التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ الحلقة 1 ـ - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

الصورة الرمزية ziriab12
ziriab12
:: دفاتري بارز ::
تاريخ التسجيل: 27 - 10 - 2007
المشاركات: 84
معدل تقييم المستوى: 0
ziriab12 في البداية
ziriab12 غير متواجد حالياً
نشاط [ ziriab12 ]
قوة السمعة:0
قديم 17-03-2008, 14:47 المشاركة 1   
مقال التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ الحلقة 1 ـ


التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ الحلقة 1 ـ
سعيد مضيه

مقدمة
ورد في تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا أن التعليم قد تدهور من عدة جوانب في الأقطار العربية كافة. وتدهور التعليم جزء من حالة تخلف بنيوي للمجتمعات العربية يتجلى فيها التدهور في جوانب الحياة كافة ، الاقتصادية والسياسية والتعليمية – الثقافية والاجتماعية. كان التخلف عامل علاقة التبعية التي انتظمت بين المجتمعات العربية والغرب؛ وكرست التبعية، متجسدة بنظام الكولنيالية ثم الاستعمار الجديد فالعولمة، وقائع التخلف في المجتمعات العربية.
لدى التقاء المجتمعات العربية بالوافد الكولنيالي كانت تفتقر لأبسط المعدات. وحفظ لنا تاريخ الجبرتي أن المصريين ذهلوا لما شاهدوا العربة التي تتحرك على عجلة ويدفعها العامل بذراعين ، تنقل الأتربة وتخدم الأغراض العسكرية. كانت العربة " أعجوبة الزمان وأحاديث الناس في مصر"، كتب الجبرتي. كذلك يحتفظ صنبور الماء باسم " الحنفية" لأن الجمهور المصري عارض مد أنابيب المياه في أحياء القاهرة، باعتبارها بدعة، وكل بدعة ضلالة. قاد عملية الرفض شيوخ المذاهب والفرق الدينية باستثناء أنصار المذهب الحنفي. فاكتسب الصنبور اسمه الشعبي من هذه الموافقة. وسجل الدكتور توفيق كنعان مع مطلع الفرن الماضي كما هائلاً من الفولكلور الفلسطيني ، أظهر فيه مدى تغلغل الخرافة والأسطورة في الوعي.المزارات والتشفع لدى الأولياء طلبا للشفاء من المرض او تجنب الضرر المخبأ في العيب أو جلب المنفعة، كلها تظهر ان الصوفية الدينية قد أعفت الحكام من كل مسئولية عن رفاه الناس ومعاشهم. وهيمن " العلم اللدني" على الوعي الاجتماعي بدل العلم الوضعي . اختفت من الوعي الاجتماعي مكتسبات العلم التجريبي التي أضاءت ظلام العصر الوسيط حقبة زمنية ثم انطفأت.
تزامن شروع محمد علي باشا في تصنيع مصر مع بداية النهضة الصناعية في اليابان. وقد تخلفت مصر بسبب مناهضة دول الغرب الاستعمارية لمشروعها التحديثي. إذ حدث أكثر من مرة أن أجهضت الدول الأوروبية تصنيع مصر. لكن المسئولية الرئيسة لفشل النهضة المصرية تلقى على الأسلوب الذي اتبعه الوالي التركي لتصنيع مصر، والذي أعاق عملية التصنيع. فقد ركز على مركزية الإدارة لكل قطاعات الصناعة، وسلم أمور الصناعة للجهاز البيروقراطي، بينما احتفظت حكومات اليابان بإدارة الصناعة الثقيلة ومنحت الحرية للقطاع الخاص في الصناعة الاستهلاكية. أمدت الحكومة القطاع الخاص بكل أنواع الدعم. اما الغلطة الشنيعة لنهج التصنيع الذي اتبعه محمد علي، بل خطيئته القاتلة، فتمثلت في الاقتصار على استيراد التكنولوجيا. يذكر الدكتور مسعود ضاهر ( النهضة المصرية والنهضة اليابانية/سلسلة عالم المعرفة 252ديسمبر كانون أول 1999) أن " حركة التصنيع في مصر أعطت ثمارا محدودة في تطوير البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لهذا المجتمع، إذ سرعان ما توقف التصنيع الداخلي مع خلفاء محمد علي لصالح استيراد السلع الجاهزة والتكنولوجيا التي استخدمت لتدمير نقاط القوة والتماسك في المجتمع المصري التقليدي، دون ترسيخ مجتمع حديث عصري قادر على رد التحدي الأوروبي." (ص287). وهكذا تجسدت مأساة مصر و المجتمعات العربية والإسلامية كافة في هدم البنى التقليدية ومرتكزات الهوية القومية دون بناء بنى أو مرتكزات حداثية عصرية، فتشكلت بالنتيجة، و بصورة عفوية حضارة رثة زيفت كل معالم التقدم والتحضر والعصرنة.
تحتفظ الوثائق المصرية بمذكرة قدمها أحد كبار المهندسين المصريين جوزيف هيكيكيان، عام 1843، يقول فيها " إن علينا أن نحاول صنع مكائننا بأنفسنا. فالأوروبيون قد دأبوا على إدخال التحسينات ، الأمر الذي يصل بنا إلى طلب المكائن من الخارج باستمرار ـ وهو ما يجب أن نحذره خشية أن لا يكون تقدمنا الآن، وهو لا يتسم بالسرعة إذا ما تصورنا تفاوتنا مع الأوروبيين أكبر مما كان عليه قبل خمسين سنة". حقا فاستيراد المعدات عملية اقتصادية تجارية ولا تنشط الإبداع العلمي أو تنمي النظرة العلمية في المجتمع. استهلاك التكنولوجيا غير معاناة صناعتها. والأخيرة كي تتحقق تحتاج إلى معاهد دراسة وأبحاث وابتكارات وغيرها من عناصر النهضة الصناعية. اما الكتب العلمية فتحتاج إلى العقل العلمي يقرأ ويحسن التعامل. والعلم يتحول إلى تقاني عندما يدخل في الصناعة. وحاليا أخذ الاهتمام يتركز على إنتاج التقاني مباشرة. فلكي يسهم العلم في تنشيط التفكير العلمي ينبغي للمنهاج المدرسي أن يقترب من حاجات المجتمع وبالذات حاجات التصنيع الاقتصادي، وأن يكف نهائيا عن التلقين والاستظهار.
ولما احتلت بريطانيا مصر عام 1982كان أول عمل أقدمت عليه تدمير ثروة مصر من الصناعات. سارعت سلطات الاحتلال فور هزيمة عرابي واستقرار قواتها إلي إغلاق المصانع، المدنية والعسكرية، التي أقامتها الدولة، كمصنع ورق بولاق، والقضاء علي دار صك النقود، وبعدها تولت بريطانيا صك نقود مصر، وبيع المحالج ومغازل القطن ومصانع النسيج، الباقية من عهد محمد علي، ومنع الترسانة من الاستمرار في تصنيع الأسلحة، فتوقف صب المدافع وصنع البنادق والذخائر، ومنحت بواخر النيل لعملائها بأبخس الأسعار، وعطلت الحوض البحري لإصلاح السفن، وبذلك أجهزت علي بقايا القاعدة الصناعية الكبري، التي شيدها محمد علي. ولم يكن هدف هذه التصفية هو القضاء علي الهياكل المادية لهذه الصناعات والمنشآت فحسب، إنما كان الهدف هو الإجهاز علي أي مجال له علاقة بتنمية القدرات العلمية والتقانة والخبرة المتقدمة التي كانت تتمتع بها مصر.
على مشارف القرن العشرين وعى المنورون العرب، ومنهم الفلسطينيون، قيمة العلم، ودعوا إلى إدخال العلوم وفتح المدارس. كتب خليل السكاكيني وإسعاف النشاشيبي حول ضرورة إقامة البنية التحتية للعلم من مدارس وصناعة الكتاب وإصدار المجلات وبعث التراث الأدبي العربي، لكنهما أو غيرهما لم يفطنا لتشكيل البنية التحتية الخاصة بتطوير الصناعة الآلية. عرّفت حركة التنوير العلماء باحثين في قضايا الطبيعة والمجتمع يحدوهم الطموح لتخفيف معاناة البشر ويبدعون ما ينمي الثروة الوطنية. تهبط طائرة في منطقة البقعة بالقدس فيهرع الناس لمشاهدة المنظر العجيب. أضواء العلم بدأت تنير طريق الكتّاب وإبداعاتهم، وتبدع اتجاهات جديدة في الكتابة الإبداعية من قصة وشعر ونقد. كان الأدب، ولم يزل سباقا في التماهي مع منهجية العلم. بات الأدب والنقد الأدبي في نظر المنورين "علم الإنسان اجتماعيا ونفسيا" . و الشخصية في العمل الأدبي نموذج فني يعبر عن شريحة اجتماعية أو طبقة أو المجتمع بأسره. وارتبط تطور الأدب بتطور النماذج الأدبية على غرار النوع والشكل في الطبيعة. وكما يصنف العالم النباتي مظاهر عالم اختصاصه محدداً النواميس التي يخضع لها النوع والشكل، فإن الأديب يرمي دائماً إلى إدراك كنه حقيقة الإنسان عبر تصنيف الأشخاص في نماذج لها ما يشبهها في الواقع المعاش، ثم يردهم إلى أنواع وأشكال بشرية، ويصف النواميس السيكولوجية التي يخضع لها كل من النوع والشكل البشريين. وطبقا لهذا الفهم نشأ النقد الأدبي وتطور.
لم يتعزز دور العلم ومنهجه بنقد البنى والهياكل المحافظة والتقليدية التي يتعارض نشاطها مع إدخال العلم وتطوير الحياة العملية، خاصة نمط الإنتاج. ولم تقترن نهضة المنورين بحراك اجتماعي يدخل الجماهير الشعبية في التنظيم والممارسة الاجتماعية، ولا بثورة في الإنتاج تدخل العلم في الحياة العامة وتحول البحث العلمي إلى ضرورة وتقليد ونمط حياة.
كتب محمد روحي الخالدي، وهو خريج السوربون عام 1898 وعاش ردحا من الزمن قنصلا للحكومة التركية في فرنسا، حول علاقة الأدب بتقدم المجتمع. كما تطرق بتحليل دور الاستبداد السياسي في عرقلة تطور المجتمع وآدابه. وفي كتابه حول الصهيونية أشار إلى الهوة السحيقة بين حال الفلاح الفلسطيني وحال الكيبوتسات اليهودية ، ما ينذر بخطر فادح على وجود العرب في فلسطين. شاركه في التحذير من التخلف على مصير القضية الفلسطينية جميع المنورين العرب. أكد الخالدي في دراسته ضرورة " وضع العلم في خدمة السياسة" متأثراً في ذلك بفلسفة اوغست كونت. ورغم ان الموت اختطف الخالدي في سن مبكرة ولم يشهد وعد بلفور (توفي عام 1913) إلا انه رصد نوايا أوروبا كما الولايات المتحدة إلغاء الشعب العربي الفلسطيني لأن تقدمها الحديث يلغي السلطة العثمانية التي لم تعرف الحداثة. كأن التاريخ لا يتقدم في اتجاه إلا ليقوض التقدم في اتجاه آخر. تجلى" ظلم التاريخ"، في تزامن المزيد من التقدم للغرب مع المزيد من التخريب في الشرق. وهذه حقيقة تبدو اليوم صارخة وجلية. الرأسمالية درجت على بناء نفسها على حساب شعوب الشرق. وكل تقدم تحرزه في المراكز يتم بتوسيع حيز الفقر وتعميقه في الأطراف.
وكذلك الأمر مع نجيب عازوري ، الذي شخص النظام العثماني بشكل ملموس فوجده على ما هو عليه اليوم وما يواجهنا في حاضرنا المترع بالتعاسة. " الرجل المريض" توفي ويقي المرض الفتاك. وما زال ماثلا في المنطقة الوهن الذي يغري الدول على نهب ثرواتها وتصفيد شعوبها بقيود تمنعها من ممارسة أدنى قدر من السيادة وحق تقرير المصير. وها هي تجهر بالخطط الرامية لشرذمة المنطقة إلى دويلات إثنية متنازعة تخضع للهراوة الإسرائيلية. ولا يغفل عازوري جانب التخلف الذاتي الذي اتكأ عليه الصهاينة لتنفيذ مشروعهم في فلسطين. في مقابل الفلاح الفلسطيني المغتصب تقف مزارع يهودية " فيها الآلات والأدوات الزراعية من طراز أوروبي جديد "و ... "مدارس وأطباء وجمعيات صهيونية منظمة، تضع في فم عضو الإدارة( إدارة السلطة العثمانية بفلسطين) قطعة من ذهب، كي يضع جلادوه في فم الفلاح الفلسطيني قبضة من تراب". "لم يكن الفلاح الفلسطيني يعاني من خبرة صهيونية تشتري الباب العالي فقط ، بل كان يعاني أولا من إدارة عثمانية لا تحسن إلا تكثير الخراب". قدمت السلطة العثمانية، بهذا المعنى، دعماً وافياً للمشروع الصهيوني من طريق السلب، أي من طريق تيئيس الشعب العربي، والفلسطيني منه، لأن شعباً فقيراً مريضاً لا يستطيع التعامل مع "حركة أوروبية وافدة" تملك القوة المادية والمعنوية. وتتالت العقود والشعب الفلسطيني محاط بقوالب التخلف والجمود.
بقيت تحذيرات المهندس المصري طي النسيان حقبة طالت لأكثر من قرن ونصف القرن، راوحت خلالها المجتمعات العربية في بيداء التخلف. اتسعت الفحوة بين تكلفة إنتاج المكائن والمعدات وكلفة استيرادها، وظل يرصدها بأسى الغيارى على قضية التحرر والتقدم. وفي الندوة العلمية التي نظمتها اللجنة الاقتصادية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة بالاشتراك مع اليونيسكو ( باريس 14ـ 18 كانون أول 1981 ) قال أنطوان دحلان " بالمقارنة مع تكاليف مشروع مارشال لتعمير غرب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وتقدر بمبلغ 45 مليار دولار ( حسب سعر الدولار عام 1981)، انفق العالم العربي في العقود السابقة ( لذلك التاريخ) ألف مليار دولار، أي أكثر من عشرين ضعفا دون أن تحدث أي أثر، لأنها لم تنفق على تطوير البحث العلمي والتكنولوجي وتطوير مستويات التعليم ونشره على أوسع نطاق في العالم العربي.
ينحصر المجهود التعليمي في الأطر العربية في الحفظ واجترار المعلومات. ويتم التفاعل العلمي في هذه الأوضاع على النقل والتقليد من المصادر الغربية، أو النقل من كتب التراث. وهي خطة تربوية تنطلق من استراتيجية سياسية.
وفقا لتقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة (تقرير1996) يقع ترتيب 15 دولة من الدول العربية العشرين بعد الستين، من بينها 8 فوق المائة من مجموع 174 دولة. وتقع دول السودان وموريتانيا وجيبوتي والصومال بين 171و174. وأيا كان الخطأ في مؤشرات التنمية فإنها تشير إلى تراكم القصور في العملية التربوية.
اتهم الأستاذ حسني عايش، وهو خبير تربوي أردني من مواليد طولكرم ،التعليم العربي بالفشل في تأهيل الطلبة للعمل والعيش في عالم سريع التغير. فالجامعات ليست سوى مدارس ثانوية تمنح الشهادات العلمية العليا. ونعى على المجتمع طلبة جامعيين يستخدمون الهاتف المحمول لتحشيد الفزعات العشائرية وحل الخلافات بالقوة العشائرية داخل الحرم الجامعي. والجامعات تعيد إنتاج ذهنية العصر الوسيط والفكر الغيبي، حيث البيئة التعليمية تجهض التفكير الناقد المبدع.

