قرنفل: إصلاح التعليم المغربي رهين بتقوية مشاعر حُب الوطن
دفاتر مقالات الرأي والتقارير الصحفية التربويةهنا نرتب أهم وآخر مقالات الرأي والتقارير الصحفية الواردة بالصحافة الوطنية والمتعلقة بموضوع التربية والتعليم
قرنفل: إصلاح التعليم المغربي رهين بتقوية مشاعر حُب الوطن
قرنفل: إصلاح التعليم المغربي رهين بتقوية مشاعر حُب الوطن : حاوره: محمد الراجي
الجمعة 18 غشت 2017
في خضمّ النقاش الدائر في المغرب حول المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة التربوية، وفي غمرة البحث عن مخرج لأزمة النظام التعليمي المغربي، نفتح، من خلال هذه النافذة، المجال لوجهة نظر مغربيّة، من خارج المملكة، وتحديدا من الولايات المتحدة الأمريكية، لعقد مقارنة بين النظام التعليمي الأمريكي ونظيره المغربي، ولماذا نجحَ الأوّل وفشل الثاني، وإنْ كانت المقارنة، كما يُقال، لا تجوز مع وجود الفارق.
نستضيف في هذا الحوار يوسف قرنفل، وهو أستاذ جامعي مغربي يدرّس في الولايات المتحدة الأمريكية، وُلد بمدينة فاس ودرَس فيها إلى غاية حصوله على شهادة الباكالوريا في العلوم الرياضية، ثم انتقل إلى فرنسا لمتابعة دراساته العليا في مجال الهندسة، واشتغل بها لفترة، قبل أن يشدّ الرحال إلى كندا، حيث اشتغل مهندسا وأستاذا، وحصل فيها على دكتوراه الدولة؛ ثم شدّ الرحال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يشتغل أستاذا باحثا في الرياضيات التطبيقية في المجال الطبي، مع جامعة هارفارد.
وموازاة مع عمله الأكاديمي، ينكبُّ يوسف قرنفل على تأليف كتاب في تخصّصه، وكتابٍ آخر حول المجتمع المغربي والمجتمعات العربية والإسلامية، خاصة في الشقّ المتعلق بالدين، وكيف تفهمه هذه المجتمعات وتطبقه. في ما يلي نصُّ الحوار.
انطلاقا من تجربتك كأستاذ جامعي في الولايات المتحدة الأمريكية، لماذا نجح النظام التعليمي الأمريكي وفشل نظيره المغربي؟
بداية، أودُّ أن أشير إلى أنّ النظام التعليمي المغربي كان جيّدا غداةَ الاستقلال، إذ تخرّجت أجيال من المدرسة المغربية في مختلف المجالات، بفضل الحماسة والرغبة في بناء الوطن والغيرة التي كانتْ لدى الأساتذة والأطر التربوية، وهذه ذخيرة مهمة ينبغي توظيفها جيّدا بناء الأوطان.
في تلك السنوات كانت مرتّبات الأساتذة والأطر التربوية هزيلة جدا، لكنْ كانت تحذوهم رغبة كبيرة في تكوين أجيال مرموقة، وكانوا يخصّصون وقتهم لتقديم دروس الدعم للتلاميذ مجانا. هذه الغيرة هي التي تجعل البلدان تتقدم، وحين تُفتقد يحدث النكوص.
في الولايات المتحدة الأمريكية هناك دعْم وتشجيع لكل ما يوحّد الشعب الأمريكي. قد لا يحب مواطن أمريكي الرئيس الحالي، دونالد ترامب، ولكنه يقول ذاك رئيس الدولة، وعلي أن أحترم المنصب الذي يحتله ولو كنتُ ضده. حبُّ الوطن هذا كان موجودا في المغرب بقوة بعد الاستقلال.. "كانو الناس كيخدمو بْنيتهم".
هل نفهم من كلامك أنّ الغيرة على الوطن مُفتقدة في المغرب في الوقت الراهن؟
هذا الإشكال مطروح، ولا أقصد هنا المشتغلين في مجال التعليم فقط، بل الجميع. يجب أن تكون الغيرة على الوطن سائدة من القاعدة إلى أعلى الهرم. حينما أحبُّ وطني فلا بدّ أن أخدمه بتفانٍ وصدْق. إذا كنتُ، مثلا، مدرسا وأعمل بجدّ، سيثق فيَ الآخرون، أما إذا كان سلوكي مغشوشا فسوف ينتشر الغش في المجتمع. المسؤولية يجب أن يتحمّلها الجميع.
منذ عقديْن من الزمن، جرّب المغرب وصفات عديدة لإنقاذ النظام التعليمي الوطني، من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، مرورا بالمخطط الاستعجالي.. لكنّها لمْ تُسْفر عن نتيجة.. لماذا فشلتْ هذه الوصفات؟
أعتقدُ أنّ ما ينبغي التركيز عليه هو تحفيز الأطفال الصغار على حبِّ المدرسة، ومساعدتهم على اكتساب الثقة في أنفسهم منذ الصغر، من أجل إبراز مهاراتهم. التربية السائدة في المجتمع المغربي تُفقد المواطنين الثقة في أنفسهم منذ الصغر، بسبب كثرة "الممنوعات". لا يُسمح للطفل بالتعبير عن أفكاره وآرائه بحريّة، وهذا ما يجعل الفرد يصير "مُعقّدا"، ولا يكون إيجابيا.
في الولايات المتحدة الأمريكية يركزون كثيرا على هذا الجانب، أيْ تكوين مواطنٍ واثق في نفسه وإيجابي، حتى ولو كان فاشلا في دراسته. في حفلات التخرج في الثانوية، مثلا، لا يتمّ حصْر الفائزين بالجوائز على التلاميذ الذين احتلّوا الرتب الأولى، بل يخصّصون جوائز كثيرة، ينالها حتّى غير المجتهدين، من أجل تحفيزهم على الاجتهاد.
ما أسجّله في المغرب هو أنَّ هناك اهتماما كبيرا في مخططات إصلاح النظام التعليمي باللغة. هناك من يقول إنّ اللغة العربية هي سبب ضعف التعليم المغربي، وأنا لا أتفق مع هذا الرأي. اللغة في نهاية المطاف هي أداة تواصل، وفي الولايات المتحدة الأمريكية نستقبل طلابا من مختلف البلدان درسوا الرياضيات بلغاتهم الأصلية، وحين نمتحنهم بالإنجليزية نجدُ أنّ مستواهم متقارب؛ وهذا يعني أنَّ اللغة ليست سببَ فشل النظام التعليمي.
برأيك، ما سرُّ نجاح الجامعة الأمريكية؟
كما يعلم الجميع، التعليم الجامعي في أمريكا أغلبه خصوصي. الولوج إلى الجامعة الأمريكية يتمّ حسب القدرات المعرفية والقدرة المالية للطالب، وليست هناك جامعات ذات استقطاب مفتوح كما هو الحال في المغرب. لكنْ يستطيع الطلاب الحصول على تسهيلات لمواصلة تعليمهم الجامعي، وهناك جامعات تفتح أبوابها مجانا للطلاب النبغاء، لأنها تراهنُ عليهم أن يكونوا أشخاصا متميزين في المستقبل، وبالتالي إعطاء الجامعة التي تخرَّجوا منها صيْتا كبيرا.
أعتقد أنَّ الدراسة بمقابل المتبّعة في الجامعة الأمريكية تحفّز الطلاب على الاجتهاد أكثر. في فرنسا، مثلا، نسبة الناجحين من الطلاب الجامعيين ضعيفة، لأنّهم يدرسون بالمجان، وهذا يجعلهم لا يخططون جيدا لمستقبلهم، بينما في الولايات المتحدة الأمريكية يجب على الطالب الجامعي أن يفكر جيدا ويجتهد كثيرا لبلوغ الهدف الذي يصبو إليه، لأنّه يدفع أموالا، وعليه أن يُعيدها في يوم الأيام، خاصة أنّ هناك من يأخذ قروضا لمتابعة تعليمه الجامعي.
تحميل المسؤولية للمواطن أمرٌ جد مهم. في الولايات المتحدة الأمريكية يُعلّمون الناشئة قيمة المال. منذ الصّغر يعلّمون الطفل أنّه ليكسب المال يجب عليه أن يتعب ويكدّ، وبالتالي يصير العمل لديه مثل عبادة. وبالعكس حين نوفّر كل شيء للطفل دون بذل أيّ مجهود فهذا يشجع على التكاسل. تكوينُ مواطن مسؤول ومعطاء لا يتطلب ميزانية بل تربية. .................................هسبريس