ثانوية الخوارزمي بالبيضاء تسوق كفاءاتها نحو المقاولات..
محمد عارف
الأحداث المغربية : 14 - 03 - 2012
الفجوة التي ما فتأت تتسع ما بين تكوينهم النظري والميداني، وصعوبة اندماجهم في سوق الشغل، دفع بعينة من الطلبة بثانوية الخوارزمي بالبيضاء وفي مبادرة جديدة إلى تكسير الحاجز السميك، والخروج المباشر نحو المقاولات الصناعية، من خلال تنظيم أبواب مفتوحة، والهدف تسويق كفاءاتهم العلمية إلى من يهمهم الأمر.
صباح مختلف واستثنائي بكل المقاييس في حياة مؤسسة عريقة بقلب البيضاء كثانوية الخوارزمي التقنية، فبعيدا عن ضوضاء كراج علال، وصراخ الكورتية بمحطات الطاكسيات المحاذية للمحلات التجارية وقيسارية الشمال للبيع بالجملة، كان الهدوء والسكون يخيم على مدخل البناية الرئيسي الذي اخفته أشجار النخيل والمؤدي إلى مكاتبها الإدارية يوم الأربعاء الماضي، في الوقت الذي دبت فيه الحركة والحماس لدى مجموعة من طلبة شعبة تقني تجاري في ورش تواصلي وتربوي مفتوح هذه المرة على العالم الخارجي، بدأت وتيرته منذ الساعة السابعة صباحا، ليمتد إلى غاية السادسة مساء وهي المدة التي حددها الطلبة ومعهم مجموعة من الأساتذة كزمن لتقديم باكورة مجهود تطلب منهم أربعة أشهر من الإعداد قبل إخراجه إلى حيز الوجود اليوم.. » لقد بدأنا العمل في شهر أكتوبر من السنة الماضية حول المشروع .. وكان العمل يستمر إلى مابعد التوقيت لمدرسي المعتاد.. » يعلق أحد طلاب الشعبة بحماس.
أبواب وحركة دؤوبة ..
« سمحوا لينا على هاذ الارتباك حيث هادي هي المرة الأولى لي كنظمو فيه بحال هاد التظاهرة فالثانوية .. » تقول هند السباعي أستاذة مادة الاقتصاد والتسيير، والمسؤولة عن تنظيم التظاهرة، في محاولة منها لتدارك ترتيبات اللحظات الأخيرة التي يتطلبها هذا الموعد في حياة مؤسسة وشعبة مستحدثة بها كشعبة التقني التجاري. كانت هند التي التحقت للتدريس بالمؤسسة منذ مدة، تسرع نحو قاعة العروض الكبيرة، وسط الثانوية غير بعيد عن فضاء العرض، للتأكد من أن التجيهزات الصوتية، ومنصة العروض جاهزة لاستقبال المحاضرين من جنسيات متعددة.
في هذا التوقيت وبالتحديد في الساعة الثامنة كان في الجهة المقابلة زملاء وليد والطالبة سندس التي تتابع دراستها في السنة الثانية ،وهما من نفس الشعبة يضعان بادجات اللجنة التنظيمية حول أعناقهم والابتسامة لاتفارقهم ، يتابعون بأحد الأقسام المخصصة تصفيف الملف الصحفي ودعوات واللوائح الإشهارية المخصصة لاستقبال المشاركين، والوقوف على اللمسات الأخيرة لاعداد واستكمال الترتيبات التنظيمية، «حتى (لي فلاير) أو اللوحات الاعلانية طلبة الشعبة هما لي وجدوهم بمساعدة شركات متخصصة فمجال الدعاية هنا فكازا» تعلق إحدى طالبات المجموعة.
مهمة رغم بساطتها فإنها تتطلب الدقة في هذا النوع من التظاهرات، أمر أكدته سندس بالقول « يتوجب الوقوف على كافة التفاصيل قبل إعطاء إشارة إنطلاق لأول مبادرة تربوية وتواصلية، لاحدى الشعب المستحدثة بالمؤسسة»..إننا نريد أن نقول للمؤسسات ومقاولات التشغيل هنا بالعاصمة، أننا جاهزون لتقديم أفضل كفاءاتنا العلمية في ميدان التسويق التجاري لمنتوجاتهم الصناعية . تفسر ذة . السباعي قبل أن تتابع، كيف أن ولادة فكرة الأبواب المفتوحة، ماكان لها أن تتم لولى الحاجة إلى مد جسر التواصل مع شعبة شهادة التقني تجاري والعالم الخارجي، ودورها الحيوي داخل المؤسسة، في تمكين طلبتها من البحث عن آفاق مهنية أثناء تخرجهم وفي الاندماج في سوق الشغل بسهولة.
في طريقها إلى القاعة، توقفت بالقرب من سيارة من الحجم الكبير ، وهي لإحدى الشركات الصناعية متعددة الجنسيات، السيارة كانت عبارة عن معرض متنقل متكامل جاء محملا بالأدوات المختلفة. قبل أن تسترسل في حديثها « قبول مؤسسات كبرى من هذا النوع، والمتخصصة في انتاج المعدات والأودات الميكانيكية التنقل والمشاركة، دليل على أن الهدف من هذه التظاهرة، قد أتى أكله ».اختفت السباعي بين الحضور، بعد أن تبادلت مع المسؤول عن الرواق، بعض المعلومات التقنية لتلتحق بالمجموعة من الأساتذة الذي كانوا في انتظار الانطلاق الفعلي للتظاهر.
خلال مدة تواجدنا بفضاء العرض، والذي اختار طلبة الشعبة بمعية اللجنة المكونة من ثلاثين طالبا، ساحة المؤسسة لعرض الشركات المشاركة لمنتوجاتها، تم نصب إثنا عشرة خيمة، تنوعت في معروضاتها بين المؤسسات الصناعية والميكانيكية وتلك المتخصصة في انتاج المواد الصلبة، والبلاستيك « وهي عينة من المؤسسات التي تفاعلت بشكل ايجابي مع هذه المبادرة التربوية والمهنية في آن واحد» تضيف هند السباعي. في حدود الساعة الحادية عشرة، وهو موعد وصول نائبة التعليم بنيابة الفدا مرس السلطان، ومدير الثانوية، ومجموعة من أولياء التلاميذ، لاعلان الافتتاح الرسمي للابواب لم تشذ الشهادات المقدمة في حق التظاهرة عن المسار التعليمي للمؤسسة المتميز « نحن في حاجة أكثر إلى هذه التخصصات المؤدية إلى سوق الشغل مباشرة لمواجهة معضلة البطالة.. » تعلق النائبة وهي تتابع قلق الطلبة نحو مستقبلهم المهني.
«واش غادي نخدموا» سؤال مركزي مقلق، كان حاضرا طيلة اليوم المفتوح على شفاه العشرات من الطلبة من مختلف التخصصات، وهم ينصتوت بامعان لعرض وليام مايانس، وهو مهندس تطبيق، بشركة تونكالي اليابانية، حول تجربته المهنية « نعم إذا توفرت الإرادة، وحصل هناك تقارب بين مؤهلاتكم النظرية، وتجربتكم في التسويق، وإقناع المقاولات .. ستشتغلون» قاعدة، لخصتها النائبة في شهاداتها « نسبة العطالة في التعليم التقني أقل مما هو عليه في الشعب الأخرى.. وهذا أمر مهم» كلام أراح الطلبة، ومنحهم ثقة في متابعة حديث المهندس الفرنسي عن مساره المهني. « المهم بالنسب للمتدربين الحاصلين على الباكالوريا في الميكانيك أو الاليكترونيك، يقول وليام وعند التحاقهم بالشعبة أن تتوفر لديه دراية بالمواد التي سيقوم بتسويقها، من خلال اكتساب موهلات تسمح له ببيع المنتوجات إما كمندوب تجاري، أو مسؤول عن وحدة البيع ولما لا كإطار».
مؤسسة عريقة بقلب البيضاء..
القاعة الكبرى التي شهدت تقديم العروض وجزء من أنشطة التظاهرة تطل على ساحة المؤسسة وقد صممت وفق هندسة تعود إلى سنة1917 وهو التاريخ الذي تم فيه بناء الثانوية التي لازالت جدرانها وفصولها الدراسية ومختبراتها تعبق بالتاريخ والتظاهرات الثقافية والفنية والتربوية، بل وبأسماء تحفظها ذاكرة الأجيال مرت من هنا، وذاع صيتها في النضال والسياسة والاقتصاد… أسماء – حسب شهادات عدد من إطرها التربوية – تركت بصماتها في حياة المؤسسة، كسيرة الشهيد محمد كرينة الذي تابع دراسته بها في شعبة الهندسة، وكان من الطلبة الداخليين حيث حصل في الدورة الأولى من السنة الدراسية 7879 على تشجيعات مع تنويه خاص لنتائجه الدراسية، أو ادريس جطو الوزير الأول السابق والذي حصل بها على الباكالوريا في العلوم الرياضية سنة 1964 أو أحمد زهود كاتب الدولة السابق المكلف بالماء والبيئة، والذي نال بدوره شهادة باكلوريا تقنية سنة 1981.. الخ. « إنها مؤسسة أنجبت أعلام عديدة وهم الآن يمارسون مهام في مراكز متقدمة سواء بالمغرب أو بالخارج، » تقول النائبة في شهاداتها أمام الطلبة. غير بعيد عن فضاء العرض، تمتد مختبرات الثانوية، وهي تضم مختلف الآليات، والأدوات التعليمية .. « إنها شبيهة بمنصع حقيقي، حيث يجد الطلبة والمتدربون كل ما يحتاجونه لمحاكاة عالم المقاولات الصناعية في الخارج .. من خراصة، وصنح المواد وتصميمها وفق تصاميم عملية دقيقة » تقول ذة هند. نفس الرأي كان حاضرا لدى مدير الثانوية أحمد حدادي، والذي لم يخف في كلمته الدور الهام للشعبة في فتح آفاق أمام طلبة مختلف الشعب. وإضافة إلى المختبر تتوفر الخوارزمي على متحف تربوي جهوي، يعتبر مرجعا في الأدوات العلمية والبيداغوجية، التي تؤثت فضاءه، وتمنح للمعروضات المتنوعة لمحة تربط الماضي بالحاضر، حول التطور الذي شهدته الثانوية عبر عقود. أما المكتبة، التي تعتبر ركنا أساسيا بالمؤسسة فتضم أمهات الكتب، والمراجع العلمية القيمة، التي تمنح الطللاب، فرصة الاطلاع على آخر الانتجابات في المجال التقني والعلمي.
الكفاءات التي تحبل بها المؤسسة والأدوات التعليمية التي تتوفر عليها مختبراتها المجهزة بالتقنيات الحديثة، جعلت عددا من الطلبة وخلال جلسة التقييم المسائية على هامش اليوم، إلى إبداء الاستعداد الكامل لتوفير كل ما ستحتاجه الأبواب المفتوحة للسنة المقبلة من الوسائل « أنهم متحمسون، لانجاح الدورة المقبلة التي قررنا أن تكون ثلاثة أيام بدل يوم واحد وهم لايرون ضرورة في اللجوء إلى خارج المؤسسة، من أجل الحصول على التجهيزات الصوتية، والإنارة، واللوحات الإشهارية.. على الاقل للتخفيف من العبئ المالي الذي يتطلبه التنظيم». وبحكم أنها من بين المؤسسات القليلة في مجال التكوين التقني على المستوى الجهوي، فإن قسمها الداخلي لازال يستقبل الطلبة القادمين من مدن الجنوب، لاتمام دراستهم في التخصصات التقنية والعملية. والتقنية ، والموجهة إلى مختلف التخصصات والمهن، الصناعية المكانيكية، التبريد، النجارة، الاليترونيك، المعلوميات، والعلوم الرياضية..
تفاؤل نحو المستقبل..
لم تنته مهمة فريق عمل الشعبة، الذين كانوا يتواجدون بالميدان في الفترة التي تلت الافتتاح الرسمي لفعاليات المعرض، «البرنامج مزال مشارجي، حي باقي الزيارات ديال طلبة الشعب الأخرى، راه لي عندو ديبلوم فالمانيك خاصو اعرف ابيع راسوا » يعلق عضو من اللجنة التنيظيمية. فالنصف الثاني من الأبواب تميز هذه المرة بالانفتاح على الطلبة من مختلف الشعب وعبر أفواج، على المؤسسات المشاركة، وعروضهم ومنتجاتهم « هدفنا الأول، وضع طلبة مختلف الشعب التقنية، بأهمية تسويق مؤهلاتهم إلى المقاولات .. ولما لا إجراء مفاوضات مباشرة مع العارضين حول فرص الشغل » تقول سندس، من اللجنة المنظمة، قبل أن تستطرد « ماشجعنا على القايم بهذه الخطوة هو مدى الاقبال الايجابي الذي صادفناه لدى ممثلي الشركات اليوم التي قالت لنا صراحة نحن في حاجة إليكم، لكن كان طلبهم الوحيد هو العثور على ضالتهم في هذا المجال وهذا ماحرصنا على تقديمه في هذا اليوم». تظاهرة الأربعاء الأخير من فبراير اختار لها الطلبة، شعار «ميغا التفوض». ومضمونه السعي من طرف المنظمين إلى تسويق أول دفعة لهذه الشعبة التي تدرس فقط في فاس وفي البيضاء بثانوية الخوارزمي. « لقد بحثنا عن شركات وكنا محظوظين لتعاون شركتين مهمتين في الميدان هما (تكنيك اسيي) و(كالفا) التي استقدمت شاحنة مجهزة بمنتوجاتها الصناعية، إضافة إلى خبيرين فرنسين لتقديم خلاصة تجربتهما، الهدف من الابواب التعريف بالتكوين المعتمد في شهادة التقني المتخصص إضافة إلى احتكاك مع المهنيين، الشركات، الحصول علي فترات تدريبية للطلبة».
تحول الارتباك الصباحي الذي كان باديا على ذة السباعي إلى تفاؤل مفتوح نحو مستقبل طلبتها « عندي يقين بلي هاد الشعبة ، غادي تحقق الأهداف ديالها.. » فرغم أنها شعبة غير معروفة أصلا داخل الشعب الاخرى ، نظرا لكونها جديدة غير أن عدد الطلبة ارتفع هذه السنة مقارنة بالسنة الأولى، فإن الطلبة المقبلين على على التخرج بدؤوا يلمسون من خلالها قيمة المهنة من الناحية المادية، بل لاتتردد في طمأنة المؤسسات في إمكانياتهم، وللمردودية التي سيجلبونها لهذه المؤسسات، فهناك العشرات من الكفاءات داخل الشعبة تتوفر فيهم مؤهلات تواصلية وتجارية لتسويق وبيع المواد التقنية، وتنمية الأسواق. أول تجربة تقني تجاري، واغلب طلبة الشعبة هما من ثانوية الخوارزمي، خاصة ان بقية الشعب لايجد خريجوها صعوبة في الاندماج في سوق الشغل.
مستوي التفاعل لامسناه خلال مرافقتنا لفريق العمل والذين سهروا على إقناع مؤسسات صناعية، للمشاركة في هذه الابواب، لا من الناحية التنظيمية، أو تحديد محتوى العروض، أبعد من ذلك أن الطاقم التربوي لم يتمكن في البداية من اقناع عدد مؤسسات، مقارنة مع مجهود الطلبة أنفسهم، مما يبين درجة استيعابهم للتقنيات المدرسة، وشعورا بالمسؤولية خاصة أنه مجهود سيحتسب ضمن عروضهم أثناء الاختبار الأخير قبل نيل شهادة التخرج. غادرنا المؤسسة بعد انتهاء يوم حافل كان طلبة شعبة التقني تجاري، أسياد مصيرهم المهني، وهم يضعون أعينهم على مستقبل يحمل بين طياته معالم اندماجهم في سوق العمل « لقد حصلنا على التزامات الشركات المشاركة بتشغيل عدد منهم فور تخرجهم، في الوقت الذي فتحت فيه أخرى أبوابها لتمنحهم فترات تدريبية قبل خروجهم إلى عالم الشغل ..» تلخص المسؤولة عن تنظيم الأيام الأولى…
نافذة…
الخوارزمي مرجع التكوين التقني
مؤسسة تضمن التكوين العلمي والتقني في مختلف الشعب الصناعية، المكيكانيك، التبريد، الاليكترونيك، الكهرباء المعلوميات، البناء العلوم الرياضية، والتجريبية. تعتبر منجما علميا تزود العديد من المؤسسات العمومية والشبه العمومية، بالكفاءات، كانت تعرف قبل عقدين تقريبا بالمدرسة الصناعية والتجارية للدارالبيضاء، وقد قدمت تكوينا متميزا للعديد من الخريجين على المستوى المحلي، بل والخارجي. في سنة 1992 كانت سباقة إلى إحداث شهادة التقني المتخصص في تخصصات البناء والاليكتروميكانيك، وهي المؤسسة الوحيدة التي أبرمت عدة شراكات مع مختلف الفيدراليات والجمعيات الصناعية بالعاصمة الاقتصادية.
ثانوية الخوارزمي بالبيضاء تسوق كفاءاتها نحو المقاولات..
المواضيع المتشابهه
