محمد خوجة :إدارة نيوز /
كان من المفترض ابتداءا وقبل التفكير في تعديل هذا القانون وبمناسبة عشرية الإصلاح الجامعي معالجة بعض الاختلالات المترتبة عن تنزيله على اعتبار أن عملية التقييم والتقويم لا تنتقص من الإصلاح ولا من رواده بقدر ما هي عملية طبيعية مرتبط بالمجهود الإنساني المعرض للقصور، وكذا إجراء افتتحاص للمخطط الاستعجالي الذي امتص ميزانية 12 مليار و600 مليون درهم وكان هدفه تجاوز اشكالات الاكتضاض من خلال توسيع البنية التحتية لاستقبال الأعداد المتزايدة من الطلاب ورفع الأداء البيداغوجي والكفاءة المهنية للأطر التربوية والإدارية من خلال برامج التكوين المستمر، وتجدر الإشارة إلى أن قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي يكتسي أهمية بالغة وتأثير السياسات المتبعة فيه تنعكس على الوطن ومستقبل أجياله ومع الأسف يبقى النقاش العمومي حوله دون مستوى التطلعات.
في مشروع تعديل القانون 00.01
بداية هذا المشروع جاء بمضامين متقدمة على مستوى الأهداف والمهام وكذا على مستوى المبادئ والمرتكزات الأساسية كما جاء بباب جديد حول البحث العلمي لتنظيمه وتجويد حكامته.
على مستوى اللغة القانونية:
هذا المشروع يعتبر كارثة قانونية نظرا للغة القانونية الرديئة ولخرقه مبادئ القانون « العدالة والمساواة » وضاربا بعرض الحائط خاصيتين من خصائص القاعدة القانونية « مجردة ،عامة » وفيما يتعلق بظلم هذا المشروع وعلى غرار ما تم في القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين حيث تم إقصاء الأطر الإدارية والتقنية من عضويته جاء هذا المشروع ليهمش هذه الفئة وينتقص من أدوارها وإسهاماتها في الرقي بالقطاع، وفيما يتعلق بتعطيل خاصيتي القاعدة القانونية فتم التنصيص على عضوية إتحاد مقاولات المغرب إسميا بمجلس الجامعة وهو تحديد معيب لأن هذا الكيان بخضع لقانون الجمعيات المهنية والتي بدورها تخضع لمنطق التعددية ولا يليق هذا التحديد، كما جاء هذا المشروع على مقاس أساتذة التعليم العالي كما سنبين لاحقا.
هذا المشروع عوض أن يجمع شتات القوانين التي تخضع لها مؤسسات التعليم العالي كرس التشتيت فنجد بالموازات قانون منظم للمركز الوطني للبحث العلمي والتقني ونجد قانون منظم للمكتب الوطني للأعمال الجامعية الاجتماعية والثقافية ويحيل بدوره(أي هذا المشروع موضوع النقاش ) إلى قوانين أساسية خاصة « بمستخدمي » الجامعات.
التعليم العالي كقطاع عمومي يخضع لمنطق الفئوية التي ضر ولا تنفع حيث نجد الأستاذ الباحث الذي يفترض أن يكون في المدرج والمختبر يدرس ويؤطر ويحتضن الباحثين ويساهم في إنتاج العلم والمعرفة نجده مسؤولا إداريا يقوم بمهام لم يتلق أي تكوين فيها يتخذ قرارات متعلقة بالصفقات العمومية ويبرمها وهو الآمر بالصرف وغير ذلك مما يدخل في باب التسيير الإداري والمالي وقد جاء هذا المشروع مجسدا لخيار احتكار هذه الفئة (الأساتذة الباحثين ) لمهام المسؤولية ففي هياكل الجامعة نجد أن مجلس الجامعة كأعلى هيئة تقريرية يتكون من هذه الفئة في المجمل اللهم عضوين منتخبين من بين أطر الإدارة وثلاثة طلبة، وكمثال توضيحي جامعة بها خمس مؤسسات جامعية(كليات ومعاهد) تقع في حيز جغرافي لجهتين إداريتين سيتكون مجلسها من رئيس ورئيسين لمجلسي الجهتين الترابيتين ومديري أكاديميتيهما للتربية والتكوين ورئيسي مجلسيهما العلمي ورئيسي مؤسستين من أصل خمسة ورئيس مؤسسة منتسبة بالضرورة أساتذة للتعليم العالي وبالانتخاب خمسة عشر أستاذا بحصة ثلاثة عن كل مؤسسة في حين الأطر الإدارية والتقنية يمثلها عضوين منتخبين!!!
ومن المفارقات العجيبة أن مجلس الجامعة هذا سيقرر في مصير موظفي الجامعة فهو من سيصادق على القانون الأساسي الخاص بالأطر الإدارية والتقنية وهو من سيقرر في المرتبات والأجور والتعويضات لفئة منعدمة التأثير فيه (في مجلس الجامعة ) وسيقرر في المسار المهني لنفس الفئة وسيقرر في إعادة انتشارها بمعنى أن الأطر الإدارية والتقنية ستصبح تحت سلطة وإمرة رئيس الجامعة الذي سيقرر في شأنها ما يشاء!!!
وهذا من عيوب هذا المشروع الذي لم يقيد أيا من السلط كما لم ينشئ توازنا ولا مساواة ولا عدلا بين فئات القطاع بل وضع رقاب فئات في يد فئات أخرى ملكها نواصيها. وفي نفس السياق نجد مجلس أكاديمي يقرر في كل ماهو تربوي وكذا في المسار المهني الأساتذة الباحثين في غياب فئتين هما الأساتذة المساعدون والمؤهلون في حين يقتصر على أساتذة التعليم العالي.
كما أنه من المعيب المصادقة على قانون خاص بفئة من موظفي الدولة على صعيد مجلس الجامعة والأصل في المصادقة عليه من اختصاص من أوكله الدستور بمهام التشريع وسن القوانين أي مجلسي النواب والمستشارين كما أن هيكلة الجامعات من المفروض ألا تعتمد على صعيد الجامعات بل تصدر بمرسوم، كما يجب اعتماد هيكلة جامعية موحدة على صعيد الجامعات كما أن القانون الأساسي للموظفين ونحن نتحدث عن نفس المهام ونغس الفئات لا يمكن أن نجد عدد القوانين بعدد الجامعات.
وفيما يتعلق باختيار المسؤولين الجامعيين وحتى نكون منسجمين مع روح الدستور لابد من إعمال مبدأ العدل والمساوات في الولوج للمناصب العليا وإخضاع هذه المسؤوليات » عمداء مدراء رؤساء » للقانون التنظيمي للمناصب العليا دون تمييز ولا حصر لفئة دون أخرى حتى نكون إزاء تكافئ الفرص على قدم المساواة وحتى يتمكن أطر الدولة من قطاعات أخرى خصوصا ذوي الكفاءة العالية في التدبير خصوصا المفتشية العامة للمالية وخريجي مدارس الإدارة من التباري على هذه المسؤوليات العمومية ، وفيما يتعلق بالتمثيلية بالمجالس يجب اعتماد مبدأ التمثيل النسبي بين جميع الفئات دون تمييز.
في الأخير تداخل اختصاصات الجامعة والوزارة مما ينذر نشوء نزاعات متعددة في هذا الباب، ومنطق استقلالية الجامعة تشوبه عيوب تصورية فادحة فهل استقلالية الجامعة تعني حيز جغرافي وسياسي مستقل عن الوزارة الوصية وأين هو دور هذه الوزارة وماهي تجليات الوصاية إذا؟ ولماذا نصوت على سياسيين ليدبروا الشأن العام؟
فلتستقل الجامعات في إطار كيانات خارج حدود وزمن الوصاية الوزارية ولتتمتع بالاستقلالية التي تريد لم نعد في دولة المسؤولية والمحاسبة من سيحاسب الرئيس على القرارات التي يتخذها بعيدا عن سياسة السلطة المركزية ومن سيحاسب العميد والمدير؟
يجب مراجعة فلسفة الاستقلالية هذه وتقيدها عوض إطلاق يدها طبقا لمقتضيات المسؤولية والمحاسبة.
محمد خوجة :الكاتب الوطني للجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي (إ و ش م)