ممارسة التدريس: تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



الدفتر العام لللتكوين المستمر والامتحانات المهنية منتدى عام متخصص في مواضيع التكوين والاستعداد للامتحانات المهنية والمباريات الوظيفية

أدوات الموضوع

الصورة الرمزية العصيمي
العصيمي
:: مراقب عام ::
تاريخ التسجيل: 20 - 7 - 2011
المشاركات: 2,056
معدل تقييم المستوى: 364
العصيمي في تميز متزايدالعصيمي في تميز متزايدالعصيمي في تميز متزايدالعصيمي في تميز متزايد
العصيمي غير متواجد حالياً
نشاط [ العصيمي ]
قوة السمعة:364
قديم 25-08-2015, 16:52 المشاركة 1   
افتراضي ممارسة التدريس: تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة

ممارسة التدريس:
تجارب و قناعات أصبحت كمبادئ عامة

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ


بقلم الأستاذ :
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

توفيق بنعمرو

أستاذ مادة الرياضيات في الثانوي التأهيلي


مقدمة
إن ممارسة التدريس هي عملية مركبة و معقدة و تحيط بها متغيرات كثيرة و متجددة، و تتطلب جهدا بدنيا و فكريا، و حضوراً ذهنياً و تركيزا كبيراً.
و قد تصبح التجربة المكتسبة عبر سنوات سنداً داعما في حرفية الممارسة و تحسين جودتها، أو تكريساً لرتابة تؤدي لتناقص في المردودية و الفعالية، مع تقدم السن و الضعف التدريجي الذي يصيب الحواس و الأجهزة البدنية الأخرى. كما أن حب المهنة و الاقتناع الداخلي برسالتها و أمانتها الكبيرة يساعد على اكتساب الصنعة: صنعة و فن التدريس و ممارسة التدريس.
أحاول في هذا الموضوع لملمة بعض التجارب الخاصة في القسم عايَشْتُها و جمعت حولها نظرة و مقاربة لهذه الممارسة، و قناعات أصبحت كمبادئ عامة تتحكم فيها. أتمنى أن تكون موفقة و مجدية و نافعة. و منها ما هو خاص بمادة الرياضيات و منها ما هو عام، و هي ليست توجيهات و لا إملاءات و لا تنظيرا لأحد، فمنها ما يؤخذ و ما يُترك و ما يُناقش و ما يُنتقد و ما يُعتمد و ما لا يُعتمد و الله الموفّق.



العدل
العدل في التعامل و في التنقيط و في الاهتمام و في الإشراك و المشاركة و في التشدد و المسامحة و هنا لا بد من الانتباه لحساسية الذكور بينهم و الإناث فيما بينهن و الذكور و الإناث فيما بينهما.
فالإحساس بالظلم أو بالدونية أو الفوقية عوامل هدم لكيان القسم و لنفسية التلاميذ جميعا و لا تخدم مصلحة الأول و لا الثاني. فالعدل و الفضل و المساواة أساس كبير في إنجاح ممارسة التدريس و دونها تصبح كل المجهودات عبثا و كل عمل الأستاذ في مهب الريح و كلماته لا وزن لها.



القدوة بالفعل
إن كل ممارس للتدريس هو صاحب رسالة تربيةٍ و أخلاق، كيفما كان نوع المادة التي يدرّسها. و لإيصال هذه الرسالة تكون تصرفاته و أفعاله أبلغ من كل خطاب و من كل نصيحة، و إن كانت منمّقة الأسلوب و عميقة المعنى.
فالقدوة بالفعل و العمل تؤثر في شخصية التلاميذ بشكل كبير، فالإخلاص في العمل و حُسن المعاملة و طَيِّبُ القول، و الاجتهاد في العمل، و الفعالية في التدريس، و الحزم المتوازن و احترام الوقت في الحصص، و احترام الوعود و الالتزام بها، أمور كثيرة ذات مفعول كبير في تعليم التلاميذ قيم عملية مشاهدَة و ليست أقوالا فقط.
و هذه الأمور تساعد في المادة المدرّسة كيفما كان نوعها و تجعل الإقبال عليها أكبر و الإنصات للمدرّس أكثر في طريقة شرحه و في توجيهاته المرتبطة بها و تصبح بعد ذلك النصائح مسموعة لمصداقية صاحبها في أفعاله.



متعة التدريس
تستتبع ممارسة التدريس عوائق و مشاكل و صعوبات و أحاسيس كثيرة مواكبة لها، من قلق و توتّر و غضب و حسرة و حزن و إحباط و نفور. لكنها أحاسيس وقتية ظرفية كردّ فعل مباشر لما يكابده الأستاذ في هذه الممارسة. لكن هناك متعة في التدريس و في ممارسة التدريس يجب استشرافها و تذوقها و البحث عنها، و هي مفتاح مواصلة المسيرة الطويلة في التدريس بأقل الخسائر الصحية و النفسية و العقلية و الجسدية.
* فنظرة احترام و تقدير ( و ليس خوف أو تخوّف )، من التلاميذ الحاليين و القدامى فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* نظرة فهم للدرس أو الخاصية أو المثال من التلاميذ فيها متعة كبيرة و كبيرة.
* توصيل رسالة أخلاقية وخاصة بشكل غير مباشر ومعاينة نتائجها الإيجابية متعة ليس لها ثمن.
* بعث الأمل و روح العمل و المثابرة في المنكسرين من التلاميذ فيها متعة.
* حلّ عقدة الفهم و التتبع و ممارسة التعلّم عند التلاميذ و معاينة التحسن التدريجي في المستوى لديهم فيها متعة تحبيب المادة المدرّسة و جعل الإقبال عليها و الإهتمام بها أكبر، متعة كبيرة و ليس لها مثيل.
* متعة تدريس المادة لشغف المدرّس بها ولا يستشعرها إلا من كان مولعا بمادته كثيرا.
* النجاح في برنامج الحصة و راحة الضمير في نتيجتها و في العمل عموما متعة كبيرة، فمتعة راحة الضمير عند من هو حيّ عندهم لا تقدر بثمن.
* متعة استشعار دور الأمانة و الرسالة التي على عاتق معلّم الناس الخير، فالمهنة شريفة و غالية.


كسب الثقة
من العوامل التي تريح الأستاذ في عمله و تجعل تعليمه فعالا مجديا هو كسبه لثقة تلامذته فيه من جهة و تمكنه من الحصول على الأمان في قسمه.
فقاعدة أو خاصية أو منهجية أو نصيحة قد يسمعها التلاميذ من أحد فيقبلون عليها و ينتهجونها، و قد لا يعيرونها اهتماما من آخر و لو بنفس المضمون ولو بنفس طريقة العرض.
فجانب الثقة في شخصية الأستاذ و شخصه عامل محوري في نجاح ممارسة التدريس.
التفكير في أهمية كسب الثقة يتيح المجال للبحث عن طرق و وسائل الحصول عليها، و قد فصلنا في بعضها من قبل كالعدل و القدوة بالفعل و التحسيس بالكفاءة و المقدرة و الفعالية و التجربة و بعث جو من الأمن و الأمان في القسم.
أما حصول الأستاذ على الأمان في قسمه فمؤشره هو قدرته على إدارة ظهره للكتابة في السبورة دون تخوف من حصول أي عبث في القسم أو عند خروجه من القاعة أو عند محادثة أي تلميذ فلا يستقبل تشنجا كبيرا أو مواجهة غير محمودة و هذا نجاح كبير في عملية ممارسة التعليم يريحه طيلة السنة الدراسية بل يكفل له سمعة للأجيال اللاحقة.
و هذا الأمان يجب أن يكون بعيدا عن بعث جو الرعب و الخوف لديهم، فهذا أمان المتعجرفين المتكبرين الطاغين، بل هو توازن صعب بين التقدير و الاحترام و الإحساس بمقدرة الأستاذ على ضبط كل الأمور ومعالجتها و الحزم والقدرة على اتخاذ القرارات السليمة العادلة.



صوت المدرّس
أداة تواصلية محورية و وسيلة لا غنى عنها في مجال التدريس و أكثر ما يستهلكه الأستاذ من جسمه و جسده، و يتعرّض هذا الصوت لعوامل التلوث الناتج عن غبار الجو و غبار الطبشور، و عوامل تغير درجات الحرارة بين داخل الحجرة الدراسية و خارجها
كما يتعرّض لاستعمال كثيف و إجــهــاد كبير بعد كل حصة دراسية.
فعدد الكلمات بالآلاف في اليوم و طريقة الإلقاء الانفعالية و لو بصوت منخفض لها تأثير سلبي كبير عليه و لو على المدى الطويل. خاصة عند إسداء نصيحة أو إعادة شرح أو تبيين هفوات و أخطاء فادحة.
فهذا الكنز الذي جعله الله مفتاح عمل الأستاذ عليه أن ينتبه له و يحافظ عليه و يعمل على صيانته، فالمسيرة طويلة و طويلة، و شاقة و وعرة: الابتعاد عن الماء البارد و الساخن و السوائل المتضمّنة للحموضة و الانتباه عند نهاية الحصة فلا يعرّضه لتغير فجائي كبير في الحرارة.
كما أن الرفع من الصوت لا يفيد في التعليم إلا في حالات و وضعيات محدودة و لفترات قليلة، فتغيير نبرات الصوت و سرعة الإلقاء و استعمال تعابير الوجه وسائل مساعدة في ذلك. كما أن جملا طويلة ملقاة لوهلة واحدة تُفقِدُ التلميذ التركيز و الاستيعاب. فكلمات موزونة قليلة بإلقاء مساعد على التتبع ( أي بتدرج كمن يكتب على ورقة ) لها دور إيجابي في التركيز و الفهم.
و الانفعال العصبي أكثر ما يضر هذا الصوت فكلما تمكن المدرّس من التحكم فيه حافظ على صحته أكثر أما عدد ساعات التدريس اليومية الرسمية و غير الرسمية الصحية معروفة و لا يجب تعدّيها و إلا فالضرر آت لا محالة.