باتت العملية التربوية الجارية حاليا في العالم العربي موضع نقد لاذع من قبل الأوساط التربوية والسياسية والاقتصادية وشتى الشرائح الاجتماعية.بات موضع شبه إجماع الإقرار بآفة التربية التلقينية والتربية التطبيعية والقولبة لشخصية المتعلم ثم تخلف التربية عن مواكبة المتغيرات والاحتياجات المجتمعية للبقاء والنماء في عصر العولمة وثوراته في مجالات المعرفة والتقاني والاتصالات. كل هذا يظهر دور التربية في التردي المريع في المجتمعات العربية كافة. وخلص الدكتور حامد عمار الخبير التربوي من مصر("مواجهة العولمة في التربية والثقافة" ـ سلسلة كتاب الأسرة، القاهرة 2006) " إلى أن "التربية موضوع صراع اجتماعي، و بنية التخلف بتحيزاته وعلاقاته وتوجهات تفكيره تظل طاغية تطوِّع عملية التربية لصالح المحافظة الاجتماعية. وبذلك تقوم التربية بمهمة تعزيز التخلف، وخدمة النظرة السلفية الملتصقة بالماضي والمرتهنة به، وأداتها في هذا الصدد هي التعليم التلقيني". فمن خلال التلقين والتطبيع يتم صب الأجيال في قالب القصور الذهني الذي تزعمه الدعاية السلفية خاصية بشرية، وتبخيس الإنسان.

ومن تجليات قصور التربية انقطاع المناهج الدراسية عن متطلبات الحياة الاجتماعية، الأمر الذي يبعد الأجيال عن الاهتمام بالقضايا الوطنية ويغرب المتفوقين والنوابغ عن مسئولياتهم الوطنية باعتبارهم العنصر الأساس في الثروة الوطنية، والقوة الدافعة للتقدم والتنمية. بالعكس ، فإننا نلاحظ أن الشباب من خريجي المدرسة العليا والجامعة ينغمسون في قضايا اللهو ولا تستهويهم ـ وبالطبع لا تؤرقهم ـ القضايا والهموم الوطنية. وما أسهل ما يستدرج الشباب إلى ثقافة اللهو والتسلية وإلى الثقافة الشعبوية من غرار المباريات الرياضية والثقافة الهابطة، بينما المشاكل الوطنية تتفاقم وتضعف حصانة الهوية الوطنية والقومية وتتهدد الأمن القومي. من مفارقات واقعنا المأزوم تهيج الشباب لهزيمة ناد رياضي في إسبانيا ، وخروجهم في مظاهرة تملأ الشوارع، بينما يبدون أقصى قدر من اللامبالاة حيال تردي أوضاع المعيشة والتهديد المحدق بالقضية الوطنية. وهذا أحد مظاهر القصور في عملية التربية
ومن نواقص العملية التربوية انعدام الانسجام والتنسيق بين تطوير الإنتاج الوطني ومفرزات التربية. تحققت النهضة في كل البلدان المتقدمة من خلال ربط التربية بحاجات الإنتاج، و تطوير الإنتاج باستمرار لتوفير فرص العمل لمن تقذفهم معاهد العلم إلى سوق العمل كل عام .

ومن النواقص أيضا والتي تصل حد الإعاقة ما كشفت عنه ندوة أقيمت في مكتبة الإسكندرية نظمها التحالف المصري للشفافية ومكافحة الفساد، وهو جمعية أهلية. ومصر نموذج ومثال للمجتمعات العربية كافة. واستشهد الكاتب الصحفي المصري سعد هجرس بنتائج دراسة استطلاعية للدكتور أحمد عبد السلام سليم توصلت إلى أن مؤشر مدركات الفساد فى قطاع التعليم هو 8.25 نقطة(من عشر نقاط). اما الاستنتاجات التي خرجت بها الدراسة فقالت أن83,3 % يشعرون بانفصام ومفارقة بين ما يتعلمونه بالجامعة وما يقرأونه فى الكتب والمواد العلمية التي تدرس لهم، وبين ما يرونه من حولهم من ممارسات وتصرفات وأساليب شائعة فى التعامل والحياة بصفة عامة، وأن50.5% من الطلاب يبيتون النية للغش فى الامتحانات! وأن 70.7% من الطلاب يعتبرون نظام التعليم بصورته الحالية أداة لتعليم الطلاب الخداع والتحايل على المؤسسات التعليمية بدلا من بث قيم النزاهة والشفافية والعدالة والموضوعية فى نفوسهم وممارساتهم. أما الدكتور ياسين سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية فقد كشف "جذراً آخر مهما للفساد الحالي فى التعليم، لا يقل خطورة عن الفساد المالي والإداري، هو الفساد الناجم عن سوء تأويل الدين، واستخدام المدارس كبؤر لزرع التعصب والتزمت وتنشئة أطفالنا على ثقافة الكراهية لمن هم من غير ديننا حتى لو كانوا شركاءنا فى الوطن. فالمفترض أن الدولة هي المعقل الأول لبذر بذور المواطنة، بينما واقع الحال يقول بكل أسف أن كثيراً من مدارسنا – حتى الحكومية منها – أصبحت أوكاراً لأمراء الإرهاب وشيوخ الظلامية والأصولية، إسلامية ومسيحية". فالمدرسة مطالبة بغرس روح المواطنة وكرامة الإنسان، وهذه أمانة في أعناق المدرسين.












