عباد الله
النفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز و جل
و كل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل فلا بد أن ينتهى إليه
و لكن منهم من هو شاق عليه و منهم من هو سهل عليه, و إنه ليسير على من يسره الله عليه
و في ذلك الجبل أودية وشعوب, و عقبات و هود ,و شوك ,و عوسج, و عليق وشبرق ,و لصوص يقتطعون الطريق على السائرين, و لا سيما أهل الليل المدلجين
فإذا لم يكن معهم عُدد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات ,و إلا تعلقت بهم تلك الموانع
و تشبثت بهم تلك القواطع, و حالت بينهم وبين السير
فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته!!
و الشيطان على قلة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده و ارتفاعه ويخوفهم منه!!
فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قلته, و ضعف عزيمة السائر و نيته
فيتولد من ذلك : الانقطاع والرجوع
و المعصوم من عصمه الله
وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه
فإذا قطعه وبلغ قلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا
و حينئذ يسهل السير ,و تزول عنه عوارض الطريق و مشقة عقباتها
و يرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل و المناهل
و عليه الأعلام وفيه الإقامات قد أعدت لركب الرحمن
فبين العبد وبين السعادة والفلاح : قوة عزيمة و صبر ساعة و شجاعة نفس و ثبات قلب
و الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
مدارج السالكين/ ابن القيم