بعث الأمل
مفيد كثيرا خاصة في مادة الرياضيات، نصادف تلاميذ وَلَجُوا مستوى معيّن أو شعبة معيّنة ( خاصة شعبة العلوم الرياضية ) ثم يجدون أنفسهم عاجزين عن مسايرة الحصص الدراسية و المقرّر أو مسايرة مستوى باقي التلاميذ أو اليأس من الحصول على المعدل الكافي للنجاح. فيمضون فترات من الشرود و الذهول، و فترات من التشنج و العصبية، و فترات من محاولة إثارة البلبلة، و فترات من السلبية في كل شيء، من الدراسة و مجرياتها بل حتى من جوانب من الحياة في الحالات الصعبة و قد ينقلبون إلى منقطعين عن الدراسة أو مشاغبين ضمنها أو مستسلمين وجودهم كعدمه؛كل ذلك ينتج عنه فقدان الأمل.
أمام هذه الوضعيات التي قد يصادفها المدرّس في كل سنة دراسية و يجدها واضحة ماثلة أمامه ( إن انتبه لأعراضها ) أن يجد حلا لها و إلا ستؤثِّر على عمله و فعاليته و على باقي التلاميذ الآخرين و على مستوى القسم عموما و هنا يكون لبعث الأمل دور محوري في إنقاذ نسبة مهمة منهم.
* و يكون أولا بالبحث عن مكامن هذا اليأس و عدم القدرة على المسايرة إن استطاع له سبيلا و كان المحاوَر قابلا للحوار، و يكون كذلك في طريقة طرح الفروض المحروسة بحيث يتسع مجال التنقيط و طريقة طرح الأسئلة ليشمل هذه العيّنة فتحصل على بعض النقط و لا يكون الصفر و ما جاوره حليفها دائما.
* و يكون بالإشراك في الحصة الدراسية و إدخالها في مجال الدرس و إنجاز التمارين على السبورة.
* و يكون بالكلمة الطيبة المنفتحة و الابتعاد عن الكلام الجارح المحقّر للكرامة الإنسانية و المنفّر من الدرس و صاحبه و المادة المدرّسة.
* و يكون باحتساب نقط إضافية عند إنجازات جيدة في الحصة الدراسية و لو خارج نطاق الفروض المحروسة.
* و يكون بتنظيم فروض خاصة بمن لم يحصل على المعدل تكون أسئلتها مباشرة و غير مركبة و تعطي الفرصة لتدارك هذا النقص ( وقد جربت ذلك وكان مجديا و أعطى نتائج طيبة).
* و يكون بطول البال و رحابة الصدر في شرح المبهم من الأمور و إعادة الشرح خاصة الأسئلة المتعلقة بتعثرات من السنوات الماضية و تشجيع التلاميذ على طرح الأسئلة عموما.
* كتابة ملاحظات مشجعة و محفزة و باعثة للأمل على أوراق الفروض المنزلية أو على الدفاتر أو بشكل شفهي و هي أمور قد يخالها البعض لا قيمة و لا تأثير لها لكنّ من جرّبها يعلم مقدار تأثيرها و قيمتها الكبيرة لهذا الصنف من التلاميذ.
* التيسير في الشرح و اختيار الأمثلة فجملة ” هذا الدرس سهل يتطلب فقط أن …… ” عند بداية التمهيد له هي باعثة للأمل و محفزة للتتبع رغم أنها جملة بسيطة و لا تكلّف المدرس شيئا.
و لن يكون هذا الأمل خداعا أو تغطية عن المستوى الحقيقي للتلميذ بل هو وسيلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و استخراج أحسن ما لديه و مسايرة المقرر الدراسي على الأقل في كلياته الأساسية، و كم كانت كلمات شفهية فيها تشجيع و بعث للثقة حافزا لتفجر طاقات كامنة لم يكن حتى صاحبها يتصور وجودها لديه، فبعث الأمل كفكرة بارزة أمام مُمارِس التدريس تجعله يبحث في أمور كثيرة أخرى مجدية من غير ما ذكرناه حسب ما يُقابله من أحوال و وضعيات التلاميذ و الله الموفّق.


ضبط القسم
يتأتى بشخصية المدرّس و أدوات مساعدة على ذلك:
* العدل و قد فصلنا فيه من قبل.
* عدم الإكثار من الضحك و اللغو أو العبوس و تقطيب الجبين و محاولة تجنب الأحاديث الجانبية، و الكلمات الغير مألوفة و المفردات الغريبة أو الساقطة.
*التعرف على أسماء التلاميذ الشخصية و مناداتهم بها دون الرجوع للوائح و هي تقنية مفيدة و تتأتى في الأسابيع الأولى من السنة الدراسية كما أن التعرف على الغائبين دون اللجوء إلى المناداة على الجميع تعطي انطباعاً جيداً للتلاميذ.
*الحفاظ على الهدوء و إظهار القدرة على التحكم في الأعصاب و في كل الحوادث الغير متوقعة رغم إمكانية عدم الإحاطة بجميع جوانبها.
* التحكم في المادة المدرسة و الكفاءة في تدريسها، و يمكن تغطية أي نقص في جوانب ذلك بالإعداد القبلي الجيد أو استشارة بعض الأساتذة الآخرين و الاستعانة بتجربتهم. كما أن إعادة الشرح بطرق مختلفة و عدم التغاضي عن اعتراضات التلاميذ و فهم معيقات فهمهم يؤدي إلى تحسين الجودة و الكفاءة و الفعالية.
*الاستفادة من التجربة الشخصية الإيجابية و السلبية و تمثل وقائع سابقة لمحاكاة الطريقة الناجعة لمعالجتها.
* مجاراة التطور و التحول اللغوي لدى التلاميذ ( فلغة التلاميذ عالم في حد ذاته و سنفصل فيه إن شاء الله فيما بعد ) و طريقة التواصل البيني التي تتغير من جيل لآخر و كذا الإحاطة و لو بشكل عام بالتطورات التقنية المستجدة.
* إنجاح الحصة الدراسية و لو حصلت فيها مشاكل أو معيقات.
* إنجاح عملية حراسة الفرض المحروس و سنفصل في ذلك إن شاء الله فهو مِفْصَل في مصداقية التدريس.
* اعتماد طريقة ذاتية تناسب الممارس للتدريس، فليست هناك وصفة للجميع و إنما لكل ذاتيته و بصمته الخاصة و ما يناسبه للحصول على التوازن الإيجابي المنشود في القسم حسب طبيعته و شخصيته و تكوينه و مادة تدريسه و طريقة تواصله و طبعه الشخصي.



معالجة الأخطاء و الأغلاط
تكتنف عملية ممارسة التدريس أخطاء متنوعة و مختلفة لأنها ممارسة إنسانية غير معصومة. هناك أخطاء تفاجئ الأستاذ أثناء الحصة تكون مثلا لغوية أو حسابية أو منهجية أو حتى في صميم الدرس و تراتبيته و هيكلته و قد يكتشفها قبل التلاميذ أو يخبروه هم بها كما أن هناك أخطاء يكتشفها أو يكتشف أثرها بعد الحصة.
كل هذا يجب أن يتوقع حدوثه الممارس المحترف للتدريس و أن يعتبره حادثا عليه معالجته بشكل سليم و أن يستفيد منه فيما بعد و عليه الاعتراف به و معالجته بشكل واضح دون حرج و لا ضيق و لا شعور بأي مركّب نقص، و لا يعتبره انتقاصا من مكانته بل يقوم بتصحيحه و لو في حصة موالية، ففي ذلك تكون مصداقيته على المحكّ. فالهروب منه أو التهرب منه أو مداراته أو التوتر نحوه أمورٌ يفهمها التلاميذ جيدا، و لا تخفى عليهم، و عنها يبحثون. بينما التعاطي بمصداقية و وضوح و صراحة يعطي لكلمة الأستاذ مصداقية كبيرة؛
و هنا يحضرني ما قامت به إحدى شركات السيارات العالمية بالاعتراف بأعطاب موجودة في أحد أجزاء نوع من السيارات و قامت بسحبها من الأسواق رغم أن ذلك سيجر عليها خسائر ظرفية لكن مصداقية الشركة و ثقة الزبناء بها ازدادت بل حتى المبيعات على المدى المتوسط زادت.
كما أن الصدق أمانة على عاتق الممارس عليه أن يستحضرها و يعتبر إخفاء الخطأ و التعمية عليه انتقاصا من هذه الأمانة و عدم القيام بها كما يجب. أما أخطاء التعامل بين الطرفين فسنفصل فيها فيما بعد إن شاء الله.كذلك أخطاء التعلم ففيها يطول الكلام و سنخصص لها مقالا و مقاما خاصا إن شاء الله.



صحة الأستاذ
تحدثنا في مقال سابق عن صوت الأستاذ كأداة تستهلك من صحته، لكن على مدى المسار المهني هناك أجهزة كثيرة أخرى من جسم الممارس للتدريس تستهلك و تستنفذ بالتدريج، و ربما دون إدراك مناسب منه.
فحواس كالبصر و السمع و الشم تأخذ طريقها للضعف التدريجي و الاستعمال المفرط، كما أن أمراضا أخرى معروفة لدى أسرة التعليم مرتبطة بالوقوف الطويل أو الجلوس الطويل.

أما الجهاز العصبي فهو تحت ضغط التوتر و القلق و الحزن و الحسرة و الحيرة و الفرح و الاندفاع و التخوف و الإرهاق و غيرها من العوامل اليومية التي يقع تحت طائلتها الممارس الحيّ للتدريس.
إن ممارسة التدريس تأخذ عقودا من عمر صاحبها و قد يدخلها في زهرة شبابه و صحته لا يأبه لشيء و قد لا ينتبه لما أوضحناه أعلاه. و هناك وصية مألوفة تقول: ” وفّر شيئا من الجهد و الصحة لتلاميذ الأربعين و تلاميذ الخمسين و تلاميذ الستين و الباقي للتقاعد “.
فالمسيرة طويلة و استحضار ما ذكرناه سابقا مهم للتعامل مع الصحة و الجسد بقصد و اتزان و حكمة، دون الاندفاع الحماسي المتهور و دون التقاعس عن أداة أمانة المهنة و تكاليفها و الله الموفّق.


بين الاهتمام و اللامبالاة
يعلق بذهن الممارس للتدريس عموما صنفان من التلاميذ: المشاغب و المتفوّق، و لا يبقى للخجول أو الكسول أو ما شابههما أثر بعد مضيّ السنوات إلا فيما ندر أو لوجود علّة أخرى تبقيه في الذاكرة حاضرا. و هنا أثناء الممارسة للتدريس يعطي اهتماما لهذين الصنفين بل قد يأخذان منه وقتا كبيرا دون الانتباه للإهمال الذي يطال الأصناف الأخرى من التلاميذ و هذا غالبا يقع دون قصد.
و قد يولّد هذا التصرف عُقَدا كثيرة لبعض هؤلاء التلاميذ، كما أن كثرة الاهتمام تولّد إحساسا غير متوازن عند الآخرين و قد يشعر بعضهم بالاحتقار و الدونية و التهميش و الآخرون بالتعالي و التكبر، و هما خصلتان ذميمتان في مسيرة التعلم.
لقد علّمتنا السيرة النبوية أن طريقة تعامل النبي صلى الله عليه و سلم مع أصحابه كانت تجعل كل واحد منهم يظن أنه أعز عند النبي صلى الله عليه و سلم من الآخرين، و هذه حكمة نبوية غالية علينا التأسّي بها و محاولة مقاربتها.
فالتوازن في التعامل و التعاطي مع التلاميذ في الشرح و الاهتمام و إسداء النصيحة و الإشراك في الحصة و مراجعة المُنجَز من التمارين يعطي للجميع انطباعا بالإنتماء للقسم و للمادة و لو كان المستوى ضعيف أو هيأة التلميذ لا تشجع على ذلك و هذه طريقة المحترف للمهنة القادر على التجرد و التحرر من الدوافع الداخلية التي تنحاز لطرف دون الآخر دون قصد سيّئ أو دون شعور بها.
قد تمر سنوات من التدريس و لا يتمّ الانتباه لهذه النقطة رغم الجهد المبذول و العطاء الغزير في العمل لكنّ هناك من لا يستطيع البوح أو الحديث عما يشعر به و ربما عوامل السن و المراهقة و التغير المتسارع يجعل تأويل تلك الامور يأخذ أبعادا متشعبة معقدة صعبة الحل.


