منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية - عرض مشاركة واحدة - اشكالية مفهوم المجتمع المدني
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية سهاد56
سهاد56
:: دفاتري فعال ::
تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2009
السكن: marrakech
المشاركات: 574
معدل تقييم المستوى: 245
سهاد56 على طريق الإبداع
سهاد56 غير متواجد حالياً
نشاط [ سهاد56 ]
قوة السمعة:245
قديم 03-04-2009, 18:25 المشاركة 1   
مقال اشكالية مفهوم المجتمع المدني

حول إشكاليات مفهوم المجتمع المدني
مداخلة حول ندوة المجتمع المدني، بيروت تشرين أول 2004
بقلم جميل هلال



الخلافحول مضمون المجتمع المدني ووظائفه
منظماتالمجتمع المدني والتمايز عن الدولة والسوق
"المجتمعالمدني" في الفكر العربي: غياب الاقتصاد والسياسة
المواطنةبين الدولة والمجتمع المدني


ظهرمفهوم "المجتمع المدني" مع نشوء الدولة القومية ونمو الرأسمالية الحديثة، وتمحور،آنذاك، حول مفهوم "المجتمع البرجوازي" (كما عند هيجل وماركس). لكنه المفهوماكتسب مدلولات جديدة مع تطور الدولة الحديثة، والتحولات في النظام الدولي، وتأثيراتالعولمة الاقتصادية (الرأسمالية) والثورة في الاتصالات ونظم المعلومات. واكتسبالمفهومبعدا أيديولوجيالربطه بالحركات التي شهدتها بلدان أوروبا الشرقية،في عقد الثمانينات، والتي توجهت نحو تقليص سيطرة الدولة على الاقتصاد والتشكيلاتالسياسية والحركات الاجتماعية والنقابات والاتحادات النقابية والمهنية.
وبعد انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتيمنح المفهومبعدا "تنمويا" من خلالمنظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فقد باتت هذهتنظر إلى "المجتمع المدني" باعتباره المجالالذي يتيح إشراك المواطنين في "التنمية البشرية المستدامة" بعد أن فشلت التنمية في التحقق في معظم دولالعالم الثالث. وكان الدافع وراء إعطاء موقع خاص للمجتمع المدني في عملية "التنميةالبشرية" تبني سياسة الخصخصة و"التكييف الهيكلي" – في إطار سيادة اقتصاد السوقباعتبارها الأنجع للتنمية الاقتصادية. ومنح هذا بعدا جديدا لمفهوم "المجتمعالمدني". فهذه السياسية التي روجت لها المؤسسات المالية الدولية، وخطاب "اللبراليةالجديدة" ركزت على حصر دور الدولة في تهيئة بيئة قانونية وبنية تحتية ملائمة لنموالقطاع الخاص باعتباره أداة التنمية الأساسية، مع توفير حد أدنى، بالمشاركةوالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني، من الرعاية الاجتماعية لأفقر الفقراء (ما يعرفبشبكات الحماية الاجتماعية). ودخلت لاحقا مفردات جديدة على خطاب التنمية خصتبالأساس منظمات المجتمع المدنيكالمشاركة والتمكين. لقد منح المجتمع المدني وظيفة حماية الفرد منعسف الدولة وسطوتها. أي منحبعدا واقياوحاميا للفردمن تدخلات الدولة وتجاوزاتها.
يمكن الإشارة هنا إلىأن الحماية التي توفرهاالتشكيلات الارثية سواء القرابية (الحمايل والعشائر) أوالطائفيةأو المحلية للفرد منسلطة الدولة، لا تأخذ شكلا واحدا، فهي تمنحللتشكيلات القرابية القوية قدرة أكبرعلى تجاوز القانونوالتأثير على مؤسسات الدولة عبر الواسطة والضغط والتحالف منبعض أجهزتها. كما أن هذه "الحماية" التي قد توفرهاهذه التشكيلات للفرد في وجه سطوة أجهزة الدولةأو تقلبات السوق تأتي في العادة على حسابفقدان الفرد لاستقلاليتهكفرد لهشخصيته الاعتبارية والقانونية المستقلة، وتتعاكس مع مفهوم المواطنة بما هي مجموعةواسعة من الحقوق والواجبات تخص الفرد كفرد ذات شخصية قانونية وإنسانية مستقلة.
