قرار وزير التربية مدخل رئيسي لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهنيهذا الركن بدفاتر dafatir خاص بالأخبار والمستجدات الوطنية المتعلقة بقطاع التربية الوطنية والتعليم المدرسي و التكوين المهني
قرار وزير التربية مدخل رئيسي لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
قرار وزير التربية مدخل رئيسي لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
13:58
قرار وزير التربية مدخل رئيسي لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية
مازلت أذكر وأنا تلميذ في الأقسام الاعدادية ذلك الأستاذ المشهود له بمهارته في مادة الرياضيات، وكيف كان التلاميذ يعتبرون أنفسهم محظوظين عندما هيأت لهم الظروف بأن يتعلموا على يديه.
وبالفعل فقد كان لهذا الأستاذ من الطرق والأساليب ما يُحَبِّب لنا هذه المادة التي كنا نصفها بأنها أصعب المواد الدراسية حينذاك.
بعد أسابيع لاحظنا دخول هذا الأستاذ في مرحلة فتور، لم يعد متحمساً داخل الفصل، كانت تبدو عليه علامات العياء بمجرد انطلاق الحصة، وليتملص من هذه الحالة، كان يكلفنا بإنجاز فروض داخلية ليتأتى له الارتماء فوق كرسيه آملا في الراحة.
زميلي الذي كان يتقاسم معي نفس الطاولة في الفصل الدراسي انقطع ذات صباح عن الدراسة، أخبرني فيما بعد أن والدته اختارت له الدراسة في مدرسة خاصة بجوارنا، وأنها لمواجهة نفقات الولوج إلى هذه المدرسة اضطرت إلى بيع 6 أساور ذهبية وتلفاز صغير، لم يكن أستاذ الرياضيات في هذا المعهد الخاص سوى أستاذي الذي يدرّسني في الإعدادية العمومية.
بعد أيام، وكلما تجاذبنا، أطراف الحديث بيننا نحن أبناء الحيّ، كان زملائي في المدرسة الخاصة يتباهون بهذا الأستاذ وبمهاراته التعليمية، في الوقت الذي أصبحنا نأسف لحالنا معه، اكتشفنا فيما بعد أنه كالمقاتل في المعهد الخاص الذي يلتمس استراحة المحارب أمامنا في المدرسة العمومية.
مرت أكثر من ثلاثة عقود على ذلك، ولم يذكّرني بهذه الواقعة سوى القرار الأخير للسيد وزير التربية الوطنية المتعلق بتقنين عمل أساتذة التعليم العمومي في المدارس الخاصة.
قرار السيد الوزير يعتبر عنواناً شجاعاً وكبيراً لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي يتم استنزاف طاقاتها وقدراتها وكفاءاتها من طرف الغير.
التعليم الخصوصي يساهم دون شك في العملية التعليمية، وهو لايفعل ذلك لوجه الله، بل يتلقى عنه المقابل، وكان عليه أن يفكر في إعداد الموارد البشرية وهم الأساتذة الذين يعتبرون صلب العملية التعليمية، كان على مؤسسات التعليم الخاص أن توظف مئات الأطر من شبابنا العاطل من حملة الشهادات في مختلف التخصصات ليقوموا بهذه المهمة، لكن أصحاب هذه المؤسسات ينأوون عن التعاقد بصفة قانونية مع هؤلاء تهرباً من تبعات ذلك، فالراتب يؤدى كل شهر وليس عن الساعة، والعطل مؤدى عنها، وضرورة الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وزيارات مفتشي الشغل، والتملص من الالتزامات الضريبية وما إلى ذلك، يجعل أصحاب التعليم الخاص يعملون بالمثل القائل «كم من حاجة قضيناها بتركها».
القرار الشجاع للسيد الوزير بحاجة إلى أساتذة يتحلون بالمواطنة الحقيقية من أجل المساهمة في تنزيل هذا القرار تنزيلاً سليماً، عوض وضع العصا في العجلة، فقد بدأ بعضهم يهيء غرفة في بيته لتكون فصلا دراسيا في الليل، يستقبل فيها التلاميذ لساعات إضافية قد تصل إلى 200 درهم للساعة، ومنهم من سيناور لعدم تطبيق قرار السيد الوزير.
نحن لسنا ضد التعليم الخاص، لكن التعليم العمومي يظل هو القاعدة، القاعدة أوّلا وأخيراً، وعلى التعليم الخاص الاعتماد على نفسه وأساتذته وأطره وميزانيته وفق القانون الجاري به العمل.
مرة أخرى ننوه بقرارك ياوزير التربية الوطنية، ونحن إذ نشد على يديك نخبرك بأن حوالي تسعين تلميذاً سّجلوا في إعدادية عمومية بقلب العاصمة الرباط وافدين من مؤسسة خاصة، لمجرد سماعهم بقرارك الشجاع، ولكون أولياء أمورهم صاروا واثقين بأن قراركم هو فاتحة عهد جديد لإعادة الاعتبار للتعليم العمومي.
وأخيراً، فقد كان السيد الوفا قد وصف البعض في لقائه الأخير في التلفزة المغربية بأنهم... «خبراء في كل شيء»، أدعو هؤلاء للاقتناع بأن قرار السيد الوزير يعتبر مدخلاً لإعادة الاعتبار للمدرسة العمومية التي ننتمي إليها جميعاً، بل المحور الرئيسي لإصلاح المنظومة التعليمية.