أذى المسار
قد يتعرّض الممارس للتدريس على مدى مساره المهني لأذى متنوع و من أطراف متعدّدة:
* فهناك الأذى المرتبط بالجحود و نكران المعروف الذي قد يصادفه من بعض أنواع التلاميذ بعد مرور سنوات أو حتى في السنة الدراسية، و كذا من بعض أولياء الأمور.
* و هناك الأذى الذي يطال أسرة التعليم كلها عبر الحملات الإعلامية التي تشنّ كلّ حين و حين، و التي تصبّ في النيل من شرف المهنة و المنتسبين لها. و هناك الأذى المترتّب عن بعض قرارات و تدابير المتحكّمين في التعليم و التي تسيئ إلى المنظومة التربوية.
* و هناك الأذى القريب من زملاء المادة أو المؤسسة أو إدارييها و هو أشد لأنه من الأقربين.
* و هناك أذى الظلم المترتب عن هضم الحقوق أو التماطل فيها، من ترقية أو انتقال أو تقاعد أو توزيع حصص أو غيرها. كما لا ننسى أذى المكانة الاجتماعية التي تتآكل كل حين بسبب كلّ فشل يزداد في حصيلة التعليم.
كل هذه الأمور ممكنة، و قد تجتمع كلها عند الكثيرين، و هي تتطلب صبراً و تصبراً كبيرين و طاقة تحمل كبرى خاصة عند الممارس الحيّ للمهنة حتى لا يتأثر عطاؤه و لا فعاليته بها، فالإنسان ضعيف و قدرة التجرد محدودة، لكنّ توقّعها يعطي وقايةً أفضل و استعداداً أكبر للتحمل، كما أنّ إخلاص العمل لله تعالى يعطي راحة إيمانية شاملة تداوي كل الجراح الناتجة عن أنواع الأذى التي ذكرناها أو التي أغفلناها.
فهناك من يعتبر أن الممارس المحترف هو الذي يستوي عنده الذمّ و المدح و لا يؤثران فيه إلا بقدر استجلاء الأخطاء و الاستفادة من المزايا.
إن ممارسة التدريس على بصيرة من هذه التفاصيل يسهّل العملية و إلا فإن المزاج سيتعكر مرّات و مرّات، و تساؤلات محورية ستطرح عند كل أذى: لماذا أنا هنا ؟ لماذا أمارس هذه المهنة ؟ كيف أبذل كل هذا المجهود و ألاقي هذا الأذى أو هذا الجحود أو …؟
فالتحصين ضد هذه الخواطر مفيد للصحة الجسمية و للتوازن النفسي و الوجداني و لبناء علاقة سليمة مع المحيط القريب و البعيد.



لباس المُمَارس
ينتبه له و في أدق تفاصيله و متغيراته المتمدرسون، كما هو الحال بالنسبة للطاقم الإداري و التربوي عند الالتحاق الأول بالمؤسسة. له اعتباره في تحديد معالم الشخصية و له تأثيره في جلب الاهتمام و تحديد نوعية العلاقة المرجوة مع المحيط. و هو عموما يدخل في الحرية الشخصية و في الذوق الفردي و تختلف تَبِعَاتُه حسب السن و الجنس و البيئة المحيطة و كذا سن و صنف التلاميذ. لكنّ هناك معالم عامة تحدّده و تحيط به:
* باعتبار مفهوم القدوة بالفعل، فاللباس عنوان لها و مظهر فعّال لها بكلّ تفاصيله و بالتالي فهو سيعكس نوعية اللباس و شكله، و المعنى واضح لا داعي للتفصيل فيه.
* هناك شكل عام و عرف سائد و تقليد مرعيّ في كل بيئة اجتماعية و هنا لا بدّ التكيف معه في العموم و عدم الخروج عن الذوق العام السائد و ما يرونه عاديا، و أقصد هنا تجنّب الأمور الشاردة و التي تنفر منها البيئة التي يعمل فيها المُمارس مع المحافظة على الحرية الشخصية.
* النظافة أمر ضروري و عوامل العمل تجعل اللباس يتعرض لأنواع كثيرة من الأوساخ ( الغبار و الطبشور و حالة الحجرات و غير ذلك ) و الوزرة تساعد في التخفيف من تبعات ذلك كما أنها تعطي طابعا عاما للممارس متّسما بالهيبة و الجدية في العمل و خروجا من الحالة العادية خارج الحجرة الدراسية إلى حالة العمل و الانهماك فيه كما تُعفي من تبعات تتبع تفرّعات الجسد و مشاكل الانحناء في الحركات الكثيرة و المتنوعة التي يقوم بها الممارس أثناء مزاولته لعمله، كما أن لها دورا في إعطاء صورة مشرقة للمهنة قد تغيب عن أذهان البعض ممن لم يجرّبوها.
* اللباس أو الهندام يدخل في إطار المظهر الخارجي و هو أحد مكوّنات السلوك العام مع المحيط القريب و البعيد لكنّ مشاكل الحياة و تكاليفها و زحمة الأشغال و إكراهاتها و التفكير في الآخرين و شواغلهم قد تؤدّي بالممارس للتدريس إلى إهمال حالته و مظهره، و هذا أمر طبيعي و عادي يستوجب فقط الانتباه له بين الحين و الآخر حتى لا يقع تفريط كبير يؤثر على صورة الممارس و على صورة الأستاذ عموما و هنا نشير إلى أن هذا الإهمال وصل بالبعض إلى درجة مقزّزة منفّرة كيف سيستقيم معها الإقبال على التعلم فلا تفريط و لا إفراط.
* يخرج الطقس عن الاعتدال في مناطق كثيرة و فترات مختلفة من السنة و اللباس هو الدّرع الواقي و المحافظ على صحة الممارس لذلك يجب الاحتياط في ذلك و اعتبار الجانب الصحي جانبا غالبا على كل الجوانب الأخرى و مراعاة هذا العامل بشكل أساسي.
* هناك لباس التلاميذ وهو يتأثر بلباس الأستاذ و سنفصل في ذلك إن شاء الله في مقال مستقلّ.

الساعات الإضافية
موضوع شائك مركب و ظاهرة استشرت و انتشرت في مختلف المواد و الشعب و المستويات و على اختلاف أنواع المؤسسات العامة و الخاصة و يتقاطع تأثيرها في مسار الممارس للتعليم بالضرورة.
قد ينخرط فيها المُمارس في فترات من مسيرته المهنية إما لضرورة مادية أو ضغط من تلاميذ أو آباءهم أو مسايرةً لما هو سائد و حبّ للتباري فيه أو حب للعمل و العطاء و تقديم الخدمة أو اقتناع داخلي بضرورتها و جدواها في تحسين جودة التدريس و توسيع هامش المدخول. كما يمكن أن يرفضها بشكل مبدأي قطعي و لا يستسيغها في أي مجال أو حال.
إلا أن البداية قد تكون سليمة و خفيفة ثم يوغل فيها الممارس بحيث يصبح له ما يشبه الإدمان سواء من حيث عدد الساعات اليومية الذي قد يتضخّم أو من حيث العائد المادي الذي يصبح كأنه دخل قار ضروري لا يمكن الاستغناء عنه. و بعد مُضيّ أشهر أو سنوات تتغيّر ملامح المُمارس و تتغيّر القناعات و يتغير أسلوب التعامل و تُصاب المصداقية بقصد أو دون قصد خاصة إذا كان المستهدفون منها هم تلامذته في القسم، و قد تتوالى عملية الانحدار و الاندحار، إلى درجة المقايضة بالنقطة الممنوحة أو الإلزام الجبري المباشر أو بيع مكونات الفرض المحروس و غير ذلك مما يقزّز أسماع كل ذي ضمير حيّ من الممارسين للتدريس و يشوّه رصيد الأسرة، أسرة التعليم.
تظهر حملات لمحاربتها تارةً و تقنينها تارةً أخرى و محاولات أخرى لتفعيل الدعم المجاني في المؤسسات العمومية لكنها قليلة التأثير فيما أصبح عادة عند جلّ المُمدرسين و حاجةً نفسية ماسّة و لو لم تكن هناك حاجة ضرورية. و أصبحت تداعيات ما أصاب المجتمع من تفشّي لظواهر الرشوة و الزبونية و المقايضة بالمال أو السلطة أو المصلحة و التي تعم مجالات كثيرة و قطاعات واسعة في فلسفة التعامل البيني بين الناس، أقول أصبحت تداعيات ذلك حتى في التعامل مع التعليم و هنا نجد تلاميذ يطلبون من أستاذهم ساعات إضافية في الحصة الأولى من السنة وقبل أي تعثّر دراسي و نجد أستاذا يخصّص ساعات للدعم في المؤسسة لا يحضرها كل التلاميذ لكنهم يطلبون منه تعويضها بساعات إضافية مدفوعة الثمن و نجد أن هناك من يصف الأساتذة الذين يمتنعون عن الساعات الإضافية بأن مستواهم المعرفي التعليمي ضعيف أو أنهم متكبرون مستغنون و هذه الأمور كلها عايشناها و سمعنا بها من غيرنا.
إنها معضلة كبيرة مركّبة لا تُحلّ بمذكرات و قوانين لكن بدراسة و إصلاح عميق يعمّان منظومة المقررات و مناهج و ساعات التدريس و كذا قيم المجتمع و قيم المهنة.
هناك تعثّرات حقيقية تحصل للمتمدرسين في فصول معينة و مواد معينة و يحتاجون لدعم حقيقي لا يجدون سبيله إلا في ساعات إضافية و هناك تعثّرات حقيقية تحصل بسبب طرق و تعامل غير سليم لبعض الممارسين للتدريس تجعل المُمدرسين مضطرّين للبحث عن البديل خاصة في المواد المتبوعة بامتحان إشهادي و هناك تعثّرات في التعمق و التمكن الكامل من الدرس أو المادة لا تتيحه عدد الساعات الرسمية المقلصة في مقررات مضخّمة و يحتاجون إلى دعم ضروري.
و هناك تعثّرات ناتجة عن بنية التلاميذ الحالية و أقصد بذلك بنية الشخصية التي نقص فيها جانب الاعتماد على النفس و البحث و التقصي عن الحل و بناء الفهم بالمجهود الشخصي و هذا كان في الأجيال السابقة و أصبح نادرا الآن لعوامل كثيرة لا مجال هنا للتفصيل فيها ( وليست بالضرورة لعيب فيها )، فالتلميذ الحالي يطلب التقنية الجاهزة للحل و الطريقة المباشرة للتعامل مع كل الحالات و يطلب المواكبة في كل المراحل و يقتصر عمله الفردي عموما على إعادة ما أُعطيَه حرفيا.
إن الممارس الحيّ للتدريس عليه أن يمتنع عن إعطاء ساعات إضافية مدفوعة الثمن لتلامذته في الفصل تلافيا للشبهة الدينية و إقرارا لراحة الضمير في العدل بين التلاميذ و لو في النظرة أو الابتسامة فكيف بما قد يترتّب من طرق مشابهة للفرض المحروس أو اهتمام أكبر في الحصة أو تطوّر ذلك دون شعور ( أو به ) إلى ما أشرنا إليه أعلاه من أمور قبيحة يندى لها الجبين.
إن المُمارس الحيّ للتدريس يمكنه إعطاء ساعات إضافية لتلاميذ من غير تلامذته أو لا يدرسون عنده حاليا أو العمل في مؤسسة خاصة بترخيص معلوم و هذا أمر جيد لأنه يزيد في الكفاءة و المردودية لأنه يتدرّب أكثر و يقابل وضعيات جديدة متجدّدة و له فرصة حسنة لتطوير المستوى و تجديد طرق الشرح و الإفهام، كما أن مدخولا ماديا إضافيا يعطي راحة نفسية و اجتماعية، تساعد على العمل و العطاء الأفضل. كما أن هناك من له طاقة إضافية و جسدية في العطاء و كفاءة جيدة في التدريس لا ضير أن يستفيد منها آخرون في نطاق ما أشرنا إليه من قيود نعتبرها ضرورية وفق ما نؤمن به و نعتقده، نضيف إليها ضرورة الانتباه إلى الإ**** الصحي الذي قد يؤثر على التعاطي مع التلاميذ الرسميين و عدم الإفراط في عددها و تقسيمها على الأسبوع.

