المحافظة على البيئة أمانة في عنقنا
مصطفى أبغيل
البيئة كل ما يحيط بنا ، وكل ما نستفيد منه من هواء وماء وتربة ونبات وأشجار وكل هذه المكونات نعمة عظيمة ، ومنحة ربانية لجميع خلقه ، فالجميع يستفيد من هذه النعم بدون استثناء .الإسلام أمرنا بكل ما هو خير ، وحثنا على السعي لكل ما يصلح ، ونهانا وحذرنا عن كل شر . ومن الأمور التي أمرنا بها ، وحثنا عليها ، المحافظة على على البيئة ، وهذه المحافظة ، وهذه العناية في الحقيقة من مصلحة الفرد ، ومن مصلحة المجتمع .والباحث والمتأمل يجد أن الدعوة للمحافظة على البيئة ليست دعوة الإسلام فقط ، بل جميع الأديان السماوية تصب في واد واحد .والذي يتدبر آيات القرآن من قوله تعالى {وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها ، وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون }سورة النحل 14/15 ، يدرك تماما أن الكون مسخر بأمر الله للإنسان ، ولصالح الإنسان .لذا من الواجب عليه أن يحافظ على نظافته ونظافة الدقيق البديع الذي أبدعه الله وخلقه وصوره واوجده .والقاعدة الشرعية التي وضع أساسها رسول الله صلى الله عليه وسلم {لا ضرر ولا ضرار }، كما جعل عليه الصلاة والسلام تنظيف الشوارع من القاذورات والقمامات وكل ما يضر بالناس وهي ما يعبر عنها ب " إماطة الأذى ".فقد صح في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والجلوس بالطرقات قالوا : يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها ، قال : فأما إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه ، قالوا يا رسول الله وما حقه ؟ " قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " متفق عليه .إماطة الأذى كلمة جامعة لكل ما فيه إيذاء للناس ، وممن يستعملون الشوارع والطرقات والأماكن العمومية .والرسول صلى الله عليه وسلم حث على حماية البيئة ، ومكوناتها ، وليس أدل على ذلك من وصاياه التي أوصى بها جيشه في غزوة " مؤتة " وهو يتأهب للرحيل : لا تقتلوا امرأة ، ولا صغيرا رضيعا ، و كبيرا فانيا ، ولا تحرقوا نخلا ، ولا تقلعوا شجرا ، ولا تهدموا بيوتا ".هذا في الحرب ، ومن باب أولى في السلم ، وتزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة ، ومن ثم الحد من أثر الظواهر الطبيعية مثل الإنجراف ، والتصحر والجفاف ، وفي هذا المعنى يقول الرسول الكريم " ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان له به صدقة " صحيح مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم " اتقوا الملاعن الثلاث ، قالوا وما هي الملاعن يا رسول الله قال " أن يقعد أحدكم ـ أي يتبرز ـ في ظل يستظل فيه ، أو في الطريق ، أو في نقع ماء " رواه أصحاب السنن .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اتقوا اللعانين فالوا : وما اللعانين يا رسول الله ؟ قال " الذي يتخلى ـ أي يقضي حاجته ـ في طريق الناس أو ظلهم " رواه مسلم .وروى الترمذي عن سعد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله طيب يحب الطيب ، نظيف يحب النظافة ، كريم يحب الكرم ، جواد يحب الجود ، فنظفوا أفنيتكم ولا تتشبهوا باليهود ". فأين نحن مما نراه اليوم في أزقتنا ، وشوارعنا ، وأمام البيوت من القمامات ، والقاذورات ، والشواطئ من أزبال وأوساخ ونفايات ، إنه سلوك غير حضاري ، وتدمير للطبيعة والإنسان ، وهذا السلوك بعيد عن ثقافتنا ، وديننا ، وأخلاقنا ، وحضارتنا العريقة ، ولا يمت بصلة إلى مجدنا وديننا وحضارتنا.إذن ، فالمحافظة على البيئة ليس كلام جاء من فراغ ، ولكنه دعوة إسلامية وإنسانية وحضارية دعا لإليها ديننا قبل غيره بقرون عديدة ، فالمحافظة على البيئة مسؤولية الجميع ، لأن الضرر يشمل المجتمع ويتأثر به الجميع -