حديث الصباح:خريجون من الدرجة الثانية
الخميس, 31 مايو 2012
الدولة ترخص لمؤسسات تعليمية لكي تفتح أبوابها ثم تمنع خريجيها من اجتياز مباريات التوظيف العمومي
هناك حالات من الظلم المؤسس لا أفهم أساسها، ولا كيف يمكن التغاضي عنها دون إثارة النقاش حولها بشكل جدي. من بين هذه الحالات حكايات شهادات التعليم العالي في القطاع الخاص التي تجعل الحاصلين عليها خريجين من الدرجة الثانية للمواطنة. واقعنا اليوم يجعل الدولة، عبر وزارة التعليم العالي، ترخص لمدارس عديدة لتُدَرّس شعبا مختلفة في القطاع الخاص: صحافة، تجارة وأعمال، معلوميات، مهن الصحة... بعض هذه المؤسسات العاملة في القطاع الخاص جاد، والبعض الآخر لا. بعضها يحترم معايير التكوين العالي والبعض الآخر لا. بدل مراقبة القطاع عبر هيآت موازية، قرر مسيرونا، منذ سنوات طويلة، أن يحلوا الإشكالية بطريقة "سهلة" لكنها استبدادية. (المسألة لا علاقة لها، للإشارة، بالحكومة التي يترأسها الحزب الإسلامي. لدي، كما للعديد من المتتبعين، تحفظات كثيرة على كيفية تسيير بعض الملفات من طرف حكومة عبد الإله بنكيران، لكني في الوقت نفسه لا أفهم التحامل المبيت لدى البعض. الانتقاد واجبنا لكي نساعد الأمور على النضج، لكن واجبنا أيضا تفادي ثقافة "إنا عكسنا").
ما هو إذن هذا الحل العجيب الذي وجده نظامنا التعليمي؟ كل شهادات القطاع الخاص، نعم، كل شهاداته بدون أي استثناء، غير معترف بها. ماذا يعني هذا الأمر؟ الشهادة غير المعترف بها لا تعني أن المؤسسة تشتغل خارج القانون، لأنها مؤسسة مُرخّص لها، لكن هذا يعني أن شهاداتها لا تخول للخريجين الاشتغال في القطاع العام ولا حتى متابعة دراستهم الجامعية في القطاع العام (الماستر والدكتوراه...).
بالفعل، فالواقع الاقتصادي يجعل القطاع الخاص يوفر أغلب مناصب الشغل في المغرب، ما لا يطرح إشكالية التشغيل بالنسبة إلى عدد كبير من (إن لم نقل جل) خريجي القطاع الخاص. لكن السؤال الذي يستحق الطرح: لماذا ترخص الدولة لمؤسسات تعليمية لكي تفتح أبوابها وتُدرس، ثم تمنع خريجيها من اجتياز مباريات التوظيف العمومي مثلا؟ من المؤكد أن حق الوظيفة العمومية هراء لم أتفق معه يوما. فأن نطالب بالوظيفة العمومية أمر لا معنى له اقتصاديا وحقوقيا. لكن، في الوقت نفسه، منع شريحة من المواطنين من اجتياز تلك المباريات، بشكل مبدئي لا يأخذ بعين الاعتبار الكفاءات، ظلم من نوع آخر.
بل وأخطر من هذا، خريجو تلك المؤسسات والمعاهد العليا يستطيعون متابعة دراستهم العليا في العديد من الجامعات الحكومية الأجنبية (فرنسا وبلجيكا والولايات المتحدة الأمريكية...)، وأحيانا في معاهد أكثر وزنا؛ لكن جامعاتنا تقفل في وجوههم الأبواب. هكذا مثلا، يتابع العشرات من خريجي المدارس العليا الخاصة في المغرب دراسات الدكتوراه في جامعات أجنبية، ومنهم من يُدرس فيها، لكن جامعاتنا تقفل الأبواب في وجه هؤلاء، بـ "تهمة" واحدة فقط: أنهم درسوا في القطاع الخاص.
أتساءل اليوم بجدية: لماذا ندفع خريجينا إلى متابعة دراستهم في الخارج؛ ليس اختيارا، لكن إجبارا وإكراها، وباسم القانون؟ "جريمة" هؤلاء الوحيدة أنهم درسوا في القطاع الخاص بعد حصولهم على شهادة الباكلوريا. بل إن بعضهم يُدَرّسون في جامعات عالمية حكومية، في حين لا تعترف وزارة التعليم العالي، بالنسبة إليهم، إلا بشهادة الباكلوريا. الماستر أو الدكتوراه المحصل عليها من جامعات حكومية أجنبية لا تمنحهم حق الحصول على أي معادلة، ليس لأنها بدون قيمة، ولا لأن الجامعة التي منحت هذه الشهادة غير جادة، بل لأن ما سبقها، تم في القطاع الخاص، وكأن سنة دراسة واحدة في القطاع الخاص تصبح بمثابة ماض إجرامي يهدد مستقبل صاحبه.
أتفهم أن تحتاج وزارة التعليم العالي إلى القيام ببعض الإجراءات الإدارية قبل منح المعادلة، لكن كيف يمكننا اليوم أن نتصور أن شخصا حاصلا على الدكتوراه من جامعة أجنبية معروفة وشهاداتها تحصل عادة على المعادلة مع شهادات مملكتنا الشريفة، وأن يتم رفض المعادلة لمجرد أن الحاصل على تلك الشهادة العليا درس في الماضي، وقبل الحصول عليها، في القطاع الخاص؟ ما معنى أن نجد اليوم أنفسنا أمام العديد من الطلبة المغاربة الذين يحضرون شهادات الدكتوراه في جامعات فرنسية وبلجيكية وكندية (راقية أحيانا)، في حين يلفظهم النظام التعليمي المغربي والقطاع الحكومي برمته، ليس لعلة في الكفاءات (الأمر الذي كان سيكون عاديا ومقبولا)، لكن فقط بسبب "ماض" قادهم إلى مؤسسات القطاع الخاص، وحتى الأكثر جدية منها؟
إذا كان كل هذا يترجم خوفا من جودة التعليم في القطاع العالي الخاص، فالأفضل ربما هو إقفال جميع تلك المؤسسات، وليس الترخيص لها بالاشتغال سنوات طويلة، ثم معاملة طلبتها في ما بعد على أساس أنهم خريجون من الدرجة الثانية... أو مواطنون ناقصو مواطنة.
بقلم : سناء العاجي ,كاتبة