مسار الإصغاء بين الأستاذ والتلميذ - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



دفتر المواضيع التربوية العامة هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بجميع المواضيع التربوية العامة التي لا يوجد لها تصنيف ضمن الدفاتر أدناه ..

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية ahmida
ahmida
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 5 - 7 - 2007
السكن: nador
المشاركات: 2,182
معدل تقييم المستوى: 423
ahmida على طريق التميزahmida على طريق التميز
ahmida غير متواجد حالياً
نشاط [ ahmida ]
قوة السمعة:423
قديم 16-01-2009, 08:10 المشاركة 1   
جديد مسار الإصغاء بين الأستاذ والتلميذ

مسار الإصغاء بين الأستاذ والتلميذ التلاقي وبعث الثقة داخل الفصل
مسار الإصغاء بين الأستاذ والتلميذ
التلاقي وبعث الثقة داخل الفصل

أصبح المسار الإصغائي والحمد لله نشاطا هاما في جل معاهدنا بعد بعث نوادي الإصغاء 1 بقي أن هذه النوادي لا تزال تحتاج مزيدا من الدعم بتكثيف الإطار ومساعدته على تجويد عمله - أولا- والسهر على توفير التكوين المستمر للجميع ثانيا.
ومن أهم مشاغل نكاتب الإصغاء , قضية التفاعل مع التلاميذ "المنبوذين" أو "أصحاب الصعوبات" ومنهم من عنّفوا - لفظا أو جسدا- أترابهم, أو أحد المربين وقد يفدون على مكتب الإصغاء بنوع من التحسّب والإحتراز, حول الإدلاء بأسرارهم وإفشاءها, معتبرين السلط التربوية عناصر ردعية, بل قمعية, تترصد آليهم . ونستشف من هنا عمق الزيغ في تصوراتهم للمسار التربوي, ولدور المؤسسة وهياكلها. وفي ذلك دلالة على أسباب سوء تأقلمهم ولجوئهم الى التعنيف أي الى موقف عدواني من المؤسسة ومن أهلها: لأنهم لم يتأقلموا ولم يجدوا تسديد حاجياتهم الأساسية بها 2 .
ـ ضرورة تلبية الحاجيات الأساسية
ذكرنا الباحث الأمريكي ماسلو بحاجيات الإنسان الأساسية ومنها ( راجع سلوكيات المراهق 2)
الشعور بالأمان
الشعور بالإنتماء
الشعور بالإعتراف (بالإنتماء) وبالإعتبار
الشعور بالإعتبار الذاتي
ولن يشعر الإنسان بالحد الأدنى من الإنشراج, طالما لم يقع تسديد حاجياته الأساسية هذه وفي مقدمتها الشعور بالأمان وبالطمأنينة.
وتشكل الطمأنينة احدى الإنفعالات الإيجابية, الى جانب انفعالات أخرى, كالفرح أو الإنشراح, وعلى عكس الإنفعالات السالبة, كالخوف أو الحزن (راجع محاضرة : الإنفعالات والدوافع6).
وهي عنصر أساسي لتمكين الإنسان من المضي الى الأمام، والقيام بمبادراته على أساس ثقته في ذاته وشعوره بالسيطرة على التغيرات الواردة محيطيا: فهو يرى نفسه في مأمن من تأثيرات عناصر قد تعرقل مبادراته . فيشعر عندئذ بالأمان, ولا يخاف من المجهول(المستجدات) الاّ بنسبة معقولة تدفعه الى التحسب في قراراته, لكن بدون احباط روح المبادرة لديه (3-7).
وتقوم مبادراته على شعوره بالأمان أولا. وعلى شعوره بالحماية من كل المخاطر الواردة, والعناصر الفتاكة, بفضل تضامن مجموعته, وحماية أسرته, تتقدمها أمه, لأنها زودته منذ فترة حضانتها لطفولته المبكرة, برصيد من الثقة في ذاته وشعوره بجدارته بأن يحب لذاته وأن يحمي.
ومن أبرز الأدلة على هذا الدور نلاحظ أن المتألم ولو كان في سن الكهولة ينادي باسم أمه عند شعوره بالأوجاع أو بحالة يأس (3-7).
كما لا ننسى أن الإنسان عند قيامه بمبادرة ما, فهو يسعى الى اثبات قدراته والى تأكيد جدارته تجاه ذاته أولا وتجاه أفراد مجموعته ثانيا. لأن تأكيد جدارته ينعكس على المجموعة ويجلب له الإعتبار والتقدير عند تحقيقه للنجاح والتألق, ويدعم شعوره بالإعتزاز بانتمائه اليها ويعزز تضامنها معه.
كما أن الفرد عند فشل مبادرته قد يشعر بالإحباط والتدنيس خصوصا إن كان مرد فشله هفوة شخصية . وقد يؤثر فشله على شعوره الإنتمائي ويقلص من تضامن المجموعة معه لأنه يحس بنوع من تراجع تأييدها لمساره وربما بالقدح واللوم منها ولو بصفة ضمنية. (6).
فمدى تجانس الفرد مع المجموعة, وتجاوبه مع قيمها وآمالها يرجع أولا وبالذات الى شعوره بتأييدها له, ودعمها لمساره, مما يغذي لديه شعوره بجدارته , ويعزز ثقته في ذاته على وجه تصاعدي, بتحقيق المزيد من النجاح والتـالق.
الشعور بالإعتراف بانتمائه وبالإعتبار لذاته ولمجموعته من مجموعات أخرى