حراسة الفروض
أشرنا في مقال مستقل للفرض المحروس، و تبقى حراسته شكلا مختلفا من أشكال ممارسة مهنة التدريس. ففيها يكون الممارس في وضعية خاصة و يكون التلاميذ في وضعية و حالة خاصة و هذا يتطلب حضورا يتّسم بالتركيز و اليقظة و طول البال و برودة الأعصاب و حركية مضبوطة و تقنيات محورية و أخرى متغيرة متجدّدة، و كلّ ذلك وفق مبادئ عامة نراها أساسية:
* العدل بين التلاميذ و عدم التغاضي عن بعض و التشديد على آخرين.
* الابتعاد عن الاستفزاز بالقول أو الفعل أو الحركة، فظروف المُمتحَن و ما يصاحب الامتحان من ضغط نفسي و عصبي يقتضي التنبه لذلك لكيلا يحصل تشنج أو ما بعده مما لا تحمد عقباه.
* توطين النفس على التحكم في الأعصاب و برودة الدم مظهراً و أعماقاً لإنجاح الحصة و محاصرةً للمشوّشين الذين يبحثون عن الفوضى التي تساعدهم في غشهم.
* التقليل من الكلام و عدم مخاطبة التلاميذ إلا بالنزر القليل الضروري إشاعةً للهدوء و بعثاً للطمأنينة المرجوة.
* التعامل مع كل طارئ أو حادث مفاجئ بحكمة و تبصّر و رويّة و رزانة حمايةً للممتحنين الآخرين.
* اعتماد ورقة ترتّب فيها وضعية جلوس التلاميذ في الصفوف حسب أرقامهم أو أسمائهم و هي معينة كثيرا في التصحيح بحيث تجلّي بعض مظاهر الغش كما هي معينة أثناء الحصة حيث يمكن تسجيل الملاحظات عليها على كل تصرف غير سليم دون حديث مع التلاميذ و هذا يعطي هيبة مفيدة.
* اعتماد جوّ مساعد على إجراء الامتحان بعيد عن الفوضى و الخوف و يعطي انطباعا بالجدية و الاعتدال و هذا تلعب فيه شخصية الممارس دورا كبيرا كما علاقته القبلية مع التلاميذ.
* قد يلاحظ الممارس تغيرا مفاجئا في تصرفات بعض التلاميذ لم يشهدها في الحصص الدراسية العادية و هذا أمر طبيعي فعند الضغط أو الخوف أو التخوف تتولد أمور لم تكن حتى في حسبان صاحبها.
* يخطّط بعض التلاميذ لوصفة قبلية للجلوس أثناء الفرض و هنا يستحسن تركهم يأخذون مقاعدهم ثم القيام بالتغييرات الضرورية.
* كما قد يخططون لطلب مساعدة من خارج القسم باستعمال النوافذ أو الهواتف و يصنعون لذلك حدثا يشغل الأستاذ ليتمكنوا من إخراج نص الفرض ثم حدثا آخر لتلقّي الأجوبة و هي أمور متوقعة.
* لا يجب على الممارس أن ينخدع بمظهر خارجي لمجتهد أو قليل الحركة أو مُظهِرٍ للجدية فقد يكون تمثيلا لمآرب غير سليمة و سنفرد إن شاء الله مقالا خاصا حول الغش.
* قد يصاب بعض التلاميذ بحوادث نفسية أو تعثر كبير و هنا يجب تقديم المساعدة بالكلمة الطيبة و البحث عن متنفّس لإراحة الممتحن لاستكمال فرضه.
* يمكن الاتفاق القبلي على شكل العقوبة حين تسجيل غش واضح و هو تعاقد جيد في العلاقة بين الطرفين.
* يلعب الفرض المحروس الأول و طريقة حراسته دورا كبيرا في تحديد معالم العلاقة بين المدرّس و التلاميذ و في التعرف عليهم و عليه، فالنجاح في الحراسة المتزنة العادلة الجدية و في خلق جو جيد لإجراء الفرض يكسب الممارس ثقة تلامذته و يعطيه مكسبا كبيرا في التحكم الضروري في الحصص الدراسية و يعطيه مصداقية في التعامل.
* المرور بين الصفوف بين الحين و الآخر لمراقبة أوراق الغش و الهواتف و غيرها.
* التموضع الجيد المريح المساعد على المراقبة الجيدة .
* هناك تقنيات كثيرة للتقليل من الغش و التقليل من آثاره و هي تتجدّد مع الزمن: فمنها اعتماد عدة مواضيع متشابهة المضمون مختلفة المعطيات و تقتضي هذه التقنية جهدا كبيرا من الممارس و هي ناجعة لحد كبير في الفصول المكتظة أو الشعب التي تكون فيها المادة بمعامل صغير، و منها إجلاس التلاميذ بحيث كل واحد في طاولة منفردا أو تفويج القسم إلى فوجين كل واحد يجري الفرض في حصة و هي أيضا تقتضي يقظة و حرصا كبيرا في التنظيم و لها تبعات إدارية قد لا تكون إيجابية، و منها تقسيم التلاميذ في الحجرة إلى مناطق أو صفوف حيث يتمّ تجميع المجتهدين في جهة منعزلة عن الآخرين. و منها جعْل شكل الفرض كما هو في بعض المباريات حيث يجيب الممتحن في ورقة المعطيات و قد تكون الأسئلة متعدّدة الإجابات و هناك طرق كثيرة أخرى حسب طبيعة المادة أو الشعبة أو بيئة التلاميذ أو المستوى الدراسي.




الامتحانات التجريبية
الامتحانات التجريبية هي إعداد احترافي للامتحان الرسمي و لها مزايا عديدة في نواحي مختلفة: تهييئ نفسي و جسدي و زماني و مكاني و معرفي، و كل كلمة لها مدلولها و معناها المباشر.
شخصيا مع تلاميذ البكالوريا عندما ننهي المقرر الدراسي و بعد حصص للمراجعة أنظم امتحان تجريبي فقط للمادة التي أدرّسها و يكون غالبا في نهاية ماي و يشمل جميع التلاميذ الراغبين فيه على صعيد الثانوية، ثم تتلوه حصص أخرى، و قد درجت على هذه العادة سنوات و سنوات، وبعمل تطوعي بعيد عن تدخل إدارة المؤسسة.
لكن هناك نوع آخر من الامتحانات التجريبية، هو الذي يكون على صعيد المؤسسة أو النيابة ويشمل جميع المواد،هذا النوع من الامتحانات له فوائد أكثر لكنه يطرح إشكالات تنظيمية كثيرة:
* رغبة المتعلمين و جديتهم في إجرائه.
* رغبة الإدارة في توفير الاقسام و الحجرات و السهر على تنظيمه و توفير الظروف المشابهة للوطني.
* رغبة الاساتذة في عملية التصحيح و استثمار النتائج.
* توقيت إجراء هذا التجريبي، قبل إنهاء المقرر أو بعده.
و قد كانت هناك محاولات من طرف الوزارة لتنميط إجراء التجريبي و جعله في وقت محدد وبشكل مفروض، فجعلوه في ماي ثم قرروا أن يكون في بداية أبريل ثم حاولوا أن تكون نقطه محتسبة حتى ينخرط فيه التلاميذ بشكل جدي، لكنها محاولات فاشلة و لم تعط النتائج المرجوة.
- الامتحان التجريبي يجب أن يكون تجريبيا و لا يحتسب في المراقبة المستمرة
- الامتحان التجريبي يجب أن يكون متاحا لمن يريد أن يسجّل فيه من التلاميذ و ليس إلزاميا
- الامتحان التجريبي ينظم حسب حالة و ظروف كل مؤسسة أو مقاطعة أو نيابة
- توقيته حسب المواد و حسب ظروف الاشتغال و مستوى التلاميذ و مدى جاهزيتهم.
إن الانخراط الناجح يجب أن ينطلق من الرغبة الداخلية و من الفاعلية الحقيقية للتجريبي و إلا سيكون عنوانا دون مضمون.

