هؤلاء هم الفلسطنيون بـ"الكعك" و"السنتواري" يواجه المقدسيون التهويد
بـ"الكعك" و"السنتواري" يواجه المقدسيون التهويد سليمان بشارات
إغلاق مستمر.. حصار خانق.. منع لدخول أهالي المدن المحيطة.. استيلاء على السياح الأجانب.. وسرقة للتراث والتاريخ.. كلها خطوات سياسية ممنهجة يتبعها الاحتلال الإسرائيلي لإفقاد مدينة القدس هويتها الإسلامية والعربية والفلسطينية، وقتلها اقتصاديا وتجاريا منذ احتلالها عام 1967.
ورغم هذه السياسات يحرص أبناء المدينة على التمسك بما أورثهم إياه الآباء والأجداد من صناعات وحرف ليحفظوا من خلالها الهوية العربية والإسلامية التي عرفت بها المدينة، ومن بين هذه الصناعات "الكعك المقدسي"، ومهنة بيع الصور والرموز التذكارية والتاريخية لزوار المدينة من عرب وأجانب أو ما يعرف بمهنة "السنتواري".
بالقرب من بوابات المسجد الأقصى، وفي شوارع البلدة القديمة لمدينة القدس ينتشر باعة الكعك المُحلى بحبات السمسم، يحاولون من خلال أصواتهم جذب زوار المدينة ليحصلوا قوت يومهم، وليمنحوا الزائرين بعضا من خصوصية المدينة.
"يا قدسي يا كعك.. كعك القدس يا كعك".. بتلك الكلمات تتعالى أصوات بائعي الكعك لجذب المارة تارة، وللتغني بأصل الكعك تارة أخرى.
يقترب الناس واحدا تلو الآخر، يحاول كل واحد منهم أن يحصل على مراده؛ فالبعض منهم يشترى ليذهب جوعه، والبعض الآخر يحاول أن يلبي رغبات أهل بيته وأصحابه فيحضر لهم هدية يتمنى أن يتذوقها.
في الجانب الآخر، وأمام "مخبز حلاوة" أحد أشهر مخابز الكعك المقدسي، يقف فراس، ابن صاحب الفرن (23 عاما) ليشرف على تسليم باعة العربات حصتهم لهذا اليوم، ويقول عن عمله: "هذه مهنة جدي أورثها لوالدي، وهي جزء من تاريخنا وحضارتنا.. ومنذ أصبحت شابا وأنا أعمل مع والدي".
وعلى الرغم أن عدد زوار المدينة آخذ في الضمور مقارنة مع السنوات الماضية نتيجة ممارسات الاحتلال، إلا أن فراس يقول: "صحيح أن الفرن يعمل من أجل أن نوفر مصاريف حياتنا.. إلا أننا لن نتخلى عنه في يوم من الأيام حتى وإن كنا نعمل بخسارة".
خلطة مميزة
ويصنع الكعك المقدسي بخلط الطحين بالماء مع إضافة بعض الملح، ثم يترك فترة من الزمن ليكون جاهزا للتشكيل، ويضاف سمسم على وجهه، ورغم بساطة الطريقة والمكونات لا يستطيع أحد خارج المدينة أن يضيف المذاق الخاص الذي يتمتع به الكعك الذي يصنع بالبلدة القديمة بالقدس، على حد قول فراس الذي يؤكد أن للكعك المقدسي طعما ورائحة لا ينساها كل من يتذوقه.
ويدلل على رأيه قائلا: "هناك الكثير من المخابز في مدن الضفة تصنع كعكا شبيها.. لكن من الصعب أن تجد نفس الطعم والمذاق".
ويؤكد فراس أن استخدام الأفران الكهربائية وأفران الغاز بدلا عن أفران الفحم والأخشاب لم يؤثر في أصل الطعم والمذاق.
السنتواري.. تذكار الحياة
في الجانب الآخر، وبين أزقة أسواق البلدة القديمة ينتشر العديد من محال التحف والهدايا
منتجات القدس السياحية
التذكارية، والتي تعتبر التجارة فيها إحدى المهن التي أوجدتها طبيعة المدينة الدينية والسياحية، والتي يعرفها المقدسيون بمهنة "السنتواري".
"تاريخنا لا يباع، وإنما هي رموز تدلل على تاريخ القدس وفلسطين، ويجب أن تكون تذكارا في حياة كل شخص يزور هذا البلد".. هكذا يرى أبو مؤمن أحد أصحاب هذه المحلات أهمية مهنته التي تتطلب التحدث إلى زواره وإخبارهم عن معنى وتاريخ كل قطعة في المحل تخص المدينة.
وتتزين جدر محل أبو مؤمن بتشكيلة من الصور، بعضها للمسجد الأقصى وساحاته ومآذنه، وأخرى لأسواق البلدة القديمة، ومجموعات أخرى للكنائس وأجراسها التي تبحث عمن يحميها من الاحتلال.
يشير أبو مؤمن بيده إلى إحدى زوايا المحل ويقول لمراسل "إسلام أون لاين": "انظر هنا هذه قطع نقدية فلسطينية قبل أن يأتي الاحتلال إلى هنا.. وتلك نحاسيات صنعت بأيدينا وخطت عليها القدس.. وغيرها هناك مجسمات عدة".
ويرى أبو مؤمن أن التناقص المستمر لعدد السائحين سواء العرب أو الغربيون أو حتى الأهالي من الضفة وأراضي عام 48 المحتلة بسبب مضايقات الاحتلال من أشد العقبات التي تواجهه في عمله.
ويضيف أبو مؤمن: "حتى إن السياح الأجانب عندما يحضرون إلى القدس يكونون ضمن مجموعات مرشدهم إسرائيلي، ويحاول أن يبعدهم دائما عن محلاتنا حتى يبقى لديهم القناعة بأن القدس هي لليهود وليست عربية فلسطينية".
"لا يستطيع أحد أن يمحو ذاكرة التاريخ والوجود العربي والفلسطيني في هذه المدينة؛ فكل شيء فيها يعبر عن ذاتها، ونحن لن ننسى هويتنا".. بهذه الكلمات المفعمة بالأمل يختتم أبو مؤمن كلامه.
سرقة التاريخ
من جانبه، يقول محمود أبو عطا، المنسق الإعلامي في مؤسسة الأقصى للوقف والتراث: يحاول الاحتلال الإسرائيلي من خلال مخططاته أن يزيل الهوية العربية والفلسطينية والإسلامية عن مدينة القدس من خلال سرقة التاريخ.
ويضيف: "هناك العديد من المحاولات التي يتم من خلالها تنفيذ هذه المخططات، منها السيطرة على السياح الأجانب وتنفيذ زيارات لهم من خلال مرشدين إسرائيليين، كذلك يوجدون الكثير من العقبات أمام أصحاب الحرف والمهن المقدسية المعروفة؛ للحد من انتشارها، أو حتى لينساها الناس".
وعن كيفية مواجهة هذه المخططات يقول أبو عطا: "أهلنا في مدينة القدس يدركون ذلك، وهم يتمسكون بكل شيء يربطهم بالهوية المقدسية".
ودعما لأهالي القدس تقوم مؤسسة الأقصى -كما يصرح أبو عطا- بتسيير 80 ألف حافلة على مدار العام من المدن الفلسطينية المختلفة إلى مدينة القدس من أجل إنعاش الحياة فيها.. ويكون من ضمن البرنامج أن كل من يحضر يشتري كل مستلزماته من هدايا وطعام وشراب من أسواق القدس لتدعم الصمود الفلسطيني بالمدينة.
وتعاني مدينة القدس والبلدة القديمة بشكل خاص من سياسة تهويد إسرائيلية تحاول من خلالها نزع الهوية عنها من أجل تنفيذ كامل مخططاتها؛ وهو ما يهدد الوجود العربي والفلسطيني، ويهدد الهوية الإسلامية التي عرفت بها المدينة. سليمان بشارات( صحفي فلسطيني )