إذا كان المؤتمر التأسيسي هو ثمرة مخاض ما قبل التأسيس فإن المؤتمر الأول هو تتويج لتجربة التأسيس كما لا يخفى. ليس الهدف من هاته السطور التأريخ للمخاض والتجربة وإنما الاسهام في النقاش الداخلي والخارجي الدائرحول هاته المؤسسة من خلال طرح الأسئلة أو بالاحرى الاسهام في البحث عن الأسئلة الانسب للطرح في هاته المرحلة انطلاقا من الاقتناع بكون لكل مرحلة أسئلتها، وإذا وفق المعنيون بأمر ما في طرح الأسئلة الأنسب في مرحلة ما فذلك بداية الطريق. - عودة إلى سؤال التأسيس: 1-1- متى بدأ التفكير في تأسيس نقابة لمفتشي التعليم: هل بدأ هذا التفكير قبيل التأسيس (أبريل 2003)؟ أم أنه أقدم من ذلك بكثير؟ كلنا يعرف أن عدة لجان تحضيرية، في عدة جهات اشتغلت على فكرة تأسيس النقابة، على الأقل قبل "التئام" مجهوداتها في اجتماع فاس قبل المؤتمر بحوالي شهرين. فلكل تلك اللجان دور ولأولئك الذين حضروا الاجتماع التحضيري دور، كما أن للذين حضروا المؤتمر التأسيسي دور؟ غير أن هذا الدور الحاسم لكل هؤلاء لا يلغي ما تفيده كثير من الشهادات الشفهية لمفتشين قدامى، كما تفيده أيضا محاضر اللقاءات بين المفتشين في إطار أنشطتهم الجمعوية، والتي تنص على كون النقاش حول هذا الموضوع بدأ على الأقل في بداية الثمانينيات من القرن الماضي. إن الخلاصة الأساسية هاهنا هي أن الوعي بتأسيس النقابة ظل حاضرا في خطاب المفتشين لعدة عقود، وهو الذي بلوره أولئك المذكورون أعلاه، بعد أن نضج كميا، وأصبح قابلا لأن يستثمر نوعيا. تقودنا هاته الخلاصة إلى سؤال أساسي: 1-2- ما هي الأبعاد العميقة لنزوع المفتشين، ومنذ وقت مبكر، إلى تأسيس نقابة مفتشي التعليم؟ هل كان التفكير فقط لأسباب " خبزية" كما يرد في بعض الكتابات؟ هل كان ذلك لمجرد كون هاته الفئة من ضحايا النظام الأساسي 1985؟ ولمختلف التطورات التي عرفها الملف فيما يتعلق بالمطالب المادية والمعنوية الخاصة بالمفتشين كموظفين؟ ألا تختزل هاته القراءة وعيا نمى طيلة عقود في بعد آحادي الجانب؟ وإذا سلمنا جدلا بصحة هذا الطرح وهذا المنحى في التساؤل أيكون ذلك كافيا لتفسير الالتفاف السريع للمفتشين حول نقابتهم بمجرد تأسيسها إلى درجة جعلتها وبلغة الأرقام تحصد نسبة مهمة من مقاعد اللجان المتساوية الأعضاء إذ حصلت على رتبة متقدمة في الترتيب العام للنقابات. وهل يكون كافيا لتفسير نجاح النقابة في حشد عدد هائل من المفتشين بمناسبة الوقفة\\المسيرة الاحتجاجية ل 2 مارس 2006؟ لاشك أن هاته القراءة الآحادية لن تسعفنا في تفسير هاته الظاهرة لأن كل قراءة آحادية محدودة بطبيعتها واختزالية تبسيطية، وإلا كيف نستطيع تفادي أسئلة من نوع آخر، وفي السياق نفسه، من مثل: كيف نفسر أن هاته الفئة كانت من الفئات التي اختارت تأسيس نقابة مستقلة، وإن لم تدع أنها بديل نقابي عن النقابات القائمة؟ أيكون ذلك فقط رد فعل على موقف النقابات التقليدية من الملف المطلبي للمفتشين؟ أم أنه تحول نوعي ووعي عميق بأهمية مقاربة جديدة للفعل النقابي في المغرب وتوثب للاسهام في مرحلة انتقالية حاسمة في تاريخ ذلك الفعل، خاصة إذا علمنا أن القانون الأساسي للنقابة سواء في طبعته الأولى أو المعدلة (بمناسبة المؤتمر الأول مايو2006) اعتمد بعض الاختيارات "الثورية" من مثل عدم جواز الترشح لولاية ثانية بالنسبة لمن شغلوا مهام الكاتب العام أو أمين المال أو المقرر، ومنع خضوع النقابة لأي مظلة سياسية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى ألا نلاحظ أن وعي المفتشين النقابي بدأ يتبلور بموازاة النقاش الساخن حول المنظومة التربوية والذي عرف تحولا نوعيا مع إصلاح 1985؟ خاصة وأن الملف المطلبي للهيأة ومنذ طبعته الأولى اهتم بمطالب تلك المنظومة إلى جانب اهتمامه بمطالب المفتشين كموظفين وكأطر؟ وكثير من بيانات النقابة خصص فقرات مهمة لموضوع المنظومة التربوية، بل إن بيانا صدر في مطلع 2004 عن المجلس الوطني حذر من المخاطر التي تحف بتلك المنظومة وقبل صدور تقارير رسمية في الموضوع (أنظر التقرير الأخير للجنة الملكية المكلفة بمتابعة تنفيذ الميثاق الوطني للتربية والتكوين) ألا يقودنا كل هذا إلى خلاصة أساسية مفادها أن المفتش، وباعتباره مسؤولا عن تقييم المنظومة التربوية يختزن في ذاته آلام تلك المنظومة وأفراحها أيضا، مما جعله ينحو نحو تأسيس نقابة يعبر من خلالها عما يعتمر في ذاته من شعور حيال تلك المنظومة، ومطالب المفتشين جزء من مطالبها؟ تقودنا هاته الخلاصة إلى سؤال آخر أساسي: 1-3- لماذا يتمسك المفتشون بالاستقلالية الوظيفية؟ هل يتمسكون بها فقط لإرضاء نزوة سلطة او حنين لممارسات بائدة؟ أم أن الأمر له صلة بما ذكر في التساؤلات الأخيرة؟ أليست أدبيات المفتشين من خلال أنشطتهم الجمعوية خير دليل على بطلان هذا الادعاء؟ أليس المفتشون هم أول من ثار على تسمية " مفتش" واستبدلوها بالاشراف\\التأطير التربوي؟ ألا تكذب الممارسة، في الغالب الأعم ذلك الادعاء والشاذ لا يقاس عليه؟ أليس مطلب الاستقلاية الوظيفية مطلبا للمنظومة التربوية قبل أن يكون مطلبا للمفتشين؟ ألا يقصد بها إيجاد إطار لتقييم المنظومة بموضوعية ونزاهة مع إيجاد صيغة لتقييم ذلك التقييم نفسه؟ أليس ذلك رفعا للحجر عن الهيأة من قبل جهات ليس من مصلحتها أن يكون ذلك التقييم نزيها؟ ألم يحارب المفتشون من داخل الوزارة ( إدارة مركزية، آكاديميات، نيابات…) لكون التقييم مزعجا في كل الأحوال بالنسبة لأولئك. وفي كلام السيد وزير التربية الوطنية ما يؤكد ذلك عندما استغرب ولم يفهم سبب تهميش المفتشين؟ ألم يعط المفتشون الدليل على صدق ما ذهبنا إليه عندما أعلنوا عن تشبثهم بهذا المطلب في كل المناسبات؟ 2- الاستقلالية والاستقلالية: تقودنا التساؤلات السابقة الى اعتبار الملف المطلبي للمفتشين من خلال نقابتهم تجسيدا لوعي تربوي ونقابي ينطلق من الاستقلالية الوظيفية كخيار مهني ليعانق استقلالية الفعل النقابي عن المظلة السياسية كخيار نقابي. ولكن أليس كل النقابات، حتى التي لها مظلات سياسية تدعي في قوانينها أنها مستقلة؟ أيكون كافيا اعتماد الاستقلالية في النصوص كي نكون بالفعل مستقلين؟ أليست الاستقلالية نمط تفكير؟ أليست سيرورة وعملية بنائية دائمة التفاعل عوض أن تكون إعلان لحظة وخيارا استاتيكيا؟ هل تنجح عبقرية المفتشين في المساهمة في تحقيق الاستثناء وبناءتجربة متفردة؟ هل يعول على النوايا فقط؟ 3- تجربة ثلاث سنوات: إلى أي مدى صمد خيار "الاستقلاليتين" في تجربة التأسيس؟ هل كان للتجاذبات السياسية حضور في تلك التجربة؟ وما هي درجة ذلك الحضور؟ هل قيم المفتشون بما فيه الكفاية تجربتهم تلك؟ وهل كان المؤتمر الأول بمختلف مجرياته نتيجة لذلك التقييم؟ هل كان إدماج اللجنة الإدارية في المجلس الوطني بعد وظيفي أم تطوير للآليات القانونية لترسيخ الديموقراطية؟ هل كان وراء الابقاء على التمثيلية الجهوية ودعمها السبب نفسه؟ هل كانت استشارة القواعد في شهر دجنبر 2005 سابقة لتضييق هامش الحرية لدى الأجهزة في اتخاذ القرارات؟ أم أنها تجربة متقدمة حشدت المفتشين حول نقابتهم وتضاعف عدد الحاضرين منهم في الوقفات الاحتجاجية؟ هل كان غضب القواعد بعد قرار 19 مارس 2006 غضبا على "التساهل" مع الوزارة قبل تحقيق مكتسبات أم غضب على عدم استشارتها؟ تلك أسئلة سقناها على سبيل التمثيل لإثارة الأذهان لمناقشة الموضوع، وإلا فإن تجربة نقابة مفتشي التعليم تجتاج للتامل فيها إلى أكثر من ذلك بكثير مما نرجو أن تسعفنا الأيام لبسطه وتفصيل القول فيه. باعتبارها تجربة في الممارسة الديموقراطية وتجربة في نسج خيوط جدلية مطالب المنظومة ومطالب المفتشين، وجدلية المطلبي بالاقتراحي… وأخيرا وليس آخرا إن الديموقراطية لا يمكن أن يمارسها إلا الديموقراطيون وإن تعددت النصوص والاجراءات. ثم إن مستقبل النقابات عموما يكمن في مدى قدرتها على تثمين أدوار قواعدها في اتخاذ القرارات وتفعيلها. محمد راشيد