حديث الصباح : أن يعز المرء أو يهان...
الصباح
الصباح : 14 - 06 - 2012
[سناء العاجي , كاتبة]
أصبحنا نطبع مع الغش وكأنه سلوك سوي وطبيعي
منذ اليوم الأول لاجتياز امتحانات الباكلوريا، بدأ الحديث عن تسرب مواد الاختبار عبر الأنترنيت بشكل واسع، وتوصل الكثيرون باختبارات مواد مختلفة عبر الشبكات والمواقع الاجتماعية. البعض اعتبر الأمر مجرد إشاعات، على أساس أن ما تم تداوله عبر شبكة الأنترنيت ليس حقيقيا، والبعض الآخر أكد الأمر بالأدلة والحجج. كانت هناك أيضا نكتة طريفة تتعلق باختبار مادة اللغة الإنجليزية، حيث طرح سؤال حول نجمة مسابقة «أراب أيدول» ، المغربية دنيا باطما. بغض النظر عن كون الأمر حقيقيا أم مبالغا فيه، فإشكالية الغش معضلة حقيقية في مغرب اليوم. وزير التربية الوطنية كان صرح بأن إجراءات كثيرة ستحول هذه السنة دون الغش في الامتحانات. هل التسرب الوارد للاختبارات خطأ الوزير أو الوزارة، اللذين لم يقوما بواجبات المراقبة اللازمة وبشكل كاف؟ ليس هذا هو السؤال الحقيقي، لأن هذا الأمر يتجاوز في الواقع حكايات المراقبة أو عدمها، ليثير بعمق إشكالية علاقتنا بالامتحانات وبظاهرة الغش في الحياة بشكل عام؛ الغش كسلوك يومي أصبحنا نطبع معه وكأنه سلوك سوي وطبيعي، بل ومستحب أحيانا. أولا، لنتأمل جيدا عبارات من قبيل «عند الامتحان يعز المرء أو يهان»، وغيرها كثير. هذه العبارات المستفزة تجعل علاقتنا بالامتحان متوترة منذ البداية. التلاميذ أو الطلبة لا يستقبلون الامتحان باعتباره فرصة لاختبار ما تعلموه، والمرور إلى مستوى أعلى في التمدرس، بل كتجربة سيُعزون فيها أو يهانون. لذلك تصبح كل الوسائل جائزة لكي «يعز المرء». أو بالأحرى، لكي لا يهان. كل الوسائل مبررة، بما فيها الغش. الغش يصبح إذن وسيلة ناجعة لكي لا نهان. لا يهم ما حصّلناه وما تعلمناه بالفعل. لا يهم مدى استعدادنا علميا وأكاديميا للانتقال إلى الصف الموالي في سلم التمدرس. كل ما يهم وما سيهم أن «نُعز» (أن لا نهان) من ناحية، وأن ننتقل إلى السنة الموالية من ناحية أخرى. هكذا، يقضي العديد من التلاميذ الساعات الطوال لإعداد «الحروزة». ساعات كانت ستكون كافية لمراجعة الدروس. التكنولوجيات الحديثة طورت بطبيعة الحال وسائل الغش ليُعوض «البلوتوت» و«الويفي» وكاميرا الهاتف وغيرها «الحروزة» و«الحجابات» التقليدية. لكن، لنحاول تجاوز سؤال امتحانات الباكلوريا، لنسائل أنفسنا حول ظاهرة الغش بشكل عام في حياتنا اليومية. هذه الظاهرة التي أصبحت قيمة يدافع عنها الكثيرون. ألم يحدث لنا ولو مرة واحدة في الحياة أن ووجهنا ببائع يضع سلعه الجيدة في «التوجيهة»، لكي نفاجأ في البيت بسلع سيئة الجودة أخذها من داخل المحل أو من الواجهة الخلفية للمنتج المعروض؟ ألم نركب يوما سيارة أجرة يضع سائقها عداد الليل (50 في المائة إضافية) في وضح النهار أو يحاول إطالة الطريق لتسجيل دريهمات إضافية؟ ألم نسمع يوما شخصا يحكي بإعجاب شديد عن أحد معارفه جنى ثروة صغيرة أو كبيرة من خلال «التشلهيب»؟إنها ليست حكاية زجر تلاميذ يريدون الحصول على شهاداتهم بأي ثمن. الحكاية أعقد من ذلك بكثير، وتتجاوز امتحانات الباكلوريا بكثير. إنها مشكلة حقيقية توجد في عمق منظومة القيم في مجتمعنا. أن لا نطور قيم "العمل" و"المجهود" و"الطموح"، وأن تصبح قيمة الغش المحرك الأساسي والفعال للعديد من معاملاتنا، فهذا مشكل سوسيولوجي كبير وخطير يهدد السلامة النفسية للمجتمع. ليس لدينا وليس لدى شبابنا أمثلة حية كثيرة ومعروفة لأشخاص نجحوا في الحياة بفضل العمل والمثابرة. أمثلة تعطي للشباب الأمل في الحياة وفي النجاح، بناء على مجهوداتهم. بالمقابل، فأمثلة من غشوا ونجحوا في الامتحانات كثيرة، كيفما كانت طبيعة تلك الامتحانات. في دول أخرى، يتحدث الإعلام وتتحدث المقررات المدرسية عن أشخاص انطلقوا من الصفر أو من مستويات أخرى متدنية لينجحوا في ميادين عديدة: الأعمال، السياسة، الفن... أمثلة تصبح مع مرور السنوات، ومع تكرارها، قدوة لشباب كثيرين. قدوة ومثال يترسخان في اللاوعي الجماعي لمجتمع بأكمله. هل هذا يعني أن نماذج مثل هذه لا توجد في مجتمعنا؟ بالتأكيد نعم، لكنها لم تعرف بشكل كاف ومكثف يخلق منها ذلك "الحلم المغربي" الذي يتطلع إليه الشباب. بالمقابل، فالأمثلة العكسية للنجاح السريع أو المبني على الغش متعددة ومعروفة وكثيرة... وهذا يطرح سؤالا حول القيم التي نترعرع بها وفيها. القيم الحقيقية والواقعية طبعا، وليس تلك التي نكتفي بالتغني بها.