يمنح المجتمعالمدني في أدبيات مؤسسات التنمية تولي وظيفة باتتشاغرةبعد انسحاب الدولة عنمهمة تقديمخدمات أساسية للمواطنين، بحكم عمليات الخصخصة وسياسة "التكييف البنيوي" وأيديولوجية الليبرالية الجديدة. هذا هو مصدر الحرص على استقلالية "منظمات المجتمعالمدني" عن الدولة وعن القطاع الخاص باعتبارها تشكيلات لا تقوم على مبدأ الربح. وهذا هو أساس التعاطي معها كآليات لتوزيعوتخصيص موارد في المجتمع مختلفة ومستقلة عن كل من الدولة ومؤسسات اقتصادالسوق. وهوسر التركيز على دعم المنظماتغير الحكومية التي تقدم خدمات (صحية، وزراعية، وتدريبية وما شابهها)، والاهتمامبالمنظمات الدعاويةالمتوجهة إلى التثقيفبالديمقراطية وحقوق الإنسان, وهو سبب إغفال منظمات المجتمع المدني المهتمة بتنظيمالناس وتأطيرهم كالأحزاب السياسية، والنقابات والحركات الاجتماعية ذات الجذور. وهو وراء اختزال المجتمع المدني إلى منظمات غير حكومية.
دخلالمجتمع المدنيإلى الخطاب السياسي والفكري العربي من بابالحاجة للديمقراطية وحقوق الإنسان،أي من مدخل وضع المجتمع المدني في مواجهةالدولة (وخلق ثنائية المجتمع والدولة وعلاقة تنافر واستبعاد بينها)،وليس منمدخل إعادة تنظيم الدولة والمجتمع المدني باعتبارهما ركيزتين أساسيتين للمواطنة،ولإرساء أسس الديمقراطية السياسية والاجتماعية. فإعادة تنظيم الدولة على أساسفصل السلطات (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، وتشريع حرية الرأي والتنظيموالتظاهر على أساس دستور يضمن الحريات المدنية أمور ضرورية لترسيخ المواطنة بما هيحقوق وواجبات. كما أن توسيع دور المجتمع المدني بما هو، بالأساس، أحزاب ونقاباتوحركات اجتماعية تستند الحرية المواطن في التنظيم والدفاع عن مصالح ورؤى وانتماءات،هو المدخل لتكريس الديمقراطية كتجسيد لتعددية المصالح والرؤى في المجتمع وحقالأحزاب والقوى المختلفة في التنافس السلمي على السلطة ومن أجل التغيير السياسيوالاجتماعي والاقتصادي والثقافي.

الخلاف حول مضمونالمجتمع المدني ووظائفه
لكن مفهوم "المجتمع المدني" - رغمما بات يتمتع به من رواج في الخطاب الفكري والسياسي العربي– لا يزاليمتلك معاني ودلالات مختلفةمن قبل مستخدميه. فالبعض يحدده بالمنظماتوالمؤسسات والهيئات التي تقام على أساس طوعي بين المواطنينخارج أطر الدولةوالعائلةوعلاقات القرابة (التشكيلات القرابية أو الإرثية أو التي يشير إليهاالبعض بالتقليدية)/ وماخارج علاقات السوق الرأسمالي. لكن هناك من يصر علىوضع التشكيلات القرابيةوالمحلية (و "التقليدية" بشكل عام)، أو بعض تعبيراتها، ضمن منظمات المجتمع المدني لأنها توفر بعضأشكالالحماية للفرد من بطش السلطة ومن تقلبات وقسوة السوق الرأسمالي. لذا تستثنيمعظم تعاريف " المجتمع المدني" المؤسسات الاقتصادية القائمة على الربحوالمتعلقة مباشرة بعمل وآليات السوق (المؤسساتالاقتصادية والمالية) من إطار المجتمع المدني خلافا للمفهوم الكلاسيكي الذي شملالعلاقات الاقتصادية ضمن المفهوم. هذا مع العلم أن المنظمات المدنية لا تستطيع أنتتجاهل اقتصاد السوق الرأسمالي ولا تأثيراته.
