تأملات في مرسوم التعيين في مناصب رؤساء الأقسام والمصالح
تأملات في مرسوم التعيين في مناصب رؤساء الأقسام والمصالح : الأحد 4 يونيو 2017 ==== صدر بالجريدة الرسمية، عدد 6007 مكرر بتاريخ 27 فبراير 2011 المرسوم المتعلق بالتعيين في مناصب رؤساء الأقسام والمصالح. ويشكل هذا النوع من المسؤولية داخل الإدارات العمومية جزءا مهما وأساسيا من دواليب وهياكل هذه الإدارات، فهي العمود الفقري لكل هيكلة وتمتد على امتداد التراب الوطني؛ فهذه الهياكل تلعب دورا مهما في تنظيم الإدارة وتسييرها والسهر على السير اليومي لمختلف القضايا والملفات والمهام التي تباشرها؛
فلا أحد يجادل في كون هؤلاء المسؤولين يشكلون دينامو الإدارة وواجهتها.
وقد جاء هذا المرسوم كتجسيد للوعي بأهمية هذه الأجهزة داخل الإدارة ومحوريتها في تدبير الشأن العام، ونتيجة للعديد من التراكمات الحاصلة على مستوى إصلاح الإدارة بهدف عقلنتها ومأسستها، وبالتالي دمقرطتها لتمكينها من ممارسة الحكامة الجيدة؛ فعلى امتداد المواد الست عشرة المكونة له، نلامس ذلك التحول النوعي نحو مأسسة العلاقات الإدارية وعقلنتها باعتماد مبدأ تكافؤ الفرص، مما سيؤصل لفتح المجال أمام الكفاءات، وبالتالي القطع مع الممارسات القديمة المتسمة بالمزاجية والمحسوبية والزبونية.
وفي ظل المقتضيات الجديدة أصبح لزاما على الإدارة الإعلان عن المناصب الشاغرة المتعلقة بالمسؤولية طبقا للمادة السادسة، الشيء الذي يفتح باب المنافسة بين الكفاءات المستوفية لشروط الترشيح التي جاءت في المادتين الرابعة والخامسة، الشيء الذي يسمح للإدارة، تبعا للمادة 9 التي تنص على تشكيل لجنة للانتقاء، بالتوفر على أفضل التصورات التي يمكن تجميعها وتفريغها على شكل استراتيجيات وبرامج قابلة للأجرأة، سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد، وهو ما يمكن الإدارة من تسيير عقلاني للموارد البشرية التي تشكل حلقة أساسية في أي تنمية، وفتح باب الاجتهاد بالإدارات والانفتاح على مختلف الكفاءات والطاقات دون مزايدات كيفما كان نوعها.
وفي نفس الاتجاه دائما، اشترط المرسوم للترشح التوفر على شهادة تخول ولوج متصرف من الدرجة الثالثة على الأقل، مما يرفع من المستوى التعليمي والمعرفي لمن يرغب في تحمل المسؤولية، لأن الشهادة المطلوبة هي الإجازة أو ما يعادلها في التعليم العالي، وبالتالي الرفع من مستوى أداء الإدارة وفاعليتها ومردوديتها، لأن الكفاءة تولد الإبداع والابتكار.
وانسجاما مع روحه، ربط المرسوم المسؤولية بالمحاسبة من خلال إخضاع رؤساء الأقسام والمصالح للتقييم سنويا بغية الوقوف على ما تحقق من دفتر التحملات الذي سبق التباري في شأنه، وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من المادة ال11.
وتجسيدا لمبدأ الشفافية في عملية الانتقاء، تسمح الفقرة الأخيرة من المادة ال9 بالطعن في التقرير النهائي للجنة الانتقاء عبر القنوات القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل من طرف المرشحين الذين تم إقصاؤهم.
لكن رغم هذا الطموح والنزوع إلى بناء علاقات جديدة داخل الإدارة، تؤطرها الشفافية والمساواة، فقد ظل عاجزا عن بلورة ذلك نتيجة العديد من الاختلالات الجوهرية التي يعاني منها والتي تحد من تفعيله على أرض الواقع، تمس روح وفلسفة النص.
فمن أهم العوائق التي تحول دون تفعيل هذا المرسوم، مرسومٌ آخر يحدد التعويض عن المهام الذي نصت عليه المادة 14 وكذا المادة 16 التي نسخت ضمنيا المقتضيات السابقة بنسخها للمرسوم 2.75.832 الذي يعد الأصل. وانسجاما مع روحه، ربط المرسوم المسؤولية بالمحاسبة بإخضاع رؤساء الأقسام والمصالح للتقنية سنويا للمساءلة بغية الوقوف على ما تحقق من دفتر التحملات الذي سبق التباري في شأنه، وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من المادة ال11؛ بل الأدهى من ذلك أنه المسؤوليات المزاولة حاليا، والتي تدخل في حكم رؤساء الأقسام والمصالح، تعتبر لا قانونية لأن إسناد هذه المسؤوليات كان بناء على الأحكام السابقة التي أصبحت منسوخة منذ صدور المرسوم الجديد الذي لا يمكن تفعيله إلا بعد صدور المرسوم المشار إليه (المادة 14). كما أن التعويضات التي تصرف في هذا الباب لم تعد تتوفر على السند القانوني لأن المرسوم الذي كان يدبرها لا يشكل إلا أحد فروع المرسوم 2.75.832. إلى جانب كون بعض المتحملين للمسؤولية، وإن كانت تتوفر فيهم الشروط السابقة، لم تعد كذلك، بعدما تم رفع سقف شروط الترشيح وانتقاله من السلم ال10 الرتبة الرابعة بالنسبة إلى رتب المصلحة إلى السلم ال11 مع سنتين من الأقدمية، وفي نفس الآن يصطدم تحيين وتزكية المسؤولين الحاليين بالمادة ال14، ويعود هذا بالأساس إلى كون المرسوم أغفل الإشارة إلى انتقالية تستمر فيها بعض الأحكام إلى حين توفر الشروط الموضوعية لتطبيق المقتضيات الجديدة، لأن من شأن هذه الأحكام الانتقالية ضمان انتقال سلس بين الوضعيات، ولاسيما أن المقتضيات السابقة قديمة في الزمن، إذ ترجع إلى منتصف السبعينيات من القرن الماضي.
باحث في السوسيولوجيا
عبد الإلاه منبه
عن المساء ============== إدارة نيوز .نت /عبد الإله منبه/