الصحراء زووم : احمد ساسي
تتسابق دوائر صنع القرار الموريتانية إلى زيادة سعر فاتورة احتضان الرباط لكل من السيد "محمد ولد بوعماتو" رجل الأعمال المعروف والسيد "المصطفي ولد الشافعي" الملقب بـ(مالك مفاتيح الصحراء) اللذين باتت نشاطاتهما في الخارج تؤرق النظام الحالي بموريتانيا أكثر بكثير من نشاطات المعارضة بالداخل. ففي الوقت الحالي تكشر نواكشوط عن أنيابها التي ظلت تسنها طيلة الأزمة الصامتة، وبالضبط من يوم احتضان الرباط للمعارضين الكبيرين، بحيث يُقْدم اليوم الرئيس المثير للجدل "محمد ول عبد العزيز" بخطوات تصعيدية أكثر جدية من سابقاتها، ويعلن عن رفض نظامه للسفير المغربي المعين حديثا السيد "حميد شبار"، يليه مباشرة إعلان تدشين معبر (تندوف-شوم) وقرب افتتاحه للتخفيف التدريجي من استعمال المعبر الحدودي (الكركرات)، الذي يرافقه صمت مطبق من الجانبين المغربي والموريتاني.
ولا شك أن الرباط تعي جيدا أن الرئيس ول عبد العزيز أصبح يلعب في المحظور، ويمس من الخطوط الحمراء التي تهم المملكة، فالتطور الحالي قد يقود إلى سد أهم المنافذ الإقتصادية (معبر الكركرات) التي يعتمد عليها المغرب في تواصله المباشر مع عديد الدول الإفريقية، وهو الشيء الذي ينبئ عن خلق أزمة جيوسياسية قد تغير الوضع المستقر عسكريا بالمنطقة، كما سيقبر بلا شك المشروع المغاربي المشترك (المغرب العربي) مستقبلا.
فنظام ولد عبد العزيز لم يتوقف عند هذا الحد فحسب، بل أمر كبار مقربيه باستعادة وثائق اتفاقية (مدريد) المبرمة مع الجانب المغربي في عهدة الرئيس المؤسس "المختار ولد داداه"، لتحريك الوتر الحساس لدى المملكة والمتعلق بنزاع الصحراء، وهو ما باركته البوليساريو بصمت حاد، أظهر انسجام سياستهما الذي وصل لحد التطابق والتوافق في الأونة الأخيرة، لعل أخرها أزمة الكركرات التي ساهمت انواكشوط بشكل مباشر في خلق توترها لمدة دامت أكثر من تسعة أشهر، كلفت المغرب الكثير من الجهد الأمني والسياسي وكذا الاقتصادي قبل التدخل الأممي لإنهاء الأزمة.
فكل هذه الخطوات التصعيدية تصب في اتجاه ضغط ولد عبد العزيز على الرباط للوصول لرأس المعارضين الموريتانيين أو على الأقل طردهما من التراب المغربي خاصة المدعو "ولد بوعماتو" منهما، فالنظام الموريتاني أصبح يشدد الخناق على ما بات يعرف استخباراتيا بـ(خلية ول بوعماتو) واعتقال العديد من النواب والنقابيين وكذلك صحفيين يشتبه بتورطهم في تطبيق أجندات المعارض السياسي ول بوعماتو المقيم حاليا بـ(مراكش) المغرب.
وليس خافيا أن الطريق لرأس محمد ولد بوعماتو ليس سالكا ومحفوف بعديد المخاطر، أولها أن الرجل حامل للجنسية الفرنسية ما يبرر استحالة تسليمه لنواكشوط، رغم سعي هذه الأخيرة لتضييق معبر الكركرات كورقة ضغط لتعبيد الطريق نحو رأس المطلوب "محمد ول بوعماتو".
وإلى الوقت الراهن لم تظهر بعد أية بوادر استجابة من الرباط للضغوطات العزيزية، بل واصلت مقاومة هذه الإستفزازات الموريتانية بصمت دبلوماسي، رغم الضرب تحت الحزام الذي أصبح ولد عبد العزيز ينهجه في علاقاته الخارجية التي تجمعه بجارته التاريخية المملكة المغربية...
فإلى أي حد سيتحمل المغرب تبعات هذه السياسة المزاجية بدون ردود فعل عنيفة؟ وإلى أي مدى سيرفع ولد عبد العزيز سعر فاتورة رأس المعارضين المطلوبين؟.