادة الإجتماعيات أريدكم أن تساعدوني في هذا السؤال ؟
عرض مشاركة واحدة

التربوية
:: مراقبة عامة ::


تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2008
المشاركات: 10,765

التربوية غير متواجد حالياً

نشاط [ التربوية ]
معدل تقييم المستوى: 1293
افتراضي
قديم 16-03-2008, 16:07 المشاركة 4   

من تاريخ الدولة العثمانية ... الاصلاحات في سوريا د. قصي الحسين
لم يعمر دستور 1876 طويلاً، إذ ما لبث عبدالحميد ان حل مجلس “المبعوثان” وعلق العمل بالدستور في 14 فبراير 1878م، وكانت النتيجة عودة الدولة العثمانية إلى نظام الحكم المطلق والذي تحول في آخر عهد عبدالحميد إلى حكم استبدادي.
وقد عمد السلطان عبدالحميد خلال سني حكمه الطويل، للاكثار من تعيين الجواسيس لرصد حركات الموظفين ومراقبتهم، ولم يستثن من المراقبة أحداً حتى الصدر الأعظم وكلف هؤلاء الجواسيس بكتابة التقارير ورفعها إليه. وتشدد السلطان في اضطهاد أحرار الدولة فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ السفارات والقنصليات الأجنبية ملجأ لهم من استبداده، كما اضطر بعضهم إلى مغادرة البلاد والتخفي.
فمن أجل حماية العرش من احتمالات الخطر المتوقعة، احاط السلطان نفسه بشبكة من الجاسوسية المنظمة ضمت عدداً “ضخماً” من المرتزقة، اغدق عليهم السلطان من أموال الدولة فتضخمت نفقات القصور والعاصمة على حساب الولايات ونتج عن سياسة الكبت والضغط على الحريات التي اتبعها السلطان رد فعل في اوساط المثقفين، فعمدوا إلى تشكيل جمعيات سرية في داخل الامبراطورية وأخرى علنية في أوروبا وتمركز نشاط معظمها في باريس ولندن وجنيف والقاهرة، (بعد الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882م)، وتضافرت جهود هذه الجمعيات على مكافحة استبداد عبدالحميد وذلك عن طريق اعادة العمل بالقانون الأساسي، ومن هذه الجمعيات “جمعية الاتحاد والترقي”، التي استطاعت ان تنمو في داخل الامبراطور وخارجها وتمكنت أخيراً من اعلان المشروطية في يوليو 1908م، ومن خلع السلطان عبدالحميد في ابريل 1909م.
غير ان الرجعية العثمانية بتحريض من “دويش وحدتي” وأتباعه قامت بثورة مضادة في 31 آذار (مارس) 1909م، وطالب القائمون بالثورة بإلغاء “القانون الأساسي” وتطهير الجيش من الضباط المتخرجين من المدارس الحديثة، ولذلك قتل عدد من الضباط الشبان، إلا أن هذه المعركة كانت قصيرة الأمد، إذ زحف جيش سلانيك الذي تسيطر عليه جمعية الاتحاد والترقي بقيادة محمود شوكت باشا إلى العاصمة واسقط السلطان عبدالحميد بعد ان صدرت فتوى من شيخ الاسلام بخلعه ونودي بولي العهد سلطاناً باسم “محمد رشاد الخامس”.
شهداء 6 أيار
كان العامل المهم الذي حال دون انتظام الاصلاحات العثمانية في العهد الدستوري النزاع بين أنصار الحكم المركزي ممثلين بجمعية الاتحاد والترقي وأنصار الحكم اللامركزي ممثلين بالأحزاب المعارضة للاتحاديين، مثل جمعية التشبث الشخصي واللامركزية، ثم الحزب الحر المعتدل الذي تأسس في 21 نوفمبر 1909م، ورأت حكومة الاتحاديين ان من الأفضل لها وللبلاد ان تتفاوض مع المعارضين حول شؤون الاصلاحات، فانتدبت جمعية الاتحاد والترقي سكرتيرها، مدحت شكري بك، وأوفدته إلى باريس من أجل التفاهم مع زعماء المعارضة وأسفرت المحادثات بين الطرفين عن تقارب في وجهات النظر في معظم المسائل الاساسية، ولذلك عاد عبدالكريم الخليل رئيس المنتدى الأدبي ومعتمد الشبيبة العربية برفقة سكرتير جمعية الاتحاد والترقي إلى استانبول من أجل اتمام المفاوضات مع طلعت بك وزير الداخلية، آنذاك، وتم الاتفاق على إجراء اصلاحات في البلاد العربية تتلخص بتحقيق رغبة العرب في تعريب الادارة وتعريب التعليم الابتدائي والاعدادي في جميع البلاد العربية وان يكون التعليم العالي بلغة الأكثرية كما يشترط في رؤساء المأمورين العاملين في البلاد العربية ان يكونوا واقفين على اللغة العربية. غير ان ظروف الحرب العالمية غيرت مجرى الأمور الاصلاحية في البلاد العربية فلم تنفذ منها حكومة الاتحاد والترقي إلا الشيء اليسير، وكان التنفيذ يسير ببطء شديد، وتوقفت أعمال التنفيذ تماماً بعد اعلان الدولة العثمانية الحرب بصورة رسمية.
وأقدم جمال باشا قائد الجيش الرابع في 6 ايار/ مايو 1916م على إعدام عدد من الاصلاحيين العرب وكان في مقدمة من اعدموا بقرار من الديوان العرفي المتشكل في عالية. كل من عبدالحميد الزهراوي رئيس المؤتمر العربي الأول في باريس (يونيو 1913) وعبدالكريم الخليل الذي وقع على اتفاقية التفاهم مع جمعية الاتحاد والترقي، وكان اعدامهم في 6 ايار مايو 1916م في ساحتي المرجة بدمشق والبرج ببيروت واللتين سميتا بعد الاستقلال بساحتي الشهداء في كلا البلدين.
ومهما يكن من أمر فإن التنظيمات العثمانية طبقت في ولايات بلاد الشام (سوريا وبيروت وحلب ومتصرفية القدس) قبل غيرها من الولايات العربية والعثمانية وبسرعة وشمول أكثر من ولايتي بغداد وبصرة مثلاً حيث كان تطبيق التنظيمات فيهما أقل سرعة وأقل شمولاً، كما ان تطبيق التنظيمات في الولايات العربية البعيدة كالحجاز واليمن كان ضئيلاً.
نجاح جزئي
في الواقع ان التنظيمات العثمانية لم تطبق بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما كان هناك تطبيق نستطيع ان نصفه بأنه كان واضحاً بيننا وان لم يكن كاملاً إذ حالت دون ذلك عقبتان كؤودتان كانت الأولى منهما تعود إلى جهاز الحكم والادارة في الولاية، فتعذر الكفاءة والأمانة والصدق والاخلاص فيه، قلل من نجاح التنظيمات كما ان عدم توافر هذه المؤهلات، في الجهاز الاداري كان أمراً طبيعياً بالنسبة لجهاز ورثته الدولة في عصر التنظيمات عن عهود سابقة، فالتطور السريع الشامل الذي طرأ على أنظمة الدولة لم يوافقه تطور مماثل في جهاز الحكم والادارة وهذا سبب مهم حال دون تطبيق التنظيمات على النحو الأشمل.
أتاحت طبيعة المجتمع في سوريا للدولة العثمانية ان تنجح في تطبيق التنظيمات الجديدة في المدن السورية ويعود ذلك إلى قوة قبضة الدولة فيها بحكم كونها مراكز ادارية يقيم فيها كبار موظفي الولاية وترابط فيها قطاعات من الجيش الخامس والدرك فحال ذلك دون قيام مقاومة جدية لسياسة الدولة الجديدة الهادفة إلى تطبيق التنظيمات، والتدخل في مجالات التعليم والزراعة والصناعة وكل شيء.
إلا ان هذا النجاح الذي أحرزته الدولة في مدن الولاية لم يرافقه نجاح مماثل في الارياف ومناطق العصبيات مثل جبل الدروز وجبال العلويين التي عاشت أجيالاً منعزلة ومغلقة على نفسها واعتبرت محاولات الدولة في الاصلاح والتنظيم تدخلاً في شؤونها الخاصة وتقويضاً لاستقلاها الذي نعمت به قروناً طويلة. ومن هنا كانت مأساة الاصلاح العثماني، فالجهاز الاداري ليس على مستوى عال من الكفاءة والعصبيات الاقطاعية المنتشرة في أنحاء متفرقة من الولاية تفرض محاولات الدولة الاصلاحية.
ولكن بالرغم من هذه الصعوبات فقد استطاعت الدولة ان تنفذ جزءاً كبيراً من برنامجها الاصلاحي في ولاية سوريا خلال فترة لا تزيد على نصف قرن وبدون استعداد مسبق لمثل هذا التطور الذي لم يكن متوقعاً من الرعية ومن الدولة آنذاك. والواقع ان الدولة العثمانية قامت بمجهود ضخم في سبيل ارساء قواعد الاصلاح في ولاية سوريا في فترة قصيرة نسبياً ونجحت في ذلك، فقد استطاعت ان تحقق الكثير قبل اعلان الحرب العالمية الأولى فكان هناك اسكان وتحضير للبدو كما كانت هناك طرق معبدة وسكك حديدية وثغور وأرصفة ومخازن وعدد غير قليل من رجال الادارة والأعمال والقانون والآداب والتعليم والهندسة استفادت منهم ولاية سوريا بعد انفصالها عن الدولة العثمانية.
وقد نجحت الدولة العثمانية في اقامة نظام حكم مركزي اكتمل بناؤه في عهد السلطان عبدالحميد الثاني، ولما جاء الاتحاديون إلى الحكم في العهد الدستوري (1908-1914م) ارادوا ان يرثوا حكم عبدالحميد المركزي ولكنهم رغبوا عن وراثة سياسته العثمانية.