يكون ذلك يوميا أمام
اعتبار اسرته وعائلته من عائلات مجاورة.
اعتبار الإنتماء الى المجموعة الذكرية أو الأنثوية, من أفراد الجنس الآخر وهذا الإعتبار يلعب دورا حساس لدى تلاميذ المدارس الإعدادية بحكم بداية سن المراهقة.
اعتبار أبناء بادة من نظرائهم من البلدة المجاورة.
الشعور بالتقدير والإعتبار لإنتمائه الأسري
يبرز هذا الأمر جليا في حياتنا اليومية في مراسم تقدير الأصول والإعتزاز بسلالتهم وخصوصا سلالة الأب نظرا لفائق دلالتها مجتمعيا ورمزيا, ونستجلي ذلك منذ القدم في أدبنا سيما في الفخر وفي الهجاء.
إذ يقوم جانب كبير من الهجاء على تدنيس الأصول أو على التشكيك في الإنتساب اليها(يا بن أم الحجاج)(3).
الشعور بالإعتبار الذاتي
هو اعتبار وتقدير لهوية الفرد داخل مجموعته على أساس ميزاته الذاتية. وهو يشكل ويجسم تقدير المجموعة وافرادها لخصوصيات هذا الشخص واعترافا منها بجدارته. وهذا الإعتبار الذاتي يؤسس مبدأ التعامل حضاريا بين الأتراب وبين الأجيال. كما يؤسس قدرة الفرد على التأقلم على وجه ايجابي أي بمبادرة ذاتية وعن طواعية لا على وجه الإكراه.
والتكيف القسري عندما يحدث, يولد الشعور بالنقمةو والسلوك الثوري والمقاومة. وقد يكون ذلك بصفة جلية وسافرة أو على وجه الخمود ظاهريا, مع العمل في الخفاء على أن يبرز في أول فرصة تتراجع فيها رقابة القاهر.


انعدام الشعور بالأمان والسلوك الوحشي :التفاعل الفطري
يقوم التفاعل الفطري على مبدأ الكفاح من أجل البقاء, أي على التحسب من مخاطر الطبيعة , ومن عدوان الكائنات الحية, كالحيوانات المفترسة, أو الكائن البشري, إن كان عديم الترويض: فالسلوك الوحشي يقوم على الصراع من أجل البقاء, ودعّم ذلك نموذج الأطفال المتوحشين.
ولاشك أن التربية تقوم على ترويض الدفعات الغرائزية ومنها دفعة الحب والجنس, ودفعة الفناء والتعنيف والعدوان.
ونستجلي ذلك بكامل الوضوح من خلال طقوس التحية لدى العديد من الحضارات وفيها إشارات واضحة لتفادي العدوان وبعث روح الأمان بين الأطراف المتقابلة.
- فكلمة " تحية" و"حيّى " تشير الى الحياة.
- وكلمة "السلام عليكم" تدل بوضوح على الأمان والمسالمة.
- وكلمة التوديع "سر في أمان الله" تشير الى الأمان بوضوح, ونجد لها المرادفات في لغات أخرى , كاللغات اللاتينية : وكلمة تشير الى الإنقاذ والحفاظ على الحياة. كما أن إشارات التحية تدل بوضوح على نية المسالمة.
- المصافحة باليد اليمنى, تدل على خلو هذه اليد من السلاح ومن أي هدف عدواني.
- لدى الأوروبيين يرفع المحيي قبعته ويمد عنقه الى الطرف المقابل دلالة على المسالمة.
ويكون التعامل الحضاري على اثر مسار ترويضي, يقوم على كبح النزعة العدوانية بصفة تدريجية. ولقد صوّره لنا القصصي والفيلسوف الفرنسي سانتا كزيبيري في قصته الفلسفية الرائعة والشهيرة "الأمير الصغير" " Le Petit princeي تروي قصة طفل صغير يكتشف العلاقات البشرية فينزل من كوكبه الصغير الى كوكب الأرض, بحثا على الصداقات.

