الناقد عبد الرحيم جيران: الكاتب يخلق قارئه لا العكس - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



دفتر المواضيع التربوية العامة هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بجميع المواضيع التربوية العامة التي لا يوجد لها تصنيف ضمن الدفاتر أدناه ..

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية nasser
nasser
:: مراقب عام ::
تاريخ التسجيل: 26 - 1 - 2008
السكن: فاس
المشاركات: 73,097
معدل تقييم المستوى: 7532
nasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميزnasser في سماء التميز
nasser غير متواجد حالياً
نشاط [ nasser ]
قوة السمعة:7532
قديم 04-12-2017, 23:12 المشاركة 1   
وردة الناقد عبد الرحيم جيران: الكاتب يخلق قارئه لا العكس

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ في هذا الحوار نقترب من الأكاديمي والأديب المغربي عبد الرحيم جيران بوصفه باحثا رصينا في خريطة النقد العربي سواء داخل الجامعة أم خارجها، وصاحب "نظرية في السرد" أطلق عليها "المنهج التجديلي التضافري"، يزاوج بين الكتابة الروائية والقصصية والشعرية، ونقد النقد. صدر له في الدراسات الأدبية: " في النظرية السردية" عن أفريقيا الشرق (2006)، و"إدانة الأدب" عن النجاح الجديدة (2008)، و"علبة السرد: النظرية السردية من التقليد إلى التأسيس" و"سراب النظرية" عن دار الكتاب الجديد المتحدة (2013)، والنص الأدبي- لعبة المرايا، الدار المغربية العربية (2017). أما في الرواية: "عصا البلياردو" عن دار أفريقيا الشرق (2011)، و"كرة الثلج" عن دار الآداب (2013)، وفي القصة القصيرة "ليل غرناطة" عن دار الأمان (2013)، وفي الشعر: "سيرة شرفة" عن دار النهضة العربية (2016).



* يرتبط اسم عبد الرحيم جيران في المشهد الثقافي العربي بصفته كاتبا متعددا تتقاطع في تجربته فروع المعرفة وأشكال الكتابة بين النقد والإبداع؟ هل هذا التعدد يدل على عدم استطاعة نوع واحد من الكتابة توصيف العالم وفهمه أو هو مرتبط بالتكوين الشخصي؟

لم أختر أن أكون متعددا منذ اقتحامي عالم الكتابة، وأنا يافع، وجدتني تحت تأثيرات قراءاتي الأولى منفتحا على كل أشكال التعبير، وبخاصة الشعر. لكن سيتحول هذا الهاجس العفوي فيما بعد إلى اهتمام واع، وبخاصة حين اطلاعي على كتابات القرن التاسع عشر بأوروبا، فقد انبهرت بالجانب الموسوعي فيها. وتحصَّل لدي الإدراك منذ ثمانينيات القرن العشرين بأن الكتابة الجيدة هي تلك التي تصدر عن ذات ملمة من جهة بالمعرفة، وبخاصة منها الفلسفة، ومن جهة ثانية قادرة على التنقل بين صنوف الإبداع، ومن جهة ثالثة تمتلك القدرة على فهم النصوص وفك التباساتها، والكشف عن أسرارها. ربما ما قلته يدخل في توصيف التجربة المتصلة بالكتابة؛ أي فهم هذا التعدد في ضوء ما اختبرته شخصيا على مستوى الممارسة الفعلية. لكن قد تكون هناك أسباب أخرى تتصل بما يتجاوز الممارسة نحو تفسير هذا التعدد؛ وهو ما جاء في آخر سؤالك. العالم معقد ومركب، وهو في الوقت ذاته شتات فَقَدَ أصالته البكر الماثلة في وحدته الأسطورية الضائعة؛ هذه الوحدة التي كان الكاهن وحده القادر على التعبير عنها، ويتمثل فعله الأسطوري القابض على وحدة العالم في ممارسته مهامَّ متعددة: راوي الأساطير، وحافظ الأناشيد، والعارف بالأسرار الكونية، والمؤتمن على تاريخ الجماعة المروي، والمالك للمعرفة المتصلة بالخفي- السحري، والمعالج...الخ. ربما كان تعدد الكتابة عندي متصلا بكون التعبير عن تعقد العالم لا يتحقق إلا بنشدان الوحدة التي كان يمتلكها الكاهن الأسطوري؛ فالجنس التعبيري الواحد لا يمتلك إلا القدرة على قول جانب من تعقيد العالم، بما في ذلك القول الفلسفي الذي بني على السعي إلى القبض على الكل المكون للعالم، وفهم حقيقته. حين أمارس الكتابة في أي نوع أدبي أو في النقد يكون هاجسي الأول هو فهم العالم، فهمه بوساطة تخييله على نحو يكشف عن غير المرئي فيه بالمعنى الذي يذهب إليه ميرلوبونتي. وحين أمارس النقد أو الفكر تكون الغاية ماثلة في فهم العالم كما امتلكه الآخرون عبر وسائل تعبيرهم الخاصة محاولا التنبه إلى ما لم أتنبه إليه، وفي الآن نفسه القبض على ما انفلت منهم أو ظل محجوبا عنهم. النصوص الجيدة ينبغي أن تعلم الناقد كيف يعثر على صوته عبر ما تبسطه أمامه من أسرار الكتابة، وعليها في الوقت ذاته أن تجد فيه ما يكمل البياضات التي تتخلل علاقتها بالعالم.