الغش
داء انتشر و عمّت عدواه مقاطع و مفاصل كثيرة في المجتمع و أصبح مُرادفا للنجاح و الذكاء و التميز و الغَلَبَة و التفوق على الآخرين، و وصل إلى قطاع التعليم، و أصبح حقاً مكتسباً مشروعاً لا يجوز المسّ به، و كل ممارسٍ له يعطي له تبريرات برّاقة ناعمة كل حسب موقعه و مستوى استعمال هذا الغش.
فتلاميذ يبرّرونه بتضخّم المقرارت و صعوبتها، و ظروف التعلم و إكراهاتها، و استعماله من طرف الآخرين، و تعوّدهم عليه منذ الصّغر، و تداوله في مناحي الحياة الأخرى.
و ممارسون للتدريس يبرّرونه بظلم المنظومة في الأجرة و الترقية و الانتقال، و ظروف التدريس و ساعات العمل و مستوى التلاميذ المعرفي و أخلاقهم، و كذلك انتشاره بين الأقران و مناحي الحياة كذلك، و يبرّرونه حتى في الامتحانات المهنية لنفس الأسباب و غيرها.
و هيأةٌ إدارية في التعليم لنفس المبرّرات تقريبا.
إنها مشكلة كبيرة معقّدة مركّبة، و لا يمكن حصْر أسبابها فيما يواكب التدريس فقط أو مناهج التدريس و ظروفه فقط لكن هي أزمة في قيم المجتمع التي أصابها خلل كبير لعب فيها الإعلام أدواراً كبيرة، و لعبت فيها الفوارق الصارخة في الحقوق و المكانة و الفرص المُتاحة، ممّا عمّم انتهازيةً و وصوليةً في تركيبة الشخصية عند الممارسين للغش تبحث عما تعتبره حقا مهضوما بكل الطرق.
قد تعبر غمامة في مسيرة المُمارس الحيّ للتدريس بها بواعث تبيح الغش في صور بسيطة قد تتطوّر مع الوقت و يصبح أسيرَها و لا يجد نفسه و ما كان عليه في بداية مشواره خاصة عند شعور بالغبن أو الظلم أو الحرقة أو غيرها مما نكابده جميعاً. إلا أن الإيمان القوي بالله و استبيان ثقل الأمانة التي على كاهله و دور عمله السامي و قيمة مهنته الغالية و منطق القدوة الصالحة الذي عليه ترسّمه هي أدوية ناجعة إن شاء الله تزيل الغمامة و توضّح الطريق و السبيل و تعطي راحةً في الضمير لا تقدّر بثمن.
إن تفاني الممارس في عمله و القيام بمهمته على أكمل وجه هي وسيلة كفيلة بمحاربة الغش بين تلامذته و لو على مستوى حذف المشروعية عن أفهامهم و مفهومهم و معتقدهم، كما أن العدالة و ظروف الشرح و التعلّم و الفروض المعتدلة تفقدهم التبريرات التي يختبئون وراءها و تعطي مصداقية للقيام بما يلزم حيال أي غش مرتكب.
فمعاقبةُ مرتكبي الغش لن تكون مجديةً و الظلم سائدٌ و الفوضى سائدة و ظروف التعلم غير سليمة، و مكونات الفروض غير مناسبة و الغش في التدريس من طرف الممارس واقعٌ بأشكال و صور مختلفة يعرفها التلاميذ و يقتفونها و لا تخفى عليهم رغم مداراتها.
على المُمارس للتدريس أن يتوقع في الظروف الحالية غشا شائعا عند مجموعة من تلامذته في صور مختلفة و مستويات متباينة و لا فرق بين الذكور و الإناث في ذلك إلا في حالات قليلة، و قد يجد نفسه في بيئة أو مؤسسة أو منطقة تعمّ فيها هذه الظاهرة حتى تكون عرفا سائدا، أو تقلّ فيها حتى تكون قليلة، و قد وضّحنا طرقا و تقنيات كثيرة لمجابهة ذلك في هذا المقال و فيما سبقه.

أخطاء التعلم
أشرنا في المقال التاسع إلى معالجة الأخطاء و الأغلاط الخاصة بالممارس للتدريس لكن هناك أخطاء التلاميذ في التعلم، التي يُعايشها المُمارس يوميا بشكل متواتر و متباين و متنوع و متجدّد و تفاجئه أحيانا في ثقلها و زمانها و كثرتها كما تتبلور خلاصتها أثناء عملية تصحيح أوراق الفروض المحروسة.
* هي حاضرة و طبيعية و متوقعة في عملية التعلم و في مراحله، و تكون تجربة إيجابية للتمرّس أكثر و التمرّن أكثر و بالتوالي فاستحضار هذا المُعطى يقي كثيرا من التوتر و القلق الذي قد ينتاب المُمارس حين وقوعها.
* إعطاء هامش كبير من الحرية للتعبير الحقيقي للتلاميذ أثناء تعلّمهم سواء في السبورة لحلّ تمرين أو شفهيا لشرح وضعية أو في أوراقهم في الأعمال التطبيقية داخل الفصل كلّها تسهّل إظهار هذه الأخطاء الطبيعية الصحية التي تساهم بشكل كبير في بناء تعلّم صحيح بقواعد متينة و تفضي إلى فهم أعمق و تجلّي بواطن الإشكالات و المعيقات.
* الابتعاد عن منطق الزجر الجارح و الكلمات أو التعابير أو المعاملة المحقّرة عند ارتكاب أخطاء التعلم و هذا لا يجب أن يخفى على الممارس المحترف.
* محاولة التعرف على نوعية الأخطاء التي يقع فيها كل صنف من التلاميذ و إبرازها لهم حتى يسهل عليهم معالجتها فأول مراحل العلاج التعرّف على نوع العلّة، و هذا يظهر للممارس مع
الفروض المنزلية و المحروسة و طريقة الإنجاز في الحصة لكل نشاط تعلّمي جديد.
* بعد تجربة الممارسة الحيّة للمناهج الدراسية يتعرّف الأستاذ على نوعية الأخطاء المرتكبة بصفة عامة من طرف التلاميذ التي تواكب كل حلقة دراسية أو مفهوم جديد و يتمكّن من استشراف الأخطاء التي سترتكب و يمكنه بناء عملية الشرح بناءً على ذلك.
* هناك أخطاء مستفزّة كإعادة نفس الخطأ بعد تصحيحه في نفس الحصة و في نفس الظروف أو التي تعتبر فادحة ناجمة عن نقص متراكم في المستوى الدراسي من سنوات فارطة أو الناتجة انعدام التركيز، و قد توصّلت إلى قناعة مفادها أن إعادة تصحيحها من جديد دون قلق داخلي أسلم للطرفين و أفْيَدُ لصحة الاستاذ و هذا تعاقد بينه و بين نفسه يعتبر أي نوع من الأخطاء متوقع الحدوث.
* هناك أخطاء سلوكية تؤثّر سلبا على التعلّم و سنفرد إن شاء الله مقالا خاصا عنها.
* قد يستعمل الممارس طريقة في الشرح تولّد فهما خاطئا لدى بعض التلاميذ مبنيا على استنباط غير صحيح من مقصود الأستاذ في شرحه و هذا قد يقع و لا ينتبه له الأستاذ إلا بعد مدة، و هنا يستحسن دائما قياس طبيعة فهم التلاميذ لِما يصل عليهم و هذا القياس له تقنيات معتمدة منها ما هو مباشر و لحظي و منها ما يكون في حصص أخرى أو في الفروض أو في المراجعة و الإعداد و سنحاول إن شاء الله مقاربته في مقال مستقل.
* هناك أخطاء معروفة خاصة بكل مادة و بكل مستوى عامة و شائعة يتحدث عنها الأساتذة فيما بينهم و تتعاقب عبر الأجيال مما يؤكد أن الأمر عائد إلى كونها طبيعية و تواكب التعلم أو أنها مرتبطة بالمنهاج الدراسي الذي قد يغذيها و ينميها بطريقة تركيبته غير السليمة.


قياس الفهم
كلّ ممارس له منهجيته و طريقته في الشرح و إيصال الأفكار و المعلومات و المعارف و التقنيات و طرق التحصيل. و تختلف أصنافها حسب نوعية المواد و الشعب و مستوى الفصل الدراسي، لكنّ فعالية هذه الطرق و جدواها و نجاحها لا بدّ له من قياس و من جسّ نبض يمكّن من تعديلها و موازنتها أو الاستمرار فيها أو تغييرها و تجديدها، إنه قياس الفهم.
هناك قياس لحظي يستتبع مباشرةً أيّ شيء جديد يتمّ تقديمه في الحصة و لا يكفي فيه السؤال التقليدي: هل فهمتم ؟ و إنما يكون بشكل مباشر عبر تتبّع وجوه التلاميذ و ما يطفح و يطفو على محيّاهم، و كذلك تشجيع من يكون متردّدا في الاستفهام عن الأمر الغامض و كذلك بطرح أسئلة متعلّقة به توضّح مدى الاستيعاب. كما يمكن طلب إعادة الشرح لما قُدّم من طرف التلاميذ إما شفاهياً أو كتابةً أو على السبورة، لأن ممارستهم الذاتية ترسّخ الفهم و تظهر الأمور التي ظنوا خطأً أنهم تمكّنوا منها و لا تبرز إلا بقياسها بالتنفيذ والممارسة. و في الرياضيات مثلا تكون الأمثلة التطبيقية المباشرة المتتالية أمرا عمليا فعّالا مساعدا.
هناك قياس بعدي يكون في أطوار أخرى في الحصة أو في آخرها أو في حصّة أخرى عبر سؤال استفهامي متعلّق بالموضوع أو داخل تمرين معيّن و ضمن أسئلة أخرى و هنا يمكن تعميق الفهم و التفسير أكثر، و كذا إعطاء جوانب و تطبيقات أخرى و كذا أبعاداً جديدة لنفس المفهوم و حينها تظهر التعثرات التي صادفت بعض المتعلّمين بشكل أكبر، و تساعد في ذلك التمارين و الفروض المنزلية. هناك القياس الرسمي في الفروض المحروسة و هو قياس فيه محكّ فارز قويّ تعكسه النقط المحصلة.
قد يكون الممارس مقتنعا بطريقته في الشرح لكنه لا يقوم بقياسها عبر قياس الفهم، فربما كانت تلك الطريقة مجديةً في سنوات و لم تعد كذلك، أو ربما تصلح لتلاميذ و ليست فعّالة مع آخرين، و ربّما يُلقي ما لديه دون مراعاةٍ لمن يُنصت و من ينتبه و من يتتبّع، فالشرح و الإفهام عملية تواصلية بين طرفين فيها الذهاب و الإياب و ليست كجهاز بثّ و جهاز لاقط في اتجاه واحد.
إن إدراك أهمية قياس الفهم خاصة اللحظي المباشر يؤدي دائما إلى تحسين الجودة و تجديد طرق الشرح بحيث تكون مناسبةً فعّالة في وقتها و زمانها و مكانها كما يبعث الحيوية و الحياة في الحصة الدراسية و في العلاقة بين الأستاذ و التلاميذ.
هناك من يتيح لتلامذته سبل التعبير و التحاور الإيجابي يمكّنه من معرفة أيّ تعثر يصادفهم، و هذا النوع من العلاقة يسهّل قياس الفهم بحيث يظهر عليهم بسهولة جُلّ ما فهموه و جُلّ ما استصعب عليهم، و هنا يكون السؤال التقليدي: ” هل فهمتم ؟ ” له مصداقية و جدوى؛ لكن هناك من يُغلق باب التحاور مع التلاميذ و يكون جو القسم جامدا بحيث ينغلق كل فاهم و كل متعثر على نفسه و تكون المسافة بعيدة بين الممارس و التلاميذ تصعّب عليه القياس المنشود.
إن طرق القياس و أنواعه ليست محصورةً فيما ذكرناه و هي غير جامدة محدودة، بل قد يبتكر الممارس ما يصلح له و ما يناسبه. و إنما الهدف هو إبراز أهمية هذا الجانب و الانتباه لدوره في تنوير مسار الممارسة الناجحة الفعّالة و تبقى لكل مادة خصوصيتها و لكل مستوى و شعبة ما يصلح له.

أخطاء السلوك
من أكثر ما يوجه الممارس طيلة مشواره المهني، و قد تقل حدتها في سنوات و مع مستويات وأصناف معيّنة من التلاميذ و تزداد استفحالا مع أنواع أخرى، مما قد يُحيل ممارسةَ التدريس عذابا لا يُطاق، و قد تكرّس شعورا بالكره للمهنة و كل ما يحيط بها. ولذلك فمن الضروري أن يستبين الممارس و يتوقع أخطاءً في السلوك بأصناف مختلفة و متنوعة و يستبين مهيّجات و دواعي زيادة عددها و كذا النقص منها و كذا طرق التعاطي معها و الوقاية منها و معالجتها بأنجع و أنجح الوسائل.
* هناك أخطاء غير متوقعة تفاجئ حتى صاحبَها و تكون من غير قصد كما قد لا يتوقع أن تصرفه ذاك خطأ سلوكي، و هنا يجب ترجيح جانب العفو و قبول العذر والتعامل بالفضل قبل العدل لما في ذلك من كسب لجانب الاحترام و المودة و معالجة أي ردّ فعل ناجم عن تأثير سلبي خلقه ذلك الخطأ السلوكي في جو القسم.
* هناك خطأ سلوكي في مقياس الممارس لا يعيه التلميذ و لا يعيره اهتماما إما لأسباب متعلقة بالبيئة أو التربية أو مقاييس المقبول و المستحسن و ما يُعاب من تصرفات، و يستحسن هنا الحديث الفردي و التنبيه الفردي بعيدا عن التشهير أو الاستهزاء.
* الخطأ المتعمّد يكون غالبا رد فعل لتصرّف ما أو جسّ نبض لفعالية الممارس في قسمه، أو طبع تعوّده التلميذ في دراسته و نشأ عليه أو في بيئته و ثقافته الاجتماعية. و الخطأ المتعمّد يجب التعامل معه بحزم و حكمة و معالجة فورية حاسمة تقي من تبعاتٍ تؤثر على توازن القسم في باقي الحصص و تحمي باقي التلاميذ من الوقوع في أمثاله، و تحبس من قد يتجرّأ على فعلٍ مُماثل. و إن تأكد الممارس أن هذا الخطأ ناتج عن ردة فعل فعليه البحث عن الأسباب الخفية و محاولة علاجها حسب ما يتيحه له الزمان و الجهد و العلاقة مع التلاميذ.
* هناك أخطاء سلوكية تكون انتفاضةً لأوضاع اجتماعية و مشاكل حياتية يعانيها التلميذ بعيدةً عن القسم و ما يدور فيه و يستحسن هنا الابتعاد عن الضغط و الانفعال و الاستفزاز و الاقتصار على المعالجة الضرورية و التعاطي من بعيد.
* قد يقع خطأ سلوكي ناتج عن تصرف طائش يباغث الممارس في حصته و لا يعرف صاحبه و هنا يجب التبصّر بالطريقة الحكيمة للتصرف فالانجرار للبحث عن الفعلة عبر الضغط المباشر على باقي التلاميذ، أو محاولة عقاب الجميع أو الانجرار إلى السب و الشتم في حق الجميع أمور تُفقد الممارس الهيبة، و تعطي الانطباع على قلّة الحيلة و سوء التدبير و عدم القدرة على التحكم في مجريات الأحداث كما أن إدخال الإدارة بشكل دائم في هذه المشاكل له أضرار كثيرة.
* إن كثيرا من التصرفات التي يقدم عليها الممارس تكون حافزاً لبروز سلوكات مشينة من التلاميذ، كما قد تكون وقايةً من كثير من الأخطاء السلوكية، فشخصية الممارس و طريقة تعامله تلعب كلها أدواراً حاسمة في هذا الباب، و نكرّر هنا ما أسلفنا الحديث عنه من كون جانب العدل أساس من أسس بناء العلاقة الصحيحة المتوازنة.
* قد يجد الممارس نفسه في بيئة عمل تنتشر فيها تصرفات غير مقبولة و أخطاء سلوكية أصبحت أعرافا في تلك المؤسسة أو عند مجموعة معينة، و هنا لا بد له من خلق أسس جديدة للعلاقة و بناء مقاييس جديدة للتعامل و لو بشكل تدريجي، و لو عبر سنوات، بحكمة و تبصّر و رويّة و صبر و عزم و دون استسلام، و لو في محيطه الخاص و مع تلامذة قسمه فقط، و إلا فسيعيش جحيما لا يُطاق و يجد نفسه غارقاً في أوحال يصعب عليه الخلاص منها.
إنّ كل ما ذكرناه هنا و في غيره من المقالات، هو إشارات فقط و إظهار فقط لعناوين متعلّقة بممارسة التدريس و لا ندّعي الإحاطة بجميع الجوانب و لا إعطاء الوصفات الجاهزة الصالحة لكل وضعية و إنما هي نوافذ نفتحها على مواضيع نميّزها و نظهرها و نبيّن قيمتها و أهميتها و الله الموفق لما فيه الخير.

الشرح
هو معيار كبير لتصنيف المدرّسين من طرف التلاميذ، هو الأداة المفصلية في حرفة و صنعة التدريس، فلغته و منطقه و بيانه و وسائله التعبيرية و طرقه و أنواعه، كلها مما يلزم الممارس التمكن منه و لو عبر مراحل و بتراكم التجارب و تراكم الإخفاقات و النجاحات.
* الشرح الناجح الفعّال ليس بالضرورة بالكلام الكثير أو بالصوت العالي أو بالشّحن التعبيري المركّب، فكلمات بسيطة مباشرة بهدوء و رويّة في جوّ هادئ مساعد على التركيز تكون سهلة الوصول للأفهام و العقول.
* إعادة الجملة الشّارحة و لو لعدة مرّات، وسيلة عملية مجرّبة.
* استخدام أمثلة بسيطة ممثّلة للمفهوم الجديد و تستعمله بوضوح دون أن تتضمّن إشكالات جانبية تعيق المعنى المقصود ( خاصة في الرياضيات )
* استعمال أسئلة استفهامية تمهيدية تجلب الانتباه و تشحذ الذاكرة و تُحضِّرُ للجديد و تُدخل التلاميذ في فضاء المعرفة الجديد.
* الابتعاد عن الحكم المسبق بصعوبة المفهوم أو بلادة المتلقّي أو قصوره عن الإدراك و كذا التعمية عن الأصل و الحقيقة لمداراة الإشكالات فهي أمور قد تنفع لأجل قريب لكن تأثيرها المستقبلي السلبي كبير و كبير.
* شرح عام للجميع و شرح خاص للمستفهم عن الغامض للأمور و هنا يُعاد الشرح حسب نوع السائل فإن كان عن جوانب تفصيلية أو مكمّلات فطريقته خاصة و يمكن أن يكون الجواب له خاص أو عند نهاية الدرس، و إن كان في صميم الموضوع فطريقته خاصة كذلك لأنها ستكرّس الفهم للجميع و تعين عليه.
* الابتعاد عن الخوض في الحالات الخاصة النادرة إلا بعد حصص أخرى يكون فيها المفهوم قد أخذ مكانه الصحيح الراسخ، لأن فعل ذلك في الأول يشتّت الانتباه و يُبعد عن جوهر و لبّ الموضوع
* التأمل في وجوه المتعلمين و محاولة استكشاف المتعثّرين في الطريق (طريق الشرح و المتابعة) و الأخذ بأيديهم و مساعدتهم على متابعة السير إما بشكل مباشر أو غير مباشر و بذلك يتمّ ضمان متابعة أكبر لمكونات أكبر من أفراد القسم.
* محاولة الإلمام بالمكتسبات القبلية و ما نسيه أو لا يجيده التلاميذ من الأمور السابقة التي سيستخدمونها في المفهوم الجديد، فكم من معيقات الفهم يكون مردّها إلى تراكمات سلبية من سنوات فارطة لا ينفع معها شرح إذا لم تتمّ مراجعتها و التذكير بها.
* تقبّل أي نوع من الأسئلة الاستفهامية و الجواب عنها بشكل مباشر فصيح دون إبداء عصبية أو تأفّف أو تهكّم، فعملية التعلم عملية مركبة غريبة معقّدة، فيها أسرار كثيرة، فهناك أمور نعتقدها بسيطة الشرح لا يفهمها البعض إلا بصعوبة و هناك أمور نظن أنها صعبة المنال يتمّ فهمها عند البعض بشكل سريع لافت.
* فصاحة اللسان و أسلوب التعبير و مفردات اللغة المستعملة و التجاوب القريب الناتج عن علاقة إنسانية سليمة، و مصداقية الفعل و القول، كلّها أدوات مساعدة على تيسير الشرح.
* الاستفادة من التجارب السابقة حول المفهوم و لو من زميل في المهنة أو من سنوات سابقة أو من فصل دراسي سابق تنير الطريق حول سبل حكيمة لتناوله و طرق إيصاله.
* التمكّن من الأهداف و القدرات المنتظرة المتوخّاة و مراعاة الفروق بين الشُّعَب و المستويات فهناك عنوان لدرس واحد تتغير معالمه بشكل كبير في المحتوى و التطبيق و طريقة الشرح حسب نوعية التلاميذ و مستوياتهم و شعبهم ( و هذا حاضر بشكل كبير في الرياضيات ).
* الابتعاد عن الجمل الطويلة الرتيبة فقد تؤدّي إلى الملل و تقطّع التركيز و المتابعة.
* تعابير الوجه، و حركات اليدين و الجسد، و التموضع في المكان، و استخدام السبورة، تتطلب كلها عناية من الممارس و تنبها لأهميتها كأدوات مساعدة إن استخدمها جيدة و كأدوات معيقة إن أساء استخدامها.


بين الشكل و الجوهر
ينشغل مُمارس التدريس بدوره التربوي التعليمي و هو جوهر رسالته، عن التعاطي مع الأمور الإدارية و الأوراق الرسمية و المذكّرات و المراسلات المتحكّمة في العمل من حيث الشكل، بما يلزم من حذر و يقظة و حيطة و تتبّع، ممّا قد يعرّضه لتبعات تضايقه أحيانا و ربما تكون وخيمةً أحياناً أخرى.
إنها أمور قد تُعتبر شكليةً إذا قيست بالمهام الأساسية للتدريس و التربية، لكنها ضرورية و لها أدوار تنظيمية، و أصبح القيّمون الحاليون على التعليم يضعونها معياراً خالصا في تقييم الأداء و القيام بالمهام الوظيفية على وجهها: إنه الشكل، أما الجوهر فهناك عجز حقيقي عن الوصول إليه و تمييزه.
فالمهم في دفتر النصوص هو ملء مواعيد الفروض و تواريخ الحصص و عناوين الدروس و المهم في أوراق تحرير الفروض هو مطابقة النقطة لما هو مدوّن في المحاضر و المهمّ في العمل هو التواجد داخل الحجرة الدراسية في أوقات جدول الحصص، و المهم في العمل هو الاحتفاظ بالتلاميذ و عدم إخراجهم قبل الوقت، و المهمّ في الاجتماعات هو توقيع محضر الحضور و المهمّ في المرض هو إحضار الشهادة الطبية و ملء مطبوعات الرخصة و مطبوعات استئناف العمل و هكذا…
إنها أمور شكلية في عُرف و جوهر الممارسة الحقيقية للتدريس، و قد لا يجيدها المنشغل لأداء أدواره المحورية أو قد يغفل عن بعض تفاصيلها و قد تجلب له مشاكل تتباين فداحتها بطريقة تفاعل المحيطين به حولها.
لقد أصبح العجز عن تطبيق القوانين و تنظيمها و تفعيلها بشكل سليم و عن إصلاح التعليم من الأسباب الرئيسية في جعْل هذه الأمور الشكلية محورية في تقييم الأداء و التعامل مع الأستاذ، إنها مهزلة حقيقية في منظومة تربوية لكنه الواقع الذي لا مفرّ منه.
إن ما أشرنا إليه يُميط اللّثام عن أمور يجب الاطلاع عليها و مجاراتها حتى لا تسبّب مشاكل تعيق عمل الممارس الحيّ و تؤثّر على نفسيته و عطاءه.

