تحية تربوية
لقد استمتعت حقيقة بالنقاش الدائر ولا يفوتني أن أساهم بما يلي من الملاحظات:
· من العادات المستفحلة في وسطنا التعليمي إسراعنا- أحيانا- إلى نشر غسيلنا بين الناس دون أن نمكن أنفسنا من إجادة تنظيفه وتنشيفه داخل خيامنا...
· إن ما يلتهب داخلنا من أفكار وهواجس وما يعتملنا من حماس العمل والجد والنظامية تسقطنا في فخ مناقشة الأشخاص ...لا الأفكار....فالمرجو من كل الدفاتريين أن يركزوا على ما بداخل عقول الناس لا على أوصافهم أو مناصبهم...فما تفضلت به الأخت ..كان سيكون جميلا أكثر لوتجاوزت فيها زميلها الأستاذ لتناقش الظاهرة...
· ألا تتيح لنا مجالس المؤسسة بشتى أنواعها،فضاءات أرحب لمطارحة همومنا التعليمية اليومية وإيجاد الصيغ الممكنة لتصريفها من خلال آليات التواصل والحوار ..؟
· ألا يمكننا ابتداع كل البدائل الممكنة للتحكم - ولو نسبيا- في مختلف الظواهر التي تقاسيها مؤسساتنا التعليمية .ومنهاظاهرة استفحال تغيبات التلاميذ،من قبيل خلايا الاستماع،الأنشطة الموازية،إدماج التلميذ في الحياة التربوية للمؤسسة بإشراكه في التدبير اليومي(مجلس التلاميذ وممثليهم داخل كل فصل)،الانفتاح على شركاء المؤسسة وخاصة جمعية آباء التلاميذ،وذلك بتوريط بعض أعضاء مكتبها في جلسات خاصة مع فئة المتغيبين ممن لم تنفع معهم المساطر الادارية العادية،يشارك فيها إلى جانبهم أساتذة يحملون هذا الهم –مستعدين للتضيحة بسويعات كل أسبوع- وعينة من التلاميذ المشهود لهم بالانضباط والجدية بالإضافة إلى أطر الإدارة التربوية.
· لماذا نسعى إلى الاحتفاظ ،ولو بحسن نية،بهوة وهمية حفرها الزمن الاداري الغابر بين المربي بالقسم والمربي بالادارة...من هو الحارس العام؟إنه أستاذ مكلف بمهة لا يملك من العدة المعرفية والمهنية لأدائها إلا ما حصلته الذاكرة ومهرته التجربة؟هل مهمة الحارس العام هي منح أوراق الإذن بالدخول؟ أم أن مهمة الحارس العام هي التنقير عن كل السبل الممكنة لتجنب الغياب؟
· إن السؤال المركزي الذي ينبغي أن يؤرقنا جميعا هو:لماذا يتغيب التلميذ؟ما ومن الذي/الذين حولوا مؤسساتنا إلى فضاءات عدوانية لا يكاد يطيقها أبناؤنا ويبحثون عن كل الطرق للتمرد ضدها؟
· ضعف وتقادم الترسانة القانونية المؤطرة للحياة المدرسية بشكل يساهم في تمييع العملية التربوية،ويفتح الباب على مصراعيه للتسيب المحمي قانونيا بدعوى محاربة الهدر المدرسي، تأملوا معي ما تقوله التعليمات الرسمية:
ب-الغياب غير المبرر:
يعالج وفق المسطرة التالية :
1. الغياب لمدة ساعة واحدة إلى ست ساعات متقطعة أو مسترسلة: يسمح للتلميذ باستئناف دراسته، ويطالب بإحضار ولي أمره ( الأب أو الأخ أو من يقوم مقامهما)لاحقا في أجل محدد ؛
2. امتداد الغياب لما يعادل يومين متقطعين أو متوالين:يستدعى ولي أمر التلميذ المتغيب ويسجل هذا الحضور في بطاقة الغياب الشخصية للتلميذ ؛
3. امتداد الغياب لما يعادل ثلاثة أيام إلى خمسة أيام متوالية أو متقطعة: يستدعى ولي أمر التلميذ الذي يتعهد كتابة بمواظبة التلميذ المتغيب على الدراسة
4. امتداد الغياب لمدة أسبوع متواصل: في هذه الحالة فإن إدارة المؤسسة ملزمة بمراسلة ولي أمر التلميذ برسالة عادية إلى عنوانه المصرح به لديها بعد انصرام اليوم الثالث من الغياب، فإذا التحق التلميذ قبل اليوم العاشر من غيابه فإن إنذارا يوجه إليه رفقة ولي أمره، وتخصم منه خمس نقط تقديرية من نقطة المواظبة والسلوك بالنسبة لتلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي ؛
5. امتداد الغياب لمدة عشرة أيام إلى خمسة عشر يوما متواصلة: تبعث إدارة المؤسسة بعد اليوم العاشر من الغياب بأمر استئناف الدراسة بواسطة رسالة مضمونة إلى ولي أمر التلميذ في عنوانه المصرح به لديها، يحثه على وجوب التحاق ابنه بدراسته تحت طائلة التشطيب عليه من قوائم المؤسسة بأثر رجعي إذا ما استوفى الغياب شهرا كاملا. فإذا استجاب لهذه المراسلة قبل مضي الشهر، فإن توبيخا يوجه في حقه، مع خصم عشر نقط من نقطة المواظبة والسلوك فيما يخص تلاميذ التعليم الثانوي التأهيلي ؛
6. إن غياب التلميذ بدون مبرر قانوني في فرض من فروض المراقبة المستمرة لا يستثني احتساب هذا الفرض، بل إن معدل الدورة في المادة المتغيب في أحد فروضها يحتسب بقسمة مجموع نقط التلميذ على عدد الفروض المنجزة .
لاحظ معي أنه لم ترد أية عبارة تمنع دخول التلميذ من الدخول إلى القسم بدعوى الغياب،فالمساطر الرسمية تريد التركيب بين المتناقضين:
· حق التلميذ في التمدرس من خلال عدم حرمانه من أية حصة دراسية،وإتاحة الفرصة للإجراءات الإدارية بعيدا عنه .
· حق المؤسسة التعليمية في حماية نفسها من كل تصرف من شأنه نسف معمارها الداخلي.أي فسح المجال للتسيب.
وإذا كانت المؤسسات التعليمية،وسعيا منها للحفاظ على ماء الوجه ،تلجأ إلى تضمين قوانينها الداخلية عبارات من قبيل:
- لا يسمح بقبول أي تلميذ تغيب في حصة سابقة إلا بإذن مكتوب يسلم للتلميذ من طرف المسؤول الإداري المكلف.
فإنها عبارات لا تصمد أمام مرافعات المحاكم الإدارية التي بثت في قضايا مشابهة،بل إن العبارات أعلاه تدمر نفسها بنفسها حين تبيح للمكلف الإداري شطب تغيب للتلميذ بوريقة صغيرة تدعى إذنا بالدخول،بل إنها تضيف جملة أخرى- ربما قد لا تروق لأختنا رحمة-:
- تبرير تغيبات التلاميذ من اختصاص إدارة المؤسسة، فهي وحدها - دون غيرها – المؤهلة لقبول تلك التبريرات أو رفضها.
إن الصرامة التي نرجوها جميعا هي أولا صرامة قانونية وليست تكرما نستجديه من مكلف إداري قد لا يستطيعها ؟أو لا تتوفر له الظروف النفسية والموضوعية للقيام بها،فتحصين مؤسساتنا التعليمية ضد الظواهر المخلة هو عمل قاعدي ،هيكلي،لا زال مشروعا ورقيا نتداوله رسميا ومدنيا ولكننا لم نجد الشجاعة الكافية لتنزيله واقعيا....
إن المسألة ليست مسألة حارس عام يجود بأوراقه على تلاميذ غفل، ولكن الأمر أكبر من ذلك بكثير...