إنصافا لضحايانا الدكاترة.. مواردنا العلمية العليا المهدورة
المساء
المساء : 10 - 05 - 2012
في ما يناط بجانب المنهج المتبع في هذه الدراسة، فإنني استعنت بالمنهج الاستقرائي التحليلي النقدي في معالجة فصولها نظرا إلى صرامته العلمية ونتائجه المثمرة. إنه منهج اقتضاه البحث نفسه وطبيعة موضوعه المتناول التي ألزمتني بتحريه بناء على كم هائل من المصادر والمراجع قصد الإحاطة بمختلف جوانبه قبل إخضاعها إلى التحليل والنقد.
أما في ما يتعلق بمظان البحث المنجز، فإنها وافرة ومتنوعة الموارد: الإلكترونية وغير الإلكترونية من جرائد ومجلات وكتب وغيرها، حيث يمكن تقسيمها إلى الأقسام التالية:
1) المصادر وتتقسم إلى ثلاثة أصناف:
أولها: الظهائر والمراسيم والقرارات والقوانين المعتمدة الصادرة بالجريدة الرسمية المغربية؛
ثانيها: الرسائل والبيانات والبلاغات المشتركة والحوارات والأسئلة والأجوبة الكتابية والشفاهية المنوطة بموضوع بحثي؛
ثالثها: يكمن في مصدر معايشتي الحثيثة لوضعية دكاترتنا منذ إرهاصاتها الأولى إلى الآن بصفتي أحد ضحاياها الأوائل المخضرمين الذين عاصروا نظاميْ التعليم العالي القديم والجديد، حيث ناقشت أطروحتي لنيل دكتوراه الدولة في جامعة كومبلوتنسي بمدريد يوم 22 أكتوبر 1998 قبل أن يتم استدراجي إلى سلك الوظيفة العمومية متصرفا بوزارة الاتصال بتاريخ 22 يناير 2007، بعد أداء ضريبة البحث العلمي ومدتها ثمانية أعوام وثلاثة أشهر من البطالة المقنعة.
2) المراجع: تنقسم إلى صنفين:
أولهما: يناط بمجموعة من المقالات التي ارتبطت بجانب من جوانب موضوع بحثي المتناول، خاصة المتعلقة بدكاترة قطاع التعليم المدرسي؛
ثانيهما: مراجع يصب أغلبها في مجال الشأن الإداري والتعليمي.
علاوة على مقدمة البحث وهوامشه المصدرية والمرجعية وثبت محتوياته، يتكون البناء الهيكلي لهذه الدراسة من سبعة فصول، هي كالتالي:
1) الإرهاصات الأولى؛ 2) مظاهر تردي وضعية الدكاترة؛ 3) النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب؛ 4) وضعية الدكاترة وفشل محاولات إصلاح التعليم؛ 5) وضعية الدكاترة وفشل تحديث القطاعات العامة؛ 6) وضعية الدكاترة والمؤسسات النقابية: I) نقابات التعليم المدرسي؛ ii) نقابات التعليم العالي؛ iii) نقابة دكاترة أسلاك الوظيفة العمومية؛ 7) جناية كبرى على ثرواتنا العلمية العليا.
طلبا للدقة والبيان والوضوح، ارتأيت بداية العمل إرجاع الأسباب إلى مسبباتها، محددا الإرهاصات الأولى لوضعية دكاترتنا بأسلاك الوظيفة العمومية في سياقها البنيوي الداخلي، وما عرفته من تحديات خارجية وعولمية ومحاولات إصلاحية تلفيقية ظرفية فاشلة ذات هاجس مالي وأمني ستكون له انعكاسات سلبية وخيمة على مختلف القطاعات والشرائح الاجتماعية، بصفة أخص قطاع التعليم وخريجوه من الدكاترة ضحايا مؤامرة ألبست شكل مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين في إطار ما زعم أنه إصلاح أو تنظيم التعليم العالي أو إصلاح منظومة التربية والتكوين الذي لم يكن في أس هويته سوى «إصلاح» مالي في قناع تعليمي. وهكذا، تطرقت إلى الانتهاكات السافرة التي اعترت ضحايانا الدكاترة في مختلف محطاتهم الدكتور الطالب والدكتور البطالي والدكتور العامل بأسلاك الوظيفة العمومية، وبصفة خاصة فئة الدكاترة المخضرمين الذين كان حجم انتهاكات حقوقهم أكثر غورا وأنينا وتسيبا باعتبارهم كانوا مختبر فئران تلكم المؤامرة إلى حد حرموا لفترات طويلة ومختلفة من المشاركة حتى في مباراتها المذكورة بذريعة احتيالية واهية: «انتهاء العمل بدكتوراه الدولة» التي لا زال تمديد مناقشتها ساري المفعول منذ سن نظام فبراير 1997 إلى أجل غير مسمى لفائدة أساتذة قطاع التعليم العالي ومؤسسات تكوين الأطر العليا! كما توقفت عند النقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب التي نذرت عملها للدفاع عن حقوق دكاترتنا المستلبة وحرمتهم العلمية المنتهكة، مبرزا مجموعة من مراميها ومطالبها المستقاة من مشروع القانون الأساسي والملف المطلبي لهذه المؤسسة النقابية التي تعرضت بدورها لمختلف أشكال الانتهاك إلى درجة النفي والتنكر لوجودها من طرف وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى ونائبه محمد سعد حصار، كاتب الدولة لدى وزير الداخلية نفسه!
بعدها، خلصت إلى رصد وربط تردي وضعية دكاترتنا ومختلف تجلياتها ومحطاتها بفشل جميع المحاولات والنماذج الإصلاحية والتحديثية التعليمية والإدارية، على حد سواء، التي سكتت عن هذا التردي الخطير الموسوم بشتى أشكال التهميش والتبخيس بتواطؤ الحكومات الأربع السابقة وبإيعاز من مهندسيها ومسؤوليها، في طليعتهم وزراء التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر والوظيفة العمومية وتحديث القطاعات العامة والاقتصاد والمالية، وزاد الطين بلة بوقوفها موقف المراوغ، المسوف المتلكئ المماطل، الماكر إزاء مطالب تسوية وضعية دكاترتنا وخوضهم مختلف أشكال الاحتجاج والاعتصام والإضراب، بل أفضى بها الأمر إلى اختلاق المزيد من تضييق الخناق وتشديد العقال وإضاعة الزمان واستنزاف ثروات العلم والمعرفة لهؤلاء الأنام، مثل اللجوء إلى تحديث وتعديل النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر يوم 24 فبراير 1958 بدعوى مرور أكثر من 50 سنة على إصداره، وذلك بتصدير القانون الجديد رقم 50.05 الخاص بهذا النظام، بحكم يروم إخضاع إنجازات الموظفين الذين يمتون بصلة إلى مجال الإبداع والبحث العلمي، وممارسة أنشطتهم في مختلف مجالاتها العلمية والأدبية والفنية والرياضية، لنفوذ ووصاية رؤساء إداراتهم بحجج واهية! (انظر الفصل 15 من هذا القانون الجديد).
محمد عزيز البازي