الفرض المنزلي
تدريب من نوع خاص، ينمّي قريحة البحث و يتيح الاعتناء بالصياغة و التنظيم و يمهّد للفرض المحروس. لكنّ طريقة إنجاحه في الشكل و المضمون غير يسيرة، فهناك إهمال متعاقب لهذا النوع من الأنشطة، و هناك ضبابية في التوجيهات التربوية المنظّمة له، و هناك إرهاق للممارس في التصحيح لكثرة الفروض المحروسة و كثرة الأقسام المسندة، و هناك عامل تداول العمل بين التلاميذ مما يصعّب التعرف على المُنجِز الحقيقي له و يؤثر على مصداقيته، و أخيراً هناك عامل طريقة الاحتساب و التحفيز العملي للتلميذ للاعتناء به و الإقبال عليه.
شخصيا أعتبره في الرياضيات عاملاً أساسياً في التكوين إذا انتُهِجَت طرق فعّالة و مبتكرة لإنجاحه، مع الاستعداد و القابلية لتصحيحه و استثماره، و هنا نشير إلى مايلي:
– شرح مستفيض في بداية السنة لأدواره التكوينية و فوائده العملية.
– اعتماد تمارين تكون إعدادية للفرض المحروس و لها تشابه مع بعض مكوناته و الإعلان عن ذلك للتحفيز على الإقبال عليه مع إضافة أنواع أخرى من الأسئلة تكون لاستكمال التعمق و البحث.
– التنقيط بالأصناف و تعتمد على عدد الأخطاء المرتكبة أو عدد الأسئلة غير المنجزة.
– كتابة ملاحظات خاصة بكل تلميذ عن نتيجة الفرض المنزلي و عن التلميذ بصفة عامة في دراسته عموماً تتضمن نصائح و توجيهات و تشجيعاً أو تنبيهاً حسب ما تقتضيه الحاجة، و هذه الملاحظات لها وزن كبير عند التلاميذ و لها تأثير كبير في تحديد معالم العلاقة مع الأستاذ كما تشكل مجالاً للتفاعل أكثر مع الدراسة و الإقبال على الفرض المنزلي أكثر.
– إعطاء وقت كاف للإنجاز و الاعتناء بتصحيح الأوراق حسب ما يتيحه الوقت و الجهد و تزاحم الأشغال.
– التعليق على جوانب الصياغة و التنظيم و طريقة الإنجاز.
– التصحيح في القسم حسب الظروف و الأحوال، و يمكن ربح الوقت بتعميم الحل مطبوعاً
أو إشارات منه أو أجزاء منه مع مذاكرة المُبهم من الأسئلة و تفصيل الجواب عنها في الحصة الدراسية.
– طريقة التصنيف و عدم اعتماد النقط يقلّل من النّقل بين التلاميذ كما أن كتابة الملاحظات تعتبر حافزاً أهم من نقط إضافية خاصةً و أنه يُبرز اعتناء الممارس بكل فرد من قسمه و اطلاعه التفصيلي على أحواله الدراسية. و أخيراً ارتباط بعض مكوناته مع الفرض المحروس حافز إضافي هام للتعاطي معه بالجدية المرجوّة، إنها وسائل عملية مجرّبة لكن لا بد من إبراز الإرهاق الكبير الذي يسبّبه هذا الشكل من الفروض المنزلية على الممارس مما يجعل كل ما أشرنا إليه مشترطا بالقدرة و الحاجة و نوع التلاميذ و المستويات و نوع العلاقة معهم.

التسويق
كلمة رائجة عند أصحاب التجارة، و مادّة مدرّسة في معاهد الاقتصاد و التسيير، و مفهوم طغى و نما و غطّى مجالات كثيرة في الصناعة، و أصبح له مختصّون في الإعلام و الصحافة و عالم الإشهار.
له هدف نظري مقبول و هو طريقة نشر و بيع و عرض المنتوج للحصول على الإقبال المنشود و فتح شهية الزبون لإحداث رغبة و حاجة لاقتناء المنتوج و لو لم يكن لازماً له.
و هذا التعريف يصلح تطبيقه عند ممارسة التدريس خاصة مع المتغيرات الحالية و المستجدّات المرتبطة بطبيعة المواد و طبيعة المتمدرسين و عقلياتهم. فالمعارف و الدروس و التمارين كهدايا تحتاج لتغليف و تزيين لإظهار قيمتها و كمنتوج معروض يحتاج لتسويق فعّال لكي يتم الإقبال عليه، و هنا لا بد من أمثلة:
* عند بداية درس جديد لا بد من إبراز جدواه و قيمته و تطبيقاته و امتداداته و الاحتياج إليه عبر أمثلة بسيطة مقنعة، و هذا ما نعنيه بالتسويق له، و هذا يساعد على إثارة الانتباه و بعث الحماس في جوّ القسم.
* عند إعطاء تمرين يمكن دائما الإشارة إلى قيمته و ما أسلفنا ذكره، كما أن طريقة طبع سلسلة التمارين و طريقة توقيع الممارس عليها و طريقة عرضها و توزيعها و توقيت ذلك في الحصة أمور تسويقية مستحسنة.
* إن التدريس في حد ذاته أصبح مستهدفاً، و قيمة الأستاذ كمهنة و كمكانة اجتماعية أصابتها خدوش كثيرة، و هنا لا بدّ من عمل عكسي يقوم به الممارس في قسمه و مع تلامذته لإبراز قيمة التدريس و إبراز قيمة ما ينجزه و قيمة المعارف و العلوم التي يدرّسها بأسلوب لبق و كلمات منتقاة بعناية و بتوقيت مناسب و في مناسبات متفرّقة بعيداً عن الشحن التعبيري و بعيداً عن منطق المنّ و الاستفزاز و الاستعلاء، و هذه تقنيات في الإعلام و الإشهار مفيدة للغاية.
* هناك شُعَبٌ معاملات الرياضيات فيها ضعيفة، فيعتبر التلاميذ أنفسهم في غنى عنها. و هنا لا بدّ للممارس أن يبحث عن وسائل تسويقية لخلق الحاجة و الرغبة لديهم في الإقبال عليها، و التفكير في الأمر يُطوّر طرقاً جديدة في التعاطي و التعامل معهم و في مناولة دروسهم و أنماطاً جديدة في التدريس.
* هناك دروس لا يُقبل عليها التلاميذ لصعوبتها في نظرهم أو لأنها غير رائجة في الامتحان الإشهادي و هي تحتاج كذلك لتقنيات التسويق لمباشرتها بطريقة فعّالة.
إن كل ما أوردناه هو ملامسة جانب مساعد مجرَّب في الممارسة، استحضاره و التفكير فيه يؤدّي بالضرورة لاعتماد و تطوير أساليب جديدة حسب طبيعة الممارس و التلميذ و المادة و الشعبة و الحاجة إليه، و الله المستعان.


المراهقة
طور من أطوار الحياة، يتخوّف منه الكثيرون، و يَسِمُه آخرون بسنّ الطيش و التهوّر و يعتبرونه سنا حسّاساً له تأثير محوري على مناحي الحياة و مفترق طرق قد يغيّر المسار بدرجة كبيرة. كما أنّ له توصيفاً بكونه سنّ الفتوّة و الإقدام و البلوغ و التكليف و انبعاث الشخصية و تميّزها و تفجّر الطاقات المختزنة و الملكات الذاتية و القيمة المضافة الفردية التي أودعها الخالق سبحانه و تعالى في كل إنسان.
جزء كبير من مرحلة المراهقة يُعايشه الممارس للتدريس مع تلامذته خاصة في الثانوي التأهيلي و السنة الأخيرة من الإعدادي و تكون المرحلة المحورية عامة في النصف الثاني من سنة الجذع المشترك و النصف الأول من السنة الأولى بكالوريا، هذا على العموم مع تمايز و اختلاف بين الجنسين.
تظهر على التلاميذ عند دخولهم هذا الطور تغيرات متعددة، جسمية و عقلية و سلوكية، على الممارس ملاحظتها و الانتباه لها و التعامل معها بما يلزم من يقظة و تبصّر و حذر و صبر و تحمّل و طول بال، و توقُّعٍ لكلّ جديد مفاجئ من تصرّف أو قول أو لباس أو انفعال، أو تفتّق لمواهب جديدة أو انحدار في الدراسة و شرود عن التركيز إلى غير ذلك من الأمور التي يكفي الانتباه لها لاستبيان غير ما ذكرناه من أمور أخرى.
إن انبعاث الشخصية الفردية و تميّزها يصاحبه اعتزاز أكثر بالنفس و ردّ فعل حاد و اهتمام أكثر بالمظهر الخارجي و رغبة متزايدة بالتميّز عن الآخرين في أشياء مختلفة و تطلّعاً مختلفاً نحو الجنس الآخر و تغيّراً كبيرا في طريقة التعامل و التفاعل معه و العلاقة معه. كلّ هذا قد يسلو عن الدراسة و قد يؤثّر سلبا على مسارها كما يمكن أن يصبح حافزا للإقبال عليها و النجاح فيها، و هنا يبرز دور الممارس في محاولة جعل هذه التغيرات الكبيرة و الطاقات المنبعثة تسير في مجرى صحيح و مسار سليم.
يُستحسن من الممارس للتدريس الابتعاد عن إصدار الأحكام الجاهزة القطعية في حق كل مظهر مخل أو لباس غير لائق أو تصرّف غير سليم، فهي أمور قد تكون ظرفية مردّها الزوبعة الداخلية التي تحيط بالمراهق أو المراهقة، و كلّما كانت اللباقة في التعامل و حُسن الإنصات و قبول العذر و احترام الشخصية و تقدير الإنسان كلّما تفادى أيَّ ردّ فعل غير مقبول و كلّما سمح بتقريب المسافة بين الطرفين في حدود التقدير و الاحترام و بالتالي قبول النصح السديد و الكلام المنطقي المعتدل السليم.
إن سلطة الخوف و العقاب و هامشهما يضمحلّان بشكل كبير في هذه المرحلة على العموم، و لا يُجديان نفعاً لمن يجعلهما أداته المحورية في علاقته مع المتمدرسين، و يحلّ محلّهما سلطة الإقناع و الاحترام و التقدير و التعامل الإنساني العادل المحافظ على كرامة المخلوق و هي سلطة كبيرة تحلّ كثيرا من العقد و تعطي صلاحيات أوسع للممارس تعطي فعاليةً مجرّبةً في كل نصح مقدّم.
قد يصاحب هذا الطور تعلّقا مفرطا للتلاميذ بشخصية الممارس، عليه الانتباه له و التعامل معه بتعقّل و حذر و تبصّر و اعتدال و حُسن التخلّص و طول البال. و هو ليس بالضرورة من جنس لآخر و ليس في الضرورة لنية سيئة، بل كونه إفراطا و خروجا عن الاعتدال هو الدليل على كونه أولا ظرفي و ثانيا أنه انعكاس لمخلّفات المراهقة و تأثيراتها، و قد يستطيع الممارس توظيفه للعطاء الأفضل في الدراسة و إخراج التعلق بشخصه إلى التعلق بالمادة المدرّسة و بالدراسة عموما
إنه موضوع مركّب شائك، متعدّد الجوانب، حسبُنا أن تحدّثنا عنه، و أمطنا اللثام عن جوانب منه، في غياب دراسات ميدانية حقيقية رزينة لواقعه في مؤسساتنا التعليمية و في غياب وجود مختصين في المدارس يواكبون انعكاسات هذا الطّور و يتابعون التلاميذ بشكل مفصّل دقيق، و المؤسف أن جلّ ما يتمّ هو الزجر و العقاب و معايشة الانحراف الأخلاقي و الإدمان على أصناف من المحرّمات و التخلّف الدراسي الكبير، بعيداً عن المصاحبة الوقائية السليمة الرشيدة لا في البيت و لا في المؤسسة و لا في المجتمع و لا في الإعلام. و لا تكوين متجدّد فعّال للأساتذة الذين يُعايشون التلاميذ في مختلف الأطوار الصعبة من هذه المرحلة فيجتهدون من أنفسهم طرقا قد تجدي أحيانا و قد تكون وبالا و تزيد الأمر تعقيدا في أحيان أخرى.

الجحود
شعور حارق مقيت بغيض صعب، قد يتعرّض له الممارس الحيّ المرهف الإحساس فيحيل البياض سوادا، و يؤثّر بشكل كبير على نفسيته و على صحته و على فعالية عمله و على حبّه لمهنته و على علاقته مع الآخرين، و هو غصة و حرقة تسري في الجسم كما يقع مع المعدة و المريء.
و أنواع الجحود مختلفة المشارب و المصادر، و كلما كان من عزيز قريب كان تأثيره أكبر و تداعياته أعظم، و قد أصبح طبْعاً عند الكثيرين بسبب اختلال منظومة القيم في المجتمع و استشراء الوصولية و النفعية و حب الذات و تعامل الغاب، كما أن أسس التربية الأسرية و أسس التواصل و أسس الأخلاق السليمة و أسس شكر المعروف و أسس أدب الأفراد فيما بينهم كلها أصابها وَهَن كبير و تصدع كبير في أصل بناءها و منطقها السليم.
هناك مواقف قد يتعرّض لها الممارس للتدريس توصيفها الصحيح هو الجحود، فقد يصادف تلميذا في الطريق فلا ينظر إليه و لا يسلم عليه كأنه لم يعرفه قط رغم العلاقة الحسنة التي جمعتهما طيلة سنة الدراسة، و قد لا يسمع كلمة شكر على أي خدمة يوفّرها لتلميذه في السنة الدراسية، و قد يتعرّض لكلمة جارحة أو إهانة ( أو في حالات متقدمة إلى سب و قذف و تهجم جسدي ) بسبب أي تدخل له لإعادة الأمور إلى نصابها إما في صد غش أو حثّ على الانتباه أو غيرها دون مراعاة لقيمة الأستاذ و ما قدمه من تضحيات، و هذه أمثلة معبّرة لكنها غير حصرية و من يتأمل الوضعية تبرز ماثلة أمامه أمثلة أخرى عديدة و متنوعة؛ و أصنف هذا الجحود بكونه الأقسى لأن التلميذ هو الأقرب في اهتمام الممارس الحيّ و هو الذي أخذ منه جهدا مضنيا و عناءً كبيرا في تدريسه و الحرص على مصلحته و متابعة شؤون دراسته.
و لا بد للإشارة إلى جحود بعض أولياء الأمور و جحود بعض أطر الإدارة و جحود
المجتمع و الإعلام و جحود بعض القيمين على شؤون التعليم فيما يكيلون لصرح الأستاذ من أوصاف و تهم و تعميم جائر ظالم لكل خلل في منظومة التعليم، و قد أشرنا لذلك في مقال سابق عنوانه: أذى المسار.
إن كل ما قلناه يستشعره كل ذي ضمير حي، و يتعرض له بنسب معينة و يؤثر لا محالة عليه بنسب معينة أيضا تتفاوت حسب طبيعة الشخصية و جنسها و سن الممارس و حساسيته. و عدم مقاومة هذا الإحساس تكون له عواقب سيئة، فلهذا لا بد من التعود على الاحترافية الجافة في التعامل، و التجرد في العمل، و استحضار المعنى الشرعي للإخلاص في العمل و هو بُغية التقرب إلى الله وحده، و حينها يستوي المادح و الذامّ، و الجاحد و الوفيّ، و الناكر و المعترف بالجميل، و تنتفي حالة الحساسية مع المخلوق إلى حالة التقرب إلى الخالق سبحانه و تعالى و أظن ذلك دواء نافعا مجدياً إن شاء الله.

استقراء للرأي
وسيلة تربوية مجرّبة، مفيدة في استبيان نتيجة و حصيلة السنة الدراسية، و كذا طبيعة و انطباع كل تلميذ، و أداة للبوح و الإفصاح عن كل ما بداخله إيجابا و سلباً، يُتيح المجال لتعديل و ضبط بعض الأمور في ممارسة التدريس و توضيح و تفسير بعض التصرفات و القرارات المتخذة، يمكن عبره معالجة بعض الاختلالات، كما أنه حافز و مشجع لمتابعة
المسار على هدى و صلاح، له دور إيجابي في تمتين العلاقة بين التلميذ و الأستاذ.
يُستحسن أن يكون عند المعالم الأولى لنهاية السنة الدراسية حتى لا يقع التلاميذ تحت طائلة ضغط الفروض المحروسة و تحكّم الأستاذ فيها، و أن تكون الأسئلة شاملة لجوانب المادة و متعلّقاتها، و أن يكون بها هامش لحرية التصرف تتيح التعرّف على طريقة تفاعل التلميذ و أسلوبه التعبيري و مكنونات ما عايَشَه طيلة السنة من أشياء استحسنها و أخرى لم يتقبّلها و علاقته مع الآخرين و مع المقرّر الدراسي و مع الأستاذ.
هو مرآة عاكسة لمسيرة الممارس طيلة سنة دراسية كاملة، و له مصداقية كبيرة في عموم المجموعة مع بعض التطرف الإيجابي أو السلبي الذي قد يصادفه في بعض الإجابات، فرغم قلة تجربة التلاميذ و قصور سنّهم إلا أن ما يفصحون عنه على العموم يعكس بشكل كبير الواقع الحقيقي، كما أن مضمون كلماتهم خارج سياق التركيب اللغوي يكون عميقا وازناً على العموم و يُجلّي أموراً قد تفاجئ الممارس.
يستطيع عبره الممارس معالجة بعض الأمور المغلوطة عند فهم و تصوّر البعض أو سوء تفاهم أو خطأ في التعامل غير مقصود أو اختلال في العلاقة بين التلاميذ فيما بينهم و لو في آخر السنة الدراسية، فالإصلاح غاية في حد ذاته و التوفيق من الله.
كلّ مديح صادق متوازن هو وسام فخر و شهادة تقديرية لها وزن كبير عند كل ذي ضمير حي، يشجّع على مزيد من العطاء و الإبداع، و له وقع نفسي كبير، و سراج منير لمتابعة الطريق و أداء الرسالة بزهوّ و اعتزاز، خاصة عندما يكون المحيط الخارجي مستهزئا بالمهنة و ممارسيها و منتقصا من كفاءتهم و متهما لمنتسبيها على التعميم كما هو واقع الحال.









ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
آخر مواضيعي

0 النتائج الكاملة للحركة الانتقالية التعليمية بأسماء المؤسسات التعليمية 2017
0 تلميذ نابغة مخترع يذهل أساتذته بمدينة طاطا
0 صفرو / دورة تكوينية في تجديد تدريس الرياضيات
0 زاكورة : وقفة احتجاجية تضامنا مع الأطر الإدارية والتربوية المعفية
0 خبر غير سار لهيئة التدريس قبل الحركة الانتقالية!
0 تابع صور معلم من تايوان يبدع برسم تشريحي لجسم الإنسان على السبورة!
0 خصاص 20 ألف منصب سيخلفه التقاعد الموسم المقل
0 رغم تشديدات الوزارة: تسريبات امتحانات البكالوريا مستمرة
0 بحوث طلبة كلية مرتيل في صناديق قمامات الأزبال
0 تعاضدية التعليم : عندما يصبح النقابيون لصوصا للمال العام :: ملف كامل


التعديل الأخير تم بواسطة العصيمي ; 25-08-2015 الساعة 17:00

a.ziad
:: دفاتري جديد ::

تاريخ التسجيل: 29 - 2 - 2008
المشاركات: 11

a.ziad غير متواجد حالياً

نشاط [ a.ziad ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 25-10-2015, 23:39 المشاركة 2   

Merci beaucoup mon professeur, vous m'avez ouvert les yeux sur des pratiques de classe tres tres importantes soient que je les ignorais totalement soient qu'ils font partis de mes habitudes d'enseignement mais je ne les valorise pas assez .
Merci beaucoup pour le partage
فعملية التعلم عملية مركبة غريبة معقّدة، فيها أسرار كثيرة، فهناك أمور نعتقدها بسيطة الشرح لا يفهمها البعض إلا بصعوبة و هناك أمور نظن أنها صعبة المنال يتمّ فهمها عند البعض بشكل سريع لافت.


خادم المنتدى
:: مراقب عام ::

الصورة الرمزية خادم المنتدى

تاريخ التسجيل: 20 - 10 - 2013
السكن: أرض الله الواسعة
المشاركات: 17,180

خادم المنتدى غير متواجد حالياً

نشاط [ خادم المنتدى ]
معدل تقييم المستوى: 1868
افتراضي
قديم 26-10-2015, 22:10 المشاركة 3   

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ

الأحد01شـوال1441هـ/*/24مــاي2020م
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

« مجزوءة التكوين الأساسي في مادة اللغة الفرنسية للتعليم الابتدائي | هذا كل ما يجب أن تعرفه حول البيداغوجيا الفارقية »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
6 مبادئ عامة في علم التدريس "الديدكتيك" العصيمي الديداكتيك ومنهجيات التدريس 3 04-03-2024 22:38
ممارسة التدريس بتوفيق قسم الاستاذ(ة) 115 10-04-2019 19:08
سلسلة مقالات تربوية عن ممارسة التدريس بقلم الأستاذ توفيق بنعمرو nasser الديداكتيك ومنهجيات التدريس 2 26-02-2016 21:14
مقال : ممارسة مهنة التدريس nasser دفاتر مقالات الرأي والتقارير الصحفية التربوية 0 26-07-2015 16:50


الساعة الآن 13:06


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة