الإصلاح التربوي
وفق الرؤية المستقبلية 2030
* مصطفى بتي، مفتش تربوي*
اتسمت الإصلاحات الأخيرة التي عرفتها منظومة التربية والتكوين بالمغرب بهاجس استعجال النتائج واعتماد مقاربة المشاريع والتدابير والتدخلات الإجرائية، فالرهانات والتحديات التي رفعها كل من الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي كانت وفق جدولات زمنية صارمة، أخلفت جلها المواعيد المحددة لها. فجاءت الخطب الملكية الأخيرة لتقر بأزمة التعليم بالمغرب، وتدعو إلى ضرورة التفكير في صيغ جديدة من أجل النهوض بالمنظومة التربوية.
إن المتتبع للحقل التربوي سيلاحظ تداول مفاهيم جديدة في الأدبيات التربوية الحالية، مفاهيم قوامها التفكير الاستراتيجي واستشراف المستقبل، في هذا السياق تندرج الرؤية المستقبلية 2030 التي تبنتها مؤخرا الوزارة الوصية كصيغة جديدة تتغيا النهوض بالمنظومة التربوية.
وقد حددت الرؤية المستقبلية 2030 وفق منهجية للعمل شملت المراحل الثلاث التالية:
- مرحلة التشخيص والتحليل: والتي اهتمت بتحليل اختلالات منظومة التربية والتكوين من خلال مشاورات وطنية وجهوية وإقليمية ومحلية، وبناء على توجهات وطنية مرجعيتها الخطب الملكية ودستور 2011، بالإضافة إلى البرنامج الحكومي والاستراتيجيات القطاعية، ناهيك عن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتقرير 50 سنة من التنمية البشرية.
- مرحلة البلورة: بلورة مشروع الرؤية المستقبلية مع تحديد المشاريع ذات أولوية وإغناء مشروع الرؤية من قبل المواطنين والفاعلين في منظومة التربية والتكوين ولجنة من الخبراء، وطرح أسئلة للنقاش من قبيل المبادئ المؤسسة للمنظومة التربوية والأهداف الأساسية والمعايير الوطنية لنظام التقييم والإشهاد...
- مرحلة التخطيط والإنجاز: وهي مرحلة تروم تعبئة الجميع حول المدرسة باعتماد استراتيجية تفعيل الرؤية المستقبلية تعنى بالنموذج البيداغوجي والعرض المدرسي والموارد البشرية والحكامة.
إن المشاورات الموسعة أسفرت – حسب الرؤية المستقبلية- عن مجالات الاختلال والقصور في منظومة التربية والتكوين، اختلالات مست النموذج البيداغوجي( النظام البيداغوجي ونظام التقييم والإشهاد)، والعرض المدرسي( مستوى الأداء في الوسطين القروي والحضري...) والموارد البشرية ( التكوين لمهن التربية وجهاز تأطير وتقييم المدرسات والمدرسين...) والحكامة (سلسلة التدبير...)، بالإضافة إلى أسئلة أفقية حول التكوين المهني والنزاهة في المدرسة والقيم...
لتحقيق شعار رؤية 2030، والمتمثل في "مدرسة جديدة من أجل مواطن الغد" اعتمدت وزارة التربية الوطنية مشاريع ذات أولوية وزعتها على المحاور التالية:
- التمكن من اللغات الأجنبية؛
- دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني؛
- الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي عبر تطوير روح المبادرة والمقاولة والقيادة والمجازفة لدى تلاميذ الثانويات؛
- تحسين العرض التربوي بتأهيل المؤسسات التعليمية وتوسيع شبكة المدارس الجماعاتية والمدارس الشريكة...؛
- التأطير التربوي باعتماد جهاز جديد للتأطير عن قرب والتأطير بالممارسة مع إعادة النظر في التكوين الأساسي للمدرسات والمدرسين؛
- التكوين المهني وتثمين الرأسمال البشري وتنافسية المقاولة؛
- تخليق المدرسة والارتقاء بالنزاهة في المدرسة والقيم؛
وأخيرا محور الحكامة ، عن طريق إرساء اللامركزية الفعلية ومراجعة النظام الأساسي الحالي لتجاوز الاختلالات المرصودة ووضع ميثاق لأخلاقيات المهنة...
على سبيل الختم:
بين استعجال النتائج والرؤية الاستشرافية تتأرجح المقاربات المعتمدة في إصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب، فإذا كانت المقاربة الأولى(الاستعجال) قد أبانت عن قصورها فيما يخص النهوض بالحقل التربوي، فإن المقاربة الثانية ذات البعد الاستراتيجي تبدو - منطقيا- الأقرب للرقي بالمنظومة التربوية. ذلك أن مجال التربية يعتبر بحق سيرورة لامتناهية قلما تجنى ثمارها قبل عقد أو عقدين من الزمن، الأمر الذي يستلزم إعطاء الوقت للوقت....