آخر مواضيعي

0 بلاغ إنذاري للمحلس الإقليمي SaepTaounate
0 محضر تأسيس تعاونية القسم
0 محضر تأسيس تعاونية القسم
0 محضر تأسيس تعاونية القسم
0 محضر تأسيس تعاونية القسم
0 محضر تأسيس تعاونية القسم
0 محضر تعانية القسم
0 دروس السادس + امتحانات موحدة في جميع المواد
0 موقع للتلاميذ والأساتذة على السواء ...الإستفادة مضمونة
0 موقع مفيد لتلاميذ وطلبة الإعدادي والثانوي التأهيلي


ziriab12
:: دفاتري بارز ::
الصورة الرمزية ziriab12

تاريخ التسجيل: 27 - 10 - 2007
المشاركات: 84

ziriab12 غير متواجد حالياً

نشاط [ ziriab12 ]
معدل تقييم المستوى: 0
مقال التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ حلقة2ـ
قديم 17-03-2008, 14:48 المشاركة 2   

التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ حلقة2ـ
سعيد مضيه

ورد في تقرير للبنك الدولي صدر مؤخرا أن التعليم قد تدهور من عدة جوانب في الأقطار العربية كافة. وتدهور التعليم جزء من حالة تخلف بنيوي للمجتمعات العربية يتجلى فيها التدهور في جوانب الحياة كافة ، الاقتصادية والسياسية والتعليمية – الثقافية والاجتماعية. كان التخلف سبب علاقة التبعية التي انتظمت بين المجتمعات العربية والغرب؛ وكرست التبعية، متجسدة بنظام الكولنيالية ثم الاستعمار الجديد فالعولمة، وقائع التخلف في المجتمعات العربية.

لم تعد وظيفة العلم كقوة إنتاج رئيسة موضع تساؤل في حياة المجتمعات المعاصرة، ولم يعد التعليم مجرد تنوير. فالمدرسة والجامعة اضطلعتا وتضطلعان بدور أساس في تغيير نمط حياة المجتمع؛ كما أن بروز العلماء والباحثين والمكتشفين والمبدعين باتت مشكلة وطنية ومظهرا للتقدم الاجتماعي. تقوم علاقة جدلية بين قوة المجتمع المعنوية والمادية، الاقتصادية و العسكرية والسياسية، وبين إنتاج العلوم والتقاني، وإشاعة المنهجية العلمية في مقاربة معظم قضايا المجتمع. ومن أبرز معالم التخلف الرابض على الأرض العربية حقيقة أن إنتاج مجموع الأقطار العربية وعدد سكانها ثلاثمائة مليون، من الصناعة والزراعة ( باستثناء النفط والغاز) يعادل ما تنتج فنلندا ذات الخمسة ملايين نسمة. التفكير العلمي ركيزة أساس للتحديث والعصرنة، فهو الشرط الأولي لتعقيل مظاهر الحياة الاجتماعية كافة. وحيث ينشط العقل ويترعرع في الميدان العلمي فإن إدخال العلم في الحياة الاجتماعية، وفي الإنتاج بالدرجة الأولى، يسهل عملية إخضاع حياة الأفراد وسلوكهم لمقتضيات العلم فيتحقق التقدم. وحقا ما خلص إليه باولو فريري، أحد علماء التربية المرموقين من أمريكا اللاتينية: "الفكر يتحول إلى عملية لفظية، دون اقترانه بالعمل، والعمل بدوره يتحول إلى نشاط ساذج دون وعي لم يسترشد بالفكر".
أبرز الدكتور إبراهيم بدران، من الأردن، هذه العلاقة الجدلية، وركز على أهمية تنمية العنصر البشري لتحقيق المعاصرة والتحديث في الحياة الاجتماعية. ففي كتابه " نحو استراتيجية وطنية للثقافة المجتمعية "( إصدار أمانة عمان الكبرى ، عمان 2004). يقول في المقدمة " ما لم تكن هناك استراتيجيات وسياسات وبرامج لتطوير الثقافة المجتمعية فإن تجاوب المجتمع مع متطلبات الحداثة والمعاصرة والانطلاق إلى المستقبل المبشر في القرن الحادي والعشرين سيكون تجاوبا بطيئا وضعيفا من شأنه أن يكلف المجتمع ملايين الدولارات تذهب هباءً بسبب عدم الجاهزية الفكرية والثقافية للمجتمع، أو بسبب عدم الكفاءة والفاعلية". وعقد الدكتور بدران مقارنة بين الأردن وكوريا الجنوبية، بيّن فيها أثر العلم في ترقية حياة المجتمع. فكوريا الجنوبية لم تذكر في الإعلام العالمي إلا أثناء الحرب الكورية أوائل عقد الخمسينات، وكانت محمية أمريكية لا يزيد دخل الفرد بالمعدل عن بضع مئات الدولارات في العام. وحاليا قارب معدل الدخل السنوي العشرة آلاف دولار، بينما البلدان العربية تراوح في دائرة الفقر والتردي. والجدول التالي(المصدر السابق،ص17) مؤشر ذو دلالة:
كوريا الأردن
ترتيب التنمية البشرية 30 90
نصيب الفرد من الناتج المحلي($) 9600 1750
الصادرات الإليكترونية( دولار لكل فرد) 3700 500
الإنفاق على الصحة ( دولار لكل فرد) 518 131
الإنفاق على التعليم ( دولار لكل فرد) 394 97
الاختراعات المسجلة 9,3 ـ ( لكل عشرة آلاف نسمة من السكان)
الإنفاق على البحث والتطوير 260 3,5 ( دولار لكل فرد)
المرأة في القوى العاملة( نسبة مئوية) 44 15
المرأة في القوى العاملة الماهرة (نسبة مئوية) 34% غير متوفر

ونبقى مع الدكتور بدران: في ظل الثورة العلمية التكنولوجية تتقارب ثقافات النخب مع الثقافات العامة للمجتمع، وذلك في المجتمعات المتقدمة، بينما تتسع الفجوة بين ثقافة المجتمع وثقافة النخبة في المجتمعات المحافظة. في مجتمع متقدم يتم التخلص من الأميات الست: أمية القراءة وأمية الكتابة وأمية الحاسوب والأمية العلمية والأمية الثقافية وأمية المهارات ، فتنحسر المسافة بين النخب وبين المجتمع بأسره في الحياة اليومية وفي أسلوب التفكير وفي الاحتكام إلى العلم والعقل والقانون، وفي المشاركة في هيئات المجتمع المدني، وكل النشاطات المتعلقة بالإنتاج السلعي والخدمي والمعرفي، ( المصدر نفسه ، ص19 ). وهناك العديد من المؤشرات التي تلح بالتحفظ على النظرة الوردية للدكتور بدران. ففي الولايات المتحدة، أكثر بلدان العالم إنتاجا للعلوم والتقاني وتنتج تسعين بالمائة من المكتشفات العلمي العالمية، ينتشر الشعوذة في العلاج الطبي ، إلى جانب علوم الاجتماع وعلم النفس والفلسفة. العلوم الإنسانية مسرح للصراع الاجتماعي والسياسي، إن مختلف النظريات والفرضيات في علوم الاجتماع والإنسانيات إنما تستلهم مصلحة طبقية، وهي منحازة طبقيا للمصالح المهيمنة والقوى المحافظة. وقريبا جدا رفضت دور النشر الأمريكية إصدار كتب تناهض السياسة الرسمية للولايات المتحدة وتنتقد هيمنة اللوبي اليهودي داخل الولايات المتحدة.
إلا أنه بوجه عام وفي مجال علوم الطبيعة في عالم اليوم تسهم الأبحاث العلمية ومختبرات البحث العلمي في الجامعات ومؤسسات الإنتاج في تطوير القدرات الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما أن هذه القدرات تشكل العامل المحفز لعمل مراكز البحث العلمي. وهذا يلقي الضوء على دور العنصر البشري المؤهل للقيام بالأبحاث العلمية، وكذلك على رسالة المدرسة والجامعة في إعداد الباحثين والمفكرين والمبدعين، ليس فقط في مجالات العلم والتكنولوجيا، إذ المنهجية العلمية تتغلغل في ثنايا الحياة الاجتماعية كافة، في مجالات الأدب والفنون والفلسفة والنشاطات الثقافية كافة. ومن ثم تنطوي على أهمية استثنائية ترقية وظيفة المدرسة إلى إعداد العقل الباحث والمبدع، بدل التعويد على الحفظ والنقل والتلقين. ورث العالم العربي عن العصر الوسيط تقديم النقل على العقل، ولا زال هذا أحد تقاليد العملية التربوية في عصر ثورة العلوم والتكنولوجيا.
المنهجية العلمية نقلة حضارية

تميز العصر الحديث بتطور علاقة دينامية متبادلة بين العلم ومنهجية النشاط الاجتماعي والنشاطات الإنتاجية، المادية والفكرية. وأثمرت هذه العلاقة الحيوية ظواهر إيجابية في الحياة الاجتماعية شملت الإنسان والثروة الوطنية وتقدم الفكر والعلاقات الاجتماعية وتعزيز سيطرة الإنسان على البيئة الاجتماعية والطبيعية. تقدم العلماء الحركة الثورية وسقط بعضهم ممن تجرأوا على دحض المفاهيم الثابتة والأفكار المقدسة، لكنها خاطئة. مرحلة احتاجت إلى قوة الطبع وسمو الأخلاق وصلابة الإرادة، بحيث تجاسرت على رفض ثوابت راسخة في القيم والمعايير والتقاليد. سقط جوردانو برونو ضحية المحكمة الكنسية، وكاد يلاقي نفس المصير غاليليو لولا انه تراجع عن نظرية كروية الأرض ودوران الكرة الأرضية حول الشمس. وسقط الكثيرون تحت التعذيب في الأنفاق الأرضية للكنائس، وفي محاكم التفتيش. نسوق هذه الوقائع الهمجية لأن التهجمات المغرضة المتجنية تلصق الإجراءات الهمجية العنيفة بالتجربة الإسلامية وحدها. تجلت الثورة العلمية الأولى شموخا على العنف الهمجي، وتحررا من سلطة السلف وانتصار النظرة النقدية التي ترفض الحقائق السرمدية وقدسية الأفكار، وأخضعت جميع الأفكار للتجربة العملية. باتت النظرية مرشدا للعمل وأداة لسبر أغوار الموضوع وبنية من الأفكار القابلة للاختبار. هكذا عبَر العصر الحديث معارج التطور التاريخي، فاكتسب التحديث مضمونه العملي المجسد وبدواته العلمية المظفرة، ورؤيته العلمية الثاقبة ومنهجيته في تحويل الواقع ، وتغيير الأوضاع الاجتماعية نحو الأفضل والأنبل. لم تقتصر المنهجية العلمية على مقاربة علوم الطبيعة، فقد انداحت على مقاربة قضايا الفكر والطبيعة والمجتمع ، حتى تعليم اللغة بات يسترشد بالمنهجية العلمية.
تميزت المرحلة الأولى من الثورة العلمية بنهوض عارم في مجالات الإنتاج المادي وازدهار العلوم الطبيعية والاجتماعية. كان الإنتاج المادي قاطرة التقدم في مجال العلم الطبيعي، إذ تقدمت الصناعة لتطور الميكانيك واستدعت إنشاء الجامعات والأبحاث العلمية وتطوير مختلف العلوم. كان التطور يتم بالتفاعل الحي والخصب بين الممارسة العملية وحاجات الإنتاج وبين العلوم الطبيعية والفلسفة: وضعت أسس العلم التجريبي المنهجي، وحلت التجريبية محل التأمل الفلسفي، فانفصلت العلوم واحدة بعد الأخرى عن الفلسفة، فتطورت العلوم وازدهر الفكر الفلسفي.
استدعى تطوير الإنتاج تنظيم الرحلات وتحقيق الاكتشافات الجغرافية التي عادت على طبقة الرأسماليين بأرباح مجزية ومواد جديدة للصناعة. رغم بشاعة النهب الرأسمالي لثروات الشرق ورغم الاستغلال بلا رحمة لجهود العمال المحليين. فقد حققت الرأسمالية ثورة في الإنتاج السلعي والعلمي، وحفزت حركة الرحلات الاستكشافية وصُنعت البواخر الضخمة وحفزت على إحداث ثورة المواصلات والاتصالات. في هذه الأثناء انفصلت علوم الرياضيات عن الفلسفة، فتحرر الطرفان وشرعا رحلة التطور. وفي القرن الثامن عشر انفصلت الفيزياء عن الكيمياء، إذ حول بويل الكيمياء إلى علم، واكتشف هارفي الدورة الدموية فأسس لعلم الفيزيولوجيا ، ثم حدث انفصال بين البيولوجيا والجيولوجيا ، دشن اكتشاف الخلية ظهور علم البيولوجيا. وفي القرن التاسع عشر برزت العلوم الاجتماعية. وفي أواخره مع بروز الحركات الجماهيرية ظهر علم النفس الاجتماعي بنموذجه المبسط والتأملي يبحث في آلية النفسية للجماعة البشرية على يد غوستاف لوبون.
تمخضت الطبيعة عن أربعة أشكال لحركة المادة تتدرج من البسيط فالأعقد، وكل نموذج متقدم للحركة ينطوي على أشكال الحركة للنماذج الأدنى. أبسط أشكال الحركة هو الحركة الميكانيكية ثم الفيزيائية فالكيميائية ثم البيولوجية. وأخضع المجتمع البشري للبحث العلمي. أثبت علماء الجيولوجيا والفلك أن المادة في حالة تطور دائم، فدخل مبدأ التطور على علوم المجتمع والإنسان... ظهور الجديد وتلاشي القديم. كل تكوين مادي لا بد أن يرتبط بصورة مباشرة او غير مباشرة بالتكوينات المادية الأخرى. فليس في الكون أشياء معزولة مطلقا ثابتة لا تتغير. فتهيأت الأسس العلمية للتوصل إلى الفكر الجدلي، فكر الترابط والتشابك على المديين الأفقي والرأسي، المكان والزمان، ثورة فى طرائق التفكير. الجدل أو الديالكتيك هو الفكر الوحيد القادر على استكناه حياة المجتمع البشري، نظرا لما تنطوي عليه من تراكيب وتعقيدات متشابكة. في أواخر القرن التاسع عشر تحولت المنهجية العلمية من الفرز بين أشكال الحركة إلى الدمج بين تخوم العلوم المتقاربة، فظهرت الفيزياء الكيمائية، التفكك الإليكتروني ، البيولوجيا الكيميائية الخ.
تجسدت المنهجية العلمية في القرنين السادس عشر والسابع عشر بالنظرية الميكانيكية الظاهرية، والتي استخلصت أولا من ظواهر الطبيعة ثم طبقت على المجتمع في نظرية العقد الاجتماعي. ومن أعلامها نيوتن وديكارت.
غير أن مفهوم المنهجية العلمية يتسع ويكتسب مضامين جديدة مع كل قفزة يحرزها العلم. وهذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن البال. ففي المنعطف الثاني جاءت النظرية التطورية للطبيعة والمجتمع، ثم نظرية آينشتين النسبية فالنظرية المنظومية التي شكلت المنعطف الرابع وتقوم على مبدأ التفاعل والتشابك." وأي من النظريات العلمية المختبرة لا تستطيع الزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة في وصف الأشياء او الظواهر المادية أو الحيوية أو الإنسانية، وهذا يدعو بالضرورة إلى تكامل المناهج العلمية في الدراسة بطريقة متوازية توظف فيها أساليب التحليل والتركيب والترابط والتفاعل في كلية الظواهر تحت الدراسة"، وذلك ما خلص إليه الدكتور حامد عمار، الخبير المصري البارز في التربية. ومضى إلى القول غدت "الرؤية المنظومية إحدى ضرورات المعرفة العلمية في السعي للاقتراب الشامل والدينامي في مجالات العلوم الاجتماعية المختلفة، وفي العلوم البيولوجية والاقتصادية والتربوية والنفسية والطبية" .
حدث انقلاب في النظريات العلمية وفي الفلسفة، إذ تزامنت الثورتان العلمية والفلسفية. في نسيج المجتمع الصناعي ينشأ الإنسان المفكر والعلاقات الاجتماعية المتقدمة والوعي العلمي ويتم تجاوز التقاليد البالية من اجل متطلبات العقل والحرية وشيوع المنهجية العلمية في تناول مشكلات المجتمع وحاجاته. فقد تميزت المجتمعات الصناعية بتغلب الذهنية العلمية، وأوجدت استراتيجية البحث العلمي، المتكأ للمعالجة العقلانية والناجعة لمختلف القضايا الاجتماعية. "الفلسفة تلازم العلم في مسيرته بمعنى أن كل ثورة علمية تلازمها ثورة فلسفية وتتزامن معها. لكنها لا تتطور بالوتيرة التي يتطور فيها العلم. فالفلسفة معركة دائمة فيها كر وفر متواصلان، أما العلم فهو في تقدم دائم، في وضع ثوري دائم. فهو إما أن يتقدم بوتيرة متسارعة وإما أن يندثر تماما. أما الفلسفة فهي انعكاس جلي للصراع الاجتماعي التاريخي، ومن ثم فهي تشهد ثورات وثورات مضادة تكون في العادة متشابكة معا حتى في الفيلسوف الواحد وفي الفلسفة الواحدة. وتبين أن الثورة والثورة المضادة تتشابكان معا حتى في فلسفة ديكارت، أبي الفلسفة الحديثة، وإن كان عنصر الثورة هو المهيمن فيها وفي فلسفة عصر الثورة العلمية الكبرى ( القرن السابع عشر) بصورة عامة".(د.هشام غصيب/الثورة العلمية الكبرى / مجلة الطريق، العدد الأول 2001. ص9 ).
كل ما اجترح من تطورات في أوروبا صعد على رافعة العلم ومبتكراته، وانطلق بقوته الدافعة. كان استحداث معدات حربية جديدة حافزا لتحرير الأقنان من عبودية الإقطاع كي يمكنهم استخدام معداته. كما أن حاجة الصناعة المتطورة إلى الأيدي العاملة شجع على تحرير الأقنان وانتقالهم إلى المدن. وعلينا ان نرى أهمية الدور الذي أعطته الكنيسة البروتستنتية لنشوء العهد الرأسمالي الذي كان حينئذ نظام المستقبل وتجاوز النظام الإقطاعي الراكد المتخلف. وعلينا أن نرى مدى أهمية الدور الذي أعطته الكنيسة البروتستانتية للعمل الذي هو منشأ القيمة الزائدة في النظام الرأسمالي. ونرى هنا بوضوح البروتستانتيين عادوا إلى بعض مفاهيم الماضي ليشقّوا غمار المستقبل.
لم يتوفر للثقافة العربية ما وفرته للثقافات الأوروبية الثورات العلمية – التقانية المتعاقبة عبر القرون الأخيرة: نهضة التنوير الأولى وما واكبها من انتصارات لقضية التحرر من غيبيات العصر الوسيط واستلاب الإنسان وقهره، وما تولد عن ذلك كله من جمود فكري. أنهت روح القوانين والثورة الفرنسية الحكم المطلق والكنيسة والإقطاع؛ وفي القرن التاسع عشر تم الانتقال الى الفلسفة الوضعية والأفكار الاشتراكية، الطوباوية والعلمية، والجدل المادي والمادية التاريخية.. وانتقالا الى الثورة الاشتراكية والثورة التكنولوجية والعلمية وفكرة التطور وفكرة النسبية وفكرة اللاوعي واستكشاف الفضاء .. إبان القرن العشرين .. فكل من المنجزات التي نتداولها يستند إلى كم هائل من المخترعات والاكتشافات العلمية. وكذلك المفاهيم الفكرية مثل الجدل ( الديالكتيك)والطاقة والتجريب والمادية والمثالية الخ مفردات دخلت في جوهر الحياة الاجتماعية للغرب، مقرونة بكم زاخم من المعارف والخبرات العملية، وما استتبعته من القيم والمعايير ثم النظرات الجمالية المنطوية في الفنون والآداب. من الطبيعي ان تستوعب هذه المفاهيم في مجتمعات الغرب المتقدم على نحو أغنى وأشمل وأكثر عيانية وواقعية مما نفهمه ، نحن الذين لم نعايش مكتسبات العلم ولم نكابد تطبيقاتها في مجالات العمل والإنتاج. ترددت شعوب الشرق في اجتياز الحواجز وبقيت تراوح عند تخوم التحديث وتتلقط بعض ثماره دون أن تكابد التجربة . خلال هذه المسيرة كان إعمال العقل طريق المعرفة، "ومن لا يعمل عقله لا يمكنه أن ينقد شيئاً، ومن لا ينقد شيئاً فانه مغترب وسيظل على اغترابه". كيف يتأتى إنتاج ثقافة حرة متطورة، حسب ما يطالبنا واقع التخلف، ونحن مكبلون بمختلف القيود؟ وكيف لنا أن نلبي مطالبته المتكررة "بإعمال العقل المودع بأجسادنا" إذا ما ألغيت حرية العقل وحقه المقدس بالنقد وإذا ما سلب قدراته على النقد والابتكار والإبداع والتجديد وأرداه جثة هامدة لا حراك فيها.
خلاصة القول انطلق الفكر الأوربي بجملة إبداعاته وحداثاته وفعالياته بسبب الخميرة الفكرية التي ترّكب عليها، فهو نتاج تاريخ رائع من تطور العلوم وتوالد المعرفة.
هيمنة الغرب

يضاف إلى ما سبق من معيقات هيمنة الغرب اقتصاديا وسياسيا وثقاقيا وعسكريا على مقدرات المجتمعات المتخلفة. باتت سالة جوهرية، تلك التي لاحظها روحي الخالدي في زمن مبكر وتطورت إلى ظاهرة مقلقة تشكل خطرا جاثما على البشرية جمعاء. فالرأسمالية ليست كلها شر ولا تخلو من الشرور. والتقدم العلمي المسخر لتطوير الإنتاج من أجل حصد أقصى الأرباح تورط في مثالب وسلبيات: في بلدانها عمدت الرأسمالية إلى الحط من القيم الإنسانية، واستثمرت طرائق العلم في تشويه إنسانية البشر. إن المصالح الأنانية المركزة حول الربح الأقصى عمدت في كثير من الحالات إلى عزل الباحثين عن المجتمع وعن نتائج أبحاثهم، ما سهل تكريس نتائج البحث العلمي في صناعة الموت وتحقيق الهيمنة الكونية على حساب حريات الأمم وحقها في التقدم والعيش الكريم. قوضت الرأسمالية الكثير من القيم الإنسانية. فتطوير العلوم دون أهداف تلتزم بتطور الإنسان أخذ يولد مشاكل جمة للبشرية، وعلى رأسها الحروب المدمرة. كما أن إهمال الإنسان يمسخ العقل ويربي العنصرية، ويدفع إلى التطرف. ويلقي الضوء هنا ما قاله أحد العلماء الحائزين على جائزة نوبل، جورج فالد، أستاذ العلوم البيولوجية، في محاضرة له عام 1969 أثناء زيارة قام بها لمعهد ماساشوسيتش للتكنولوجيا، أضخم المعا هد الأكاديمية التي تعمل بعقود مع البنتاغون. فقد قال ،" باتت حكومتنا مشغولة بالموت ، مشغولة بعالم أعمال القتل ، تقتل وتُقتل" .
شاء مكر التاريخ أن يحرز قصب السبق في التطور العلمي والإنتاجي منطقة جغرافية جنت لنفسها ثمار الثورات العلمية والتقانية المتوالدة. والنتيجة حرمان منطقة أو مناطق جغرافية شاسعة تضم القسم الأعظم من البشرية، في ما بات يسمى البلدان النامية من ثماره، الأمر الذي قسم العالم بين مهيمن وتابع، وعمق التفاوت في القوة المادية والمعنوية بين طرف متقدم وآخر متخلف وفي الصدارة منه الأقطار العربية والإسلامية. تمخض التفاوت عن علاقات غير متكافئة في النظام الدولي جوهرها الاستغلال و الاستتباع والإكراه. أفضى إجهاض مشروع النهضة العربية على مشارف القرن العشرين إلى تبعية فرضت مراوحة عملية التنمية العلمية وولوج درب التنمية الاقتصادية في دائرة العجز والقعود ضمن الحالة المتردية التي تعاني منها للمجتمعات العربية، حيث تستنزف ثرواتها الوطنية وكذلك عقولها الواعدة. اندفع سيل ازداد تدفقه من المواهب العلمية والعقول في هجرة جماعية للعمل والإنتاج في البلدان المتقدمة. خسرت الأقطار العربية طاقات بشرية مبدعة كان بمقدورها أن تسهم في تطور أقطارها اقتصاديا وثقافيا وسياسيا. مضت دائرة الشر من محسوبية وفساد تغلغل في نشاط البيروقراطيات المحلية سعت لاستبعاد الكفاءات وتضييق مجالات العيش الكريم أمامها، مستندة إلى القهر والفساد الإداري والمحسوبية. سدت سبل العمل بوجه العقول المبدعة في مواطنها، ذلك أن الكفاءة في الموضع المناسب تفضح عدم كفاءة العناصر المستندة إلى المحسوبية والفساد لدى البيروقراطية المتنفذة، فاضطرتها للهجرة. وتلقفتها البلدان المتقدمة التي ساندت الاستبداد والمحسوبية والفساد في مواطن الفقر. وهناك متغربون لم يدركوا القيمة الوطنية لمواهبهم فقصروا الرؤية على المصلحة الذاتية.
فالعلم في مجتمع يمجد الربح قد يناقض المبادئ الخلقية، إذ يفاقم المخاطر على حياة البشر ويزيد احتمالات تدمير البيئة أو تدمير الحياة. ولمواجهة هذه الأخطار تشكلت هيئات دولية ومحلية وإقليمية لتنظيم شئون البحث العلمي، وإدخاله عنصرا أساساً في الثقافة وتضافره مع الروح الإنسانية والوطنية. وبظهور العولمة المتوحشة أداة استنزاف الحد الأقصى من ثروات الشعوب وكفاءاتها الإنتاجية ومواقعها الاستراتيجية تنمو حاليا عولمة إنسانية تسعى لتجيير مكتسبات العلم والثورة العلمية لمصالح البشرية جمعاء. ففي عصر العولمة لا يمكن العودة إلى الوراء بل استبدال هدف الربح الأقصى بهدف إسعاد البشر.
وتعاظمت شرور الرأسمالية بدخولها مرحلة العولمة. عملية موضوعية طرأت على العالم في عصر السطوة المطلقة للاحتكارات عابرة القارات ونزوعها الجارف للأرباح الاحتكارية. اقتحمت العولمة دنيا البشر على شكل احتكارات نهمة تخترق الحدود مزودة بطاقة العلم وسرعته الرهيبة في إنتاج المعرفة وتطبيقها، وإدخال ما سمي "علم التكنولوجيا ". لم يعد العلم سابقا للتطبيق التكنولوجي على الدوام، بل أصبحت مطالب التكنولوجيا توجه أنواع البحوث العلمية. انتهى عصر ختم العلم بشهادة أو إجازة علمية، وبات مصير البشر في مهب إعصار متدفق من المعلومات والتقاني ليس لتراكم رصيده نهاية. شعوب العالم مكرهة على التعامل، إما بوعي وتقصد وإدارة واعية، أو الانجراف مع التيار المتدفق لمنجزات العولمة في لجج مجهولة المسار. مقابل التقدم العلمي الكاسح وبالارتباط معه حملت العولمة الحروب وتلوث البيئة وانتشار الفساد والتفسخ الاجتماعي والصراعات العرقية والطائفية والقبلية. إنها مظاهر التوحش الرأسمالي.
والإشكالية الماثلة بوجه شعوبنا إنما تتجسد في أسلوب إدارة المواجهة، وأمامها طريقان: فإما الاندفاع في لججها بغير تبصر فتغرق في لججها أو تقذف بها إلى حيث لا تدري من أسماك القرش أو الشطئان البرية. والبديل الآخر يعمل التبصر الذكي لفهم خلفيات العولمة وعوامل إنتاجها، والإدارة الواعية في توظيفها. يتطلب الأمر الفهم والتوظيف والفعل ورد الفعل لوجهي عملة العولمة، وما يترتب على ذلك من تنمية وتطوير للخصوصية وشحذ الإرادة لتطوير الفكر والقيم والقدرة الإنتاجية، وما تستلزمه من تطوير وتجديد لتنظيماتها المجتمعية. فتحدي نزوع العولمة لمحو الحدود وشطب الخصوصيات الثقافية من اجل صياغة إنسان نمطي تسيره إيحاءات العولمة، إن هذا التحدي يصب في تنمية الهوية القومية ، حيث الهوية كيان ينمو ويتطور عن طريق ما تصنعه الشعوب وتكتسبه بالممارسة . الخصوصية الحضارية ليست معطى جامدا ينقل عبر الأجيال، إنما هو كائن حي يتطور ويغتني. الخصوصية الثقافية، وتعني الهوية، لا تعطى مرة واحدة وإلى الأبد، بل هي معطى متطور يغتني بالقيم والمهارات والأفكار.
فقضية العلم واستخداماته لا تخص العلماء ومختبرات البحث العلمي فقط، إنما هي قضية المجتمع والإنسانية، إحدى قضايا التقدم والديمقراطية..
يتبع


ziriab12
:: دفاتري بارز ::
الصورة الرمزية ziriab12

تاريخ التسجيل: 27 - 10 - 2007
المشاركات: 84

ziriab12 غير متواجد حالياً

نشاط [ ziriab12 ]
معدل تقييم المستوى: 0
مقال التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ الحلقة 3 ـ
قديم 17-03-2008, 14:50 المشاركة 3   

التعليم قد يؤدي دور أداة التقدم والديمقراطية ـ الحلقة 3 ـ
سعيد مضيه

التوحش الرأسمالي يهدد البشرية بأكثر من خطر مهلك. ولم تعد القضية تأجيل التحديث لأعوام او عقود. فالبشرية، والشعوب العربية والإسلامية على وجه الخصوص، تواجه مخاطر كارثية تهدد بقاءها ولا تقتصر على مجرد تعطيل تقدمها وسلب إرادتها. ولنحدق في ما يعلن من مشاريع تخص شعوب المنطقة ولا تستشار بشأنها . فانتزاع الجماهير حقها في التحرر والتقدم والتنمية يعادل انتزاع حقها في البقاء كيانا حضاريا.
تعرف التنمية الاجتماعية بأنها الاندراج في عملية تراكمية تحسّن باضطراد من الظروف الاقتصادية والمعاشية والسياسية للمجتمع البشري. وهي تنطوي ضمن مركب التغيير التقدمي، على تنمية البشر مهنيا ومعرفيا وإبداعيا، وكذلك تنمية القيم والمعايير والمفاهيم بتحديثها، أي تخليصها من قيم العصر الوسيط، إلى جانب تنمية القوى المنتجة غير البشرية من خلال إدخال العلم في العملية الإنتاجية. ونظرا للموقع المركزي الذي يحتله الإنسان في عملية التقدم والتنمية بالذات، وحيث أن جوهر التغيير المطلوب ديمقراطي تحرري وتنموي في آن معا فإن قوته الضاربة هي الإنسان المزود بالثقافة الوطنية الديمقراطية، ومنطلقها الرئيس اكتساب قدرات التفكير المنطلق والإبداعي والامتدادي. بذا تكتسب الثقافة وصنوها التربية مكانة القوة الدافعة لعملية التغيير التقدمي. إذ من خلال نظام متقدم للتربية ومنظومة قيم ومعايير اجتماعية ومثال ملهم لقوى التغيير ينفتح أفق الخلاص أمام المجتمع المتخلف وتجاوز مأزق التقدم.
يجدر القول في هذا المقام أن التقدم، من خلال الاكتشاف والتمدد واتساع الأفق، يؤذن بثقافة المجتمع الصناعي والمغايرة لثقافة المجتمع الزراعي، ثقافة الدوران في دائرة مغلقة، ثقافة الفصول المتبدلة. التقدم، إذ يتميز بإدارة شئون المجتمع وفق مقتضيات العلم،يوسع حيز المعرفة المستنيرة بالعلم على حساب الشعوذة والخرافة والأوهام.
يفرض الوفاء التنويه في هذا المقام بأحد رواد التنوير في فلسطين ، هو خليل السكاكيني.
لم يقتصر السكاكيني لدى مقاومة المشروع الصهيوني على المواقف السياسية والمقاومة السلبية، بل أدرك الامتداد الحضاري والثقافي للمعركة التي رأى، ببصره الثاقب، أنها ستكون طويلة الأمد. لذلك كان الرجل رائداً في ميدانين ثقافيين تربويين، وبشكل علمي بعيد عن الصراخ. فمن الجهة الواحدة، آمن بأهمية فتح المدارس وتعميم الثقافة الوطنية، ووضع البرامج والمناهج التربوية المستمدة من واقع البلد العربي ومن ظروفه وتطلعاته، وكوّن رؤية متكاملة تدمج المدرسة بإ شكالية التحرر الإنساني. كان السكاكيني، الذي انخرط في ميدان التربية عام 1909، أحد كبار المربّين الفلسطينيين، تفوق على اللاحقين باستشراف الجوهر الإنساني للتربية، وربطه بالتخطيط للمستقبل في أكثر من ناحية.
باتت مسلمة أن وظيفة العملية التربوية في شتى المجتمعات والعصور تتمثل في تعزيز العلاقات الاجتماعية القائمة وتطبيع الأجيال عليها، وتدعيمها وتوطيد قيمها. لكن خليل السكاكيني توصل إلى وظيفة مغايرة ومفهوم متقدم للتعليم.
نادى السكاكيني بتعليم يترك الطالب"يربي نفسه بنفسه ويعلم نفسه بنفسه، ويحل مشاكله بنفسه، فلا يلغي شخصية التلميذ إذ يلزمه بالحفظ والنقل والتقليد. فذلك أنسب مع الهدف الأسمى الذي آمن به السكاكيني، ألا وهو خلق متعلم مستقل قادر على مواجهة مشكلات الحياة ومعضلاتها."... إفهموا التلميذ، إنه من الهيئة الاجتماعية وإنه شيء له قيمته ومكانته. أيها المدرس احترم التلميذ ناده يا سيد، إياك أن تجعله يقف أمامك وقفة الخاضع الضعيف، أشعر التلميذ بأنك عادل، وانفخ فيه من روح الرجولة ما يجعله عاملا في المستقبل، ليست وظيفتك أيها المعلم أن تخرج للأمة دراويش مطأطئي الرؤوس! إياك أن تكون شديد المراقبة على التلميذ، أشعر بأنك تثق به وبشرفه. غض الطرف إن ظهر منه أي شيء! لا تقل له أنت كاذب، صدقه ولو كان كاذبا"( خليل السكاكيني بين الوفاء والذكرى ، مداخلة محمد حبيب الله،ص82.)
سعى السكاكيني إلى تجذير احترام الطفل في العملية التربوية الفلسطينية، لا يضرب ولا يهان. مارس التعليم تحدوه الرغبة في توظيفه لمصلحة تثوير الحياة لا مجرد تنويرها. فرصد نماذج للتعليم تعوّد الأجيال على الخنوع، وتستنسخ شخصياتهم واستبدادهم، فأشغل ذهنه بنموذج مغاير يدرب الأجيال منذ الصغر على ممارسة الحرية والحوار، يفتح وعي المتعلم على بؤسه وقضايا وطنه، يربط الذاكرة التاريخية، ويغرس في الأجيال نزعة التمرد على البؤس والاهتمام بمشاكل الوطن وهمومه وتاريخه. "هناك مبدأ طالما دعوت إليه وبشرت به، وإني لأفخر باني أول من دعا إليه وبشر به في هذه البلاد، اجتهادا مني لا نقلا عن أحد، وهو تحرير التلميذ وإحسان معاملته... لست أعني أنها(المدرسة) تهيئ طلابها لأن يكونوا أحرارا في المستقبل، لكنها تريدهم أن يكونوا أحرارا منذ اليوم، وإذا لم يكونوا أحرارأ منذ اليوم فلن يكونوا أحرارأ إلى الأبد ... عبودية المدرسة في الحاضر تصادر المستقبل قبل أن يأتي.... رأيت الجندي يخاف الضابط. والجندي الذي إن رأى ضابطه توقع لطمة إنما هو وليد المدرسة التقليدية"( نقله فيصل دراج، المثقف الحديث وصعوبات البحث عن الارتقاء، الكرمل، عدد 57، خريف 1998. )
.
المدرسة الحديثة لا تطبّع مع التقاليد والتخلف والمحافظة، ولا تهادن امتهان الإنسان واستلابه وقهره. و"المدرسة تخلق تلميذها الوطني حين تجعله يرى قضايا وطنه المشخصة وتحضه على أن يبحث لها عن حلول. تغتني الهوية الفلسطينية من خلال الاطلاع على القضايا التي تنمي في الإنسان حسه الإنساني، كي يكون مواطنا وتربط التعليم بالحاجات وتجعله يحاور قضايا الإنسان اليومية...لا يكون الإنسان إنسانا ما لم يكن مثقفا، أي إذا امتلك وعيا يبين له البؤس الذي هو فيه"(- المصدر السابق)
إذا أقرت البشرية التقدمية في نهاية القرن العشرين للعالم التربوي باولو فريري، من أميركا اللاتينية بالفضل في استحداث نهج " تعليم المقهورين" فقد استحدث خليل السكاكيني بهدوء في أوائل القرن مبدأ المدرسة الوطنية ونظام التعليم من أجل التحرر الإنساني والوطني. ولهذا وغيره اتفق الجميع على أن السكاكيني ظُلِم وأغمض حقه. أشار الباحث الفلسطيني الدكتور أنيس الصايغ في مقدمة كتاب "خليل السكاكيني" للدكتور يوسف حداد إلي الغبن الذي لحق بالرجل من جراء تجاهله أو الجهل به، عربياً وعالمياً.
يسند للتربية مهمة إنجاز التغيير التقدمي، وبات يطرح على عاتق المدرسة والجامعة توظيف العملية التربوية في تنوير عملية التغيير الديمقراطي، بحيث تغدو العملية التربوية إحدى العتلات الأساس لإحداث التغيير الاجتماعي. لا يقتصر الأمر على تدريس العلوم. فعلى سبيل المثال عندما يدرس التاريخ تتابع عهود حكام أو"إنجازات" أسر حاكمة تنغرس في أذهان الناشئة والأجيال مسلّمة توهم أن الفرد يملك قوة الحسم في التاريخ، وأن الحكام هم أصحاب الفضل بناة الحضارات، ومن حقهم لذلك الاستئثار بالثروات الوطنية، ومن واجب الجماهير الولاء لهم بالطاعة. بالمقابل يتولد انطباع نقيض حين تقدم مظاهر العمران والحضارات حصيلة جهد المنتجين ممن يحركون عجلة الإنتاج ويطورون القوى المنتجة حيث يتطور العلم والمعرفة وتزدهر القيم الروحية وتتحقق القوة المادية. حينذاك تنغرس مسلّمة أن عمل الكادحين وتطوير القوى المنتجة البشرية والمادية، هو القوة الدافعة للتحولات الاجتماعية. في العصور القديمة سيطر الحكام على مجمل الحياة الاقتصادية والثقافية والسياسية، فحافظوا على شمولية الحكم. وفي العصر الحديث احتفظ الحكم بالسيطرة على شئون التربية والإعلام وسخرهما لتعزيز المحافظة الفكرية والسياسية والثقافية. وظف الحكم العملية التربوية من أجل إعادة إنتاج العلاقات الاجتماعية القائمة، وفي سبيل تثبيت وترسيخ قيم العصر الوسيط في الوعي الاجتماعي.
في عصر العولمة يسند للجامعة دور مواجهة التحدي. يؤكد الدكتور حامد عمار في دراسته التربوية"التعليم والثقافة في تحدي العولمة"(القاهرة 2006) "في ظروف العولمة غدا التعليم الجامعي عاملاً في تكوين المواطنة وإعداد القوة البشرية. بينما يشهد حاضرنا هجرة جماعية للعقول طلباً لمداخيل أعلى وأكثر ديمومة". ثم يمضي إلى القول " وإلى جانب التوسع الأفقي ينبغي التركيز على التحول النوعي للدراسة الجامعية للتركيز على البحث العلمي وإنتاج المعرفة. وهذا يفرض ضرورة التغيير في الأنظمة المالية والإدارية باتجاه المزيد من الاستقلالية، وتوسيع مواقع اتخاذ القرار. كما يتوجب التركيز على تكوين الذهنية العلمية بمقوماتها في التوجه النقدي والتجريبي والتحليل والتركيب والمنطق والبناء والتأمل والتقييم والإبداع، وكلها مقومات المنهجية العلمية. و" تنطوي المنهجية العلمية على الاهتمام بمناهج التشابك والرؤية المنظومية والعلاقات الدينامية والتفاعلية لدى دراسة الموضوعات ".
في ضوء هذه الوظيفة السياسية بامتياز بات موضع اتفاق بين المثقفين الوطنيين على أن إعادة صياغة المنظومة التعليمية يشكل إحدى ضرورات الأمن القومي، الاجتماعي والاقتصادي. وبذا لم تعد قضايا التربية حصرا مهمة التربويين وحدهم، إذ النظام التعليمي " أوسع فضاء اجتماعي للتنافس والصراع بين القوى الاجتماعية "، على حد تعبير الدكتور حامد عمار. كذلك، وحيث أن النظام التعليمي رصيد للمجتمع فلا يجوز أن يترك أمر تنظيمه أو إصلاحه لحركة السوق وحدها. وضمن هذا السياق يغدو إنتاج العلم والتقاني جزءاً عضويا من وظيفة الجامعة. وهذا ما تحْجم عنه الجامعات الخاصة لأنها تجارية. كما تقضي النظريات التربوية الحديثة التركيز على وظائف الاختيار الحر والنقد والإبداع للعملية التعليمية منذ الصغر. ويظل السعي لتأكيد ملامح النقد والإبداع وتربية الشخصية المستقلة المبادرة في العملية التربوية مطالب جوهرية في التجديد التربوي. إشاعة الديمقراطية وتنمية طاقات الأفراد وتسريع التنمية الاقتصادية عملية موحدة عضويا و تستهل بتغيير أسلوب تربية الطفل. المنهجية العلمية بأوسع رحابها تقارب العملية التعليمية من مكتشفات علم الأعصاب وعمل الدماغ وآلية النفسية الاجتماعية كما تغلغل في تخومها علم النفس الاجتماعي وعلم النفس التربوي وشتى علوم الطبيعة والمجتمع. إن تكوين المنهج العلمي في عملية التعليم والتعلم أهم من اكتساب المعلومات ذاتها، حيث المنتج النهائي للعملية هو القدرة على الوصول إلى مصادر المعلومات وإعمال الفكر فيها وتوظيفها بالشكل الأمثل في حل المشكلات أو إنتاج معارف جديدة

1- القاعدة الذهبية لعملية التربية تستند إلى قناعة علمية بأن كل طالب لديه القابلية للتعلم. وبات مستهجنا القول أن طالبا يعتبر الرياضيات مادة صعبة ، وأن اللغة عصية على الفهم. فقد طور اليابانيون أساليب متبعة في الإفهام والتدريب والفهم. والمثابرة ضرورية لدى كل من المعلم والمتعلم في تلمس الطرق والوسائل لبلوغ المستوى المطلوب. والمطلوب في جميع الحالات استخدام وسائل التعليم المناسبة والتبسيط والتدرج في معالجة الضعف والقصور. هذا إلى جانب الصبر والأناة والإصرار .
2- كما أن القول بمحدودية الذكاء، وتوقف نموه أو اقتصاره على بعد واحد هي من مخلفات نظريات التعلـّم التي أفرزها العصر الصناعي والطبقي والاستعماري العنصري في الغرب. وهي للأسف مسيطرة على فكر المدرســـة والجامعة في بــــلاد العــــرب، مع أن البحوث والدراسات الجــــــديدة تثـــبت أن الذكـــــاء متعدد الأوجه Multiple Intelligence Theory ، وأن المخ ينمو ويزداد وزنه وحجمه وتزداد عدد التشابكات العصبية فيه كلما اكتسب المرء الحرية والثقافة الغنية. ويترتب على هذه الحقيقة العلمية أن نظام التعليم العربي الذي يعتمد الفرضية الرجعية المشار إليها آنفا يهدر المواهب والقدرات والقابليـــــات الكثيرة في النـــــشء.
3- الثقة قاعدة تربوية تنطوي على أهمية بالغة لمواصلة النمو في العملية التعليمية. ثقة المعلم بنفسه وبالطالب، وثقة الطالب بالمعلم وبنفسه، وثقة الطرفين بالقدرة على النمو المعرفي من خلال التعاون المتبادل والعقلية النقدية. العقلية النقدية تربي الشخصية المستقلة، بعكس التعليم التلقيني يربي الشخصية التابعة والمستلبة. العقلية النقدية نهضت على أنقاض البلادة الفكرية والنقل الاتباعي. فهي لا تأخذ أي شيء على علاته‏,‏ وإنما تبحث وتدرس وتقارن وتختار ما يلائمها‏,‏ وترفض ما لا يتفق مع خصوصياتها الحضارية والدينية‏.‏ وكان الفيلسوف العربي ابن رشد قد تميز بموقفه النقدي من الأشياء وعنه اخذ غاليليو منهج النقد. فقد قرر أن الاطلاع علي ما لدى الآخرين يعد واجبا شرعيا‏,‏ ثم أضاف قائلا‏:‏ "ننظر في الذي قالوه من ذلك وما أثبتوه في كتبهم‏,‏ فما كان منها موافقا للحق قبلناه منهم وسررنا به وشكرناهم عليه‏,‏ وما كان منها غير موافق للحق نبهنا عليه وحذرنا منه وعذرناهم‏.‏" إن رفض الأخر بصورة إطلاقية لا يعني استقلالية الشخصية، حتى ولا استقلالية الفكر.

4- ضرورة إسناد عملية التعليم على قاعدة الأسلوب الحواري حيث نكتشف مواضع الغموض من خلال الحوار والإضافة لما قدمه المدرس. وقد تأكدت هذه الحقيقة على يد الفيلسوف والفقيه أبو حيان التوحيدي، إذ قال: بالحوار تتقادح النفوس وتتلاقح العقول وتتفاتح الألسنة. من الضروري الإقلاع نهائيا عن أساليب التلقين وتربية الحافظة، والحرص بدل ذلك على تربية ملكة التفكير والإبداع وروح المبادرة والنقد. وعلى المدرس أن يعرف أن ما يقدمه من معرفة لا يستوعبه الطلبة ينفس المستوى، وإنما يتفاعل مع الخبرة المكتسبة سابقاً لكل طالب. وهنا تبرز أهمية أن يناقش المدرس ويشجع على الحوار ويعطي الطلبة الفرصة لعرض خبراتهم وأن يتفهم المدرس أخطاء الطالب ويستقبلها بروح التسامح.
كما يساعد على تنشيط الإبداع تنوع المدارس الفكرية في الرؤى المعرفية والمقارنات المنهجية. ومن شأن التعددية الفكرية أن تفسح مجالا لإثراء المعرفة والتعليم، ويدرك الطالب أن ليس هناك نص وحيد للمعرفة مطلقا وقطعيا، وأن ثمة هناك وجهات نظر في تفسير الحقائق وتوظيفها. وبهذا أيضا تتولد المرونة الذهنية والانفتاح العقلي للمتغيرات والتحولات والاجتهادات. وهذا يحول الجامعة إلى ملاذ ديمقراطي تتفاعل داخله الرؤى ومختلف الوحدات داخل الجامعة حول محور الكفاءة العلمية والإنتاج العلمي المتجدد. ويفترض في الطالب قدرة الفرز والإدراك والنقد والانتقاء، والتحسب والبصيرة في التعامل مع المعلومات من أجل توظيفها في عمليات التعليم والبحث.

5- استخدام المعلم لكل الطرق الجاذبة للاهتمام وان يقف وسطا بين التجهم والتبذل ويكون صديقا للطلبة، لطيفاً معهم، لا قاهرا لهم. تدعو نظرية باولو فريري التربوية" تعليم المقهورين" إلى أن هناك تعليم للمقهورين كي يتحرروا أو تعليم من أجل القهر. التعليم للقهر تتجلى وسائله في القهر من خلال عملياته كافة، وفي المناهج والمدرسة والعلاقة بين المدرس والتلميذ وفي عمليات الامتحان وفي بيروقراطية الإدارة والكتب المدرسية، وفي نظام توزيع الطلبة على مختلف التخصصات وفي تدني قيمة التربية الفنية وفي أساليب العقاب والثواب، وبالدرجة الأولى في اقتصار التعليم على التلقين وإجهاض ملكات التفكير المبدع والخيال الحي. وكل ذلك من شأنه تهيئة الأجيال لتقبل استبداد الحكم وتسلط البيروقراطية.
6- ومن قواعد التعليم اتباع النظام والتنظيم الجماعي في التعليم. والتعليم في الأقطار العربية فردي تنافسي، وينبغي أن يقوم على أسس التعاون وروح الفريق وجماعية الأداء، ذلك أن الأنشطة الإنسانية المختلفة تنجز بكيفية أفضل إذا قامت على التعاون وعمل الفريق. ويعني هذا التعويد على قواعد السلوك الجماعي والالتزام بها دون تمييز بين الطلبة. تناول أخطاء الطلبة بالأناة المطلوبة وتدابير الوقائية العلاجية غير العقابية. داخل المدرسة والصف قد تبرز حالات احتقان لدى طالب او أكثر، والعنف الكلامي او المادي يؤدي إلى نتيجة عكسية تزيد السلوك العدواني كبتا فانفجارا.

