بن رحال: مشروع "عربية الأعمال" يطمح إلى تطوير "لغة الضاد"
دفاتر مقالات الرأي والتقارير الصحفية التربويةهنا نرتب أهم وآخر مقالات الرأي والتقارير الصحفية الواردة بالصحافة الوطنية والمتعلقة بموضوع التربية والتعليم
بن رحال: مشروع "عربية الأعمال" يطمح إلى تطوير "لغة الضاد"
بن رحال: مشروع "عربية الأعمال" يطمح إلى تطوير "لغة الضاد"
وائل بورشاشن
الاثنين 24 شتنبر 2018
رغم إعلان سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، الإبقاء على تدريس المواد التقنية بالفرنسية وتعزيز التحكم في اللغات الأجنبية، في عرض ألقاه أمام الملك محمد السادس خلال حفل تقديم الحصيلة المرحلية والبرنامج التنفيذي في مجال دعم التمدرس وتنزيل إصلاح التربية والتكوين، إلا أن بعض الأصوات بالمغرب ما تزال تتوسّم خيرا في مستقبل اللغتين الرسميتين بالمملكة، وخاصة اللغة العربية التي تطمح إلى الالتحاق بركب اللغات العلمية العالمية عبر مشروع "عربية الأعمال".
في هذا السياق، حاورت هسبريس منير بن رحّال، أستاذ بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالجديدة، من أجل التعرّف على "مشروع عربية الأعمال"، والتحديات التي تواجهه، وآفاق اللغة العربية في عالم المعلومات والثورة التقنية الرابعة.
ما هو مشروع عربية الأعمال؟
مشروع عربية الأعمال هو دراسة تندرج في إطار الأبحاث اللسانية التطبيقية، وعربية الأعمال لغة قطاعية أو لغة متخصصة يمكن أن ندرج فيها مجموعة من اللغات، وهي جد متخصصة، مثل لغة الأعمال، ولغة الإشهار، ولغة الاقتصاد العالمي، ولغة التقارير الاقتصادية، ولغة الإحصاء، ولغة المفاوضات التجارية، ولغة مجال التنمية الذاتية، وعلم التواصل...
إذن في هذا الإطار، أحاول أن أركز في مشروعي على تطوير عربية الأعمال، وأعملُ منذ سنوات مدرسا لهذه المادة في المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بالجديدة، وكان سؤالي عندما أردت تدريسها هو ماذا سأدرّس؟ فعند العودة إلى المراجع والكتب، ستجد أن هناك فراغا كبيرا في المكتبة العربية، فقررت العودة إلى بعض المرجعيات كاللغة الإنجليزية التي عندها علم اسمه "Business English" أو "إنجليزية الأعمال"، ومن خلاله حاولت أن أجد مقابلا أسمَيْتُهُ "عربية الأعمال".
ما الحاجة إلى عربية الأعمال؟
تعاظُمُ دور اللغة في التطور الاقتصادي جعل من الضروري على أي لغة في العالم أن تنافس من أجل أن تبقى، خصوصا في إطار العولمة؛ فنحن نتحدث عن ثورة تكنولوجية رابعة، وعن منافسة كبيرة على المستوى الاقتصادي، وبالتالي من الضروري في رأيي أن تكون العربية حاضرة في هذا السياق، وأعتقد أن هذه اللغة موجودة في وسائل التواصل الاجتماعي كموقع "فيسبوك" الذي ألاحظ استعمال العربية فيه بكثرة، رغم أني لا أملك دراسات أو أرقاما مضبوطة.
وفي هذا السياق تأتي لغة الأعمال من أجل أن تجعل اللغة العربية قادرة على أن تنافس وتحافظ على مكانتها؛ فهي موجودة منذ آلاف السنين لكن يجب أن تستمر؛ فالعولَمة الآن تقضي على الكثير من اللغات، خاصة عن طريق اللغة الإنجليزية، ونعطي مثالا باللغة الفرنسية التي تراجعت على مستوى الاستعمال العالمي بسبب قلة الإنتاج العلمي لأن الإنتاج العلمي العالمي يكون باللغة الإنجليزية، وأتمنى أن تكون اللغة العربية بخير في المستقبل القريب.
ما السبيل لإنجاح مشروع عربية الأعمال؟
سنصل إلى هذا عبر الاستفادة من التراكم الذي وصلت إليه اللغة الإنجليزية العالمية عن طريق الترجمة منها إلى العربية، ولا أنسى أن أقول إن اللغة العربية لغة عالمية أيضا؛ فهي لغة 66 دولة تقريبا عبر العالم، ولغة حوالي 6.6 بالمائة من سكان العالم؛ إذن هي لغة عالمية، وأظن أنه من حقنا أن نقول إن اللغة العربية لغة الاقتصاد لأنها لغة دول تنتج البترول، والغاز، والثروة السمكية؛ فلم لا نربط هذه اللغة بهذه الثروات؟
هناك قولة يمكن أن أبرر بها هذا الكلام للعالم ستيفانو جواتسو الذي عاش في القرن 17 عشر، وهي أن اللغة تساوي العملة؛ فاللغة ترتبط بالعملة التي تنتمي إليها، واللغة الإنجليزية (اليوم) تُساوي الدولار. ومن خلال هذه المقولة، علينا أن نربط لغتنا بثَرواتنا، وأعتقد أن العالم العربي لا تنقصه الثروات المادية والبشرية.
ما وظيفة عربية الأعمال؟ ومن يجب أن يحمل مشعلها؟
لا يجب أن ننسى أن اللغة العربية تعيش أزمة مصطلحات؛ فمنذ التسعينات إلى الآن ظهرت كثير من المصطلحات في المجال الاقتصادي، والإعلامي، والتكنولوجي، وهي مصطلحات نتساءل دائما عن معناها، ووظيفة العربية المتخصصة أو عربية الأعمال التي تحدثنا عنها هي نقل هذه المصطلحات من اللغة الإنجليزية على وجه الخصوص إلى اللغة العربية بشكل مبسط حتى يفهمها الجمهور الواسع، وبالتالي سنضمن دخول الكثير من الناس إلى عالم المعرفة وولوج سوق الشغل أيضا؛ فعندما سيفهم الناس والشباب والأطفال كذلك، سيصبحون قادرين على الاندماج في سوق الشغل لأنهم سيعرفون ما يفعلونه.
ووظيفة ترجمة هذه المصطلحات هي وظيفة الباحثين مثلي ومثل الكثيرين، والمؤسسات، أي مؤسسات الدولة؛ فالدّستور المغربي ينص على أن العربية هي اللغة الرسمية للدولة، وهي اللغة الأولى أيضا، ولغة النسيج الثقافي والهوية، وميراث كل المغاربة، عربا وأمازيغ وصحراويين وغيرهم؛ وبالتالي يمكننا أن نقول إن المؤسسات إذا فُعّلت، مثل أكاديمية محمد السادس للغة العربية، فسَنَضمن هذه الترجمة وهذا النقل المعرفي إلى اللغة العربية، وبالتالي سنضمَن استمرارية هذه اللغة وتطورها.
ما التوصيات التي يقدمها مشروع إعداد لغة عربية للأعمال من أجل النهوض بهذه اللغة؟
توصيات مشروع عربية الأعمال هي أولا ضرورة اعتماد اللغة العربية في مؤسسات التعليم العالي المتخصصة، مثل كلية الطب، وكلية الصيدلة، وكلية التجارة والاقتصاد، فالطبيب مثلا عندما يتخرج في الكلية يتعامل مع المريض المغربي الذي لا يعرف المصطلحات الطبية ويحتاج تشخيصا للمرض باللغة العربية، أو لغة وسيطة على الأقل هي ما نسميه بعربية الأعمال، حتى يفهم هذا المريض ما (ألمّ) به وهل مرضه خطير أم بسيط، ومع الأسف الأطباء المغاربة في الغالب يتحدثون باللغة الفرنسية.
التوصية الثانية هي ضرورة التعجيل بافتتاح أكاديمية محمد السادس للغة العربية لأن وظيفة هذه المؤسسة هي القيام بهذا الأمر؛ أي تطوير اللغة العربية وعربية الأعمال، والعربية المتخصصة في قطاعات كثيرة. نحتاج إلى تعريب المصطلحات البنكية، والمصطلحات الطبية، إلى آخره، وهذه وظيفة هذه المؤسسة التي أتساءل لماذا لم تفتتح إلى حد الآن؟
التوصية الثالثة هي ضرورة رعاية اللغة العربية؛ لأن اللغة العربية المستعملة في الإعلام تنتشر بشكل كبير، وتروج الكثير من الأخطاء، فيجب مراقبة لغة نشرات الأخبار، ومراقبة الوصلات الإعلانية التي تروّج الكثير من الأخطاء اللغوية وتُورّثها للأطفال.
والتوصية الأخيرة موجهة إلى الأبناك التي تتعامل مع المواطنين المغاربة الذين يجب أن يعرفوا ما الذي يكتب في العقود عندما يشترون أرضا أو شقة؛ فهل يعرف المواطن المغربي معنى "compromis de vente"؟ مثل هذه المصطلحات يجب شرحها أو ترجمتها. وهناك مجهود قام به البنك الشعبي، وبنك المغرب، والقرض الفلاحي، لكنه مجهود قديم لأن معجم المصطلحات البنكية الذي تمّ بشراكة مع معهد الأبحاث والتعريب يرجع إلى سنة 1983، وهو مجهود محترم لكنه قديم، ونحن في سنة 2018، وفي حاجة إلى ترجمة المصطلحات البنكية الحديثة.
هسبريس