خيط رفيع


* من المفترض أن تكون للكاتب الموسوعي متعدد التعبير رؤية محددة تتحكم في كل نصوصه؛ فما الخيط الرفيع الرابط بين أصناف الإبداع كما تمارسها (الرواية- القصة القصيرة- الشعر) والكتابة النقدية لديك؟

أكيد أن كل كتابة لا بد لها من وعي بها، أو رؤية في صددها، وإلا صارت نوعا من العبث الذي لا طائل منه. ولا يعني هذا أن يكون الكاتب منظرا بالضرورة، بل أن يكون له وعي تام بما يريد التعبير عنه، وبالأهداف التي يسعى إلى تحقيقها بوساطة فعل الكتابة. ولا تمكن الإجابة عن هذا السؤال إلا في هذا النطاق. أظن أن الخيط الرفيع الذي يربط بين كل أشكال الكتابة عندي، سواء أكانت نظرية محضة أم تخييلية، هو فهم العالم كما انتهى إلينا والوجود فيه بوصفنا تجليات له. لكن فهم العالم يختلف من شخص إلى آخر، ولا بد من مدخل نظري إليه. كان من المفروض أن أترك للنقاد مهمة الكشف عن هذا المدخل، لا أنا، لكن لا بأس من أن أفعل هذا شخصيا. لقد أدركت أن مشكلة العالم كما يعيشها الإنسان هي قائمة على مكونين لا ينفصل الواحد منهما عن الآخر: أولا، نقص العالم وعدم كفايته، وثانيا، التوتر بين التصور (التطلع) والتحقق. لقد تحدث ديكارت- في صدد الإرادة- عن كون كل كائن يمتلك الإرادة وفق ما زُوِّد به من قدرات عضوية؛ فالإنسان لا يستطيع مجاراة الحوت في العيش تحت المياه، لأنه يفتقر إلى مقوماته البيولوجية والعضوية. هذا مجرد نقص يتصل بما هو خَلْقيّ، لكن النقص الذي يُعذِّب الإنسان يتمثل في ما هو وجودي؛ أي ما يجعل الإنسان ساكنا في العالم كما وُهِب له في الأصل غير مُعانٍ من العيش فيه. إن الرحم الأسطوري الذي يضاعف الرحم الأصلي ضاع إلى الأبد بفعل رمزية الثقافة الناجمة عن الملكية وتقسيم العمل. ومن ثمة كان على الإنسان أن يعاني من البقاء، لا بوصفه سؤالا فحسب، بل بوصفه عيشا نموذجيا ملموسا أيضا، ومؤسسا على ما هو قيمي. وهنا يتدخل مكون التوتر بين التصور والتحقق؛ أي بين ما نتطلع إليه وما تهبنا إياه الحياة أو نحققه، بما يعنيه هذا من وعي بالزمان بوصفه فوتا. كيف يتجلى- إذن- فهم العالم وفق هذين المكونين في أعمالي؟ باقتضاب تام: ما يتحكم في أعمالي الإبداعية هو كتابة العالم من خلال مفهوم الخسارة بوصفها دالة على نقصه: المعطي الرابحي في رواية "عصا البلياردو" يحكي انطلاقا من خسارة جيله وسعاد، ومن زاوية التوتر بين الحلم في الماضي وعدم تحققه في الحاضر. ويحكي الصادق في رواية "كرة الثلج" انطلاقا من المستشفى؛ حيث يعاني من الشلل، ومن خلال التوتر بين تصوره العدمي للعالم والتحقق النهائي الذي يضاده. وديوان "سيرة شرفة" يقوم على تضاد وهم الانتظار للسيدة بوصفه تطلعا قديما والواقع المخيب له. أما مجموعة "ليل غرناطة" القصصية فهي تخيل تنافر الظاهر والباطن من زاوية عدم كفاية في الذات نفسها (الافتقار إلى تملك القدرة على اقتناص ذكاء اللحظة). وقيسي على هذا تصوري النظري للسرد؛ فهو قائم بدوره على المكونين سابقي الذكر. ويُعَدُّ التوتر بين التصور والتحقق مبدأ تفسير في كل الكتب النظرية التي نشرتها، وفي المقالات التي نشرت حول "ألف ليلة وليلة" وحول الهوية. ويمكن فهم وعي العزاء بوصفه مبدأ مفسرا في السرد في هذا النطاق لا غيره.


خطة مسبقة للكتابة


* يبدو أن ما تنشره من مقالات يخضع لخطة مسبقة.. أنت لا تكتب انطلاقا من رد الفعل تجاه قضايا معينة، ولا من وحي اللحظة، بل من خلال مشروع مترابط الحلقات يرسم له هدفا محددا، حتى أن القارئ صار ينتظر كل أسبوع المقال بحسب معرفة مسبقة بموضوعه.. أنت تُحيي تقليدا كان سائدا في الصحافة العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين.. لماذا هذا الاختيار؟

أظن أنني لا أكتب من أجل الحضور الوهمي في الصحافة أو لجني مكاسب وهمية، بل وفق وعي تام بدوري في هذه اللحظة التاريخية الملتبسة التي نمر بها. وهذا الدور يتأسس على أهداف أربعة رئيسة: أولا، تقديم أنموذج للكتابة مؤسِّس لاختيار فكري جديد غير استنساخي؛ بحيث تكون الغاية ماثلة في إنتاج السؤال الخاص، أي الكتابة التي تتساءل وتنتج، ولا تكرر الأشياء كما تفد علينا من الضفة الأخرى. ثانيا، الرقي بالكتابة النقدية التي تنشر بالصحف، من طريق عدم تملق القارئ، أو المساهمة في نشر الكسل الثقافي بوساطة مماثلة الكتابة النقدية بخطابات الرأي العام. لقد كان عليّ ألا أساير القارئ بتوفير مادة شبيهة بالأكلة السريعة، ومن ثمة تكريس مفهوم القارئ المطمئن للمعنى الذي يُنتج من دون تكلفة اقتصادية؛ فالكاتب الحقيقي هو من يخلق قارئه، لا الذي ينتجه القارئ.


"
"البحث الفلسفي المستقبلي سيتأسس على المتاح الأدبي؛ أي على الأسئلة التي يطرحها الأدب على العالم عبر وسائله التخييلية، لا على مشابهة الإنتاج الأدبي في هذه الوسائل"

"


ما الفائدة من كتابة غير اقتراحية، لا تربك العادة القرائية السائدة؟ كتابة من هذا النوع شبيهة بمنديل ورقي، تنتهي ما أن تستعمل. ثالثا، إشراك القارئ في المشروع النظري الذي يشغلني؛ فردود الفعل المختلفة التي تصدر من هذا أو ذاك لها أهميتها في اختبار إمكانات الأسئلة التي تشغلني.. كيفما كانت طبيعة تفاعل القارئ مع المقال فهو أساس لتطوير هذا الأخير، وعديد من المقالات التي كتبتها كان من وحي أسئلة القراء. رابعا، كل مشروع كتابة لا بد له من القيام بدور تعليمي تنويري؛ أي ضرورة مساهمته من جهة في خلق وعي بالمرحلة التي نحن فيها، وبما ينبغي فعله على مستوى الفكر والنقد، والمساهمة من جهة ثانية في إفادة المعنيين بالحقل الأدبي والنقدي بما ينفعهم في فهم القضايا المستغلقة، وفي جعلهم متصلين بما يستجد منها. كل هذه الأهداف جميعها لا تتحقق إلا بكتابة مسترسلة في هيئة حلقات في موضوع محدد؛ بما يسمح بمراعاة مطلبين اثنين: 1- تعويد القارئ على تتبع تطور الفكرة لدى الكاتب وطرائق صياغتها، وكيفية التفكير لديه.2- تحويل المادة النقدية والفكرية من طابعها المناسباتي والظرفي إلى مادة مبنية مُفكَّر فيها وفق تصور استهدافي متنام. وفي النهاية تؤسس الكتابة المتتابعة في موضوع ما مقاومة لزمان الميعة الذي هو نتاج ثقافة المرميات jetables؛ بحيث يبقى شيء ما في ذهن القارئ مستمرا، وهذا الشيء ماثل في انتظار مجيء التكملة في مقال مقبل، وهذا الانتظار يؤشر على زمان الإبقاء على الأشياء، إن لم يكن الأمر على مستوى هيئتها الكلية فعلى الأقل على مستوى أثرها الذي يتخذ طبيعة امتداد محتواه الانتظار.


الأسلوب في اللغة والتفكير


* من يقرأ كتب عبد الرحيم جيران ومقالاته يجد نفسه أمام كتابة نوعية لها طابعها الخاص؛ بحيث ما أن تشرع في القراءة تدرك أن من يكتب هو عبد الرحيم جيران.. أي أن لك أسلوبا خاصا. وهذا الاسلوب لا يتعلق باللغة فحسب، بل أيضا بطبيعة التفكير لديك.. وبخاصة الطابع الفلسفي؟

ربما قد يكون لي أسلوب خاص أتميز به، لكن ما أنا واع به هو طريقتي في صياغة الكتابة، بحيث لا أركن فيها إلى الجملة- الأداة التي تكتفي بنقل الأشياء كما هي، لأن الأدب أكثر من القول نفسه، ويورط هذا الأخير في ما يتجاوزه، ويجعله منعكسا على نفسه متأملا ذاته في فعله. لا قيمة للكتابة التي تنطلق من الأجوبة الجاهزة والمسلمات والفهوم السائدة.. الكتابة المسؤولة المُنتِجة هي تلك التي تُعطي للاحتمال نصيبًا كبيرًا في ما تصوغ من أفكار. ولهذا تتخذ الكتابة في ما أنتج طابعا إشكاليا على الدوام. لا يتأسس المقال عندي أو الدراسة الأدبية إلا على الأسئلة التي تسعى إلى التشويش على المعتاد، وعلى الأفكار النمطية. ولهذا لا يبتدئ المقال إلا بأسئلة إشكالية تمهد للفكرة التي أسعى إلى بنائها. ويزيد من خصوصية ما أكتب رغبتي في عدم التأمين على الأشياء، ومحاولة البحث عن آفاق أخرى. ويتجلى هذا المسعى في بناء تصورات جديدة، ونحت مفاهيم خاصة، وعدم الاطمئنان إلى الأفكار مهما كانت مستحوذة ومحاولة نقدها ومراجعتها في ضوء تصوري النظري العام القائم على مبادئ التجديل التضافري. إذا شئت لنقل إن أسلوبي الخاص ماثل أكثر في البناء الفكري، أما الخصوصية على مستوى اللغة التي أكتب بها فهي متأتية من خصوصية المنزع الفكري. نصل هنا إلى ما ألمحت إليه بالطابع الفلسفي. أظن أن العلاقة بين الأدب والفلسفة أكثر من ضرورية بالنسبة إلى الفكر الأدبي، وينبغي فهم كون عديد من الأفكار الفلسفية مصدرها نصوص أدبية؛ فلا غنى للناقد عن الاطلاع على الفكر الفلسفي، بل ينبغي أن يكون أكثر من الفيلسوف في هذا الصدد. يسعى كل من الأديب والفيلسوف إلى فهم العالم، لكن كلٌّ بطريقته الخاصة، ولا سبيل لكلٍّ منهما إلى هذا الفهم- لكي يكون أكثر إيجابية- إلا باطلاع الواحد منهما على تركة الآخر. وفي ظني أن البحث الفلسفي المستقبلي سيتأسس على المتاح الأدبي؛ أي على الأسئلة التي يطرحها الأدب على العالم عبر وسائله التخييلية، لا على مشابهة الإنتاج الأدبي في هذه الوسائل. وإذا كنت أؤمن بهذا التحول المرتقب فإنني أمارسه حاليا؛ فأنا أفكر فلسفيا من خلال ما توفره لي النصوص الأدبية من أسئلة مقلقة. ومهمة من هذا القبيل ليست بالسهلة وبخاصة في سياق بحثي ومعرفي وقرائي ليس مؤهلا لأن يتقبل مغامرة من هذا النوع. لكن منطق الأمور كان دائما هكذا؛ الأشياء الجديدة تلقى في البداية نوعا من العزوف، حتى لا نقول المقاومة، لكن لا تلبث أن تفرض نفسها في نهاية المطاف.


الرحم الأمومي والرحم الأصلي


* عطفا على السؤال السابق، يبدو أنك في ما تكتب تسعى إلى صياغة أفكار فلسفية تراجع فيها بعض الأسئلة حول الوجود والعالم.. من قبيل ما صغته في مقالة "لماذا نحكي"؛ أي تفسير الوجود من خلال الرحم ضدا على فرويد.. هل لك أن تشرح الأمر أكثر؟

لن تخرج الإجابة عن مبدأ الوجود الناقص في العالم، أو عدم كفاية هذا الأخير. ينبغي فهم العالم خارج الفكر الشغوف بالخفي المتعالي؛ أي فهمه في هيئة مصير إنساني فوق هذه الأرض، وهو مصير وجودي- تاريخي. ومن الجيد فهم الوجود بوصفه انبثاقا واعيا للحياة فينا، وفهم التاريخ بكونه تاريخ هذا الانبثاق. ولمن الممكن ربط هذا الوجود بالبقاء وبالنقص الذي هو سمة العالم وسِمَتُنا بوصفنا جزءا منه؛ فهناك عالم الكفاية غير المتذكَّر الذي يتّصف بعدم النقص وعالم مرض الذاكرة والزمان والنقص. العالم الأول هو عالم الوجود في الرحم؛ حيث يكون الجنين الذي كناه متمتعا بكل الحياة التي تأتي إليه في هيئة استجالة لحاجاته من دون جهد، أو حتى طلب، وكان في غير حاجة للحذر من المخاطر، لأنه كان متمتعا بالحماية التامة، كما كان كلا غير مجزَّأ، وجزءا من محيطه، هو هو. ويضاعف الرحم الأمومي الرحم الأصلي الماثل في الأرض التي هي مصدر الحياة. حين يولد الطفل يفقد صلته الأصيلة بعالم الرحم، ويجد نفسه أمام المعاناة من نقص العالم الجديد الذي استضافه. ويتمثل هذا النقص في كون العالم لا يوفر للذات كل ما تريد، ولا يستجيب لها إلا في حالة بذله الجهد بما يعنيه من عناء؛ ومن ثمة تصير الذاكرة والزمان شكلين للمرض الوجودي؛ ومعنى هذا أن الإنسان يفقد صحة الرحم التي لا تعاني من الحاجة إلى التذكر والاستذكار لضمان بقائها وتفادي المخاطر، ويصير مرتهنا بالزمان بوصفه وعيا بالبقاء المرتبط بالأعباء والمهام، وبالذاكرة التي ينبغي أن تكون مهيأة على الدوام لإسعاف الذات على تعرف ذاتها من جهة والعالم من جهة ثانية. لقد كان المجتمع الأسطوري يوفر للذات رحما بديلا تمثله الجماعة- العشيرة، بحيث لم يكن الانفصال عن الرحم الأصل- الأرض قد حدث، وكانت الأعباء متقاسمة، وكان مفهوم الحاضر الأبدي هو المهيمن بوصفه زمان الوجود الأصيل، ولم يكن ملوثا بالمستقبل- الغد بوصفه زمان الأعباء. لكن مسألة الانفصال عن الرحم ستطرح بحدة مع تحول العشيرة إلى مجتمع وانقسامها على نفسها بفعل ظهور الملكية. ومن ثمة ولد الطابع الصراعي للبقاء. وولد الحكي بغاية تمثيل الرغبة الدفينة في استعادة الرحم رمزيا من خلال الرغبة في مجاوزة العجز ونقص العالم، ومحاولة استعادة الكل الضائع الذي كان يمثله الرحم. وتمكن العودة إلى مقال "لماذا نحكي" لمزيد من الاطلاع على العلاقة الصميمة بين الحكي والرحم.

*نشرت مقالات متسلسلة ومتتابعة حول "ألف ليلة وليلة"، وقد اربكت فيها حسابات الكثيرين، وراجعت فيها عديدا من الأفكار التي كانت سائدة حول "الليالي".. أولا، لماذا هذا الانتباه إلى "ألف ليلة وليلة"، وخصوصا أنك مهتم بالرواية. ثانيا، ما الذي استفدت من دراستها. ثالثا، هل انتهيت من دراستها بتوقيف نشر المقالات حولها؟

لا يعني اهتمامي بالرواية وقضاياها أنني غير مهتم بالسرود العتيقة. لقد كان علي في أثناء إنجاز مشروع "علبة السرد" اختبار الهيكل الاستراتيجي في ضوء عديد من النصوص الحكائية حتى أفحص مدى طاقته الإجرائية. وقد كان من ضمن هذه النصوص بعض الحكايات الواردة في "ألف ليلة وليلة". بالطبع لم تنشر نصوص هذا الاختبار، وظلت في هيئة تمرينات أحتفظ بها في أرشيف مكتبتي. كما أنني تطرقت في كتاب "سراب النظرية"، وإن على نحو موجز، إلى "ألف ليلة وليلة"؛ فـ"الليالي" لم تكن- إذن- بعيدة عن انشغالاتي، لكن الرغبة في دراستها لم تتح لي إلا في هذا الوقت. ربما هذا مرتبط بالنضج النظري الذي كان لا بد منه لاقتحام عالم "الليالي". ولم يتيسر لي هذا النضج إلا في هذه اللحظة من عمري المعرفي. ولا بد أن أشير- قبل الحديث عن الاستفادة من هذا الكتاب- إلى أنه خدع عديدا من الباحثين، وأن المنطلقات المنهجية والنظرية التي اعتمدت في دراسته لم تكن قادرة على النفاذ إليه؛ فهو يتضمن من الأسرار ما يفرض على الباحث التسلح بمعارف عدة وتبني استراتيجية مغايرة لفهمه. ومما استفدته من الليالي كثير: أولا، عدم الفصل بين النص وأسئلة العصر. ثانيا، تجديد النظر إلى الكفاية التأويلية وآلياتها، وفي مقدمة هذا أهمية البعد التكويني للنصوص في الفهم، وتفكيك رمزية العالم في ضوء رمزية الحكاية التي تعد بدورها تخييلا مؤولا للعالم. ثالثا، نحت مفاهيم جديدة مهمة في مجال السرد. رابعا، استنباط قضايا سردية نظرية ومنها ما أفادني في بناء مفهوم الهوية السردية وتمظهراتها. أما ما يتعلق بسؤال ما إذا كنت قد أنهيت دراسة ألف ليلة وليلة فلا أظن، فقط أحتاج إلى إنهاء المقالات المتصلة بدراسة مفهوم الهوية السردية لكي أستأنف دراستها. وعلى العموم تعد "الليالي" كنزا تخييليا، لا يمتع فحسب، بل يطرح مشكلات نوعية في مجال السرد، ويتضمن داخله أسئلة لم تثر بعد، أو لم يتنبه إليها، ومن غير الصحي معالجتها في إطار تطلبات النص الشفهي، أو التنظير الشكلاني والبنيوي.
ليندا نصار 10 أكتوبر 2017









الحمد لله رب العالمين
آخر مواضيعي

0 الحكومة تصادق على مشروع قانون جديد يهم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض
0 موعد زيادة 10 دراهم في “البوطا”.. هذا تعليق الحكومة
0 الكونفدرالية تتهم الحكومة بالعمل على تفكيك الحركة النقابية وافراغ الحوار من مضمونه .. وتستدعي جهازها التقريري إلى دورة طارئة
0 ​نتائـج الاختبـارات الكتابيـة لمباراة ولوج سلك أطر التدريس بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين - مسلك التعليم الثانوي الإعدادي - دورة أبريل 2024
0 مضامين "التربية الجنسية" في تدريب مؤطري المخيمات تثير الجدل بالمغرب
0 زيادة تفوق 1000 درهم... مصادر نقابية تكشف ملامح العرض الحكومي المطروح أمام النقابات في الحوار الاجتماعي
0 مواعيد انعقاد اجتماعات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء المركزية من أجل النظر في جداول الترقي في الدرجة بالاختيار برسم سنة 2022.
0 ​مذكرة رقم 24-156 بتاريخ 23 أبريل 2024 في شأن محاربة التدخين بمؤسسات التربية والتكوين.
0 ​مذكرة رقم 24-155 بتاريخ 23 أبريل 2024 في شأن قائمة الوثائق المطلوبة للمصادقة على الأنظمة الأساسية للجامعات الرياضية واستفادتها من المنح المخصصة لها .
0 ​مذكرة رقم 24-153 بتاريخ 22 أبريل 2024 في شأن انتقاء مفتشين تربويين للتعليم الابتدائي للقيام بمهام التأطير والمراقبة والتقييم في إطار برنامج تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية لأبناء الجالية المغرب

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« الهوية بين الندرة والوفرة | علاجات تطبيقية لمشكلة كراهية الابناء للمدرسة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يخلق من الشبه 40 .. شبيه مولاي الحسن يخلق الحدث في الفايسبوك nasser فيسبوك Facebook 0 23-10-2015 20:56
مجموعة من اعمال الناقد السعودي عبد الله الغذامي le marocain كتب إلكترونية 1 07-03-2009 02:39
الدروس المستفادة من قصة قارون sesan دفاتر المواضيع الإسلامية 1 16-02-2009 19:55
قارون وفتنة العصر sesan دفاتر المواضيع الإسلامية 1 16-02-2009 19:50
قصة قارون sesan القصص والروايات 1 14-02-2009 14:52


الساعة الآن 12:44


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة