عادوا إلى لبنان فجراً بعد ساعات من التحقيق لدى جهاز «الشاباك» ... ركاب «سفينة الأخوة» واجهوا الاحتلال وسئلوا بعد ترويعهم عن علاقتهم بـ«حزب الله»
بيروت - ناجية الحصري الحياة - 07/02/09//
لا تكف الهواتف المحمولة في أيدي أفراد عائلة المحامي هاني سليمان عن الرنين منذ اللحظة التي أعلن فيها عن احتجاز القوات الإسرائيلية سفينة «الأخوة» التي كانت تحاول الوصول الى شاطئ غزة لإيصال مساعدات طبية وإنسانية الى أهاليها المنكوبين، وحتى ما بعد ساعات على اطلاقه ومن كان يرافقه من ركاب لبنانيين في رحلة كان هو أحد منسقيها.
جرح في الجبهة وورم في الرأس لجهة الأذن اليمنى ورضوض في الصدر والبطن، لكن الناشط سياسياً وحقوقياً وإنسانياً، يغلّب نشوة التحدي على أوجاع تسبب بها عراكه مع الجنود الإسرائيليين، هو الذي انتظر هذه المواجهة «أربعين عاماً»، كما قال.
انتهت رحلة «سفينة الأخوة اللبنانية» ليس كما كان مخططاً لها، فالمساعدات بقيت محجوزة في ميناء اشدود الإسرائيلي وقال الإسرائيليون انهم هم من سيتولى إيصالها الى غزة! لكن ركاب السفينة يشعرون بأنهم خرقوا حصاراً، حين دخلت سفينتهم المياه الإقليمية الإسرائيلية عنوة، وعصوا عدواً حين رفضوا رفع أيديهم عندما صوبت الأسلحة باتجاههم... وأوصلوا رسالة.
قال سليمان عن اللحظة التي «قفز فيها الجنود الى السفينة من البحر والجو»: «لم نصب بالذعر وانما واجهناهم بأعصاب باردة، وكل التحية للإعلاميين الذين فاقت جرأتهم ومهنيتهم التوقعات».
وعاد الى الساعات الـ14 التي كانت الانذارات تلاحقهم وهم لا يزالون يبحرون في المياه الدولية بعدما غادورا قبرص قاصدين غزة. قال: «الصوت الإسرائيلي كان يردد «أنتم تخرقون القانون الدولي»، وكان قبطان السفينة اللبناني يحيى عرداتي يرد عليهم بـ «أنكم أنتم من تخرقون كل القوانين الدولية بحصاركم غزة وتجويع أهلها».
وأشار الى «ان على متن السفينة كان طاقمها المؤلف من سبعة أشخاص وثمانية ركاب بينهم مطران القدس السابق لطائفة الروم الكاثوليك هيلاريون كبوجي ورجلا دين ومندوبتا ومصوّرا محطة «الجزيرة» القطرية وتلفزيون «الجديد» اللبناني، وانضمت الينا الناشطة تيريزا في قبرص وهي عضو في «غزة الحرة» وتحمل الجنسية الاسكتلندية». وأوضح ان «شاشة الرادار كانت ترصد حركة طرادات إسرائيلية تحيط بنا وحاولنا تجنب الأمر بالتوجه الى العريش المصرية ثم قررنا الإبحار قريباً من الشاطئ في اتجاه غزة وبمجرد دخولنا المياه الإقليمية الفلسطينية حاصرتنا القوارب المطاطية الإسرائيلية وحلقت المروحيات فوق رؤوسنا، وراح الجنود يتوجهون إلينا بمكبرات الصوت بأن «العالم كله يعرف ان غزة محاصرة فماذا جئتم تفعلون»؟ وراحوا يرددون علينا: «انتم تخرقون القانون، عودوا إدراجكم»، وقال: «تحول الأمر رجاء، لكننا صممنا على التقدم فأطلقوا الرصاص في الهواء ترهيباً وأصابوا سارية السفينة، كانت الساعة قاربت الحادية عشرة قبل الظهر (أول من أمس) حين اقتحم الجنود السفينة وكنت في هذه اللحظة رافقت المطران كبوجي (84 سنة) الى غرفته خوفاً عليه، وحين عدت فوجئت بالجنود يأمرونني برفع يدي فرفضت وأكدت ان هذه السفينة مدنية وتحمل مساعدات إنسانية ولا ضرورة لإرهابنا، لكمني أحدهم، فلكمته، وضربني آخر فضربته، وهاجمني أحدهم من الخلف بعقب البندقية على رأسي ففقدت توازني وهجم آخرون وشلت مقاومتي، كبلوني وعصبوا عيني، وفعلوا الأمر نفسه مع الآخرين بعدما تواجهوا معهم وصادروا الكاميرات التي كانت ترصد اللحظات. وأبحروا بنا الى ميناء اشدود الإسرائيلي».
وتحدث سليمان عن تحقيق «تجاوز الثلاث ساعات من قبل جهاز «الشاباك»، إذ كانت هذه الكلمة تتردد دائماً، وكان التحقيق بشكل فردي، صادروا كل ما كان في جيوبنا، وتركز التحقيق على علاقتنا بـ «حزب الله» وما إذا كنا نحمل سلاحاً في السفينة، وقلت للمحقق انها أمصال ووحدات دم ومساعدات جمعناها من تبرعات الناس». وشمل التحقيق أسماء أشخاص وبينهم منظمو الرحلة، وسألني المحقق: «أنت شيعي، شو جابك على غزة، لا أحد في فلسطين يمت إليك بصلة قربى؟ وشمل أحد الأسئلة ما إذا كنا ننقل حشيشة الكيف، فأجبت: «هل لو كنا نفعل لكانت المعاملة اختلفت»؟
وقال سليمان انه حين اصعدوهم الى سيارات لم يرد في باله انها لحظة اطلاقهم، «اعتقدنا اننا سنساق الى سجن، الى حين وصولنا الى الناقورة وتسليمنا الى القوات الدولية، هناك اُبلغنا ان الأغراض التي صادروها منا ستعود إلينا عبر القوات الدولية لاحقاً، وعلمنا أن المطران كبوجي نقل الى سورية مع آخرين يحملون الجنسية السورية أما تيريزا فقيل لنا انها سترحّل جواً».
في الثالثة إلا ربعاً فجر أمس، وصل ركاب السفينة اللبنانيون الى الناقورة، وكان في انتظارهم عند آخر نقطة للجيش اللبناني على الحدود العشرات من أقاربهم وأصدقائهم. ومساءً، عقد عدد منهم لقاء صحافياً في فندق «السفير» في بيروت، وعرضوا ما تعرضوا إليه.
وفي غضون ذلك، كان موكب آخر تتسلمه القوات الدولية (اندوف) المنتشرة في منطقة الجولان السورية، فيعبر معبر القنيطرة الى الداخل السوري ويضم ركاباً يحملون جنسيات غير لبنانية، ومن بينهم المطران كبوجي.
وفي ميناء اشدود، أكد الإسرائيليون أن شحنة المساعدات «لا تحمل سوى أطنان من المواد الغذائية والطبية، إضافة الى 1000 وحدة دم سيتم إيصالها الى قطاع غزة عبر المنظمات الإنسانية الدولية».
كبوجي: كنا سنسعد أكثر بلقائكم...
القنيطرة - سانا - أعرب مطران القدس السابق لطائفة الروم الكاثوليك هيلاريون كبوجي لدى وصوله إلى مدينة القنيطرة السورية المحررة فجر أمس وخمسة من طاقم سفينة «الأخوة اللبنانية» لكسر الحصار عن غزة بعد احتجازهم لساعات طويلة، عن سعادته لوصوله إلى أرض القنيطرة المحررة، مجدداً شكره لسورية ومواقفها تجاه القضية الفلسطينية، ومؤكداً «أن التحرير هو ما نصبو إليه وان قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة رهن بتضامننا وجمع شملنا ووحدة صفنا وايماننا المطلق بعدالة قضيتنا».
وخاطب كبوجي أهل غزة المحاصرة: «كنا سنسعد أكثر بلقائكم ولكننا معكم قلباً وفكراً ولا بد لهذا الليل ان ينجلي وان نجتمع كراماً أعزاء في وطننا فلسطين على أصوات تكبيرات المساجد وأجراس الكنائس لأن وحدة الصف الفلسطيني هي حجر الزاوية في قوتنا في وجه الهمجية والظلم».
وروى كبوجي كيف «ان سلطات الاحتلال منعت اكثر من 50 طناً من المواد الغذائية والادوية من الوصول الى المنكوبين في غزة وما رافق ذلك من تصرفات همجية تعكس عقلية الاحتلال»، وقال ان دافعه للذهاب في هذه الظروف الى غزة «كان واجباً دينياً وأخلاقياً تجاه أهلي ووطني».
وكان نائب وزير الخارجية فيصل المقداد استقبل المطران كبوجي باسم الرئيس بشار الأسد والشعب السوري، وأكد في كلمة ان «إسرائيل تأبى الا الظهور بوجهها الحقيقي كدولة إرهابية ودولة قرصنة قتلت الآلاف من أبناء شعبنا وشردت الملايين». وأوضح المقداد «ان ما قام به المطران كبوجي وطاقم السفينة من تضامن مع غزة كان بادرة يقدرها أبناء شعبنا العربي في كل مكان وسورية في شكل خاص».