فيلاقي ثعلبا بالصحراء ويدور بينهما الخطاب الآتي:

التعامل الحضاري بين الأفرادـ الحوار المجدي أو لقاء هويتين
توطئــــة

يقوم الحوار المجدي, على تبادل الإعتبار بين الطرفين: أي اعتبار أهلية الطرف المقابل بأن نتحاور معه, أو اعترافنا شكلا ومضمونا بانسانيته, وذلك بمقاييسنا الذاتية.

فلقد يكون الإعتراف شكلا فقط : فتكون عند ذلك القطيعة الكلامية,أي تحلور مع أصم: فهناك تبادل ألفاظ أو جمل, دون تواصل حقيقي, أي دون نقاط لقاء بين هويتين, ولا بين مرجعيتين(ولو اشتركا شكلا في نفس المراجع,لكن بقراءات متباينة). وهذا ما يحصل أحيانا في بعض المقابلات الإيديولوجية أو السياسية.

ولكن يكون الحوار مجديا, طالما لم يحصل تبادل الاعتبار بين هويتي الشخصين المتقابلين, وهو ما يسمى "لقاء الهويتين" أو " التواصل" رغم تباين المدلولين.

ويخضع عنصر "اللقاء" هذا, إلى عوامل لا واعية لدى الطرفين, أهلتهما, كل من جهته , إلى تحقيق هذا اللقاء, وعلى الصعيد الواعي.

وسنلقى بسطة وجيزة حول هذا العنصر اللاواعي, قبل أن نطرق جوانبه الواعية والسافرة:

اللقاء الكامن أو التهيئة نحو النظرة الأولى : القناة اللاواعية في تهيئة اللقاء:

لكل منا تصورات لاواعية , من سلبية وايجابية, حول ملامح الأطراف المقابلة التي قد يتفاعل معها. فإما أن يتوفر لدى طرف ما, الحد الأدنى من هذه الملامح, فيكون أهلا للقاء, وإما أن لا يتوفر لديه هذا الحد الأدنى, فلن يكون أهلا إذن للقائنا.

وهذا ما نعيشه يوميا في حياتنا الواعية, ونطلق على نتاجه كلمة "الانطباع", أو "أثر المظهر" أو "نتاج النظرة الأولى", أو " الحدس" فلقد نسمع يوميا أقاويل مثل:

"أحببته (ها) من أول نظرة"

أو قول بعض الشعراء:

"فعرفت الحب من أول نظرة"

أو

"والأذن تعشق قبل العين أحيانا"

وكأن المظهر الأولي لعب دورا حاسما في ربط علاقة المحبة والتعلق.

وهذا يصح ميدانيا, ونفسره بدور العوامل اللاواعية التي لعبت دورا تمهيديا, لدى الجانبين, فحصل نوع من التكامل بينهما, هيئهما الى فتح باب التلاقي, على اساس انفعال ايجابي, حصل لديهما منذ النظرة الأولى.

كما تعلب هذه العناصر اللاواعية, دورا في الحد من العلاقة , بل في رفضها أصلا, عندما تؤدي النظرة الأولى إلى انفعال سالب, يبعث على الاحتراز, أو ربما على الكراهية أحيانا.

العنصر الواعي في اللقاء: التلاقي السافر:

يمثل اللقاء السافر أول مرحلة تحاورية أو "تواصلية" في حقل الواقع الميداني, ولو أنها مؤهلة سابقا, من اعتبارات لا واعية كما اسلفنا.

والإنسان كائن مجتمعي يؤكد إنسانيته بالاحتكاك بنظيره, يبادله الآراء والاعتبارات والخواطر. فهو في حاجة إلى هذا التأكيد لإنسانيته, لإثبات تموقعه ـ فضاء وزمناـ وعلائقيا, شريطة توفر شروط الأهلية (بما فيها من عناصرلاواعية) لدى الطرف المقابل. فالعلاقة تمكن كلا الطرفين من التموقع هذا وهو ضروري لضبط المسار.

والتلاقي يعني التخاطب, وتبادل المشاعر . على أن لا يكون ذلك حكرا على العنصر الكلامي: فهناك تحاور لا كلامي, يحصل بالإيمائية وملامح الوجه وبالنظرة وبالإشارة, أو بنبرات الصوت (فضلا على العنصر اللغوي أو التحول بين لغتين وبصرف النظر عن معرفتيهما من الطرفين) او بموقع الجسد, وتغييره أثناء التخاطب, أو بكيفية المصافحة الخ. فاللقاء يقوم على قاسم مشترك بين الهويتين, مع الإقرار بالفوارق بينهما, واعتبار كلاهما بالتساوي, خصوصا في حقل الانتماءات.

وتشكل هذه "الفوارق", ما سماه بعضهم"آفاقا علائقية", تساعد كل طرف على التموقع ذاتيا, في حقله العلائقي باعتبار مجموع الفوارق بين هويته وهويات مجموع الأطراف المقابلة, أو مجموع "الآفاق", ويطلق مجازيا كلمة "هنا" على القاسم المشترك بين هويته وهوية الطرف المقابل.

بينما يطلق كل منهما كلمة " هناك" على بقية ميزات هوية الطرف المقابل. فكل منهما علائقيا "هنا" أثناء تخاطبه مع فلان: أي ضمن المجال المشترك بينهما, يدرس فوارق نظيرة (هناك ) , بالنسبة إليه بميزاته هو, وهي "هناك" بالنسبة لرفيقه. كما أن مجموعة "هناك" لدى كل الأطراف المتعاملة مع شخص ما, تشكل "الهوية السالبة" بلغة ايريكسون, أو مجموعة "المنظومة الوجودية" الضابطة للهوية.

شروط اللقاء

يقوم اللقاء على المساواة العلائقية بين الهويتين. اي بحضور وجداني كامل أثناء التخاطب, من كلا الطرفين. فإن لم يتوفر هذا الحضور من الجانبين, وصلنا الى علاقة لا متساوية : فإما حالة تبعية من طلرف, وهيمنة وتسلط من الطرف الآخر, أو جفاء كامن مع تواجد شكلي, دون لقاء حقيقي بين الهويتين: اي أن العلاقة العدائية واردة ولو في شكل مقنع وخامد.

لأن كل طرف لم يجد لدى الطرف المقابل جدلية التماهيات كما يتصورها هو, وانطلاقا من مقومات هويته هو.

وبالتالي فهو يجد نفسه في حالة "عوز تماهياتي" أي خيبة أمل في لقائه بالطرف المقابل.

إ\ن لابد لكل طرف, ان يظهر على حقيقته وأصالته, بدون أقنعة هلائقية. وإلا فقد يختل اللقاء. خصوصا إن كان المنطلق اختلاف في المكانة والدور, على الصعيد المؤسساتي: (ولي وابن ـ أستاذ وتلميذ) ورغم التساوي شكلا أثناء اللقاء.

اللقاء التربوي: المربي والمربى

يساهم المربي في مسار التأهيل مجتمعيا بالبيئة الثانية, علاوة على دور البيئة الأولى والأسرة, والبيئة الثالثة, وبيئات أخرى أفرزها تطور العالم كالسياحة والتلفزة وبقية تقنيات التواصل.

يقوم المربي بتبليغ الخطاب التربوي, والقائم على الحضارة السائدة مجتمعيا وبهدف تكويني بالأساس.

أي انه يبلغ في آن واحد, منظومة المعلومات , وسلم القيم المرتب لها ولتوظيفها في اسلوب الحياة, في حضارة المجتمع : أي نمط من تقييم وترتيب حاجيات الإنسان, وكيفية تلبيتها, علة وجه آجل , أو تعويضي, مع كسب التثمين والإعتبار مقابل تضحيته بجزء من متطلباته الغرائزية الأولية. أي أن مهمته تقوم على تبليغ نهج سلوكياتي, يوفر التثمين مجتمعيا. وهو عندئذ يمثل قدوة لتلاميذه. ولا يقتصر دوره على تبليغ معلومة مجردة, بلهجة قراءة نشرة الأخبار اذاعيا أو تلقزيا.

مستلزمات مهمة المربي

نذكر بان المسار التربوي يقوم على أسس وجدانية: لأنه ترويض للوجدان أولا وبالذات, يتجود بحسن توظيف التقدم العلمي والتقني.

ويقوم هذا المسار على توظيف تفاعلات وجدانية, بين المربي والمربى والمعلومة

ولابد لهذا المربي, أن يحقق موازنته الوجدانية أثناء قيامه بمهمته, مما يحتم عليه تلبية حاجيتين أساسيتين:

اولا : كسب تحويل ايجابي من تلامذة, أي شعوره بحد أدنى من تعلق التلاميذ بشخصه, وتغذية نرجسيته, أو حبه لذاته, ومن ثم تقديره الذاتي . فإن شعر بالرفت من تلاميذه تعرقل مساره.

ثانيا: شعوره بهيمنته على القسم , ونفوذه على التلاميذ, على أن يستحسن أن يحصل ذلك عن طواعية منهم, لا قسرا ولا قهرا : أي بكسب تعلقهم به.

وإن لم يتوفر لديه هذا الشعور, شعر بشق عصا الطاعة, ومن ثم بعدم الجدارة. وقد يصل احيانا الى حالة الإكتئاب بانعدام إعتباره لذاته عبر نظرة تلاميذه .

(ولقد تساؤل بعضهم حول مدى ترابط مهمة الأستاذ والإصابة بالإكتئاب (راجع بحث الدكتور شاكر الميلي بفرنسا).

شروط تبليغ الخطاب التربوي:

رأينا أن التربية تقوم على اسس وجدانية, وتهدف الى تأهيل الفرد الى الإنصهار مجتمعيا.

ويتكون هذا التأهيل من عنصرين متكاملين:

ـ الترويض الدفعاتي, وكسب السلوك الحضاري.(3)

ـ التكوين أو كسب المعلومة, مع القدرة على توظيفها لصالح البشرية.

وكلاهما يشترط من المربي أصالة الخطاب والتخاطب مع التلاميذ: أي أن يسلك سلوكه الأصيل بدون تصنع ولا قناع مهني. وأن يتفاعل وجدانيا مع تلاميذه: وهو شرط "الحضور الوجداني" حتى يتجاوب مع وجدان التلاميذ.

ولابد هنا من بسطة حول أوجه تبليغ المعلومة.

التبليغ الذهني المجرد أو "الإعلام"

يكمن هذا النوع من التبليغ في إعطاء المعلومة المجردة : وهي عنصر معرفي قد يؤدي الى تغيير نظرتنا الذهنية, بإعطائنا إنارة جديدة حول العناصر والأشكال المتواجدة وذلك على وجه مجرد وجاف: لغة النشرة الجوية مثلا.

الحضور الوجداني عند التبليغ

يشترط من المربي أن يوظف وجدانه, عند تبليغ المعلومة, مبرزا جوانبها التفاعلية (سلبا أو ايجابا), مع عواطفنا وجوارحنا, مثيرا لإنفعالات التلاميذ وجدانيا : فيبرز محاسن أو مخاطر الطاقة النووية مثلا, مستدلا بالأسلحة الفتاكة أو بالمنافع الصحية أو الحضارية: أي أنه يوظف عنصر انفعال التلاميذ, وتفاعله وجدانيا مع المعلومة, ذلك التفاعل الذي يؤدي حسب مقالة شهيرة الى " تحويل مجرى التاريخ بتحقيق منعرج في مسيرة ذاتية" (ترجمة بتصرف).

فالحضور الوجداني يؤسس التربية والتكوين الناجع, ولقد قال بعضهم أن إثارة التلميذ, بل استفزازه ذهنيا, يشكل أداة بيداغوجية ناجعة.

وهذا الحضور يؤدي الى "التكوين" بمعنى أن التلميذ اكتسب المعلومة ووظفها ذاتيا, عند شعوره بقدرات جديدة , وقيامه بمبادرات ذاتية وجديدة في شكل مشاريع ذهنية قد يحاول إنجازها حينيا أو لاحقا.

ويتحول الأستاذ الى منزلة المستشار النصوح عوضا عن "سلطة تبليغ المعلومة"

خصوصيات اللقاء بين المربي والتلميذ المراهق:

تمتاز فترة المراهقة, كما هو معلوم, بسرعة نسق التطور, وعدم الإستقرار وجدانيا.

وهو في وضع هامشي, تجاه منظومة الكهول مجتمعيا: وهو يترشح الى عضوية "نادي الكهول", دون أن يحظى بالقبول. وهو يعيش هامشيا بين وضع المبعد ووضع المتسكع, يبحث على محطات إرساء أو "مراسي" حتى يضبط مساره بين واقعه الحيني (هنا), وآفاقه المستقبلية (هناك), والتي لا تزال في حيز المخيال (راجع سلوكيات المراهق والسلوك الحضاري9 ومن هنا نستشف ميزات اللقاء بين المربي الكهل والمربي المراهق.

فالمربي الكهل يتمتع بهوية قارة تضبطها سلسلة علاقاته. ("قل لي منهم أصدقاؤك, فاقول لك من أنت"). فسلسلة القواسم المشتركة بينه وبين الأصدقاء _مجموعة "هنا" بينه وبين كل صديق) تشكل هويته الإيجابية’ بلغة ايريك ايريكسون, ومجموع الفوارق بينه وبين كل صديق من أصدقائه (جملة "هناك" في علاقاته بكل صديق منهم) يشكل " هويته السالبة" بلغة ايريكسون _راجع محاضرة بناء الهوية). كما تطلق لفظة "المنظومة الوجدانية" , على مجموع الهويات التي يتعامل معها شخص ما :

منظومة وجودية مجموع "هنا" = هوية ايجابية

مجموع هويات مجموع "هناك" = هوية سالبة

الأشخاص المتعامل معهم للشخص

فعلاقة المربي بالمربي تمتاز بنوع من التوازي في التفاعل بينهما, لكن بدون مساواة لا في المكانة ولا في الإستقرارية. هناك توازي في التحاور : على العموم يلقى التلميذ المراهق السؤال , ويتولى المربي الستاذ الرد عليه . لكن الأساتذة المتمرسين يعكسون الوضع أحيانا , حتى يستدرجوا التلميذ في تقييم مدى فهمه, وحتى يثيروا تفكيره واستنتاجه.

كما يقوم مسار المراهق على سلسلة من التماهيات, مع نماذج وقدوات عديدة (راجع سلوكيات المراهق(2) ـ المراهق يحتاج الى محطات ارسائية أو "مراسي" < مرسى), تبين له مساره وتشكل نحوه نقطة مرجعية أو نقطة تمرجع لضبط الطريق وإنارة السبيل. وقد يكون هذا "المرسى" شخصا ما أو مشروعا ما يرمز إليه أو يجسمه هذا الشخص:

ومن أهم المراسي لدى المراهق تتنزل النقاط الآتية:

ـ الوجدان والمحبة : الحبيب (به) وحب المراهقين والإرتباط عاطفبا.

ـ العمل والدراسة

ـ المسكن (بيت الأبوين أو بديل عنه حسب الحالة)

ـ الحصول على المال وتسديد المصاريف

ـ الإلتزامات التكميلية حسب ميولات الشخص : من النظال الفكري والتديني أو السياسي, الى أوجه الترفيه.

وفي كل منها نجد الوضع الحيني ("هنا") والمستقبلي أو "هناك " مثل

عاطفيا: ارتبط بفلانة فهي حاليا 0هنا) صديقتي المفضلة وأراها مستقبلا (هناك زوجة لي وأمالأبنائي.

دراسيا : حينيا انا في التاسعة اعدادي 0هنا) لاحقا (هناك) أرى نفسي حاملا للباكالوريا بتألق, وموجه الى جامعة فاخرة بالمانيا, أو بالولايات المتحدة.

علائقيا: أحب أستاذي فلان مدرس الرياضيات فهو مرجعي في الثقافة العلمية والثقافة العامة.

ماليا : يعطيني والدي خمسة دنانير أسبوعيا , لكني أساهم في المباريات الفكرية وانال الجوائز والمكافآت مما يؤفر لي دخلا إضافيا أوفر منه اقتناء بعض المطالعات كما أساعد ابن خالي في دراسته. ولقد أهدي الي خالي حاسوبا جميلا.

فعلى المربي أن يعرف خصوصيات وحاجيات تلميذه المراهق: ولقد يفيده غفادة جمة غذا ما شكل نحوه إحدى "المراسي", في تطوره الوجداني : فقد يكون حقق عندئذ ظاهرة هامة من حضوره الوجداني وظف عاطفة التلميذ في سبيل أهداف سامية.

لكن هذا التحقيق يشترط من المربي أن يتكلم وأن يسلك باصالة ومصداقية, بعيدا كل البعد عن ألعوبة الدوار , وعن الأقنعة . ولاشك أن لقاء المربي بتلاميذه المراهق يتشكل على مستويين اثنين

أولا المستوى الأول والتقليدي

مربي / تلميذ / المكانات
معلم / نتعلم

سلطة (تسلط) / صغور / العلاقة
نفوذ / تبغية
أمر / طاعة

هيمنة سافرة أو ضمنيةفي أسلوب التخاطب / ثورة ؛ عدوانية سافرة أو خادمة / الشعور

جواب إعلامي / شكلية / أسئلة

ـــــــ / كامنة - شعور بالإحباط / تساؤلات

على هذا المستوى تكون العلاقة تقليدية ومحدودة . وقد يقف دور المربي عند حدود تبليغ المعلومة أو "الإعلام".

ثانيا : المستوى الثاني أو السامي: تبليغ الرغبة في التعلم ذاتيا.

يحس المربي بمحدودية قدرات المراهق في التفتح على الحياة بحكم محدودية نضجة, علاوة على عراقيل أخرى قد تتأتى من البيئة الأولى: فيحاول مساعدته على هذا التفتح على "مدرسة الحياة" فيستشف بين الأسطر تساؤلات ومتطلبات التلميذ ويسبق الأحداث في مبادراته للتحاور: لقد قال بعضهم: "يجدر بالمربي أن يقدم قسطين من التفتح على الحياة, عند لقائه بالتلميذ المراهق".

كما لا ننسى أن لقاء المربي بتلميذه المراهق, يخضع إلى حتميات مادية وزمنية, لا تتوفر فيه حتما تلقائية اللقاء الواردة بين الكهول.

ولقد يقف المربي عند المستوى الأول من العلاقة. فيشعر التلميذ بالثورة والعدوانية تجاه الأستاذ, خصوصا وأن تساؤلاته تبقى عالقة بتغيب طرف مقابل يبادر بطرحها وبالإجابة عليها.

كما أنه يشعر بالتهميش والتسكع , نظرا لتغيب "مرسى وجداني" يفتح له آفاقا تمرجعية.

أما إذا تفتح المربي على المستوى الثاني أو السامي من اللقاء وخاطب تلميذه بشفافية ومصداقية, فإنه قد مكنه من منزلة مخاطب حقيقي, لا يشعر لا بالتبعبة ولا بالتمرد, ولا يكن مشاعر العدوانية حيال الأستاذ . لأن المربي فتح له باب صرف عدوانية بآلية التسامي وكسب المعلومة بالتفاعل معها وجدانيا وبالمبادرات الذهنية على أساسها يؤكد ويدعم هوية الناشئة بواسطتها مستند إلى تزكية الأستاذ, وساعيا على كسب حسن ظنه وباحثا على التألق ذاتيا ونجح المربي في خطته: تبليغ الرغبة في التعلم ذاتيا بمبادرات فردية يسهر هو على تنسيقها وتجويدها.

قضية صالح أو صعوبة التلاقي مع التلاميذ

جاء الأستاذ صالح متشكيا من حالة ارهاق مردها صعوبة التعامل مع تلاميذه من المرحلة الإعدادية.

وهو يدرس اللغة الفرنسية ويحاول تبليغها بكل أمانة إلى تلاميذه.

لكنه اصطدم بسوء انضباطهم وسوء استعدادهم وتفاقم الأمر به وصولا الى التشويش منهم وعدم سيطرته على تسيير الدرس مع تدخل الناظر فالمدير. وأخيرا نصحوه بطلب رخصة مرضية نظرا لحالة الإرهاق التي كان عليها في نهاية السنة.

وتدارس قضية الأستاذ صالح يعطي صورة تكاد تكون كاريكاتورية حول صعوبة التلاقي مع التلاميذ وذلك من جراء انعدام حضوره وجدانيا وتفاعله مع وجدان تلاميذه بالفصل.

فكانت القطيعة التخاطبية : وجود جسدي ولفظي من الأستاذ بدون حضور ولا تفاعل وجداني مع التلاميذ.

والأستاذ صالح علامة مقتدر بمادته وخباياها. ولقد كان يسعى إلى نيل شهادة دكتوراه لو أسعفه الحظ. لكن واقعه الأسري حال دون ذلك فاضطر من أجل كسب لقمة العيش الى التوجه نحو التدريس .

ويحاول بكل جدية تبليغ معلوماته ذهنيا انطلاقا من "مسلمة أولية" وهي اهتمام تلاميذه بمادة الفرنسية نظرا لدورها مجتمعيا."

وحاول اقناع تلاميذه المراهقين بحجج منطقية وعقلانية.

واصطدم بسوء تفهمهم بل بسخريتهم من قوله. وحاول الرد لكن خجله وضعف شخصيته حال دون ذلك.

واستشف التلاميذ نقطة ضعفه و "قناعه التدريسي".

فاستغلوا الموقف وزعموا صعوبة فهمهم لدروسه. والحال أنه اخطأ في التبليغ لسببين اثنين:

ـ جهله لأرضية المراهقة الصغرى ووجدانياتها مما حدى به الى مخاطبة تلاميذ منطقيا وعقلانيا.

ـ لبس قناع المدرس ولم يكن طبيعيا معهم.

فكان يقف عند حدود "التدريس الإعلامي" أي مد التلميذ بالمعلومة دون أن يسهر على تكوينه مما يتطلب منه القدرة على التفاعل وجدانيا ومرونة تكيفية لم يكن يملكها.

وهو بحكم خجله في موقف "فهو يخشى مجابهة التلاميذ وجدانيا. لأن تموقعه الذاتي من المراهقة لا يزال رهين النقاش : فهو لا يزال أعزب في سن السادسة والثلاثين ورهين مبادرات أمه ورعايتها... بعد محاولة زيجة أجهضت منذ البداية.

فتموقعه من الكهول ومن المراهقين صعب. وتعذر عليه مخاطبة تلك الفئة أو تلك الأخرى.

والانغماس في خصوصيات مادته كان له بمثابة القناع الواقي من العلاقة الوجدانية: لأنه يخشاها من جراء خجله المفرط.

المراجـــع

1 ـ أنور الجراية 1999 : مفهوم الإصغاء الى التلميذ المراهق . المدرسة الصيفية بنابل 1999 وزارة التربية : نوفمبر 1999 مرقون.

2 ـ أنور الجراية 2000 : سلوكيات المراهق ـ طبعة 2000 ـ معهد التكوين المستمر صفاقس ـ مرقون.

3 ـ أنور الجراية 2000 : السلوك الحضاري بين الأجيال ـ علاقة المربي بالمربي. الملتقى الوطني للمنظمة التونسية للتربية والأسرة. جبنيانة 10 مارس 2000 مرقون.

4 ـ أنور الجراية 2000 : مراحل النشأة الوجدانية لدى الكائن البشري مزايا نظرية ايريك ايريكسون . معهد التكوين المستمر بصفاقس 2000 مرقون .

5 ـ أنور الجراية : المراهق ومسار بناء الهوية . معهد التكوين المستمر مرقون

6 ـ أنور الجراية 1999 : الإنفعالات والدوافع في الحياة النفسية . كلية الطب بصفاقس 1999 مرقون.

7 ـ أنور الجراية 2000 : المراهق والنضج الدفعياتي والغرائزي كلية الطب صفاقس 2000 مرقون.

8 ـ أنور الجراية 1994 : المراهق وعلاقاته بالأسرة مجلة الثقافة النفسية بيروت 1994.

9 ـ سامي المخلوفي 1995 : من اشكاليات المراهق رسالة دكتوراة في الطب تحت اشراف الأستاذ الدكتور أنور الجراية كلية الطب صفاقس 1995









ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
آخر مواضيعي

0 التربية الجادة ضرورة
0 Le Petit Robert 2009
0 مواقع أكاديميات ونيابات تعليمية
0 punition infligée à un élève pour sanctionner un manque de travail ou de discipline.
0 روعة الابيض والاسود
0 من بقايا الأقمشة تستطعن الإبداع !!!
0 القواعد الاساسية للديكور
0 قبعات للصيف
0 اسطوانة لتعلم اللغة الانجليزية
0 هل تعلم ?


هدهد سليمان
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية هدهد سليمان

تاريخ التسجيل: 17 - 11 - 2007
السكن: الرشــيديــة
المشاركات: 332

هدهد سليمان غير متواجد حالياً

نشاط [ هدهد سليمان ]
معدل تقييم المستوى: 233
افتراضي
قديم 17-01-2009, 21:10 المشاركة 2   

دمت متألقا أخي


صانع الاجيال2
:: مراقب عام ::

الصورة الرمزية صانع الاجيال2

تاريخ التسجيل: 8 - 6 - 2007
المشاركات: 1,324

صانع الاجيال2 غير متواجد حالياً

نشاط [ صانع الاجيال2 ]
معدل تقييم المستوى: 338
افتراضي
قديم 17-01-2009, 23:13 المشاركة 3   

شكرا على افادتك التي لا تنقطع

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسار, الأستاذ, الإصغاء, بين, والتلميذ

« التنظيم البيداغوجي:التقويم والامتحانات بالتعليم الابتدائي:حصريا | لماذا بيداغوجية المقاربة بالكفاءات ؟ »
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأستاذ والتلميذ younesserraoui النكــت والطرائف 4 05-07-2009 17:04
بيداغوجيا تسيير المعامل التربوية و الأشغال اليدوية aboud دفتر المواضيع التربوية العامة 2 28-04-2009 09:55
الى الأستاذ الذي سئم من التعليم والتلميذ الذي سئم من التعلم الحل بين..... ساعي البريد دفاتر المواضيع الإسلامية 2 07-03-2009 00:33
المعلم والتلميذ nafiss النكــت والطرائف 2 22-02-2009 14:48
افتتاح مسار الإصغاء بين الأستاذ والتلميذ ابن الاسلام الأرشيف 0 12-11-2008 10:15


الساعة الآن 10:52


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة