مجددي الدين منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و حتى يومنا هذا - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



دفــتــر السنة و السيرة النبوية علامة التعلق بنبينا و محبته : تعلم والتزام سنته ، و الإهتمام بمعرفة سيرته ...

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية labawch
labawch
:: دفاتري ذهبي ::
تاريخ التسجيل: 7 - 9 - 2008
السكن: marrakech
المشاركات: 951
معدل تقييم المستوى: 286
labawch على طريق الإبداع
labawch غير متواجد حالياً
نشاط [ labawch ]
قوة السمعة:286
قديم 17-03-2009, 01:27 المشاركة 1   
افتراضي مجددي الدين منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم و حتى يومنا هذا

مقدمة

حدثنا ‏ ‏سليمان بن داود المهري ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏ابن وهب ‏ ‏أخبرني ‏ ‏سعيد بن أبي أيوب ‏ ‏عن ‏ ‏شراحيل بن يزيد المعافري ‏ ‏عن ‏ ‏أبي علقمة ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏ ‏فيما أعلم ‏
‏عن رسول ‏‏ الله ‏صلى ‏ الله‏ عليه وسلم ‏ ‏قال (‏ ‏إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ) أبوداود- الملاحم – ما يذكر في قرن المائة

حديثٌ صحيح .

أخرجه أبوداود في السنن رقم4291 , وأبو عمرو الداني في الفتن 3/742/364 , والهروي في ذم الكلام ص246 , والحاكم في المستدرك 4/522 , والبيهقي في معرفة السنن والآثار 1/28/422 , ومناقب الشافعي 1/137 , وابن عدي في الكامل 1/123 , وابن عساكر في تبين كذب المفتري 51-52 , والخطيب في تاريخ بغداد 2/61 , والطبراني في المعجم الأوسط 6/323-324/6527 , وابن حجر في توالي التأنيس بمعالي إدريس ص46 , من طرق عن ابن وهب : أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافرى عن أبي علقمة عن أ[ي هريرة – فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه ( إن الله يبعثُ على رأس كل مئة شنةٍ من يُجددُ لها دينها ).


وقال شيخنا – أي الألباني – في صحيحه رقم1874 ( صحيح )

*وقال في الصحيحة رقم599 ( والسند صحيح , رجاله ثقات رجال مسلم )

قلت : وهو كمال قالوا , وقد صححه الإمام أحمد كما في السير 10/46

وقد أعله بعضهم باختلاف الناس في تحديد المجددين , وأن كل طائفة تدعي أن إمامها هو المجدد , وتلك علةٌّ عليلةٌّ !! إذ المُجدد لا يشترط أن يكون واحداً فقط , بل يمكن أن يكون أكثر من واحد كما قال صاحب عون المعبود 11/164 وغيره .

قال الحاقظ ابن كثير – كما في كشف الخفاء 1/283 وغيره ( وقد ادعى كل قومٍ في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث والظاهر – والله أعلم – أنه يعمُّ حملةَ العلمِ من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء : من مفسرين , ومحدثين , وفقهاء , ونحاة و ولغويين , إلى غير ذلك من الأصناف )

قال الحافظ ابن حجر في الفتح 13/295 ( لا يلزم أن يكون في رأس كل مئة سنة واحد فقط بل يكون الأمر فيه كما ذكر في الطائفة وهو متجهٌ , فإن اجتمع الصفات المحتاج إلى تجديدها لا ينحصر في نوعٍ من أنواع الخير , ولا يلزم أن جميع خصال الخير كلها في شخصٍ واحدٍ , إلا أن يُدعى ذلك في عمر بن عبدالعزيز فإنه كان القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير ، وتقدمه فيها ؛ ومن ثم أطلق أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه ، وأما من جاء بعده ؛ فالشافعي - وإن كان متصفاً بالصفات الجميلة - إلا أنه لم يكن القائم بأمر ال**** ، والحـكـــم بالعدل , فعلى هذا , كل من كان مُتصفاً بشيءٍ من ذلك عند رأس المئة هو المراد , سواء تعدد أم لا )


قلت : فـ ( مَنْ ) تصلح للواحد فما فوقه , كما أفاده المناوي – أيضا – في الفيض 2/282 .


**وكأن ابن الأثير يضع السكين على المفصل حينما قال ( لا يلــــزم أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً وإنما قد يكون واحداً وقد يكون أكثر منه ؛ فإن لفظة (مَنْ) تقع على الواحد والجمع ، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعـــوث : الفقهاءَ خاصة - كما ذهب إليه بعض العلماء - فإنّ انتفاع الأمة بغيرهم أيضاً كثير مثل: أولي الأمر ، وأصحاب الحديث ، والقراء والوعاظ ، وأصحاب الطبقات من الزهاد ؛ فـإن كـل قـومٍ ينفعون بفن لا يـنـفــــع بــــه الآخر ؛ إذ الأصل في حفظ الدين حفظ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ، ويُتمكن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أولي الأمر . وكذلك أصحاب الحـديث ينفـعـون بضبط الأحاديث التي هي أدلة الشرع ، والقرّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايــات ، والزهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا . فكل واحد ينفــع بغير ما ينفع به الآخر ... فإذا تحمل تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى ، وأبعد من التهمة ، فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعـــةٍ من الأكابر المشهورين على رأس كل مائة سنة ، يجددون للناس دينهم .

المجدد الأول :
إنّه إمام الهدى الزاهد، والخليفة الراشد: عمر بن عبد العزيز بن مروان القرشي الأموي.


قال عنه إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يحب عمر بن عبد العزيز، ويذكرُ محاسنه وينشرها، فاعلم أن من وراء ذلك خيراً إن شاء الله".
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه [فتح الباري شرح صحيح البخاري] عند شرح قوله صلى الله عليه وسلّم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يجدّد لها دينها". قال: "لا يلزم أن جميع خصال الخير كُلِّها في شخص واحد، إلا أن يُدّعى ذلك في عمر بن عبد العزيز، فإنه القائم بالأمر على رأس المائة الأولى باتصافه بجميع صفات الخير وتقدمه فيها، ومن ثَمَّ أطلق الإمام أحمد أنهم كانوا يحملون الحديث عليه". أ. هـ
لقد أطنب العلماء والمؤرخون في الثناء على عمر بن عبد العزيز وذكر محاسنه، فوصفه الحافظ الذهبي، فكان مما قال عنه: "كان ثقةً مأموناً، له فقه وعلم وورع، وروى حديثاً كثيراً، وكان إمام عدل، رحمه الله ورضي عنه". [سير أعلام النبلاء 5/ 114].
كان الخوف من الله مقارناً له في صغره، فقد حفظ وهو غلام صغير، وفي يوم من الأيام بكى فسألته أمه عن سبب بكائه فقال: "ذكرت الموت فبكيت".
كان صادق اللهجة يقول: "ما كذبتُ منذ علمتُ أن الكذب يَضُرُّ أهله".
وقد – رحمه الله - طلب العلم والفقه في الدين حتى صار إماماً، ثم وُلّي إمارة المدينة وهو في ذلك الوقت شابٌ غليظ ممتلئ الجسم، يلبس أحسن الثياب، ويتطيب بأطيب الطيب.
فلما وُلّي الخلافة نحل جسمه وتغيرت حاله، رآه بعضهم يطوف بالكعبة [قبل الخلافة] وإنّ حُجْزة إزاره لغائبة في ثنايا بطنه من السمن. يقول: "ثم رأيته بعد ما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسّها لفعلت". [الكتاب الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز 1/367].
وذات مرة دخل عليه محمد بن كعب القرظي بعد ما تولى الخلافة يقول: "فجعلت أنظر إليه نظراً لا أكاد أصرف بصري عنه، فقال: ما لك يا ابن كعب؟! فقلت: أعجب من تغير جسمك وتبدّل حالك. فقال: فكيف لو رأيتني يا ابن كعب في قبري بعد ثلاث ليال، حين تقع حدقة عيني على وجنتي، ويسيل منخري وفمي صديداً ودوداً، كنت لي أَشد إنكاراً".
إنه استشعار المسؤولية التي أسندت إليه - رحمة الله عليه - لقد زان الخلافة وما زانته، بل لقد وُلّي وهو للخلافة كاره، فسار بالناس بسيرة جده لأمه الفاروق عمر رضي الله عنه.
ولما دُفِنَ الخليفةُ السابق [سليمان بن عبد الملك] قُرّبت مراكبُ الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقال: ما لي ولها، نحّوها عنّي، وقربوا إلي دابتي، فركب دابته، وسار، وسار معه الناس حتى دخل المسجد، فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فقال: "أيها الناس إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلفتُ ما في أعناقكم من بيعتي فاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس صيحة واحدة: قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، فلما رأى ذلك: حمد الله وأثنى عليه، وصلىّ على النبي صلى الله عليه وسلّم وقال: أوصيكم بتقوى الله فإن تقوى الله خلفٌ من كل شيء وليس من تقوى الله عز وجل خلف، واعملوا لأخرتكم، فإنه من عمل لأخرته كفاه الله أمر دنياه، واصلحوا سرائركم يصلح الله علانيتكم، وأكثروا ذكر الموت، وأحسنوا الاستعداد قبل أن ينزل بكم، فإنّه هادم اللذات، وإن عبداً ليس بينه وبين آدم أبٌ إلا قد مات لمعرقٌ له في الموت.
ألا وإني لستُ بخير من أحدٍ منكم ولكني أثقلكم حملاً". [ سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي 65-66 ]
ثم شرع يردّ المظالم التي كانت قبل ولايته، فبدأ بأقاربه من بني أميه، فأخذ ما استولوا عليه ظلماً، وما أخذوه بغير حق، ففزعوا من هذا التصرّف وأرسلوا إليه أعيان الناس، فلم يفدهم ذلك شيئاً.
قال وهيب بن الورد: "اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبد العزيز، وجاء ابنه ليدخل عليه، فقالوا له: إما أن تستأذن لنا وإما أن تبلِّغ أمير المؤمنين ما جئنا من أجله، فقال لهم قولوا. فقالوا: إن من كان قبله من الخلفاء يعطوننا ويعرفون لنا موضعاً، وإن أباك قد حرمنا ما في يديه. فدخل على أبيه عمر فأخبره بقولهم، فقال له عمر: قل لهم إنَّ أبي يقول لكم: (إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)".
ولقد كان لأقاربه الحظ الأوفر من الوعظ والنصح والتذكير، ولنستمع إلى رسالة بعث بها عمر رحمه الله إلى بعض أهل بيته يقول:
"أما بعد، فإنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بَغَّضَ إليك كل فانٍ، وحَبّب إليك كل باقٍ، والسلام".
لقد غلب على قلب عمر بن عبد العزيز الخوف من الله، فكان إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله، وكان يجمع كُلَّ ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون.
حدّثت زوجته فاطمة بنت عبد الملك فقالت: "قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاة وصياماً منه، ولكني لم أر رجلاً من الناس كان أشد خوفاً من ربه من عمر، كان إذا صلّى العشاء دخل بيته فقد يكون معي في الفراش فيخطر على قلبه الشيء من أمر الله فينتفض كما ينتفض العصفور قد وقع في الماء ثم ينشج ثم يرتفع بكاؤه حتى أقول: لتخرجن روحه التي بين جنبيه وتدركني الرحمة له فأطرح اللحاف عني وعنه وأنا أقول: ما رأيت سروراً منذ كنا في هذه الخلافة يا ليت بيننا وبينها بعد المشرقين. فكان يقول: اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوماً دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي".

المجدد الثاني : الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله

ولد عام 164 هجري الموافق 780 ميلادي، في بغداد ، توفي والده وهو صغير ، فنشأ يتيماً ، وتولَّت رعايته أمه . وتنقّل بين الحجاز واليمن ودمشق. سمع من كبار المحدثين ونال قسطاً وافراً من العلم والمعرفة، حتى قال فيه الإمام الشافعي: "خرجت من بغداد فما خلّفت بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفقَهَ من ابن حنبل" . وعن إبراهيم الحربي، قال: "رأيت أحمد ابن حنبل، فرأيت كأنّ الله جمع له علم الأوّلين والآخرين من كل صنف يقول ما يشاء ويمسك عمّا يشاء". ولم يكن ابن حنبل يخوض في شيء مما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا.


نشأتـــه :

نشأ الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في طلب العلم ، وبدأ في طلب الحديث وعمرهُ خمس عشرة سنة ، ورحل للعلم وعمرهُ عشرون سنة ، والـتقى بعدد من العلماء منهم : الشافعي في مكة ، ويحيى القطَّان ، ويزيد بن هارون في البصرة .
ورحل من العراق إلى اليمن مع يحيى بن مُعين ، فلمَّا وصلا إلى مكة وجدا عبد الرزاق الصنعاني أحد العلماء في اليمن ، فقال يحيى بن معين يا إمام يا أحمد : نحنُ الآن وجدنا الإمام ، ليس هناك ضرورة في أن نذهب إلى اليمن ، فقال الإمام أحمد : أنا نويت أن أُسافر إلى اليمن ، ثم رجع عبد الرزاق إلى اليمن ولَحِقـا به إلى اليمن ، وبَقِيَ الإمام أحمد في اليمن عشرة أشهر ، ثم رجع مشياً على الأقدام إلى العراق .

فلمَّا رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له : ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد : يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق .

* مِنْ عُلوا الهمَّـة عند الإمام أحمد وهو صغير ، يقول : ربما أردتُ الذهاب مبكراً في طلب الحديث قبل صلاة الفجر ، فتأخذ أمي بثوبي وتقول : حتى يؤذِّن المؤذِّن .


مذهبــــه :

مذاهب أهل السنة كلها مذاهب حق لا سيما مذاهب الأئمة الأربعة - أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ، وكل مذهب من هذه المذاهب السنية له مميزات ، ويمتاز مذهب الإمام أحمد من بينها بقربه من النصوص [ ولهذا يعتبر الإمام أحمد من الفقهاء المحدثين ] وفتاوى الصحابة .

كان مذهبه مبنيا على خمسة أصول وهي :

1 - النصوص ، فإذا وجد نصا أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه ولا من خالفه .

2 - ما أفتى به الصحابة - فإذا وجد لأحدهم فتوى لا يعرف له مخالف منهم فيها لم يعدها إلى غيرها ، ولم يقل إن ذلك إجماع - بل من ورعه في العبارة يقول : لا أعلم شيئا يدفعه أو نحو هذا .

3 - إذا اختلف الصحابة في المسألة تخير من أقوالهم ما كان أقربها إلى الكتاب والسنة ، ولم يخرج عن أقوالهم ، فإن لم يتبين له موافقة أحد الأقوال للدليل حكى الخلاف ولم يجزم بقول .

4 - الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه ويرجع ذلك على القياس ، والمراد بالحديث الضعيف عنده قسيم الصحيح وقسم من أقسام الحسن ، وليس المراد بالضعيف عنده الباطل ولا المنكر ولا ما في روايته متهم .

5 - فإذا لم يكن هناك نص ولا قول للصحـابة أو أحدهم ولا أثر مرسل أو ضعيف عدل إلى القياس فاستعمله للضرورة .

هذه الأصول الخمسة هي أصول مذهبه - وقد يتوقف في الفتوى لتعارض الأدلة عنده ، أو لاختلاف الصحابة فيها ، أو لعدم اطلاعه فيها على أثر أو قول أحد من الصحابة والتابعين ، وكان شديد الكراهية والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف - كما قال لبعض أصحابه : إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام [ أعلام الموقعين لابن القيم ( 1/ 29 - 32 ) .]أي لم يسبق أن قال بها أحد من الأئمة بشيء .

و بالتالي نستنتج ان مذهب ابن حنبل من أكثر المذاهب السنية محافظة على النصوص وابتعاداً عن الرأي



الإمام أحمد بن حنبل و فتنة خلق القرآن :

اعتقد المأمون برأي المعتزلة في مسألة خلق القرآن، وطلب من ولاته في الأمصار عزل القضاة الذين لا يقولون برأيهم.
وقد رأى أحمد بن حنبل ان رأي المعتزلة يحوِّل الله سبحانه وتعالى إلى فكرة مجرّدة لا يمكن تعقُّلُها فدافع ابن حنبل عن الذات الإلهية ورفض قبول رأي المعتزلة، فيما أكثر العلماء والأئمة أظهروا قبولهم برأي المعتزلة خوفاً من المأمون وولاته.
لمَّا دعا المأمون الناس إلى القول بخلق القرآن ، أجابه أكثر العلماء والقضاة مُكْرهين ، واستمر الإمام أحمد ونفرٌ قليل على حمل راية السنة ، والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة . استدعى المأمون الأمام أحمد فسار أحمد إلى المأمون فبلغه توعد الخليفة له بالقتل إنْ لم يُجبه إلى القول بخلقِ القرآن ، فـتوجه الإمام أحمد بالدعاء إلى الله تعالى أنْ لا يجمع بـيـنه وبين الخليفة ، فبينما هو في الطريق قبل وصوله إلى الخليفة إذ جاءه الخبر بموت المأمون ، فَرُدَّ الإمام أحمد إلى بغداد وحُبِس ، ثم تولَّى الخلافة المعتصم ، فامتحن الإمام أحمد .

وكان مِنْ خبر المحنـة أنَّ المعتصم لمَّا قصد إحضار الإمام أحمد ازدحم الناس على بابه كيوم العيد ، وبُسِطَ بمجلسه بساطاً ، ونُصِبَ كرسيـاً جلس عليه ، ثم قال : أحضروا أحمد بن حنبل ، فأحضروه ، فلمَّا وقف بين يديه سَلَّمَ عليه ، فقال له : يا أحمد تكلم ولا تَـخَـفْ ، فقال الإمام أحمد : والله لقد دخلتُ عليك وما في قلبي مثـقال حـبَّـةٍ من الفزع ، فقال له المعتصم : ما تقول في القرآن ؟
فقال : كلام الله قديم غير مخلوق ، قال الله تعالى : ** وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ } [ التوبة : 6 ].

فقال له : عندك حجة غير هذا ؟ فقال : نعم ، قول الله تعالى : ** الرَّحْمَنْ * عَلَّمَ القُرْآنْ }. [ الرحمن : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : الرحمن خلق القرآن ، وقوله تعالى : ** يس * والقُـرْآنِ الْحَكِيم } [ يس : 1 ، 2 ] ، ولم يقـل : يس والقرآن المخلوق .
فقال المعتصم : احبسوه ، فحُبِسَ وتفرَّقَ الناس .

فلمَّا كان مِنَ الغد جلس المعتصم مجلسه على كرسيه وقال : هاتوا أحمد بن حنبل ، فاجتمع الناس ، وسُمعت لهم ضجة في بغداد ، فلمَّا جيء به وقف بين يديه والسيوف قد جُردت ، والرماح قد ركزت ، والأتراس قد نُصبت ، والسياط قد طرحت ، فسأله المعتصم عمَّا يقول في القرآن ؟
قال : أقول : غير مخلوق .

وأحضر المعتصم له الفقهاء والقضاة فناظروه بحضرته في مدة ثلاثة أيام ، وهو يناظرهم ويظهر عليهم بالحُجج القاطعة ، ويقول : أنا رجـل عَلِمتُ علماً ولم أعلم فيه بهذا ، أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله ــ صلى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به .
وكلما ناظروه وألزموه القول بخلق القرآن يقول لهم : كيف أقول ما لم يُقـل ؟ فقال المعتصم : قهرنا أحمد .

وكان من المتعصبين عليه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم ، وأحمد بن دُوَاد القاضي ، وبشر المريسي ، وكانوا معتزلة قالوا بخلق القرآن ، فقال ابن دُوَاد وبشر للخليفة : اقـتله حتى نستريح منه ، هذا كافر مُضِـل .

فقال : إني عاهدتُ الله ألا أقـتله بسيف ولا آمر بقـتله بسيف ، فقالا له : اضربه بالسياط ، فقال المعتصم له : وقرابتي من رسول الله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ لأضربنَّك بالسياط أو تقول كما أقول ، فلم يُرهبه ذلك ، فقال المعتصم: أحضروا الجلادين ، فقال المعتصم لواحد منهم : بكم سوطٍ تـقـتله ؟

قال : بعشرة ، قال : خذه إليك ، فأُخْرِجَ الإمام أحمد من أثوابه ، وشُدَّ في يديه حبلان جديدان ، ولمَّا جيء بالسياط فنظر إليها المعتصم قال : ائـتوني بغيرها ، ثم قال للجلادين : تقدموا ، فلمَّا ضُرِبَ سوطاً..

قال : بسم الله ، فلمَّا ضُرِبَ الثاني قال : لا حول ولا قوةً إلاَّ بالله ، فلمَّا ضُرِبَ الثالث قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ، فلمَّا ضُرِبَ الرابع قال : ** قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا } [ التوبة : 51 ] .

وجعل الرجل يتقدَّم إلى الإمام أحمد فيضربه سوطين ، فيحرضه المعتصم على التشديد في الضرب ، ثم يـتنحَّى ، ثم يتقدَّم الآخر فيضربه سوطين ، فلمَّا ضُرِبَ تسعة عشر سوطاً قام إليه المعتصم فقال له : يا أحمد علام تقتـل نفسك ؟ إني والله عليك لشفيق .


قال أحمد : فجعل عجيف ينخسني بقائمة سيفه وقال : تريد أنْ تغلب هؤلاء كلهم ؟ وجعل بعضهم يقول : ويلك ! الخليفة على رأسك قائم ، وقال بعضهم : يا أمير المؤمنين دمه في عنقي اقـتله ، وجعلوا يقولون : يا أمير المؤمنين : إنه صائم وأنت في الشمس قائم ، فقال لي : ويحك يا أحمد ما تقول ؟ فأقول : أعطوني شيئاً من كتاب الله وسنة رسوله ــ صلَّى الله عليه وسلم ــ حتى أقول به.


ثم رجع الخليفة فجلس ثم قال للجلاد : تقدمَّ ، وحَرَّضه على إيجاعه بالضرب .


قال الإمام أحمد : فذهب عقلي ، فأفقت بعد ذلك ، فإذا الأقياد قد أُطلِقت عنِّي ، فأتوني بسويق فقالوا لي : اشرب وتـقيأ ، فقلت : لستُ أُفطر ، ثم جيء بي إلى دار إ**** بن إبراهيم ، فحضرتُ صلاة الظهر ، فـتقدَّم ابن سماعة فصلى ، فلمَّا انفـتل من الصلاة قال لي : صليتَ والدمُ يسيل في ثوبك ، فقلت له : قد صلَّى عمر ــ رضي الله عنه ــ وجرحه يسيل دمـاً .

ولمَّا ولِّيَ الواثق بعد المعتصم ، لم يتعرض للإمام أحمد بن حنبل في شيء إلاَّ أنَّـه بعث عليه يقول : لا تساكنِّي بأرضٍ ، وقيل : أمره أنْ لا يخرج من بيتـه ، فصار الإمام أحمد يختفي في الأماكن ، ثم صار إلى منزله فاختـفى فيه عدة أشهر إلى أنْ مات الواثق .


وبعد ذلك تولَّى الخلافة المتوكل بعد الواثق ، فقد خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقاد ، وطعن عليهم فيما كانوا يقولونه من خلق القرآن ، ونهى عن الجدال والمناظرة في الأداء ، وعاقب عليه ، وأمر بإظهار الرواية للحديث ، فأظهر الله به السُـنَّـة ، وأمات به البدعة ، وكشف عن الخلق تلك الغُمَّـة ، وأنار به تلك الظُلمة ، وأطلق من كان اعـتُـقِـلَ بسبب القول بخلق القرآن ، ورفع المحنـة عن الناس .

* قال أحد الجلادين بعد أن تاب : لقد ضربت الإمام أحمد ( 80 ) جلدة ، لو ضربـتُها في فيل لسقـط .


