فلا يترجمها سوى القلب , فلست أظن أن هناك
قلبا يخلو من صفة الحنان مهما بلغت قسوته ,
إلا أن يكون قلبا اسود خبيثا .
نعم قد تتفاوت درجات الحنان داخل القلوب ,
فمنها المقل ومنها المكثر، بل إن بعض
الناسلديها الكثير من الحنان لكنهم لا يحسنون
التعبير عنه بأى شكل من الأشكال .
فالحنان هو العملة التى لا يتداولها الناس ,
لكنهم جميعا في احتياج إليها , لذلك فإنها
تعد من أغلي و أسمى العملات ...
عملة نفتقدها في زمننا الحالي .
إنه هو اليد التى تربت على أكتافنا في منتصف الطريق ,
وهو الكلمة الرقيقة التي تداوى جروح قلوبنا في اوقات
الانكسار , نجده في من يكفكف دمعاتنا عندما يغيب الجميع
و لا يبقي سوى أهل الحنان المقربين .
لذا نجد الأسرة التى يغيب عنها الحنان قد غاب عنها
كل شيء , بل لا ابالغ إذا قلت قد غابت عنها المشاعر الانسانية .
فيا ليت كل زوجين يتحلوا بهذه الصفة , فالحنان بين
الزوجين من أهم العوامل التي توحد بين قلبي الزوجين
فتظل علي حالة من التواصل المستمر .
وارقى صور تقديم الحنان لتصبح الاسرة هي الحضن
الدافئ لكل أفرادها و الملجأ الأمين لهم هي الأسس التي
أقامها ديننا الاسلامي العظيم ووضحها في العلاقة التي
يجب أن تكون بين الزوجين كما في قوله تعال
( ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجا لتسكنوا إليها
وجعل بينكم مودة و رحمة إن في ذلك لآيات
لقوم يتفكرون ) الروم 21
فحنان الزوج علي زوجته هو البوابة الأولى للدخول
إلي قلبها , يظهر باهتمامه بها في صحتها وفي مرضها ,
في شبابها و كبرها ، في صوابها وفي خطئها ..
ورغم أن الزوج قد يقوم بكل حقوقه الزوجية من النفقة
و تأمين السكن , لكن ببعض السلوكيات السيئة البعيدة
عن الحنان يترك بيتهما الحب والمودة و تمتد كل آثار
ذلك علي جميع الأسرة ، ذلك عندما يغيب الزوج عن
زوجته في الحوار أو التفقد أو المبادلة الرقيقة أو كلمات
التقدير والرحمة ، فبالتدريج يفتقدا المودة
و السكن النفسي ..
وقد يظهر حنان الزوجة علي زوجها عندما تقدر جهده
الذي يبذله من أجلهم ، مخففة عنه تعبه بالكلمة الطيبة
و الابتسامة الصادقة .
ويظهر عندما تأخذ بيده في الأزمات و المحن ووقت
الضيق , محافظة علي نفسه وعرضه وماله وقت الرخاء
و السعة ، وعندما تبعد عن كل ما يضايقه
و تجتهد في البحث عن راحته .
وعندما يكون الأبوان هكذا , فهم أهم العوامل المؤثرة
على أبنائهم ، إذ هم عالمهم المحيط بهم
المؤثر عليهم بشكل مباشر .
وعندما تجف المشاعر بين الزوجين تنعكس علي الأبناء ,
رغم انهم يحبون أولادهم جدا لكنهم لا يستطيعون التعبير
عن هذا الحب , مما يشعر الأبناء بفقدان الأمان .
فالأبناء يحتاجون لتيار عاطفي دافئ و جو أسرى ينعم
بالألفة و المودة و المحبة و الحنان , ولن يتحقق هذا إلا بتبادل
الاحترام بين الأفراد مع حرص الأبوين علي التواجد
النفسي والواقعي بشكل كبير مع الأبناء .
و الحنان يظهر هنا في استخدام الرفق و اللين في التعامل
معهم مع الحزم عند الضرورة فقط , وليعلم
الأبوان أن الحزم المتكرر المتقارب لن يغير السلوك
التربوى عند الأبناء , بل يزرع فجوة بينهم , فسلوك
الابن لا يتغير بشكل متعجل , بل يلزمه الوقت مع الاستمرار
ليؤتي ثماره .
و قد يبطن الأبوان الحنان داخلهم لدى الأبناء و يظهروه
في صورة عكسية , ويظنون أن عزاءهم في ذلك كون
هدفهم هو إصلاحهم .
و قد تدمر هذه الأساليب المستخدمة لإصلاحهم ثقتهم
بأنفسهم كمقارنتهم مع إخوانهم و أصحابهم أو النقد و التوبيخ
أو التهديد المستمر أو التخويف أو الصراخ , كل هذه
السلوكيات تصدر من الأبوين ليست بفرض القسوة و لكن
حبا و خوفا عليهم , لكن كل أساليب الضغط هذه لا تولد
إلا جفاء و كرها و بعدا بين الآباء و الأبناء .
أما إذا كانت بينهم لغة حوار هادئة رقيقة حانية , فسيشعر
الابن بمحبة والديه و حنانهم , و ستزيد طمأنينة ستهدأ
نفسه , سيستقر سلوكه و سيعتدل بمجرد أن لغة الحنان
قد ترجمت بأسلوب طيب .
وكما يحتاج الأبناء الحنان من الآباء أيضا لا يقل الآباء
احتياجا للحنان من ناحية الأبناء خاصة في كبرهم لقوله
تعالي : (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما..الآيات )
والحنان لا يقتصر بين الآباء و الأبناء , و لكن يكون
بين الأبناء بعضهم البعض فالكبير يعطف و يقدم الحنان
لإخوته الصغار , و الصغير يرد الحنان له بالاحترام و الشكر .
فبالكلمة الطيبة و الابتسامة الرقيقة و احتواء كل منهما
الآخر و الإيثار فيما بينهم و التخلق بالحلم و الصبر و عدم
تصلب كل منهما لرأيه و مبادرة التسامح و العفو الصفح ,
و مشاركة الأفراد بعضهم في الأفراح و الأحزان , كل
هذه الأمور قد تبنى جسورا من الحنان يسير ون عليها
تصل بهم إلي بر الأمان .