كما يستثني البعض الأحزابالسياسية من تشكيل المجتمع المدني لافتراض أنها تسعى للوصول إلى السلطة (الحكومة)،في حين يصر البعض الآخر على مركزية دورها في المجتمع المدني كونها لا تسعى إلىاستلام السلطة فقط، بل لأنها تطرح برامج اجتماعية واقتصادية وتعليمية وغيرها،وبعضها أصغرمن أن يأمل للوصول إلى السلطةبل يسعى إلى التأثير على سياسة الحكومة أو الدفاع عن مصالح وتطلعات أقليات قومية أوأثنية أو دينية أو فئات اجتماعية معينة. ولذا يستثني البعض الأحزاب الحاكمة منالمجتمع المدني، ويعتبر أحزاب المعارضة من ضمنه. وربما يكون هذا وراء اختزال الدولة في الأدبياتالعربية إلى الحكومة (أي إلى السلطة التنفيذية) وتجاهل، لاعتبارات عدة، السلطةالتشريعية والسلطة القضائية، حتى عندما يكون لهذه وتلك درجة من الاستقلاليةوالتأثير.
كما ما زال جدليدور حول ما إذا كانت التشكيلات القائمة علىأساسالدين أو الطائفة أو الانتماء الأثنيتشكل جزءا من المجتمع المدني أم ينبغياستثناؤها منه. فالبعض يرى أنها من صلب المجتمع المدني، باعتبارها، في أحيان كثيرة،تسعى إلىالتغيير والدفاع عن حقوق وتطلعات فئات واسعة في المجتمع، وتضغط علىمراكز القرار، وأحيانا توجه سهامها نحو لاإنسانية السوق الرأسمالي وعجزه عنالتنمية الفعلية والعادلة والمتوازنة. فيحين يرفض البعضعضويتها في المجتمع المدنيبحكم القيود التي تضعها على الانتماء إليها، واقترابها، في هذا المجال، من المنظماتالإرثية،ولكونها تتناقض مع مبدأ المواطنة الذي لا يقوم على الدين أو الجنس أوالعرق أو الانتماء الجهوي أو الأثني.
التباين والاختلاف فيتحديد تخوم ومكونات المجتمع المدني يعود، في جانب منه، إلى اعتماد مفهوم ذي بعدواحد معزول عن سياق محدد تاريخيا ومجتمعيا. كما يعود إلى الخلط بين ما تقوم بهمؤسسات ومنظمات المجتمع المدني من وظائف مختلفة، وتباينهياكلها الداخلية (المتنوعة كذلك)، وبين شروطقيامها واستدامتها. ومن هنا فالتعريفالقانوني الذي يصنف منظمات المجتمع المدني باعتبارها منظمات خيرية وتعمل للصالحالعام قد يستثني تشكيلات هامة كالأحزاب السياسية التي تخضع في تكوينها وأهدافهاوعضويتها، عادة، لاعتبارات وشروط معينة وقد تجد نفسها، في ظروف معينة، مضطرة للعملالسري. كما يستثني النقابات والاتحادات التي تخضع في أهدافها وشروط عضويتهالاعتبارات مختلفة عن الأحزاب وعن المنظمات الأهلية الخيرية والدعاوية والتنمويةوالثقافية والرياضية.
ويواجه التعريف الذييركز فقط على الجانب الاختياري أو التطوعي في العضوية نفس الإشكالية. فمنظماتالمجتمع المدني تتباين كثيرا من حيث درجة انفتاح عضويتها؛ فبعضها كالنوادي الخاصةيشترط رسوم اشتراك واهتمامات معينة، وبعضها كمؤسسات البحث والجامعات والمعاهدالأهلية يشترط مؤهلات أكاديمية وعلمية وتخصصية معينة، وتفرغ للعمل المدفوع الأجر. وتضع النقابات المهنية شروطا للعضوية وتحصرها في مجموعات وفئات مهنية. وتتطلبالأحزاب عادة الموافقة على برنامج الحزب ونظامه الداخلي. وهناك روابط كالجمعياتوالروابط والمؤسسات الدينية أو الطائفية التي تعمل وفق رؤية دينية محددة في مجالالتنمية وحقوق الإنسان، وهناك الجمعيات الخيرية والإغاثية التي تعتمد، إلى هذا الحدأو ذاك، على العمل التطوعي لكن تشمل عددا من المتفرغين والموظفين. باختصار ليستالتطوعية غير المقيدةهي السمة الغالبة لعدد غيرقليل منمنظمات "المجتمع المدني" التي تضعشروطا على عضويتها. ومن هنا فإنالتعاطي مع المجتمع المدني وكأنه جسم قائم بذاته أو مترابط أو موحد يقود إلىاستنتاجات وتصورات خاطئة.
المجتمع المدني هوتشييد فكري يجمع بين تضامنيات شديدة التباين (من حيث الأهداف والقاعدة الاجتماعيةوشكل التنظيم ومصادر التمويل) التي تقام خارج مؤسسات الدولة والسوق والروابطالإرثية. والسؤال هو هل هذا المفهوم يشكل أداة تحليلية مفيدة رغم الخلاف على مايدخل في مكوناتها؟

منظماتالمجتمع المدني والتمايز عن الدولة والسوق
هناك ما يميزمنظمات المجتمع المدني عن مؤسسات الدولة أو مؤسساتاقتصاد السوق (شركات، مصانع، ورش، بنوك، مطاعم، مشاريع خدماتية مختلفة، وما شابه). ولعل أبرز ما يميز المنظمات المدنية عن الدولة والسوق يكمن في طبيعة العلاقةالتي تقيمها مع جمهورها. وهي علاقة تفترض امتلاك هذه المنظماتليس مجرد درجةعالية من الاستقلالية في إدارة شؤونهاوفيصياغة خططها ونشاطاتهاوفي محرك علاقتها مع الجمهور (فهذه الاستقلالية قد تكونمتوفرة في مؤسسات القطاعين الخاص والعام)، بلتتمايز فيشكل ومضمون العلاقة التيتقيمها مع جمهورها. ولا تتعامل معه منموقع العلاقة بين المؤسسة والفرد وفق إجراءات وقوانين وقواعد مقننة (كما يفترض أنتتعامل معه الدولة). بلتتعامل معهبالأساس كجمهور مكون من فئات متباينة المصالح والاهتمامات والاحتياجات والتكوين (منحيث الجنس والعمر)، من موقع تمثيل هذه المصالح ، ومن موقع الحرص على إشراك الجمهورفي تنظيم نفسه وفي الدفاع عن حقوقه الجمهور ورعاية احتياجاته الخاصة..
ويشرّع استقلاليةالمنظمات المدنية في إدارة شؤونها الداخلية وصياغة برامجها وخطط عملها القوانينمشرّعة. وهذه القوانين تحددها موازين قوى اجتماعية وسياسية، وتتأثر بعوامل إقليميةودولية. ويحدد مضمونهاوتطبيقاتها كقوانينحامية للحريات العامة ديمقراطية النظام السياسي، والقوة التفاوضية لمنظمات المجتمعالمدني الرئيسة، والتي تحددها فعالية واتساع القاعدة الجماهيرية لهذه المنظماتوطبيعة العلاقة التي تقيمها معها (قدرتها التعبوية). فبعض منظمات المجتمع المدني - في مجال العمل السياسي الحزبي، على سبيل المثال - قد يحظر عليه النشاط العلني. وفيهذهالحالة يتحدد تأثير مثل هذه المنظماتوفعاليتها بمدى تأييدها ودعمها من الجمهور، ودرجة القمعالذي تتعرض له من السلطة المركزية أو السلطةالمهيمنة (وطنية كانت أم أجنبية). ومن الواضح أن قدرة منظمات المجتمع المدني علىالتواصلوالتجدد مرتبطة، من بين عواملأخرى، بقدرتها على تلبية حاجات وتطلعات اجتماعية وبقدرتها على تمثيل مصالح فئاتاجتماعيةودورها التعبوي والتنظيمي.كماتتصل بقدرتها على حشد الموارد الضرورية لمواصلة وتوسيع نشاطها. ويمكن القول أنمنظمات المجتمع المدني تستمد مبرر وجودها وشرعيتها، بالأساس،من علاقتها الخاصةبجمهورها وعلاقته بها، وشكل هذه العلاقة التي قد تستند إلى ما توفره من خدمات ماديةأو تأهيلية، أو إلى قدراتها التنظيمية والتعبوية في الدفاع عن حقوق ومصالح هذاالجمهور، وإلىفعالية نشاطها السياسي أوالاجتماعي أو الفكري أو الثقافي.
من هنا يمكن القول أنما يميز، وإن بشكل عام جدا، منظمات المجتمع المدني، بتنوعها الشديد، عن مؤسساتالدولة (التنفيذية والتشريعية والقضائية) يتمحور حول طبيعة نشاطها، وما يفرزه منأنماط تنظيمية متنوعة. فالعلاقة بين المواطن والدولة الوطنية العصرية هي علاقةتعاقدية، مقننة، عادة، في دستور أو قوانين أساسية، تتجسد في واجبات محددة (دفعضرائب، خدمة وطنية، احترام القانون…). كما تتجسد في حقوق (حق التنظيم والتعبير عنالرأي والمعتقد، والوصول إلى خدمات أساسية، الخ).
وتتمايز علاقات المنظمات المدنية مع الجمهور عن علاقته بالمؤسساتالاقتصادية والمالية المرتبطة بآليات السوق الرأسمالي والقائمة على الربح وإنتاجسلع وخدمات مختلفة موجهة للسوق، فهذه المؤسسات (مؤسسات القطاع الخاص) تتعاملمعه كمستهلك أو كموظف أو أجير،أو في أحسنالأحوال كمستثمر. فمحرك عمل وهدف منظمات المجتمع المدني ليس الربح أو تطوير آلياتالسوق الرأسمالي. فهو محرك يتحدد وفق تنوع منظمات المجتمع المدني (عمل الخير،الإغاثة، التنمية، التأهيل، التنوير، الرعاية، التضامن الاجتماعي، التغييرالاجتماعي والسياسي والاقتصادي …). أي أن مجالات منظمات المجتمع المدني هي تلكالمجالات التي لا تخضع لإدارة وتوجيه مؤسسات الدولة وتنظيمها،وتعتمد إداراتمستقلة يخضع دورها وأشخاصها وبرامجها وخططها، نظريا على الأقل، لموافقة وتوجهاتومساءلة الأعضاء والجمهور المعني. كما لاتخضع نشاطاتها لاعتبارات وآليات السوق، وإن كانت غير معزولة عنه. ولعل هذاالاعتبار كان وراء اعتبار المجتمع المدني، عند مفكرين مثلغرامشي، المجالالذي يجري فيه الصراع على الهيمنة القائمة على الاقتناع وليس على السيطرة.
يمكن النظرإلىمنظمات المجتمع المدني (والأهلي) من منظوروظائفي. أي من حيث ما قد توفرهمنحماية إزاء تعسف أو تجاوزات السلطة المركزية، وكذلك إزاء ما تفرزه آليات السوقالرأسمالي من استثناء ولامساواة وتهميش. لكن من وظائف منظمات المجتمع المدني أنتوفر الحمايةللفرد ضد عسف أو قمع أوتجاوزاتبعضها البعض بما في ذلك تعسفالمنظمات الأرثية (العشائرية والطائفية والمحلية). وتجدر الإشارة هنا أن منوظائف الدولة الديمقراطية توفير الحماية للمواطن من تجاوزات لحقوقه قد تقوم بعضمنظمات المجتمع المدني أو الأهلي.
برزالاهتمامبالمنظمات المدنية باعتبارها وسائط للتنمية في العقدين الأخيرين. وترافق ظهور هذهتوجه المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية (البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ..) نحو الخصخصة، والتكييف الهيكلي وتقليصدور الدولة الاقتصادي في إطار تهيئة المناخ ا لنمو القطاع الخاص، وتقليص خدماتالدولة الاجتماعية للمواطنين. ومن هنا بات ينظر إلى المنظمات الأهلية كوسائطللتنمية المحلية وتولي وظائف "دولة الرعاية"في مجال توفير خدمات أساسية للمواطنين. وتم تسويغ هذا التوجه عبر مقولة أن حرية تشكيل منظمات مدنية هي صلب حقوق الإنسان. واعتبار أن هذا الحقيتجسد في تشكيلالروابط والمنظمات والمؤسسات الهادفة إلى تحسين مستويات المعيشة، والمطالبة بتنفيذبرامج وخطط وقوانين معينة، والدفاع عن مصالح وحقوق الفئات الاجتماعية المختلفة. ومنهنا فكرة مشاركة الحكومة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني ( القطاعات الثلاثة) في عمليات التنمية. ونجد في هذه التوجهات تفسير الاهتمام الدولي (الغربي الحكوميوالمدني المحلي) في تشجيع وتمويل العديد من المنظمات غير الحكومية في دول العالمالثالث، بما فيها العالم العربي، باعتبارها أقل عرضة للفساد والهدر من المؤسساتالحكومية وأقدر على الضغط على هذه ومراقبتها. ويترتبعلى التمويل الخارجي لقطاعمن المنظمات المدنية تساؤلات تتعلق بتأثير "أجندا" الجهات المانحة على برامجالمنظمات المدنية المستقبلة، كما على قدرتها على إدامة نفسها، وعلى التمتعباستقلالية برنامجية ومالية.

"المجتمع المدني" في الفكر العربي: غياب الاقتصاد والسياسة
يهيمن على الأدبيات العربية المتداولة حاليا، موقفا قوامه أن المجتمعالمدني هو شرط قيام نظم ديمقراطية وضمانة ترسخ الحريات السياسية والحقوق المدنيةوتجسيدها. لكن هذا الرأي ينضوي على تبسيط مضلل للعلاقةلكل منالدولةوالمجتمع المدني. فهو يقفز عن حقيقة أن لا مضمون للمجتمع المدني بدون حضور الدولة. وهو يختزل الدولة إلى الحكومة (السلطة التنفيذية)، متجاهلا (غياب أو حضور) كل من السلطتين التشريعية والقضائية. كما ينظر للدولةكجسم متجانسوموحد دون توترات وصراعات وتباينات. كماينظر إلىالمجتمع كجسم موحدوتناسق الوظائف والمهام دون توترات وصراعاتوانقسامات.
وهي رؤية تتجاهلالتنوع الشديد في منظمات المجتمع المدني من حيث وظائفها والفئات الاجتماعية التيتتوجه إليها أو تسعى لتمثيلها أو لتنظيمها، ومن حيث مصادر تمويلها، وفلسفتها ،وبنيتها الداخلية، وظروف نشأتها. كما تميل هذه الرؤية إلىوضع المنظمات المدنيةخارج المجتمععبر النظر إليها كأجسام تقدم خدمات أو تتولى نشاطات تنموية أوخيرية أو تقوم بتنظيم وتأطير جمهور معين أوتمارس نشاطات دفاعية وإعلامية من فوق أو من جانب أو خلف المجتمع. أي أنها لاتنظر إلى المنظمات المدنية كجزء من تشكيلة مجتمعية بتكويناتها الاجتماعية السياسيةوالاقتصادية والثقافية، وباعتبار هذه التشكيلة تقييم في فضاءات سياسية-اقتصاديةإقليمية ودولية لها استحقاقاتها وتفاعلاتها وتناقضاتها.
كما تميل مثل هذهالرؤيةللمجتمع المدني إلى إختزال وتنميطعلاقاته بالدولة. وهي علاقات تأخذ، في الواقع، أشكالا متنوعة ومتغيرةومعقدة في معظم الأحيان. ويسري هذا الميلللتنميط التبسيطي على علاقة منظماتالمجتمع المدني مع بعضها البعض. وهذه علاقات تتنوع في العادة لتشمل التنسيق أوالتنافس أو الصراع وفق نشاطها وفلسفتها لدورها ومصادر تمويلها وتكوين وحجم قاعدتهاالاجتماعية.
تختزل معالجة علاقة الدولة بمنظمات المجتمع المدني، إلى علاقاتها بمايعرّف بـ "المنظمات غير الحكومية"، مما يستثني، أو يساوي في الدور، منظمات "مجتمعمدني" أخرى ذات أهمية خاصة لمفهوم المواطنةكالأحزاب السياسية والنقابات والاتحادات الشعبية والمهنية والحركاتالاجتماعية الأخرى، بالإضافة إلى الصحافةووسائل الإعلام الأخرى والغرف التجاريةوالصناعية والجامعات والمعاهد العليا. أي أنمنطلق بحث العلاقة يستدعي إدراك تنوع منظمات المجتمع المدني، وأبعاد هذا التنوع علىالعلاقة مع السلطة المركزية. كما يتطلب إدراك التغير الذي تدخله الدولة علىالحقل السياسي الوطني في مجال المؤسسات الرسمية و الإدارات العامة والأجهزة الأمنيةوالعسكرية، والنظام القضائي والتشريعي. وما تفعله هذه من تحولات في البنيةالاقتصادية للمجتمع، ليس فقط منحيث أنها (أي الدولة) تشغل نسب متفاوتة (وعاليةفي معظم الدول العربية)، من القوى العاملة، بل وكذلك من حيث فعلها في الاقتصادالوطني وبنيته، من حيث حجم ودور وسمات القطاع الخاص. أي أن الدولة القومية أوالحديثة لها وقع تراكمي على تشكل البنية الطبقية والاجتماعية، ولهذه تأثيرها علىتكوين المجتمع المدني (أحزاب، نقابات، غرف تجارية وصناعية، منظمات خيرية) وكثافته.
كماأن بنية الاقتصاد الوطني وموقعه في شبكة العلاقات الاقتصاديةالإقليمية والدوليةله تأثيراته القوية على منظمات المجتمع المدني وكثافةحضورها ومجالات هذا الحضور والمصالح التي تمثلها المنظمات المدنية ومراكز القوىالتي تستند إليها وموازينها، وأشكال الصراع و التفاوض التي تجري بين هذه لتحديدقوانين اللعب في الحقل السياسي، وبالتالي شكل نظام الحكم. والعلاقة بين مراكزالقوى في المجتمع وموازينها هي التي تحدد، في المحصلة، ديمقراطية أو لاديمقراطيةالنظام السياسي، وليس عدد المنظمات المدنية أو مجموع ما تقوم به منوظائف.

المواطنة بين الدولة والمجتمعالمدني
من العبث البحث عنمفهوم واحد قادر على حصر تنوعمنظمات "المجتمع المدني" في شكل أو وظيفة أونمطواحد. فهذه تعمل في مجالات مختلفة وتحمل رؤى متباينة لدورها، وتعتمد وسائل عملوعلاقات مع الجمهور (وهو جمهور متنوع من حيث المصالح والاحتياجات والمطامح والرؤىالمجتمعية) وهيكليات ومصادر تمويل شديدة التنوع. ولذا فإن أية محاولة لاختزالمنظمات المجتمع المدني لنمط واحد أو تلبيسها رؤية موحدةأو تصور أسلوب عمل واحد لها، سيكون مصيرهاتبديد المكون الأساسي لما يُعرّف بالمجتمع المدني، باعتباره الحقل الذي تتمثل فيهوتنافس وتتعايش تعبيرات ورؤى اجتماعية وفكرية وسياسية متعددة ومتباينة، وأحيانامتناقضة أو متعارضة، بحكم التكوين المعقد والمركب والمتباين لتشكيليةالاجتماعية-الاقتصادية والسياسية لأي مجتمع إنساني، بما فيها مجتمعاتنا العربيةالمتباينة في تكوين أنظمة الحكمة فيها وفي تركيبتها السياسية والاجتماعية، وبنيتهاالاقتصادية وحجم ومصادر مواردها رغم ما هو مشترك على الصعيد الثقافي والتاريخيواللغوي.
أرى أن الهم المركزي عربيا ينبغي أن ينصب على دمقرطة بنية الدولةالوطنية بما يؤصل المواطنة (القائمة أساسا على سيادة القانون ومساواة الجميعأمامه). ومن هنا تصبح مساءلة مؤسسات "المجتمع المدني" – باعتبارها المجال الذي يعبر فيه المواطنين عن حقهم، بلومسئوليتهم، في إقامة والانتماء إلى الروابط والتضامنيات والجمعيات والأحزابوالنقابات والاتحادات - تنصب على دورها فيتجسيد المواطنة وتوسيعه ليشمل ليس الحقوق السياسية فقط بل والحقوق الاجتماعية. وهنا سنجد أن مؤسسات المجتمع المدنيتتباين كثيرا فيعضهايسعى بعضها للتغييرالاجتماعي لصالحمجالات الحرية، وتوسيعوتكريس العدالة الاجتماعية والتضامن المجتمعي، يعمل بعضها الآخر لصالح إعادة النتاجنظم قائمة على سلب أسس المواطنة تحت مسميات مختلفة كالحفاظ على التراث والأصالةوالخصوصية ولمواصلة التعامل معالمواطنينكرعايا أو كانتماءات عشائرية أو جهوية أو أثنية أو طائفية...
قد يكون الأجدىالاستغناء عن تعبير المجتمع المدنيوالعودة إلى المفاهيم الكلاسيكية في التحليل الاجتماعي عن أحزاب (حاكمةوأحزاب معارضة) واتحادات ونقابات وحركات اجتماعية ومنظمات مدنية حقوقية وخيريةوتنمويةوعن بنى اجتماعية واقتصاديةوثقافية وانقساماتطبقية وأثنية وحضرية-ريفية، الخ في المجتمع. وهذا يعنيالعودة إلى التحليل الملموس للواقع الملموس في كل مجتمع عربي دون الحديث العامالمجرد.. وهذا ما يتيحفهم خصوصيات ديناميكيات كل مجتمع عربي،والديناميكاتالمشتركة بينها وأينتتجه...
فطبيعة التحديات التي تواجه المجتمع العراقي وقواهالسياسية والمدنية ، والمجتمع الفلسطيني، تختلفعن تلك التي تواجه المجتمع السوداني، أو اللبنانيأو السوري، والأخيرة تختلف عنمايواجه المجتمع السعودي أو اليمني أو المغربي، وهكذا... إن العودة إلى المفاهيمالكلاسيكية والمجربة في التحليل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي قد يحرر هذا التحليلمن القيود الفكرية والأيديولوجية والقيمية التي بات مفهومالمجتمع المدني مثقل بها في الحقل المفاهيميالعربي. ولعل من الملفت أن قليلة جدا هي الدراسات السوسيولوجية التي تحلل المجتمعاتالأوروبية والمتقدمة اقتصاديا تستخدم مفهوم المجتمع المدني..
رام الله،تشرين أول/اكتوبر 200
منقول من:www.boell.meo.org d8sd8sd8s









آخر مواضيعي

0 المراهقون .......ضحايا سوء المعاملة والفهم...
0 ظاهرة الاعتداء على المدرسين
0 التلفزيون والكمبيوتر يشاركان في تنشئة طفلك.....
0 الأسرة المغربية والتحديات المعاصرة
0 سبع مهارات للمعلم
0 محاكم التفتيش....ماذا تعرف عنها؟؟
0 كيف نجعل منتدانا هو الأفضل ؟؟
0 بكى عمر بن الخطاب بكاءا شديدا ثم قال:
0 ......أرقى أساليب التربية..
0 كلمات على ملابس تلاميدنا....تعرف على معناها....