وفاتــــه:

مرض في أول شهر ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وتوفي ليلة الجمعة وهي ليلة الثاني عشر من هذا الشهر ، ولما حضرته الوفاة أشار إلى أهله أن يوضئوه ، فجعلوا يوضئونه وهو يشير إليهم أن خللوا أصابعي ، وهو يذكر الله - عز وجل - في جميع ذلك ، فلما أكملوا وضوءه توفي - رحمه الله ورضي عنه - فغسلوه وكفنوه بثوب كان قد غزلته جاريته ، وخرج الناس بنعشه والخلائق حوله ما لم يعلم عددهم إلا الله ، ثم صلي عليه ، وأعيدت الصلاة عليه عند القبر . ثم أعيدت الصلاة أيضا على القبر بعد دفنه ، ولم يستقر في قبره - رحمه الله - إلا بعد العصر ، وذلك لكثرة الخلق الذين حضروا . وقد قدر عدد الذين صلوا عليه وشيعوه إلى قبره بألف ألف ، وفي رواية وسبعمائة ألف - أي مليون وسبعمائة ألف - وقد دفن الإمام أحمد بن حنبل في بغداد. وقيل انه أسلم يوم مماته عشرون ألفاً من اليهود والنصارى والمجوس ، وأنّ جميع الطوائف حزنت عليه. رحم الله الإمام أحمد رحمة واسعة ، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا ، وجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .

مؤلفاته :

- المسنـد في الحـديث ، وكان يقول لابنه عبد الله : احتفظ بهذا المسند فإنه سيكون للناس إماما
[ وجملة أحاديث ( المسند ) ثلاثون ألف حديث انتقاها من سبعمائة ألف حديث .]

2 - التفسير - وهو مائة ألف وعشرون ألفا ، يعنى : بالأحاديث والآثار .

3 - الناسخ والمنسوخ .

4 - التاريخ .

5 - المقدم والمؤخر في القرآن .

6 - جوابات القرآن .

7 - المناسـك الكبير والصـغير .

8 - الزهـد .

9 - الرد على الجهميـة .

10 - العلل.

11- السنن في الفقه.



من ثـناء العلمـاء على الإمـام أحمـد :

* قال عبد الرزاق شيخ الإمام أحمد : ما رأيت أحداً أفْـقَـه ولا أوْرع من أحمد.
* قالوا : إذا رأيتَ الرجل يحبُ الإمام أحمد فاعلم أنَّـه صاحب سنة .

* قال الشافعي وهو من شيوخ الإمام أحمد : خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا أفْـقَـه من أحمد بن حنبل.
* قال يحيى بن معين : أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله ، ما نقوى على ما يقوى عليه أحمد ، ولا على طريقة أحمد .

* كان الإمام أحمد يحفظ ( ألف ألف ) حديث ، يعني ( مليون ) حديث . أي مجموع الروايات والأسانيد والطرق للأحاديث .
* مِنْ حِفْـظِ الإمام أحمد للحديث كان يقول لابنـه : اقرأ عليَّ الحديث وأُخبركُ بالسند ، أو اقرأ عليَّ الإسناد لأخبرك بالحديث


المجدد الثالث : الطبري


هو أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ، ولد سنة
224 هـ ، في بلدة آمل عاصمة طبرستان ببلاد فارس .
عاش عصراً من أزهى عصور الإسلام تقدماً وإنتاجاً على جميع المستويات
الفكرية ، فقد كان عصر جمع وتبويب وتصنيف ونقد ، ووضع قواعد عامة للعلوم ،
واستقراء للجزئيات .
صفاته :
عفيف النفس ، لا يقبل الهدية إلا إذا كان يقدر على المكافأة عليها ، فيه زهد
وورع وتقوى ، رفض المناصب التي عرضت عليه . كان يتمتع بعقلية واعية نيرة ، وحافظة لاقطة ، وقلب نابض بالإيمان ، وعقيدة متينة ، ونفسية مطمئنة ، وجرأة
في الحق . حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين ، وأمَّ الناس وهو ابن ثماني سنين ،
وكتب الحديث وهو ابن تسع سنين .
برع في الفقه والحديث والقراءات والنحو والحساب وغيرها ، ووهب العلم
عمره . وماله ، شهد له الجميع بسعة العلم ودقة التفكير .
كان شافعي المذهب ، ثم انفرد بمذهب مستقل لم يكتب له الدوام ، وذلك
لذهاب مدوناته ، وتفرق أصحابه وأتباعه .
رحلاته :
رحل إلى كل من الري ، والبصرة ، وواسط ، والكوفة ، وبغداد ، وبيروت ،
ومصر ، طلباً للعلم وبدلاً له ، إلى أن مات ببغداد عام 310 هـ .
من شيوخه :
في الحديث : محمد بن حميد الرازي ، وهناد بن السري ، وإسماعيل بن
موسى .
وفي التاريخ : محمد بن إ**** بن خزيمة ، ومحمد بن أحمد بن حماد
الدولابي ، ومحمد بن موسى الحرشي ، وعماد بن موسى القزاز ، ومحمد بن الأعلى
الصنعاني ، وبشر بن معاذ ، ومحمد بن بشار بن بندار .
وفي الفقه : الحسن بن محمد الزعفراني ، وأبو سعيد الإصطخري ، والربيع
بن سليمان الجيزي تلميذ الشافعي .
وفي اللغة : أحمد بن يحيى ثعلب ..
وغيرهم كثير من مختلف المذاهب ، ومن مختلف الأقطار .
تلاميذه :
تتلمذ عليه الكثير من أشهرهم : أبو بكر بن كامل بن خلف ، وعبد العزيز بن
محمد الطبري ، وأبو إ**** بن إبراهيم بن حبيب الطبري .
كتبه :
- جامع البيان عن تأويل القرآن (جامع البيان في تفسير القرآن) ، وقد اعتمد
في تفسيره هذا على المأثور الذي صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو
الصحابة رضي الله عنهم ، أو التابعين ، وكان يهتم بالأسانيد وتقييم الرجال ، ويبتعد
عن التفسير بالرأي ، ويعرض أوجه القراءات ، ويبتعد عن التعمق الفارغ
والتفريعات الهامشية والتكهنات غير المفيدة ، ويستشهد على المعنى اللغوي بأحاديث
المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وكلام العرب وأشعارهم ، ويعتني بالإعراب فهو
يوضح المعنى .
- تاريخ الأمم والملوك .
- كتاب آداب النفس الجيدة والأخلاق النفيسة .
- اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام .
- صريح السنة (يوضح فيه مذهبه وعقيدته) ..
- الفصل بين القراءات .
- آداب القضاة .
- فضائل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وغيرها كثير ، ومما يدل على ذكائه وحفظه أنه قال :
لما دخلت مصر لم يبق أحد من أهل العلم إلا لقيني وامتحنني في العلم الذي
يتحقق به ، فجاءني يوماً رجل ، فسألنى عن شيء من العروض ، ولم أكن نشطت
له قبل ذلك ، فقلت له : علّي قول أن لا أتكلم في شيء من العروض ، فإذا كان في
غد فصر إلي ، وطلبت من صديق لي كتاب ( العروض ) للخليل بن أحمد ، فجاء
به ، فنظرت فيه ليلتي ، فأمسيت غير عروضي وأصبحت عروضياً


المجدد الرابع :محمود بن سبكتكين ..... أعظم سلاطين الإسلام



هو السلطان العظيم التى وطأت خيله أماكن لم يطأها خيل المسلمين من قبل ورفع رايات الإسلام فى بلاد لم يدخلها الإسلام من قبل وكانت مساحة ما فتحه من البلاد تعادل مساحة الفتوحات فى عهد الفاروق عمر بن الخطاب – رضى الله عنه !!!!

هو يمين الدولة وأمين الملة ناصر الحق ونظام الدين وكهف الدولة أبو القاسم محمود بن سبكتكين محطم الصنم الأكبر وقاهر الهند والسلطان المجاهد العظيم .

كلها ألقاب خلعها عليه خليفة المسلمين القادر بالله رحمه الله , فمن كان محمود بن سبكتكين ؟؟


عندما تقلد محمود بن سبكتكين مقاليد السلطنة أظهر السنة وقمع الرافضة والمعتزلة ومشى فى الناس بسيرة عمر بن الخطاب , كان رحمه الله يعظم المشايخ ويقربهم ولا يستغنى عن مشورتهم

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :ولما كانت مملكة محمود بن سبكتكين من أحسن ممالك بني جنسه كان الإسلام والسنة في مملكته أعز فإنه غزا المشركين من أهل الهند ونشر من العدل ما لم ينشره مثله فكانت السنة في أيامه ظاهرة والبدع في أيامه مقموعة .- مجموع الفتاوى (4|22)
وأقام الخطبة للخليفة القادر بالله – رحمه الله – فى بغداد , فأرسل له الخليفة خلعة فاخرة جدا لم يرسل مثلها قط خليفة الى أى سلطان من قبل وخلع عليه الألقاب الكثيرة " يمين الدولة وأمين الملة وناصر الحق ونظام الدين وكهف الدولة" , وبعد قليل سيضيف محمود بن سبكتكين الى نفسه لقب "قاهر الهند ومحطم الصنم الأكبر"

ولم يركن محمود بن سبكتكين الى الدعة والراحة , بل قام بالقضاء على الدولة البويهية الشيعية الخبيثة التى زادت من خطورتها قيام الدولة العبيدية الفاطمية فى مصر فأصبحت الخلافة الإسلامية بين فكى الأفعى , فقضى على دولتهم وطهر البلاد من نجسهم وخبثهم وفض ملكهم وأوهن كيدهم فلله الحمد والمنة . ثم قضى على الدولة السامانية بعدما دب الضعف فى أوصالها

وذكر ابن كثير رحمه الله :
"وفي سنة ثمان وأربعمائة استتاب القادر بالله الخليفة ,فقهاء المعتزلة فأظهروا الرجوع وتبرؤا من الاعتزال والرفض والمقالات المخالفة للإسلام ,وأخذت خطوطهم بذلك ,وأنهم متى خالفوا أحل فيهم من النكال والعقوبة ما يتعظ به أمثالهم , وامتثل محمود بن سبكتكين أمر أمير المؤمنين في ذلك ,واستن بسنته في أعماله التي استخلفه عليها من بلاد خراسان وغيرها في قتل المعتزلة والرافضة والإسماعيلية والقرامطة والجهمية والمشبهة وصلبهم وحبسهم , ونفاهم وأمر بلعنهم على المنابر , وأبعد جميع طوائف أهل البدع ونفاهم عن ديارهم وصار ذلك سنة في الإسلام ."

وعزل خطباء الشيعة وولي خطباء السنة , وكان حازما عادلا لا يجترأ أحد على إظهار المعصية فى دولته من خمر أو معازف أو أفكار المعتزلة والروافض . وكان يعظم العلماء ويكرمهم وقصدوه من أقطار البلاد وكان عادلاً في رعيته رفيقًا بهم محسنًا إليهم وكان كثير الغزو وال**** وفتوحاته مشهورة‏.

وكان السلطان محمود بن سبكتكين نصيراً كبيراً للأدب و الفنون. و كان يعيش في عهده كثيراً من العلماء و الشعراء، منهم: ابن سينا و ابوريحان البيروني و ابوالفتح البستي و العسجدي و الفردوسي و البيهقي و الفرخي و المنوجهري و العنصري و الكسائي و الدقيقي و الغضائري.

قاد محمود بن سبكتكين 16 حملة عسكرية لشمال الهند , فقضى على ملوكها واحدا تلو الآخر, فقاد حملة ضد الملك الهندى "جايبال jai pal" وذلك سنة 392هـ / 1001م وكان ذلك أكبر ملوك الهند على الإطلاق وأكبر عقبة فى وجه الدعوة الإسلامية , وقاد حملة ضد الملك انندبال سنة 398هـ / 1007م , وواجه الملك "ناكر كوت" سنة 400هـ / 1009م وألزمه بدفع الجزية , وواجه أيضا الملك "راجا ناندا" سنة 410هـ / 1019م وأدت تلك المعركة الى إنتشار واسع للإسلام فى منطقة كالنجار , وكان قد قضى على ملك الكجرات "بيدا" سنة 409هـ / 1018م
وكان ذلك بفضل الله أولا ثم بفضل سلاح الفرسان الذى أنشئه محمود بن سبكتكين الذى وصل عدده فى روايه بعض المؤرخين العرب والمستشرقين الى مائة ألف 100.000 فارس مسلحين بأحدث وأفضل الأسلحة , وسلاح الفيلة الذى كان السلاح الرئيسى فى معارك المسملين فى الهند وكان يهتم السلطان محمود بن سبكتكين بهذا السلاح جدا حتى أنه لربما يصالح بعض ملوك الهند مقابل عدد من الفيلة .

هدم الصنم الأكبر "معركة سومنات" :-

ظل السلطان محمود منتصرا فى معاركه ضد الهنود منتقلا من نصر الى نصر حتى كانت من أعظم معارك المسلمين وغرة المعارك الإسلامية هى معركة سومنات والتى مهدت الطريق للدعوة الإسلامية فى الهند ولدخول ملايين من الهنود الى الإسلام
فماذا عن تلك المعركة الخالدة فى تاريخ المسلمين :

كان كلما هدم السلطان محمود صنما قالت الهنود "إن هذه الأصنام والبلاد قد سخط عليها الإله 'سومنات' ولو أنه راض عنها لأهلك من قصدها بسوء"

فسأل السلطان محمود عن "سومنات" هذا ؟ , فقيل له : أنه أعظم أصنام الهنود ‏وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمر فتجتمع إليه عوالم لا تحصى‏.‏وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ , والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر‏.‏وكانوا يقزبون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده‏.‏ويعطون سدنته الأموال الجليلة‏.‏وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة .

‏وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثماثة لحلق رؤوس الزوار ولحاهم وثلاثمائة رجل وخمسماثة امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة‏

فعزم السلطان محمود على هدم الصنم

وقاد جيوشه بنفسه ووصل الى سومنات فى منتصف ذى القعدة بعد عدة معارك ناجحة وواجه الهنود وانتصر عليهم وقتل فى هذه المعركة من الهنود 50.000 غير من ألقى بنفسه فى البحر ولله الحمد والمنة , ودعونا نسرد ماقاله ابن كثير عن تلك الوقعة :

قال ابن كثير رحمه الله في أحداث سنة سبع عشرة وأربعمائة"وفيها ورد كتاب من محمود بن سبكتكين يذكر أنه دخل بلاد الهند أيضا , وأنه كسر الصنم الأعظم الذي لهم المسمى بسومنات , وقد كانوا يفدون إليه من كل فج عميق كما يفد الناس إلى الكعبة البيت الحرام وأعظم وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة التي لا توصف ولا تعد , وكان عليه من الأوقاف عشرة آلاف قرية ومدينة مشهورة , وقد امتلأت خزائنه أموالا وعنده ألف رجل يخدمونه وثلثمائة رجل يحلقون رؤس حجيجه وثلاثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه لما يضرب على بابه الطبول والبوقات , وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه , وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم وكان يعوقه طول المفاوز وكثرة الموانع والآفات ثم استخار الله السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم وعباده وكثرة الهنود في طريقه والمفاوز المهلكة والأرض الخطرة في تجشم ذلك في جيشه , وأن يقطع تلك الأهوال إليه فندب جيشه لذلك ؛ فانتدب معه ثلاثون ألفا من المقاتلة ممن اختارهم لذلك سوى المتطوعة فسلمهم الله حتى انتهوا إلى بلد هذا الوثن , ونزلوا بساحة عباده ؛ فإذا هو بمكان بقدر المدينة العظيمة .

قال: فما كان بأسرع من أن ملكناه وقتلنا من أهله خمسين ألفا وقلعنا هذا الوثن وأوقدنا تحته النار .
السلطان العظيم يرفض الأموال والهدايا :-

وقد ذكر غير واحد أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أموالا جزيلة ليترك لهم هذا الصنم الأعظم فأشار من أشار من الأمراء على السلطان محمود بأخذ الأموال وإبقاء هذا الصنم لهم .
فقال : حتى أستخير الله عز وجل, فلما أصبح قال:

" إني فكرت في الأمر الذي ذكر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة : أين محمود الذي كسر الصنم أحب إلى من أن يقال الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا "

الله أكبر , هذه والله هى الكرامة وهذا منتهى العبودية لله , فقد جعل فتوحاته كلها لله – نحسبه كذلك ولا نزكى على الله أحدا - ومن أجل إعلاء كلمة الله

ثم عزم فكسره رحمه الله فوجد عليه وفيه من الجواهر واللآلئ والذهب والجواهر النفيسة ما يزيد على ما بذلوه له بأضعاف مضاعفة , وكان فيه ‏وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبأ وفضة عليها معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار‏ أى عشرين مليونا !!!

سبحن الله , أراد أمراء الجيش أن يتركوا الصنم مقابل أموال جزيلة , وبعدما رأوا ما بداخل هذا الصنم من أموال حمدوا الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم " من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه "

وللمعلومة , حاول بعض الهندوس إقامة المعبد مرة أخرى ولكن لم يرض السلطان أورنجزيب عالمكير - قد سبق التكلم عنه - رحمه الله فهدمه عام 1706م , و أقامت الحكومة الهندية هذا المعبد مرة أخرى 1947 م وهو الى اليوم موجود !!
وفاة السلطان محمود بن سبكتكين : -

ظل السلطان محمود فى **** دائم لا يكل ولا يمل , حتى لازمه مرض فى البطن أواخر أيامه , وكان يزداد عليه يوم بعد يوم , وكان يتحامل على نفسه أمام الناس وكان لا يستطيع أن يكلم الناس إلا متكئا من شدة المرض , ومات رحمه الله فى غزنة يوم الخميس الثالث والعشرين من ربيع الآخر سنة 421هـ - وقبره بها مازال معروفا , وكانت مدة حكمه 35 سنة !!

وبلغت مساحة فتوحاته ما فتحه الفاروق عمر وبلغت رايته ال****ية أماكن لم تبلغها راية قط ولم تتل بها سورة ولا أية قط وأقام شعائر الإسلام في أقصى ربوع الأرض.

فرحمه الله رحمة واسعة , فكم يذكرنى هذا السلطان بالصحابى الجليل خالد بن الوليد الذى طلب الموت فى مظانه وما قدر إلا أن يموت على فراشه !!
وحقيقة ظل سيرة السلطان المجاهد محمود بن سبتكتكين يتداولها العامة والخاصة فى بلاد الأفغان وباكستان , حتى أن القوات المسلحة الباكستانية أطلقت اسم "الغزنوى" - نسبة لمحمود بن سبكتكين - على احد الصواريخ الباليستية قصيرة المدى


المجدد الخامس :يوسف بن تاشفين...أسد المغرب
--------------------------------------------------------------------------
بلاد المغرب الممزقة:


منذ أن انطلقت الحملة ال****ية المباركة لفتح بلاد المغرب العربي وبلاد المغرب الواحدة تلو الأخرى تفتح أمام جيوش الصحابة والتابعين، وقبائل البربر الكبيرة والضخمة تدخل في دين الله أفواجاً تاركة ما كانت عليه من كفر وضلال وعادات عرفيه تحكم حياتهم المظلمة، وأشرقت شمس الهداية على هذه القبائل الوثنية فتبدلت أخلاقهم وقلوبهم وسمت نفوسهم، وظلت بلاد المغرب العربي من ليبيا إلى الأطلسي ولاية تابعة للخلافة الأموية وشطراً من الخلافة العباسية، ثم ظهر الطامعون واستبد المستبدون وقامت عدة دويلات من عباءة الخلافة العباسية منها دولة الأغالبة ودولة الأدارسة ودولة الخوارج والدولة الفاطمية الخبيثة والدولة الرستمية، ولولا ضعف الخلافة العباسية بعد عصر المتوكل ما كان لبعض هذه الدول أن تظهر أو تقوم.

وكانت قبائل البربر هي الضحية الأولى والكبرى لهذا التمزق الذي أصاب هذه البلاد الكبيرة من أمة الإسلام، إذ وجد البربر أنفسهم بعدما كانوا يدينون بالولاء لدولة الخلافة تمزقوا وتشرذموا وتفرقوا بين الدويلات العديدة التي ظهرت في بلادهم، وهذا أدى لتوقف عجلة تعليم البربر أصول الإسلام، فعاد الكثيرون منهم للعادات والأعراف البربرية القديمة وانتشر بينهم الجهل المطبق، ولم يعد لهم نصيب من الإسلام سوى الاسم فقط لا غير، والجميع غارق في الشركيات والضلالات والخرافات.

ظهور حركة المرابطين:

ظلت بلاد المغرب مسرحاً للخلافات الداخلية بين الدويلات القائمة بين بعضها البعض، وظلت قبائل البربر تنحدر في هاوية الجهل والضلال حتى كأنها عادت للجاهلية الأولى، وظل الوضع يسير من سيئ لأسوأ حتى ظهرت حركة المرابطين سنة 434 هجرية ـ 1042 ميلادية على يد فقيه ورع زاهد اسمه "عبد الله بن ياسين" عمل على نشر الدين الصحيح في صفوف البربر، فلم يجد استجابة منهم إلا القليل، فأنشأ رباطاً للعبادة في جزيرة بنهر النيجر، وانقطع فيه للعبادة والعلم هو ومجموعة صغيرة من تلاميذه الذين أخذوا في الازدياد يوماً بعد يوم حتى صاروا عدة آلاف، وعندها قرر "عبد الله بن ياسين" محاربة القبائل البربرية الخارجة عن تعاليم الإسلام، وذلك بمساعدة أمير قبيلة "لمتونة" البربرية وهى إحدى بطون قبيلة صنهاجة" الكبرى الأمير "يحيى بن عمر اللمتونى"، وهكذا أصبحت حركة المرابطين حركة ****ية خالصة تقوم على نشر الإسلام ومحاربة الضلال والشركيات وتوحيد بلاد المغرب من جديد.

في هذه البيئة ال****ية والجو الإيماني وفى رباط نهر النيجر وعلى يد الشيخ الزاهد "عبد الله بن ياسين" ظهر بطلنا صاحب الدور الأروع في هذه الفترة من حياة الأمة "يوسف بن تاشفين اللمتونى"، فقد توفى الأمير [يحيي بن عمر] سنة 447 هجرية، وتولى مكانه أخوه [أبو بكر بن عمر] فواصل عمل أخيه من توحيد البلاد ومحاربة الضالين، وجعل قائد جيوشه ابن عمه الأمير المقدام [يوسف بن تاشفين]، وذلك سنة 448 هجرية، وكان وقتها في الثامنة والأربعين من العمر إذ أنه من مواليد سنة 400 هجرية

يوسف بن تاشفين مؤسس دولة المرابطين الكبرى:

استشهد "عبد الله بن ياسين" في قتاله ضد قبيلة "براغوطة" الوثنية سنة 451 هجرية ـ 1059 ميلادية، وآلت رياسة حركة المرابطين لأبى بكر بن عمر، الذي واصل السير على نهج ابن ياسين، فافتتح العديد من مدن المغرب وأعادها للإسلام الصحيح، ثم ما لبث أن أضطر للعودة إلى قلب الصحراء للإصلاح بين قبيلتي "لمتونة" و"مسوفة"، وهما عماد حركة المرابطين، وترك قيادة المرابطين لابن عمه وقائد جيوشه "يوسف بن تاشفين"، وذلك سنة 453 هجرية وقد وافق شيوخ المرابطين على هذا الاختيار لما يعلمونه عن يوسف من ديانة وشجاعة وفضل وحزم وعدل وورع وسداد رأى ويمن نقيبة.

عمل "يوسف بن تاشفين" من أول يوم له لقيادة المرابطين على تحويل الحركة المرابطية من حركة ****ية معنية بنشر الإسلام الصحيح إلى دولة كاملة الأركان، متينة الأسس بالمعنى الشامل لمفهوم الدولة، وذلك على أساس ال**** لنشر الدين ومحاربة المرتدين وتوحيد بلاد المغرب الشاسعة تحت راية دولة واحدة على الكتاب والسنة.

اتبع يوسف بن تاشفين سياسة بارعة في إقامة الدولة، تقوم على تقسيم جيوشه البالغ عددها أربعين ألف مقاتل لعدة أقسام، يوجه كل قسم إلى جزء معين من بلاد المغرب، وشرع في بناء عاصمة للدولة المرابطية، وكانت مدينة "مراكش" الشهيرة هي عاصمة الدولة الجديدة سنة 454 هجرية، ومعناها بلغة قبيلة المصامدة أكثر قبائل المغرب قوة وعدداً وكانوا عماد جيش المرابطين.

واصل يوسف بن تاشفين مشروعه الكبير لتوحيد بلاد المغرب تحت راية واحدة هي الدولة المرابطية، فلم يهنأ براحة ولا عرف دعة أو سكوناً، ولا تنعّم بمأكل أو مسكن رغم اتساع ملكه، فلم يلبس طوال حياته إلا الصوف، ولم يأكل سوى الشعير ولحوم الإبل وألبانها، دائب التفقد لبلاده وثغوره وأحوال المسلمين، لا يحكم إلا بالشرع، وظل يوسف بن تاشفين مجاهداً من أجل تحقيق حلمه منذ سنة 454 هجرية حتى سنة 474 هجرية أي عشرين سنة متصلة حتى أقام بالمغرب دولة واحدة كبيرة ممتدة من تونس شرقاً حتى الأطلنطي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً حتى ثلث أفريقيا الشمالي تقريباً "حدود مالي وتشاد والنيجر والسنغال"، وقد تم القضاء على سلطان سائر الأمراء المحليين الذين مزقوا المغرب تحت أطماعهم وأهوائهم وحولوها لدويلات ضعيفة هزيلة متفرقة.

بعد أن حقق "يوسف بن تاشفين" مشروعه الكبير بتوحيد بلاد المغرب العربي أشار عليه بعض الناس أن يتخذ سمة الخلافة بحكم أنه أقوى رجل في العالم الإسلامي وقتها وأكثره ملكاً، ولكن البطل رفض ذلك فهو على دين وورع وزهد لا يريد من ****ه دنيا ولا مناصب بل أصر على أن تكون ولايته على بلاد المغرب مدعومة بموافقة الخليفة العباسي وقتها "المستظهر بالله"، الذي أرسل إليه التقليد والعهد بالولاية، وتلقب "يوسف بن تاشفين" من يومها بـ"أمير المسلمين وناصر الدين".

من توحيد المغرب إلى إنقاذ الأندلس:

في الفترة التي كان يعمل فيها يوسف بن تاشفين على توحيد بلاد المغرب الممزقة وإعادة القبائل البربرية للإسلام الحق, كانت دولة الإسلام في الأندلس تمر بمرحلة دقيقة وخطرة في حياتها ووجودها؛ إذ أصابها ما أصاب بلاد المغرب من التشرذم والتفرق ولكن بصورة أكبر وأخطر, وهذه المرحلة المعروفة تاريخيًا بعصر ملوك الطوائف، والتي تحوّلت فيه دولة الإسلام في الأندلس لعدة دويلات صغيرة على رأس كل دويلة منهن أسرة حاكمة يتوارث أبناؤها الحكم والرياسة، وكانت السمة الغالبة لملوك الطوائف هي ضعف الوازع الديني والانغماس في الشهوات والمفاسد والملذات والرتع في الدنيا مع رقة الدين، أضف لذلك كثرة الخلافات الجانبية بين الملوك؛ مما أدى لكثرة القتال الداخلي بينهم على الحدود أو الحصون أو النفوذ، وهذا أدى بدوره لنتيجة في غاية الخطورة وهى تسلط نصارى إسبانيا على مسلمي الأندلس واتساع رقعتهم على حساب دولة الإسلام بالأندلس.

ومع مرور الأيام واتساع الخرق في وضع المسلمين بالأندلس ازداد تسلط النصارى عليهم، وملوك الطوائف بلغ بهم الضعف والهوان لأن يدفعوا الجزية لملك إسبانيا الكبير [ألفونسو السادس] الذي كان يخطط لمشروعه الصليبي الكبير، والذي عرف تاريخياً باسم "حرب الاسترداد"، أي استرداد الأندلس من المسلمين، وقد حقق [ألفونسو السادس] قفزة كبيرة في مشروعه عندما استولى على مدينة (طليطلة) عاصمة إسبانيا القديمة وذلك سنة 476 هجرية، وعندها توجهت القلوب والأنظار كلها نحو عُدْوَة المغرب بحثاً عن المنقذ والمنجد بعد الله عز وجل.

الأمير مستجاب الدعوة:

انهالت الاستغاثات من أهل الأندلس وأيضاً من ملوكها على أمير المسلمين يوسف بن تاشفين الذي هالته الأخبار القادمة من هناك على وضع دولة الإسلام وتسلط الصليبيين على المسلمين، فجمع يوسف الفقهاء ومشايخ المرابطين واستشارهم في ذلك فأجابوه جميعاً بوجوب نصرة المسلمين فأرسل في بلاد المغرب مستنفراً الناس لل**** في سبيل الله ونجدة الدين.

في أوائل سنة 479 هجرية عبّر أمير المسلمين بجيوشه البحر، وما إن ركب البحر حتى اضطرب وتعالت أمواجه وهدرت منذرة بصعوبة العبور، فنهض الأمير زعيم المرابطين وسط سفينته ورفع يديه إلى السماء مناجياً ربه عز وجل قائلاً: (اللهم إن كنت تعلم أن في جوازنا هذا خيرة للمسلمين، فسهل علينا جواز هذا البحر، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه)، فما كاد أن يتم دعاءه حتى هدأ البحر وسكن الريح وعبرت الأساطيل بسهولة، وهكذا نرى هذا البطل العجوز المجاهد، المتوكل على ربه، المستعين به في الشدائد، ما يكون بينه وبين ربه إلا أن يقول: (يا رب) فيقول المولى عز وجل: (أجبتك عبدي).

بطل الزلاقة:

عبر زعيم المرابطين "يوسف بن تاشفين" بجيوشه الكبيرة المتحمسة لل**** ضد أعداء الإسلام ونجدة المسلمين، وكان لنزوله على أرض الأندلس رجة كبيرة، إذ أعلن "ألفونسو السادس" هو الآخر النفير العام في صليبي إسبانيا وأوروبا، فجاءه المتطوعون بالآلاف من أنحاء إسبانيا وفرنسا وإيطاليا بعدما استمد المعونة من بابا روما، ولما شعر "ألفونسو السادس" باجتماع قوة كبيرة عنده، أرسل برسالة طويلة للزعيم "يوسف بن تاشفين" يتهدده فيها ويتوعده ويصف له قوة جيوشه وكثرة جنوده، فرد عليه البطل المحنك برسالة مكونة من ثلاث كلمات كان لها وقع الصاعقة على "ألفونسو"، حيث كتب على ظهر رسالته الطويلة: (الذي يكون ستراه)، فارتاع ألفونسو بشدة وعلم أنه بلي برجل له عزم وحزم.

وفى يوم 12 رجب سنة 479 هجرية، وكان يوم جمعة، كانت بلاد الأندلس على موعد مع واحدة من أكبر وأعظم المعارك وواحدة من اللقاءات الحاسمة والمصيرية بين الإسلام والنصرانية، المسلمون من أندلسيين ومغاربة تحت قيادة البطل المجاهد "يوسف بن تاشفين" وقد بلغ الثمانين من العمر، وهو مع ذلك ما زال يجاهد من على صهوة جواده، شاهراً سيفه، محمساً لجنوده، والنصارى من إسبان وطليان وفرنسيين وغيرهم تحت قيادة "ألفونسو السادس" عاهل صليبي إسبانيا، وكانت معركة عارمة قاسية في منتهى العنف، ثبت كلا الفريقين في قتال لا فرار فيه ولكن الخطة الذكية التي وضعها "يوسف بن تاشفين" والتي قامت على استدراج الجيش الصليبي ثم مهاجمة مؤخرة الجيش والنفاذ منها إلى قلب الجيش الصليبي والدفع بكتيبة الحرس الأسود شديدة الشراسة في القتال للقضاء على ما تبقى من مقاومة لدى الصليبيين، وانتهت المعركة بنصر خالد للمسلمين على الصليبيين، وذلك كله بفضل الله عز وجل ثم القيادة البارعة والحكيمة للبطل العجوز "يوسف بن تاشفين".

مصيبة البطل:

بعد النصر العظيم الذي حققه أمير المسلمين "يوسف بن تاشفين" على صليبي إسبانيا في الزلاقة كان من المقرر أن يواصل الفتح حتى يستعيد مدينة "طليطلة" العريقة، ولكنه وفى نفس يوم الفتح والنصر العظيم بالزلاقة والبطل في قمة سعادته بنصر الإسلام والمسلمين، إذ بالخبر المفجع يقطع سعادته ويبدد فرحه، إذ جاءه خبر وفاة ولده الأكبر وولي عهده الأمير "أبى بكر"، وقد تركه أميراً على بلاد المغرب.

وبعد مجيء هذا الخبر المفجع اضطر "يوسف بن تاشفين" أن يعود إلى المغرب ليضبط البلاد؛ حتى لا تضطرب بعد وفاة أميرها، فعاد إليها بعد أن ترك حامية مرابطية تقدر بثلاثة آلاف مقاتل تحت تصرف ملك إشبيلية "المعتمد بن عباد"، وبذلك توقفت سيرة فتح المرابطين والتقط الصليبيون أنفاسهم بعودة "يوسف بن تاشفين" إلى المغرب.

صرخات أندلسية:

بعد أن قام أمير المرابطين بمهمته المقدسة في نجدة المسلمين بالأندلس عاد إلى بلاده ومكث بها عدة شهور، ولكنه ما لبث أن جاءته رسائل استغاثة من أهل شرق الأندلس خاصة من أهل بلنسية ومرسية ولورقة الذين وقعوا تحت تهديد النصارى، ولقد علم المسلمون بالأندلس أنه لا ناصر لهم ولا منقذ لهم بعد الله عز وجل إلا الأمير المجاهد "يوسف بن تاشفين" فأرسلوا إليه بصرخاتهم وهم يعلمون أنه لن يتخلف أبداً عن نجدتهم.

عاد "يوسف بن تاشفين" بجيوشه للأندلس في شهر ربيع الأول سنة 481 هجرية وأرسل إلى ملوك الطوائف يطلب منهم الاستعداد لل****، وكان الهدف تطهير منطقة شرق الأندلس من التهديدات الصليبية، ولكن اختلف أمراء الطوائف فيما بينهم وكثرت شكاواهم من بعضهم البعض، بل وصل الأمر أن تعاون بعضهم في السر مع "ألفونسو السادس"؛ من أجل إفشال هذه الحملة المباركة، وهذه الأمور أغضبت أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين" الذي ساءه ضعف الوازع الديني لدى هؤلاء الأمراء الذين يفترض فيهم أن يكونوا أغيّر الناس على المسلمين وحرماتهم، وقرر "يوسف بن تاشفين" العودة إلى بلاد المغرب ولكنه كان يضمر شيئاً آخر.

أعظم أعمال البطل:

عاد "يوسف بن تاشفين" إلى المغرب سنة 482 هجرية، وقد اطلع أكثر فأكثر على أحوال الأندلس وأمرائها، ومن خلال النظرة الثاقبة للبطل المحنك الذي جاوز الثمانين، قرر "يوسف بن تاشفين" القيام بأعظم أعماله على الإطلاق وهو إسقاط دولة ملوك الطوائف الهزيلة وتوحيد الأندلس تحت راية واحدة قوية تماماً مثلما فعل من قبل ببلاد المغرب الممزقة.

ولكن ما هي البواعث التي حملت "يوسف بن تاشفين" على اتخاذ هذا القرار الكبير الخطير؟

(الباعث الأول والأهم): الحفاظ على دولة الإسلام في الأندلس وإنقاذها من المحو والضياع، فلقد تأثر "يوسف بن تاشفين" منذ البداية بما شهده من اختلال أمراء الطوائف وضعف عقيدتهم، وانهماكهم في الترف والفسق، ورتعهم في الشهوات، وما يقتضيه ذلك من إرهاق شعوبهم بالمغارم الجائرة، وأدرك "يوسف" أن هذه الحياة الماجنة والعابثة التي انغمس فيها رؤساء الأندلس قد أثرت على شعوبهم فاقتدوا بهم وعمت الميوعة والترف حياة سائر الأندلسيين، وأن هذا الترف والنعومة هي التي قوضت منعتهم، وفتت في رجولتهم وعزائمهم وقعدت بهم عن متابعة ال**** ومدافعة العدو المتربص بهم على الدوام، وأن الشقاق الذي استحكم بينهم ولم ينقطع حتى بعد الزلاقة، سوف يقضى عليهم جميعاً، وإذا تركت الأمور في مجراها فلسوف يستولي الصليبيون على الأندلس كلها ويعيدونها نصرانية مرة أخرى.

(الباعث الثاني): وهو إستراتيجي تكتيكي يكشف عن عقلية عسكرية متقدمة وفائقة عند أمير المرابطين "يوسف بن تاشفين"، وهو في حالة سقوط الأندلس فسوف تمتد الأطماع الصليبية لعُدْوَة المغرب، والأندلس بالنسبة للمغرب بعداً إستراتيجياً دفاعياً في غاية الأهمية، وهذه فطنة غابت عن حكام المسلمين اليوم، وهم يتركون مكرهين أو راضين بلاد العراق وأفغانستان تسقط لقمة سائغة بيد الصليبيين، وقد كشفت الأيام عن خطورة هذا الترك، فها هي أمريكا تتهدد سوريا وتعد مشروعاً كبيراً لاحتلالها والبقية تأتي، فيا ليتنا نقرأ التاريخ لنستفيد من تجارب السابقين.

وفى أوائل سنة 483 هجرية بدأ البطل العجوز في أعظم أعماله وإنجازاته:

توحيد الأندلس وإزاحة دولة الطوائف الذليلة الخانعة
فهل يدري المسلمون ما فعله أمراء الطوائف؟

ما فعلوه يؤكد على صدق توقع "يوسف بن تاشفين" وصدق عمله وأهمية وضرورة ما سيقدم عليه، لقد قام أمراء الطوائف بالتعاون والاتفاق مع زعيم الصليبيين "ألفونسو السادس" على حرب المرابطين، إخوانهم المسلمين، وذلك نظير أموال طائلة وبلاد ومدن وحصون يؤدونها إلى هذا العدو الصليبي، فهل يصلح هؤلاء الطغاة للبقاء، ولقد استفتى "يوسف بن تاشفين" علماء زمانه أمثال الغزالي والطرطوشي وغيرهم فيما هو سيقدم عليه، فأجاب الجميع بوجوب قيامه بإزاحة ملوك الطوائف، بل إن علماء الأندلس وفقهاءها كتبوا بنفس المعنى ليوسف بن تاشفين.

وظل أمير المجاهدين يعمل على إزاحة ملوك الطوائف وإعادة الأندلس دولة واحدة من سنة 483 حتى سنة 495 هجرية تقريباً أي اثنتي عشرة سنة متواصلة من العمل الدءوب لاستئصال هذا الورم السرطاني من جسد الأمة حتى تم له ذلك، واستقبلت الأندلس عهداً جديداً من القوة والوحدة، وانقمع الصليبيون حيناً من الدهر.

ولم يؤثر المجاهد الكبير، الذي أصبح على مشارف المائة، أن ينهي حياته بلا جولة جديدة مع كبير صليبي إسبانيا "ألفونسو"، وأراد أن يفتح مدينة "طليطلة" العريقة، فالتقى معه في معركة قوية سنة 491 هجرية وهزمه هزيمة فادحة، حطم بها قواه لفترة طويلة، ولكنه لم يفتح "طليطلة" للأسف الشديد، ثم آثر أن يولي ابنه وولي عهده من بعده الأمير "علي" إمارة الأندلس للتأكد من سلامة الأوضاع فيها.

رحيل البطل:

وفى 1 محرم سنة 500 هجرية أي وهو في المائة من العمر، قرناً كاملاً من الزمان، رحل البطل، وترجّل الفارس الشجاع، وموحد الأمة بعد أن أتم أمير المرابطين عمله الذي عاش وجاهد من أجله، ووحد بلاد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وأعاد الإسلام الصحيح بربوع المغرب، وأزال الظلمة والطواغيت والمتسلطين على رقاب العباد، وصد الصليبيين عن مسلمي الأندلس، وأوقف حرب الاسترداد الإسبانية فترة من الزمان، ورفع شأن المسلمين بالمغرب في الوقت الذي كانت أمة الإسلام بالمشرق تعانى من الضعف ومن التفرق، وقد سقط بيت المقدس بيد الصليبيين، ولو قُدّر أن يكون "يوسف بن تاشفين" بأرض المشرق لتغيرت مسيرة الحملات الصليبية تماماً.

ولربما تغيّرت الأمور كلها هناك لما يحمله هذا الرجل من مشروع كامل وقوي لوحدة المسلمين وإقامة الدولة الإسلامية على أساس الكتاب والسنة.

فرحمة الله الواسعة على هذا البطل المنقذ الذي حفظ الله عز وجل به أمة الإسلام في جزء كبير من أرضها وتاريخها.

المراجع والمصادر:

نفح الطيب / الاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى

تاريخ ابن خلدون / روض القرطاس / الحلل الموشية

المعجب في تلخيص أخبار المغرب / دولة الإسلام في الأندلس

البيان المغرب / الكامل في التاريخ / الروض المعطار

أعمال الأعلام / سير أعلام النبلاء / وفيات الأعيان

شذرات الذهب / أيام الإسلام

و أيضا المجدد الخامس : القاضي ابو بكر ابن العربي

منقول من مفكرة الإسلام: هو الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن العربي الأندلسي الإشبيلي المالكي([1])، صاحب التصانيف والتآليف، ولد في شعبان سنة 468هـ في أسرة علمية قوية ذات صلات وطيدة مع المعتمد بن عباد حاكم إشبيلية الشهير، وكان أبوه من كبار أصحاب ابن حزم الظاهري بخلاف ابنه أبي بكر، فإنه منافر لابن حزم، شديد الهجوم عليه والحط منه في كل موطن.

خرج في رحلة علمية, صحبه أبوه إلى المشرق فطاف بالعواصم الشهيرة مثل بغداد والقاهرة ودمشق وخراسان والتقى كبار علماء عصره أمثال الغزالي والشاش والطرطوشي والتبريزي وغيرهم، وحج البيت وسمع من علماء الحجاز، ومن طول هذه الرحلة مات أبوه في الطريق فدفنه في بيت المقدس وعاد للأندلس سنة 491هـ.

كان ابن العربي ثاقب الذهن، عذب المنطق، كريم الشمائل، كامل الرياسة، ولي القضاء بإشبيلية فاشتد على المفسدين والفاسقين، وكان أهلها منذ أيام المعتمد بن عباد يغلب عليهم الترف والدعة والاشتغال بالبطالة، فاشتد عليهم وتفنن في تأديبهم، فثقل على الحاكم والمحكومين، فعزل من منصبه وأقبل بعدها على نشر العلم وتدوينه، وصار ذلك دأبه حتى بلغ درجة الاجتهاد عند كثير من أهل العلم.

ولقد ترك ابن العربي مصنفات كثيرة نافعة من أشهرها تفسيره الرائع أحكام القرآن والذي بنى على أساسه القرطبي تفسيره الشهير، وله كتاب «عارضة الأحوذي» في شرح سنن الترمذي وله كتب كثيرة معظمها إما فقد وإما ما زال مخطوطًا،

وله كتاب العواصم من القواصم الذي أعاد به للصحابة مكانتهم العالية وغصت بهذا الكتاب حلوق كل كاره ومنغص لخير البشر بعد الأنبياء والمرسلين. ولم يؤخذ على القاضي أبي بكر بن العربي سوى اشتداده وذمه العنيف لابن حزم، ولعلها من السنن الجارية, فإن ابن حزم كان شديدًا عنيفًا في خصومه، فقيض الله عز وجل من يذيقه نفس الكأس, ولقد كان أبو بكر معارضًا للدولة الموحدية، رافضًا آراءها وعقيدتها الاعتزالية، ومن أجل ذلك حمل إلى عدوة المغرب حيث مدينة فاس للضغط عليه وانتزاع الموافقة والبيعة منه, خاصة وأنه من كبار علماء الأندلس، وفي مدينة فاس وافته المنية في 6 ربيع الأول سنة 543هـ ودفن بها, فرحمه الله رحمة واسعة وأجزل له المثوبة.

المجدد السادس:
كان "العز بن عبد السلام" واحدًا من أشهر الشخصيات التي عرفها الناس في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) كان إمامًا فقيهًا وعالمًا متبحرًا في علوم الشريعة من فقه وحديث، ومؤلفًا عظيمًا له كتب قيمة .. لكن ذلك لم يكن وحده هو السبب في أن يلتف الناس حوله وأن يمنحوه حبهم وإعجابهم وتقديرهم .
إنما أحبه الناس لأنه عاش من أجلهم يعلمهم أمور دينهم .. يحارب البدع والخرافات .. ينصح الحكام، ويخوض ميادين ال****، ويواجه الظلم والطغيان .
· طفولة ونبوغ :
ولد "عبد العزيز بن عبد السلام" ، المعروف بالعز في مدينة "دمشق" سنة (577 ﻫ =1181م) وبها نشأ وتعلم، وكانت آنذاك تمتلأ بحلقات العلم في المساجد والمدارس، وقد تأخر "العز" عن زملائه في طلب العلم، لكنه نجح في تعويض ما فاته بالانتظام في حلقات الدرس، والمواظبة على المذاكرة بحب شديد وهمة عالية، وساعده ذكاؤه وفهمه العميق على إتقان الفقه والتفسير وعلوم القرآن والحديث، والتبحر في تحصيل اللغة والأدب والنحو والبلاغة. وبعد أن انتهى من دراسته اتجه إلى التدريس في بيته وفى مساجد دمشق ومدارسها التي كانت الدولة تنفق عليها وتجعلها تحت إشرافها .. واستطاع المدرس الشاب أن يجعل الطلاب يلتفون حوله بسبب غزارة علمه وإتقانه لدروسه، وبراعته في الشرح بالإضافة إلى حبه للدعابة وذكره للنوادر والفكاهات التي يلطف بها درسه، وتزيل الملل من نفوس طلابه .. وبهذه الطريقة أقبل عليه الطلاب وامتلأت حلقاته بهم .
· خطيب الجامع الأموي بدمشق :
كان "العز عبد السلام" خطيبًا بارعًا، يؤثر في مستمعيه بصدق عاطفته وغزارة علمه، وسلاسة أسلوبه، ووضوح أفكاره، وهذه المؤهلات جعلته جديرًا بأن يكون خطيب الجامع الأموي في دمشق وكانت خطبه في الجامع مدرسة يتلقى الناس فيها أمور دينهم، ويستمعون منه القضايا التي تهمهم، ويحل لهم المشكلات التي تعترض حياتهم.وعرف عن الشيخ "العز بن عبد السلام" أنه كان لا يسكت عن خطأ أو تهاون في حق الأمة والوطن ..
فإذا علم أن هناك تجاوزات كشفها في الحال وبين موقف الإسلام منها .. وكانت هذه المواقف تسبب له مضايقات، لكنه لم يهتم بها ما دام قد أدى واجبه.
وفى إحدى خطبه أفتى بحرمة بيع السلاح للفرنج الصليبيين، وكانوا لا يزالون يحتلون أجزاء من بلاد الشام، بعد أن ثبت عنده أن هذه الأسلحة يستخدمها الفرنج في محاربة المسلمين.
وكان قد علم أن وفدًا من الصليبيين قد سمح لهم سلطان "دمشق" الصالح "إسماعيل" بدخول "دمشق" لشراء سلاح لهم من التجار المسلمين.
وكان لهذه الخطبة أثر كبير في الناس، فتناقلوها فيما بينهم، وأعجبوا كلهم بها إلا السلطان وحاشيته، فقام بعزل الشيخ عن الخطابة والإفتاء، وأمر بحبسه، لكنه أطلق سراحه بعد مدة خوفًا من غضب الناس وثورتهم و ألزمه بألا يغادر منزله.
· الرحيل إلى "القاهرة" :
سئم الشيخ "العز بن عبد السلام" العزلة التي فرضت عليه، ومنعه من إلقاء الدروس وإفتاء الناس، وكان يستشعر أن قيمة الإنسان فيما يعطى، وأن قيمته هو أن يكون بين الناس معلمًا ومفتيًا وخطيبًا لذلك قرر الذهاب إلى القاهرة، ورفض أن يتودد للسلطان ويستعطفه حتى يرضى عنه.
وصل الشيخ إلى "القاهرة" سنة (639 ﻫ = 1241 م) واستقبله سلطان "مصر" الصالح "أيوب" استقبالاً عظيمًا، وطلب منه على الفور أن يتولى الخطابة في جامع "عمرو بن العاص"، كما عينه في منصب قاضى القضاة، وجعله مشرفًا على إعادة إعمار المساجد المهجورة في "مصر"، وهذه الوظيفة أقرب ما تكون الآن إلى منصب وزير الأوقاف .
· "العز بن عبد السلام" يبيع الأمراء :
قبل الشيخ الجليل منصب قاضى القضاة ليكون مدافعًا عن الناس محافظًا على حقوقهم، حاميًا لهم من سطوة الظالمين وأصحاب النفوذ .. وفى أثناء عمله اكتشف أن الأمراء المماليك الذين يعتمد عليهم الصالح "أيوب" لا يزالون من الرقيق، لم يتحرروا بعد؛ لتذهب عنهم صفة العبودية، ورأى "العز بن عبد السلام" أن هؤلاء الأمراء لا يصح تكليفهم بإدارة شؤون البلاد ما داموا عبيدا أرقاء, وعلى الفور قام الشيخ الشجاع بإبلاغهم بذلك، وأوقف تصرفاتهم في البيع والشراء وغير ذلك من التصرفات التي يقوم بها الأحرار، وترتب على ذلك أن تعطلت مصالحهم، وكان من بين هؤلاء الأمراء نائب السلطان .
وحاول هؤلاء الأمراء أن يساوموا "العز بن عبد السلام"، ويجعلوه يرجع عما عزم عليه من بيعهم لصالح بيت مال المسلمين حتى يصيروا أحرارًا وتعود لهم كامل حقوقهم، لكنه رفض مساوماتهم وإغراءاتهم وأصر على بيعهم، ولما كان الموقف صعبًا على المماليك فإنهم رفضوا الامتثال لرأى الشيخ وفتواه، ورفعوا الأمر إلى السلطان الصالح "أيوب" ، فطلب السلطان من الشيخ التراجع عن فتواه فرفض، فأغلظ السلطان القول للشيخ واحتد عليه فانسحب الشيخ وترك السلطان وقد عزم على الاستقالة من منصبه.
· مزاد لبيع الأمراء :
ولما انتشر خبر استقالة الشيخ "العز" ومغادرته "القاهرة" حتى خرج الناس وراء الشيخ يرجونه في العودة، وفى الوقت نفسه أدرك السلطان خطأه فخرج هو الآخر في طلب الشيخ واسترضائه، وأقنعه بالعودة معه، فوافقه على أن يتم بيع الأمراء.وكم كان المشهد مهيبًا جليلاً والشيخ "العز بن عبد السلام" واقف ينادى على أمراء الدولة واحدًا بعد آخر ويغالي في ثمنهم، والسلطان الصالح "أيوب" يدفع الثمن من ماله الخاص إلى الشيخ الشجاع الذي أودع ثمنهم بيت مال المسلمين. وكانت هذه الوقعة الطريفة سببًا في إطلاق لقب "بائع الملوك" على الشيخ "العز بن عبد السلام".
· الأمراء أولاً في دفع الضرائب :
وطالت إقامة الشيخ في "القاهرة" حتى شهد ولاية السلطان "سيف الدين قطز" سنة ( 657 ﻫ =1258م)
وفى عهده أرسل المغول رسلاً إلى "القاهرة" تطلب منها التسليم دون قيد أو شرط، وكان المغول على أبواب "مصر" بعد أن اجتاحوا مشرق العالم الإسلامي، لكن سلطان "مصر" رفض هذا التهديد وأصر على المقاومة والدفاع، وكان الشيخ "العز بن عبد السلام" وراء هذا الموقف، يهيئ الناس للخروج إلى ال**** .
واحتاج السلطان إلى أموال للإنفاق على إعداد المعركة، فحاول فرض ضرائب جديدة على الناس، لكن "العز بن عبد السلام" اعترض على ذلك وقال له : قبل أن تفرض ضرائب على الناس عليك أنت والأمراء أن تقدموا ما تملكونه من أموال لبيت مال المسلمين، فإذا لم تكف هذه الأموال في الإعداد للمعركة، فرضت ضرائب على الناس، واستجاب السلطان لرأى "العز بن عبد السلام"، وقام بتنفيذه على الفور ... وخرج المسلمون للقاء المغول في معركة "عين جالوت" وكان النصر حليفهم .
· مؤلفات الشيخ ومكانته العلمية :
كان الشيخ "العز بن عبد السلام" متعدد المواهب في الإفتاء والخطابة والقضاء والتدريس، وله مؤلفات كثيرة في التفسير والحديث والفقه والأصول والسيرة النبوية، ومن أشهر كتبه :"قواعدالأحكام في مصالح الأنام"، و"الغاية في اختصار النهاية" في الفقه الشافعي، و"مختصر صحيح مسلم"، و"بداية السول في تفضيل الرسول"، و"تفسير القرآن العظيم" .
· شخصية الشيخ "العز" :
كان الشيخ "العز" عالمًا حقيقيًّا يدرك أن دور العلماء لا يقتصر على إلقاء الدروس والخطابة وتعليم الطلاب، فاشترك في الحياة العامة مصلحًا يأخذ بيد الناس إلى الصواب، ويصحح الخطأ لهم ولو كان صادرًا من أمير أو سلطان، ولما كانت نفسه قوية امتلأت بحب الله ولم يعد فيها مكان للخوف من ذوى الجاه والسلطان، فهو لا يخاف إلا الله، ومن خاف الله هابه الناس واحترموه.
عاش الشيخ من أجل الناس وإصلاح حياتهم ودنياهم ، فعاش في قلوبهم ووجدانهم .. أحب الناس فأحبه الناس .
· وفاته :
وقد امتدت الحياة بالشيخ الجليل فبلغ الثالثة والثمانين قضاها في خدمة الإسلام، وال**** باللسان والقلم، وحمل السلاح ضد الفرنج ، حتى لقي ربه في (10 من جمادى الأولى 660 ﻫ = 2 من مارس 1261م) .
· "العز بن عبد السلام" في سطور :
* ولد "العز بن عبد السلام" في "دمشق" سنة (577 ﻫ = 1181 م) .
* تلقى تعليمه في "دمشق" ودرس الفقه والحديث والتفسير واللغة والأدب .
* بعد الانتهاء من دراسته جلس للتدريس في مساجد "دمشق" ومدارسها .
* عُين خطيبًا للجامع الأموي في "دمشق"، واشتهر بجراءته في قول الحق .
* ترك "دمشق" وانتقل إلى "القاهرة" سنة( 639 ﻫ = 1241 م) واستقبله السلطان "محمد الصالح أيوب" أحسن استقبال، وعينه في منصب قاضى القضاة.
* وفى أثناء توليه القضاء أفتى بضرورة بيع الأمراء المماليك لصالح بيت المال، لأنهم أرقاء وتصرفاتهم غير جائزة .
* ألف "العز بن عبد السلام" مؤلفات كثيرة في الفقه والحديث، من أشهرها.. "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" ، و"مختصر صحيح مسلم" ، و"بداية السول في تفضيل الرسول" .
* توفى في (10 من جمادى الأولى 660 ﻫ = 2 من مارس 1261 م) .


المجدد السابع : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

أولا : نســــــــــــبـــــه :

أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد
بن تيمية الحراني وكنيته أبوالعباس ولقبه تقي الدين على عادة أهل ذلك الزمان.

ولد رحمه الله يوم الاثنين 10/3/661 هجريه وتوفي رحمه الله ليلة الاثنين 20 ذي القعدة728 هجريه .

عـــــــــــصـــــــــــره :

ظهر شيخ الاسلام ابن تيمية في عصر كثير الفتن شبيه بعصرنا لحد كبير الا أنه لا ابن تيمية بيننا .

كانت الأمور السياسية مضطربة وتفرقت فيه كلمة المسلمين، مع تكالب الأعداء على أمة الاسلام ، فتعرض المسلمون لموجات غزو التتار من الشرق والغزو الصليبي من الغرب . مع ما كان يسود المجتمع المسلم من الجهل بدينه وشيوع البدع لغلبة ظهور الفرق الضالة من الرافضة والمعتزلة والصوفية ومتعصبي المذاهب الفقهية وطغيان علم الكلام والفلسفة على الكتاب والسنة.

في هذه الأوضاع المعتمة عاش شيخ الاسلام فعلم رحمه الله أنه لا خروج من هذه الدياجير الا بالرجوع للأمر الأول وهو ما كان عليه السلف الصالح وتعلم العلم الشرعي من منبعيه الكتاب والسنة واقتفاء آثار الأولين من صحب رسول الله والتابعين لهم باحسان. اذ لا يصلح آخر الأمر الا بما صلح به أوله .

فاتجه نحو ــــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ :


طـــــــــلــــــب العــــــــــلــــــــم :

انكب شيخ الاسلام على طلب العلم النافع فتفقه وتعلم واستنار بنور الوحيين ، اذ لايزول ذلك الظلام الذي هم فيه الا بالنور والاصلاح يحتاج الى حكمة ولا حكمة دون العلم.

نــــــشـــــــره للـــــعـــلم :

لانفع لذلك العلم وذلك النور ما لم يستضاء به ويزيل الظلام من حوله .
فبدأ شيخ الاسلام في تعليم المجتمع من حوله فلتف حوله طلبة العلم من كل حدب وكان له مناظرات ومجالس في المحافل يرد على أهل الأهواء والمنحرفين عن جادة الحق اذ لابد من تصفية ما علق في دين الناس من الشوائب وتقوية الداخل وتنقيته لأنه رحمه الله علم بأنه لا نصر للأمة وهي تتعبد بغير ما شرعه لها ربها عز وجل_ .

****ه بقلمـــــــــه ولســــــــانه و سيـــــــفــه :

في 27 ربيع الأول من سنة 699 هجريه دخل التتار بقيادة قازان دمشق بعد معركة هزم فيها المسلمون فعاثوا فيها فسادا ، فاجتمع شيخ الاسلام ببعض أعيان البلاد واتفقوا على الذهاب لقازان والتحدث معه، فلما وصلوا اليه قابله شيخ الاسلام وطلب منه الأمان لأهل دمشق ورد الأسرى من المسلمين وأهل الذمة
ثم كلمه شيخ الاسلام بقوة وشجاعة وشنع عليه ما يفعله بالمسلمين ونقضه العهود معهم ، حتى خاف عليه الحاضرون من بطش قازان لما يعلمون من سطوته وشدته، ولكن الله قذف الرعب في قلب قازان لما راى ثبات شيخ الاسلام ورباطة جأشه ،

فسأل عنه فأخبر بما عليه شيخ الاسلام من العلم والعمل فقال قازان فاني لم أر مثله ، ولا أثبت منه قلبا ، ولا أوقع منه حديثا في قلبي ، ولارأيتني أعظم انقيادا لأحد منه..... ) .

بل ان شيخ الاسلام هو الذي حض سلطان مصر على ال**** ورغب الناس فيه لما قدم التتار مرة أخرى سنة 702 هجريه فسير السلطان جيشا كان ابن تيمية فيه وانتصر المسلمون في تلك الوقعة وقعة "ش*** " في الثاني من رمضان سنة 702 .

أما مناظرات الشيخ فكثيرة منها أنه لما طلب رضي الدين الواسطي الشافعي من شيخ الاسلام بأن يكتب له عقيدة تكون عمدة له ولأهل بيته، وهي ما تعرف بالعقيدة الواسطيه، فكتبها الشيخ فانتشرت بين الناس ، فثار أهل الحقد من الفرق البدعية ، فسعى هؤلاء الى السلطان ، فأمر السلطان بجمع القضاة والمفتين والمشايخ والعلماء وكان ذلك يوم الاثنين الثامن من رجب سنة705 هجريه فقرأت الواسطية بحضور أمير الشام فأخذ المخالفون يناظرون الشيخ ويناقشونه والشيخ يرد عليهم ويناظرهم ويبين لهم بأن هذه العقيده هي عقيدة اهل السنة والجماعة وهي التي يدل عليها الكتاب والسنة واجماع السلف وكان يلزمهم بنصوص الوحيين فلا يستطيعون الرد ويدعوهم للتمسك بمذهب السلف الصالح وأنه لم يضع هذه العقيدة من ذات نفسه ،وليس لأحد أن يشرع للناس ما لم يأذن به الله، وانما تؤخذ من الكتاب والسنة واجماع سلف الأمة _رضوان الله عليهم_.
وعقد لهذه المناظرة عدة مجالس الى أن أقر القوم بالعقيدة الواسطيه، واخذ بعضهم يثني على الشيخ ويمدحه، فأظهر الله الحق على يد شيخ الاسلام فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عن المسلمين خير الجزاء.

صبـــــر شيـــــخ الاســــــــــلام :

لقد أبتلي شيخ الاسلام مرات عديده وهذه سنة الله في أنبيائه و أوليائه وذلك بأن دعوة الشيخ قد صادفت صنوف من الأعداء والأهواء التي أزعجها نهج شيخ الاسلام الذي يدعو للرجوع بالدين لمنهج السلف الصالح.

ومن ذلك أنه سجن مرات عديده منها سجنه في سجن القضاة في مصر سنة 707 وسجن أيضا في سجن الاسكندرية سنة 709 وسجن في قلعة دمشق مرات كان آخرها سنة 726 هجريه فكا ن رحمه الله أينما سجن يحول تلك السجون لمدارس يعلم فيها المسلمين أمور دينهم ويغير فيها المنكرات ويحذرهم من البدع بل أن كثيرا من كتبه سطرها في سجنه وكانت ترسل له الفتاوى في السجن فيجيب بالنصوص الشرعية عن المسائل المشكلة بما يحير العقول.
فكان رحمه الله لايهمه الافراج عنه من السجن ما دام باستطاعته نشر العلم ولذا كان يقول مقولته المشهورة : (( ما يصنع أعدائي بي ؟ ان جنتي وبستاني في صدري ، أين رحت فهي لا تفارقني ، ان حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، واخراجي من بلدي سياحة ))

أتعرفون اخوتي ما جنة وبستان ابن تيمية انه نور العلم بكتاب ربه وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم _.


وفـــــــــــاتـــــــــه _ رحمه الله _ :

في التاسع من جمادى الآخرة سنة 728 هجريه منع الشيخ من أدوات الكتابة ، وأرسلت جميع مسوداته وأوراقه الى المكتبة العادلية ، وكان ذلك في نحو ستين مجلدا، فصار يستخدم الفحم للكتابة ولكن ذلك كان له صدمة عنيفة آلمته كثيرا ، ولقد ختم شيخ الاسلام القرآن في سجن القلعة ثمانين مرة ، ولم يعش شيخ الاسلام بعد هذه الصدمة الا يسيرا حيث توفي _ رحمه الله _ يوم الاثنين في 20 من ذي القعدة سنة 728 للهجرة

اخوتي واخواتي ما أجمل أن نتمثل سير أؤلئك القوم ونستضيء من نور ميراثهم ونشغل القلب من نفح ذكراهم لألى نكون أحياء بجسومنا أموات بأرواحنا.

قد مات قوم وما ماتت مكارمهم """"" وعاش قوم وهم في الناس أموات










آخر مواضيعي

0 اعرفوا تاريخكم السلطان سليمان القانونى ... أكبر ملوك الإسلام
0 تبليغ عن مشاركة بواسطة labawch
0 هذه هي الأقلام الملونة وإلا !!!!!
0 التعليق لكم
0 صور رائعة من الفضاء
0 اختر أين تقضي عطلتك الصيفية ؟
0 وحوش من الفضاء الخارجي تعيش بيننا
0 لاتجده إلا في بلاد هجوج و مجوج
0 فروسية في الجو
0 إحساس الأمومة عند الحيوان


التعديل الأخير تم بواسطة labawch ; 17-03-2009 الساعة 01:39

labawch
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية labawch

تاريخ التسجيل: 7 - 9 - 2008
السكن: marrakech
المشاركات: 951

labawch غير متواجد حالياً

نشاط [ labawch ]
معدل تقييم المستوى: 286
افتراضي
قديم 17-03-2009, 01:29 المشاركة 2   

المجدد الثامن : شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني

سيرة المحدث عالم العلوم ومحدث مصر :
كان يوم وفاته يومًا مشهودًا، اجتمع في تشييع جنازته من الناس ما لا يحصيهم إلا الله، حتى كادت تتوقف حركة الحياة بمصر، يتقدمهم سلطان مصر والخليفة العباسي والوزراء والأمراء والقضاة والعلماء، وصلَّت عليه البلاد الإسلامية صلاة الغائب، في مكة وبيت المقدس، والخليل.. وغيرها، ورثاه الشعراء بقصائدهم، والكتاب برسائلهم.
إنه شيخ الإسلام (شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد العسقلاني) المصري المولد والنشأة، المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه، وُلِد بمصر العتيقة (الفسطاط) في 12 شعبان سنة 773هـ، ونشأ يتيمًا، فما كاد يتم الرضاعة حتى فقد أمه، وما إن بلغ الرابعة من عمره حتى توفي أبوه في رجب 777هـ، تاركًا له مبلغًا من المال أعانه على تحمل أعباء الحياة، ومواصلة طلب العلم.
وبعد موت أبيه، كفله (زكي الدين الخروبي) كبير تجار مصر، الذي قام بتربيته والعناية به، فحفظ ابن حجر القرآن الكريم، وجوَّده وعمره لم يبلغ التاسعة، ولما رحل الخروبي إلى الحج سنة 784هـ رافقه ابن حجر وهو في نحو الثانية عشرة من عمره، ليدرس في مكة الحديث النبوي الشريف على يد بعض علمائها.

ولما عاد إلى القاهرة، درس على عدد كبير من علماء عصره أمثال: (سراج الدين بن الملقن) و(البلقيني) و(العز بن جماعة) و(الشهاب البوصيري) ثم قام ابن حجر برحلات دراسية إلى الشام والحجاز واليمن، واتصل بمجد الدين الشيرازي،

وتعلم اللغة صاحب (القاموس المحيط) عليه يديه، غير أن ابن حجر وجد في نفسه ميلا وحبًّا إلى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه منكبًّا على علومه مطالعة وقراءة، وأجازه معظم شيوخه بالرواية وإصدار الفتاوى والقيام بالتدريس، فكانت تقام له حلقات الدرس، ويجلس فيها العلماء في كل بلد يرحل إليه، حتى انتهت إليه الرياسة في علم الحديث في الدنيا بأسرها، وبلغت شهرته الآفاق، وارتحل أئمة العلم إليه من كل أنحاء العالم الإسلامي.

وقد أَهَّلَه علمه الغزير أن يشغل عدة مناصب مهمة، فقام بتدريس الحديث والتفسير في المدرسة الحسنية، والمنصورية، والجمالية، والشيخونية والصالحية.. وغيرها من المدارس الشهيرة بمصر، كما تولى مشيخة المدرسة البيبرسية، وولي الإفتاء
بدار العدل، وتولى ابن حجر منصب القضاء، واستمر في منصبه نحو عشرين سنة شهد له فيها الناس بالعدل والإنصاف، وإلى جانب ذلك تولى الخطابة في الجامع الأزهر ثم جامع عمرو بن العاص .
وكان من عادة ابن حجر أن يختم في شهر رمضان قراءة صحيح البخاري على مسامع تلاميذه شرحًا وتفسيرًا، وكانت ليلة الختام بصحيح البخاري كالعيد؛ حيث يجتمع حوله العلماء والمريدون والتلاميذ، ثم توج حبَّه لصحيح البخاري وشغفه به بأن ألَّف كتابًا لشرحه سماه (فتح الباري بشرح صحيح البخاري) استغرق تأليفه
ربع قرن من الزمان!! حيث بدأ التأليف فيه في أوائل سنة 817هـ وانتهى منه في غرة رجب سنة 842هـ.
وهذا الكتاب يصفه تلميذه (السخاوي) بأنه لم يكن له نظير، حتى انتشر في الآفاق وتسابق إلى طلبه سائر ملوك الأطراف، وقد بيع هذا الكتاب آنذاك بثلاثمائة دينار وقد كتب الله لابن حجر القبول في زمانه، فأحبه الناس؛ علماؤهم وعوامهم، كبيرهم وصغيرهم، رجالهم ونساؤهم، وأحبه أيضًا النصارى، وكانت أخلاقه الجميلة وسجاياه الحسنة هي التي تحملهم على ذلك، فكان يؤثر الحلم واللين، ويميل إلى الرفق وكظم الغيظ في معالجة الأمور، يصفه أحد تلاميذه بقوله: كل ذلك مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه، وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه، وبذله وحسن عشرته ومحاضراته النافعة، ورضي أخلاقه، وميله لأهل الفضائل، وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره.
وقد ترك لنا ابن حجر ثروة ضخمة من الكتب تزيد على المائة والخمسين
كتابًا، أهمها:
(فتح الباري بشرح صحيح البخاري) و(تهذيب التهذيب) في تراجم رجال الحديث و(بلوغ المرام من أدلة الأحكام) في الفقه و(الإصابة في تمييز الصحابة)
و(الدرر الكامنة) في أعيان المائة الثامنة، و(القول المسدد في الذبِّ عن مسند الإمام أحمد).. وغيرها،

وفي ليلة السبت 28 ذي الحجة سنة 852هـ توفي شيخ الإسلام، وحامل لواء السنة (ابن حجر العسقلاني).


labawch
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية labawch

تاريخ التسجيل: 7 - 9 - 2008
السكن: marrakech
المشاركات: 951

labawch غير متواجد حالياً

نشاط [ labawch ]
معدل تقييم المستوى: 286
افتراضي
قديم 17-03-2009, 01:30 المشاركة 3   

ملاحظة :

1- المجدد ليس بالضرورة شخصاً واحداً بل ربما يكون مجموعة من العلماء و طلبتهم. أو قائداً و جيشه...وهكذا

2-المجدد ليس بالضرورة أفضل أهل زمانه , أو أنه كامل الأوصاف

3- المجدد يحمل صفات الثبات على الحق و المشي على سنة النبي صلى الله عليه وسلم

4- المجدد لا يُغيّر شيئاً في الدين بل يعيد إحياء ما أماته الناس من السنّة من ( العدل في الحكم أو ال**** في سبيل الله أو الزهد أو الاستقامة على أمر الدين ....)

5- أخيراً المجدد ((يظهر)) على رأس كل مائة عام (( بالهجري وليس الميلادي )) : يعني يعرفه الناس و ينتشر خبره بين أهل زمانه و يظهر أثره الطيب وليس ميلاده على رأس المئة!!


labawch
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية labawch

تاريخ التسجيل: 7 - 9 - 2008
السكن: marrakech
المشاركات: 951

labawch غير متواجد حالياً

نشاط [ labawch ]
معدل تقييم المستوى: 286
افتراضي
قديم 17-03-2009, 01:43 المشاركة 4   

الأمر لا يعدو كونه اجتهادا و لكم واسع النظر


labawch
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية labawch

تاريخ التسجيل: 7 - 9 - 2008
السكن: marrakech
المشاركات: 951

labawch غير متواجد حالياً

نشاط [ labawch ]
معدل تقييم المستوى: 286
افتراضي
قديم 04-04-2009, 11:46 المشاركة 5   

والله تعالى أعلم

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجددي, منذ, الله, الدين, النبي, حتى, يومنا, صلى, عليه, هذا, وسلم, وفاة

« أسماء الرسول -صلى الله عليه وسلم-والقابه | سـنـن الحبيب عليه الصلاة و السلام »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم abo omamah دفــتــر السنة و السيرة النبوية 1 28-05-2009 13:46
من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ابن الاسلام دفاتر الأخبار الوطنية والعالمية 0 24-04-2009 20:30
فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم scout202 دفــتــر السنة و السيرة النبوية 2 21-12-2008 23:27
صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم khalidoussama دفــتــر السنة و السيرة النبوية 3 09-09-2008 00:35
نسب النبي صلى الله عليه وسلم smayli070 دفــتــر السنة و السيرة النبوية 0 07-09-2008 15:52


الساعة الآن 20:44


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة