تقرير عن معركة الأعوان والكتاب الإداريين المتطوعين بالمؤسسات التعليمية: كلميم/ طاطا
الخميس 19 شباط (فبراير) 2009
بعد سنين من الاستغلال- أقل ما يقال عنها أنها تعود لعصر العبودية- انتفضت مجموعة من الأعوان والكتاب الإداريين، الذين تطوعوا منذ سنين لملء الخصاص الذي عانته المؤسسات التعليمية بنيابتي كلميم وطاطا. تحمل هؤلاء صنوف الاستغلال والعمل المكثف (الإدارة والكنس والطبخ والحراسة الليلية..)، أملا في إدماجهم يوما ما في أسلاك الوظيفة العمومية، حسب الوعود المعسولة التي تلقوها.
بدل الإدماج حسب الوعود، اعتبرت الأكاديمية تطوع هذه الشريحة من الطبقة العاملة، حلا نهائيا لمشكل الخصاص، الذي خلقه إحداث مجموعة من المؤسسات بين سنوات 1997 و2003، وهو يعتبر من الحلول الترقيعية التي لجأت إليها الدولة بعد غلق أبواب الوظيفة العمومية أمام آلاف من طالبي الشغل، ويعير نفاق خطاب الدولة الذي يبرر البطالة بقلة مناصب الشغل، فهذه الأخيرة موجودة- بدليل الخصاص- لكن الدولة تريد متطوعين لا عاملا بأجور، تريد دوابا للأعمال الشاقة لا موظفين يعملون بكرامة.
جل هؤلاء المتطوعون شباب تتراوح مستوياتهم الدراسية بين شهادات الابتدائي والثانوية إضافة إلى شهادات التكوين المهني، تطوعوا لإنجاح العمل بهذه المؤسسات منذ 1997، وتحملوا مختلف الأعمال التي يتطلبها ذلك كالطبخ والحراسة والعمل الإداري، لكن لم يشفع لهم هذا في تسوية وضعيتهم. اشتغل هؤلاء الشباب طيلة مدة عملهم بالمجان إلى حدود سنة 2006، لم يتلقوا أي أجرة عن الأعمال التي يقومون بها، ما أحسسهم بالاحتقار، فحتى بهيمة حمل الأثقال يقوم مالكها بإطعامها، على حد قول أحد المتطوعين المعتصمين أمام أكاديمية كلميم.
ابتداء من سنة 2006، تعاقدت اكاديمية جهة كلميم السمارة مع شركات وساطة، تحمل اسم "حياة نيكوص"، تملك مقرها بالرباط وفرعا لها بمدينة العيون. فوتت الخدمات التي يقوم بها هؤلاء الأعوان والإداريين لهذه الشركة، التي بدأت في أداء أجور لهم. أجور أقل ما يقال عنها استهانة بكرامة العامل، فبعد سنوات من العمل المجاني أصبح هؤلاء يتقاضون أجورا تتراوح بين500 درهم و1300 درهم. مع الاستمرار في نفس الوضعية القانونية التي تجعل هؤلاء المتطوعين مهددين بفقدان "مصدر عيشهم" في أية لحظة، فلا عقد عمل مع هذه الشركة الوهمية ولا حتى وثيقة تثبت تكليف هذه الشركة بهذه المهام، حتى أجور الجوع والحكرة يتسلمونها مباشرة من يد أحد موظفي هذه الشركة يدا بيد.
ظروف الاستغلال والاحتقار هذه دفعت الأعوان والإداريين، كغيرهم من رفاقهم العمال والمهمشين بكل ربوع المغرب، إلى النهوض للنضال من أجل حقوقهم وكرامتهم كبشر. اجتازوا كافة الأشكال النضالية من أكثرها "سلمية" حسب تعبير البعض؛ حيث دبجوا عشرات الملتمسات إلى كافة دواليب الدولة لكن لا حياة لمن تنادي، وذاك دليل على خطأ من يدفعون العمال إلى سلك طريق الاستجداء لنيل مطالب حتى ولو كانت تافهة، "لا تتطلب تسوية وضعيتنا أكثر مما ينفقه وزير التربية الوطنية عذمن مال الوزارة على وجبات فطوره الذي أعلنت جل الصحف الوطنية أنها تتضمن أنواعا فاخرة من الشيكولاته إضافة إلى باقة من الزهر اليومي" حسب تعبير البيان التوضيحي الذي أصدره المعتصمون.
بعد ذلك دخل الأعوان والإداريون المتطوعون في سلسلة من النضالات تمثلت في "وقفات احتجاجية الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، ووقفة أمام مقر الوزارة والبرلمان يليها اعتصام مفتوح لمدة 12 يوما وإضراب عن الطعام لمدة 48 ساعة.. استمر نضال هذه الفئة منذ سنة 2007 إلى حدود اليوم حيث خاضت وقفات احتجاجية أمام مقر الأكاديمية الجهوية من يوم 05 يناير 2009 إلى غاية 09 من نفش الشهر ومن 3 فبراير إلى غاية 06 منه، ولا زال الاعتصام متسمرا أمام مقر الأكاديمية.
رفضت الوزارة الاستجابة لمطالب هذه الفئة مستندا إلى قرار الوزير الأول تحت عدد 1067 بتاريخ 08/05/2003 بشأن تشغيل أعوان مؤقتين. "إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا تم تشغيلنا أصلا" كما صرح أحد المعتصمين. لكن الطامة الكبرى- يؤكد البيان التوضيحي الصادر نقابة الأعوان والكتاب الإداريين المتطوعين- هي التسوية التي "جاءت بعد هذا القرار والتي تهم وضعية أعوان يعانون من نفس المشكل بالجهات الشمالية، استنادا إلى مراسلة الوزير الأول بتاريخ 06/08/2004 جوابا علة مراسلة وزير التربية الوطنية تحت عدد 92214 بتاريخ 13/09/03، بالإضافة إلى أنه بعد قضائنا سنوات من الخدمة المجانية.. تم توظيف أعوان جدد (بمعيار الزبونية).. في الوقت الذي كان يجب أن تعطى لنا الأولوية في التوظيف نظرا لأقدميتنا ولكوننا التحقنا بالعمل منذ 1997".
إن وضعية هؤلاء الأعوان والكتاب، تطرح سؤال مآل الخدمات العمومية، التي تهديها الدولة في طبق من ذهب إلى القطاع الخاص، في شكل تفويت أداء مهام (تدبير مفوض لخدمات كالنظافة، والحراسة.. إلخ). وهو مدخل لخوصصة قطاع التعليم العمومي والخدمات العمومية بشكل عام. الدولة تهتم بالأرقام لا بالبشر، بترشيد النفقات لا بظروف عمل الشغيلة، بالمؤشرات الاقتصادية لا بمستوى عيش الغالبية العظمى للشعب.. ذلك ما يحتم على الشغيلة- من ضمنهم هؤلاء الأعوان ومنهم عشرات الآلاف- النضال الميداني والموحد ضد هجمات الدولة.
متضامن
تقرير عن معركة الأعوان والكتاب الإداريين المتطوعين بالمؤسسات التعليمية: كلميم/ طاطا
المواضيع المتشابهه
