امتحان الترقية إبرة تخز كفاءة المفتش بقلم:عبد العزيز قريش

[ابن خلدون]

امتحان الترقية إبرة تخز كفاءة المفتش بقلم:عبد العزيز قريش

تاريخ النشر : 2005-11-08

عندما أخبرت بالمذكرة المنظمة للترقية بالامتحان لهيئة التفتيش، اعتراني التعجب من أمرين؛ وجدتهما متناقضين مع مبدأ الامتحان. وهما:

أ ـ الزلفى المنمقة بكلام المديح والبشارة والتهليل والتكبير، والطلاء الكثير الذي وجدته هذه الأيام في جرائدنا الوطنية حول جدية الوزارة في تسوية الملف المطلبي لهيئة التفتيش، وعلى رأسه مشكل مفتش السلم 10. فإذا كانت الوزارة كما زعم البعض جادة في موقفها ومسؤولة عنه؛ فلماذا الترقية بالامتحان؟ أليس هذا يعتبر مؤشرا دالا إحصائيا على أن ذلك الطلاء والمدح خلا حقنة تخديرية، يراد به تمرير سنة ثانية من السنوات السبع العجاف التي أُدخلت فيها هيئة التفتيش، في غفلة من البرنامج النضالي لنقابتها " نقابة مفتشي التعليم " والتي اتخِذتْ من بعضهم حصان طروادة لبلوغ المآرب الشخصية النفعية؟ ومنه فإن الزلفى والطلاء باطل، ويجب أن لا يقنع الهيئة بأن شيئا في ملفها سيتحقق، خاصة مشكل السلم 10. وأتمنى أن يخيب ظني.

وانطلاقا من هذا المؤشر، فإن المشاركة في الامتحان تعد نسفا حقيقيا لجهود النقابة ولبرنامجها النضالي، بل هو طعن في وعي هيئة التفتيش بما يدمر إطارها النقابي. وضرب من التراجع عن مصداقية الشهادة التي يحملها إطار التفتيش. فالأجدر أن ترقى هيئة التفتيش دون قيد ولا شرط، نظرا لكونها نخبة ثقافية من نخب المجتمع المغربي الثقافية، تستحق الإشادة بشهادتها كما يشاد "بشهادات وشواهد " الآخرين، ويمنحون من أجلها المناصب العليا! أم نحن في زمن الكيل بمكيالين؟

ب ـ مبدأ التكوين والشهادة، وهو يطرح قضايا مهمة منها مثالا لا حصرا:

* إذا كانت الترقية بالامتحان لمن قضى سنوات شداد في المركز، يتكون ويبحث ويدرس ويقدم البحوث والدراسات من أجل شهادته؛ ولا يتقدم من أجل ذلك في إطاره، بل يوضع للانقراض كما الديناصور، فالأولى له أن يبقى في إطاره الأصلي الذي سيترقى فيه وبسهولة، ودون عناء ومعانات وهم وغم.

فهذا المبدأ يدفع بالمجد والطموح إلى النوم بعيدا عن صداع الرأس، لأنه لن يجني من اجتهاده وطموحه سوى الانقراض واليأس والملل. هذا من جهة أولى، وأما من جهة ثانية، فلا مصداقية لشهادة لن تسويك على الأقل بمن تؤطر في الدرجة, بل الأدهى والأمر من هذا، أن مخاطبك يتعامل معك كأنك تطلب شيئا خارقا للعادة أو مستحيلا كلبن العصفور أو أن طلبك ليسا حقا مكتسبا بشهادتك! فالشهادة في زماننا هذا أبخس من عدمها؟!

* ما جدوى تكوين دخلتَ إليه بنفس السلم وخرجت منه بنفس السلم، وأغلق عليكَ الأبواب إلا باب النضال والتشبث بالحق، لأنه قيمة عظمى في قاموس القيم الإنسانية، المدعم بالشرائع السماوية والأرضية. فهذا التكوين تكوين حسرة وندم، حين يرى الإنسان مجهودات بذلها ضاعت من الناحية الوظيفية والناحية المادية لا العلمية والثقافية والأخلاقية. وأنها مؤشر عن الإفلاس العلمي، بما ستدفع إلى السكون والركون إلى النوم العميق، كنتاج لمنظومة تربوية توسم بالاختلالات البنيوية والوظيفية. الكل يهابها على حد تعبير أهل البطالة نتاجِها.

* ألا يشفع ذلك التكوين وتلك الشهادة لهيئة التفتيش أن نتساهل معها، ونعتبرها هيئة تدريس ثم نرقيها بناء على عددها القليل، ثم نعيدها إلى إطارها الجديد حتى نبعد عنها الاحتقان والامتعاض؟ فهذه الهيئة عندما يسمع بها يظن البعض أنها كباقي هيئات التفتيش في القطاعات الوزارية الأخرى، تنعم وترف في نعيم عائد عطائها وإنتاجها؛ ولكن مازال أمامها الكثير من النضال المستميت من أجل إحقاق حقوقها الدنيا فبالأحرى ذلك التساوي بالقطاعات الوزارية الأخرى.

وهذان الأمران يتناقضان كثيرا مع مبدأ المشاركة في الامتحان بالترقية.هذا الذي سيخز كفاءة المفتش، وذلك للمعطيات التالية:

1 ـ سيقول البعض فرصة ولن أتركها تمر، كما لم يترك البعض فرصة المشاركة في التنسيق التفتيش رغم مقاطعة النقابة للوثيقة الإطار وتوابعها ـ وذلك شأنهم وهم أحرار فيما فعلوه في أنفسهم وفي إطارهم وهنيئا لهم، والتاريخ يسجل للمستقبل وللأجيال القادمة، والذاكرة الجمعية للهيئة التفتيش لا تنسى ـ لكن مع كل فرصة هفوة. فهب شارك الجميع في الامتحان، والمناصب محدودة في 33 منصب. فالناجح هنيئا له، استفاد واستراح، لكنه كسر ونسف إطاره النقابي القانوني المناضل من أجله، وهذا تراجع، غدا سيجلب له تراجع آخر ومهازل أخرى، حتى يرمى له بمهام كثيرة لا تدخل في اختصاصه ولا يعوض عنها بل ويحاسب عليها.

الذي يستفيد من الفرص يستنفذها، ويرمى به إلى قارعة الطريق، واسألوا الكثير منهم. لقد خرجوا بلا فرص! بل وسموا بين الخلق بذلك، وأصبحت مصداقيتهم في الميدان ضائعة، أقوالهم فارغة من كل قيمة تذكر...

2 ـ وأما الراسب في الامتحان، فأين هي كفاءته وجدارته بإطاره الذي استنفذ من أجله الوقت والجهد والمال؟ كيف له أن يؤطر في الميدان من نجح في الامتحان؟ أليس الأولى أن يؤطر من قبله؟ خاصة أن مواد الامتحان تدخل في تكوينه الأساس! وليس له دفوعات تستر الطعن رسميا بامتحان في كفاءته؟ ألا يخلق له ذلك صدمة نفسية، ونحن الذين نسمه بالمثقف، لأن وظيفته المهنية توجب عليه أن يكون مثقفا؟

وهنا تحضرني الحسرة والألم حينما شربت من كأس الرسوب لأني كتبت للمصحح أن المستجدات في شأن الأكاديميات لن تفتح آفاقا في اختصاصات المفتش، لأن اختصاصاته محكومة بالمرسوم 2.02.854 وأن التنسيق الجهوي يخص مفتشا واحدا لا جميعهم، والآفاق تأتي من خلال تكليف بمهمة وليس بقوانين الأكاديمية، وما زلت أصر على أن واضع السؤال لم يقرأ القوانين جيدا، لكنه قنصني من حيث قنصته.

3 ـ كيف أشارك في امتحان واضعه لا يعرف المستجد التربوي ولربما لم يطلع عليه، ويصحح لهيئة منوط بها التصحيح؟ ولأدل على هذا السؤال التالي، الذي جاء في دورة نونبر 2004 في مادة مستجدات نظام التربية والتكوين للامتحان المهني لولوج الدرجة الأولى من إطار أساتذة التعليم الابتدائي/ السلم العاشر، الذي مدته 3ساعات ومعامله3، وهو السؤال الرابع في الترتيب، وسلم تنقيطه أربع نقط:

[ يعتبر الفريق التربوي جهازا فاعلا على مستوى المؤسسة التعليمية، حيث أسندت إليه مهام رائدة، بغرض تحقيق جودة المنتوج التربوي. تحدث عن مهام الفريق التربوي بالمدرسة الابتدائية. ] حيث المستجد التربوي والنظامي يتحدث عن المجلس التربوي حسب المواد: 23 و24 25 من المرسوم 2.02.376 الخاص بالنظام الأساسي للمؤسسات التربوية والتعليمية العمومية( انظر الجريدة الرسمية عدد 5024 بتاريخ 25 يوليو 2002) وليس عن الفريق التربوي. وهذا الخطأ غير عرضي لأنه مكرر في الموضوع؛ مما يدل أن واضع السؤال لا يفرق بين النظام القديم الذي كان فيه الفريق التربوي والنظام الجديد الذي يوجد فيه المجلس التربوي بدل الفريق التربوي. والطامة الكبرى أن هذا السؤال يخص مادة المستجدات النظامية!؟

فكيف ينخرط المرء في الإجابة أو التصحيح، ويعطي مشروعية لما ليس له مشروعية؟ ذلك أن امتحان الترقية بالنسبة لهيئة التفتيش لا مشروعية له، لأنه غير مبرر، وإنما هو حَشْر للمفتش في الزاوية عندما غاب عن الأطر النقابية التي كانت تفاوض آنذاك الوزارة والحكومة بخصوص مشروع القانون الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية. لهذا يجب على الهيئة أن لا تحشر نفسها فيما حشرها القانون الأساسي فيه وعن غفلة منها. فهي والحمد لله لها إطارها النقابي المستقل الذي يدافع عنها، وهو: نقابة مفتشي التعليم.

لن أطيل، لأني أردت الإشارة فقط بوميض إلى أن هيئة التفتيش جديرة بأن تحترم ويرد لها الاعتبار من خلال ترقيتها دون شرط أو قيد إلى السلم 11، وهو الآخر مطمح لا يحقق الحد الأدنى من حقوق الهيئة، التي يجب أن تكون خارج الإطار بحكم موقعها في المنظومة التربوية والتكوينية. فلا تبخسوا بضاعتكم مهما حاول البعض إبخاسها، ولا تلتفتوا إلى الطلاء وأهل الزلفى، فإنهم أهل فرص، وما الفرص دائمة، ولكن الإطار دائم، يعول عليه في إصلاح حال منظومتنا التربوية والتكوينية. وسيأتيكم اليقين بعد حين إن شاء الله تعالى.

عبد العزيز قريش

المقرر الجهوي لنقابة مفتشي التعليم لجهة: تازة ـ الحسيمة ـ تاونات


عبد العزيز قريش

http://pulpit.alwatanvoice.com/*******-30393.html