7- جماعية التعليم والتدريب والمعايشة قضية هامة في التربية. في مرحلة الطفولة تراعى مهمة التنمية المتكاملة لمختلف طاقات الطفل البشرية، البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية والجمالية والمهارية. ولعل المحصلة النهائية لكل عمليات التعليم ومضامينها هي "ما يترسب في عقل المتعلم ووجدانه وسلوكه من توافر ديناميات الحركة في مجتمعه مؤثرا ومتأثرا فاعلا ومنفعلا، مرسلا ومستقبلا، مكيفا ومتكيفا، معطيا وآخذا، مبدعا ا وناقدا" حسب تعبير الدكتور عمار. تنطوي على أهمية تربوية عظيمة تنسيق العلاقة بين الفرد والمجتمع. عملية النضج والتناسق في مركب الذات / الغير في بناء الشخصية من أهم مقومات التربية المدنية بغية تحقيق التماسك المدني. باختصار يظل الهدف تنمية الإنسان الكلي المركب بكل قدراته وإمكانياته.
الطفل يعرف العالم من خلال ذاته. لكنه يكبر وينفتح على العالم من حوله. إن تكوين الثقافة الأساسية المشتركة وتنمية مشاعر الانتماء وسلوكياته إنما تبدأ من التنشئة الأولى للطفل في الأسرة، ويجري ذلك من خلال التجربة المباشرة. وتتسع دوائر الثقافة المشتركة حين يمتد تعامل الطفل مع الأقران والأنداد موصولة في مراحل تالية من خلال مؤسسة التعليم والنادي ومؤسسات العبادة. خلال هذه التجارب قد يتولد لدى الفرد مع استيعاب الرموز والمؤشرات الثقافية قدرات على النقد والتغيير. تتسع محاور نمو قدراته الذهنية والوجدانية والبدنية، وتظل القدوة والواقع العياني والفعل الممارس والخبرة المكتسبة أقوى أثرا في الفرد. اما في حالة التثبت النفسي الذي يجد فيه الفرد طمأنينته في الوحدات الاجتماعية الضيقة فقد يضعف الانتماء لوحدات أوسع مثل الوطن والعروبة أو معاني الإنسانية الشاملة.
وفي حال التشبث الطفولي في التمحور حول الذات (التثبت النفسي Psychological Fixation)، وهي نتاج التفاعل مع ظروف أسرية وغيرها من المؤسسات والمواقف الحياتية، يعتريه موقف انا طاغية تتجه به للانعزال عن المجتمع. وإذا غدا التثبت حول الذات ظاهرة في المجتمع تتسرب التشوهات داخله وتهتز قيم التماسك والتكافل الاجتماعي ويتنامى عدم الاكتراث بما يحدث خارج الفضاء الذاتي، و تشيع عادة "يصطفلو".
8- العملية التربوية تتطور وتغتني بالخبرات ونتائج البحوث وتقنيات التعليم. وعلى المدرس مواكبة التطور ومواصلة القراءة. كما ينبغي تحفيز المعلمين والموجهين على تقويم المقررات الدراسية في مختلف المواد ورفع النتائج إلى المراجع العليا.
9- تتكامل قضية تربية الطفل بمحتوى اللغة. وقد تناول الدكتور شكري عياد في كتابه " "مدارس بلا تعليم وتعليم بلا مدارس" مشكلة تعليم اللغة الأم. ويشير إلى أن الطفل في المدرسة الابتدائية يستمتع برموز اللغة. ويفضل هذا الباحث الانتقال التدريجي بالطفل من اللغة المحكية (العامية) إلى اللغة الثقافية، وذلك بإحلال كلمة "ثقافية" بدل كلمة محكية، ثم جملة بدل جملة أو صيغة محل صيغة أو تركيب محل تركيب، مع تأكيد أولوية القراءة على السماع. لكن الاقتصار على كتاب واحد في القراءة يؤدي إلى هبوط مستوى الإتقان والاستمتاع بمهارات اللغة، إذ يجب إضافة منوعات الأناشيد والأشعار والآيات القرآنية والأحادبث. إن عشق القراءة وتكوين الإنسان القارئ فيما بعد لا يتحقق إلا من خلال توفير كتب وقصص متنوعة وممتعة، ومناسبة لسن التلميذ. وفي هذه السن تغرس بذور هواية القراءة التي يكون لها مردود مباشر وغير مباشر على سلامة التفكير والتعبير كتابة ومحادثة. ويرى الدكتور عياد أن "النحو والإعراب مهما يسرناه او أكثرنا من التدريب عليه فالنشاط اللغوي العملي أهم منه". وفي هذا الاتجاه أشار السكاكيني. فقد نصح بالتخلي عن تعليم القواعد جافة ****** من النصوص؛ وألح على أسلوب تحفيظ النصوص المتضمنة للمبادئ النحوية. ويعود الدكتور شكري عياد ليؤكد، في أكثر من موضع، النشاط اللغوي العملي تعبيراً في تصوير موقف للمحادثة بين الطلاب، او عن طريق التمثيل والخطابة والمناظرة، أو في العمل المشترك لإصدار صحيفة حائط. وهذه النشاطات تمارس في حصص تعليم اللغة ولا تقتصر على ما يعرف بالنشاط المدرسي. وينصح المؤلف أن تشمل كتب المطالعة موضوعات علمية لكي تظل اللغة العربية لغة ثقافية حية، إذ أن حاجة مجتمعنا إلى العلوم الطبيعية والبيولوجية لا تقل عن حاجتها إلى العلوم الإنسانية. وكلا المجالين يدخل في صياغة النظرة العلمية التي تشكل روح الثقافة والتاريخ العربي الحديث شاهد على تزاوج الأدب والعلم، وعلى إغناء الثقافة الوطنية بالترجمات عن اللغات الحية.
10- غدت مهمة التربية تكوين عقل متجدد نحو تنظيم مجتمع متجدد في عالم متجدد. وأهم الوسائل لتحقيق الهدف هي مؤسسات التعليم والثقافة، ويمكن اختزالها في تنمية التفكير العلمي ومناعة الهوية الثقافية. التعليم والثقافة عنصران مهمان في التنمية البشرية وهما من أهم عناصرها. إن بناء البشر وإنضاج قدراتهم المختلفة هو معيار البقاء والنماء متغلبا على الثروات المطمورة وقوة السلاح. وفي قلب التغيرات الثورية في مجال العلم والتقاني يكمن دور المعرفة العلمية والتطبيقية في حياة الناس والمجتمع. وغدا إنتاج المعرفة من البحث العلمي والتكنولوجي من أعلى الأنشطة الإنسانية تكلفة، كما أن توظيفها في قطاعات إنتاج السلع والخدمات قد أصبح أكثر عوامل الإنتاج عائداً.
لا أود مغادرة موضوع التربية دون تقديم واحد من أكثر العقول التربوية وأجرأها ممن مدوا إلى أوسع مدى الرسالة التحريرية للتربية. إنه الفيلسوف من أمريكا اللاتينية باولو فريري، الذي تدين لأفكاره التربوية النهضة السياسية والاجتماعية الراهنة التي تجتاح القارة .

اعتبره النقاد أهم مفكر تربوي في القرن العشرين "لما لكتاباته من أثر في حقبتنا المعاصرة". إن فلسفته إنسانية، نظرا لانطلاقها من ضرورة تحرير إرادة الإنسان، وأساس ذلك مكافحة موات الصمت المفروض من قبل أنظمة القهر. وفلسفة فريري التربوية هي،ثانياً، فلسفة الديمقراطية لأنها تعتمد على الحوار في توعية المقهورين من خلال التعليم وتشدد على ضرورة مساهمتهم في صنع القرار, وهي، ثالثا، فلسفة التغيير التقدمي، تفعل في الواقع لتحركه وتغير بنيته الاجتماعية.

ترسخ لدى فريري أن الديمقراطية مؤسسات ومشاركة جماهيرية يطلق حركتها تعليم يشحذ الوعي بذوات المقهورين، ويكسبهم القدرة على الفعل والتأثير. وبذلك تشابكت أفكاره التربوية بالعمل السياسي، واعتبر التعليم وجهاً آخر للسياسة. وكان لا بد أن تضعه محاولاته لتبديد ثقافة الصمت والأسطورة والجبرية التي أكسبته تعلق الفلاحين علي القائمة السوداء للعسكريين الذين وصلوا الحكم بانقلاب دموي عام 1964. سجن واتهم بنشر أفكار " خائنة للمسيح وللشعب البرازيلي فضلاً عن كونه جاهلاً وأميا". وفي السجن شرع يحرر أحد كتبه " التعليم كمنهج لممارسة الحرية"، وفيه طرح أسلوب التعليم المؤدي إلى تحرير الإنسان وتغيير أوضاعه.
ومن أجل تحرير فئات المقهورين من ثقافة الصمت والاغتراب أعطى فريري للمقهورين حق الثورة والعنف بمختلف الوسائل، لكنه تراجع ليركز على النشاط الإنساني السلمي. ذلك أن القهر يرسب في ضحاياه ازدواجية تتأرجح بين الاستئناس والإذعان للقهر وبين غليان وانفجار، فليس من سبيل للخلاص من هذه الازدواجية غير إثارة الوعي لدى المقهورين وتنظيمهم للعمل الديمقراطي السياسي.
وفي كتابه " تعليم من اجل الأمل" رفع راية العلم والتربية بوجه تيار الفساد والجريمة المنظمة والجشع والضياع الذي يكاد طوفانه يغمر البشرية. والإنسان المحاصر بتلاوين الظلم والقهر والتهميش بحاجة دفقات من الأمل ، كي يقهر بالنقد والوعي الظلام المدلهم تحت وطاة القهر والتجويع والحروب العدوانية.
أكد فريري أن التعليم عمل سياسي بامتياز، إما أن يكرس لإعادة إنتاج الوضع القائم أو يعمل على تغييره.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أداة, التعميل, التقدم, الحلقة, جندي, دور, والديمقراطية

« محبة الناس | عرض تحت عنوان (مفهوم جودة التربية والتكوين كمدخل حاسم في التنمية البشرية ) »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عاجل و اخيرا الحلقة الاضعف في التعليم aminnne دفتر مشاكل وقضايا إصلاح التعليم بالمغرب 21 03-04-2009 21:13
المكتبة المدرسية : أداة لجودة التعليم والتربية Med_Rida مكتب المدير 6 08-03-2009 20:00
كيف يؤدي الموظف السؤولية حق أداء ؟"الحلقة الختامية" الاستاذ المتدرب الأرشيف 1 15-12-2008 09:57
كيف يؤدي الموظف المسؤولية حق أداء ؟ "الحلقة 2" الاستاذ المتدرب الأرشيف 3 14-12-2008 17:56
بلاغ صحفي المكتبة المدرسية : أداة لجودة التعليم والتربية التربوية الأرشيف النقابي 0 31-10-2008 04:19


الساعة الآن 12:11


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة