عبد الرحيم وخديجة.. تفوق دراسي وسط إعاقتين لقيتا التجاهُـل
هسبريس - طارق بنهدا
"عندي غير الله.. ومعاناتي مع أبنائي لم تتجاوز سقف بيتي" هكذا تحدث الأب ابراهيم المخلوفي، ضمن تصريح لهسبريس، وهو يحكي قصة تضحيته رفقة زوجته مع اثنين من أبنائهما السبعة، وهما المصابين بالصم والبَكم منذ الولادة، إلا أن التحدي الذي رفعه "سي براهيم" في منح أسرته العيش بكرامة أوصل عبد الرحيم إلى نيل شهادة البكالوريا هذا العام، واستمرار خديجة في السنة الثالثة إعدادي، بالرغم من وضعيتي الإعاقة التي يتعايشان معها.
يقول سي براهيم، القاطن في كلميم وهو متقاعد منذ 2010 من الخدمة بجهاز القوات المساعدة، إن إعاقة ابنه عبد الرحيم المخلوفي، ذو الـ21 سنة، لم تمنعه من متابعة دراسته التي توجها هذا العام بحصوله على شهادة البكالوريا في العلوم التجريبية من ثانوية "باب الصحراء" التأهيلية بالمدينة، وجرى في ظل غياب مدارس خاصة بهذه الفئة.. ما أجبر والديه على تسجيله في المدارس العمومية مع باقي التلاميذ الأسوياء. معاناة الأب مع ابنه الفاقد لنعمتي السمع والتكلم بدأت منذ تردده على المؤسسات التعليمية، التي لا توفر بتاتا ظروفا التعاطي مع الحالات الخاصة.. "وجدنا صعوبات بسبب إعاقته، خاصة في المواد التي تتطلب استعمال حاستي السمع والنطق.. لكن ذلك لم يمنعه من المثابرة وبذل الجهد للحصول على شواهده الدراسية.. آخرها الباكلوريا" يقول إبراهيم ويضيف أن عبد الرحيم مقبل على الدراسة بالجامعة ويواجه مشاكل في اختيار المسلك الجامعي في ظل غياب أي توجيه أو مؤسسات يمكن اللجوء لها للمساعدة.
الحالة الصعبة لعبد الرحيم ليست الوحيدة في أسرة سي براهيم، فأخته البالغة من العمر 15 سنة تعاني الإعاقة ذاتها، وهي الآن بصدد متابعة دراستها، برسم الموسم الدراسي المقبل، في السنة الثالثة من التعليم الاعدادي، أما أخته الثالثة فمصابة بخلل عقلي أقعدها المنزل إلى جانب شقيقة أخرهي الكبرى ومطلقة، والكل يشترك فضاء السكن مع أخوين اثنين حصلا على الإجازة ويتواجدان وسط بطالة، فيما تتابع الابنة السابعة دراستها الجامعية بعد حصولها على دبلوم تقني متخصص.
يقول سي براهيم لهسبريس إنه طرق الأبواب كلها.. ويزيد: "بلغت درجة من اليأس إلا من رحمة الله.. وأحسست أن وجودي كمواطن مغربي لا يعني المسؤولين ما داموا لم لتفتوا لمعاناتي.. ولا مسؤول من النيابة الإقليمية لوزارة التربية الوطنية، أو حتى إداري بالثانوية، طرق بابي للتنويه بابني الذي حصل على شهادة البكالوريا وسط كل هذه الإكراهات، أو شخص بادر لتقديم مساعدة في استمراره بالدراسة الجامعية.. لا شيء من ذلك توفر". ويعيب الوالد عدم وجود مصالح لرعاية ومساعدة الصم والبكم في كلميم، إذ يقول: "ابني قدم شواهد طبية طيلة فتراته الدراسية دون أن يلتفت إليه أو يتم تدريسه كما يدرس الأسوياء.. رغم أن اللغة التي يتقنها في التواصل هي اللغة العامية وليس المعتمدة بالإشارة التعليمية"، موردا بكل أسى: "الجمعيات التي طرقت أبوابها واشتركت معها سنويا لم تقدم لنا أي شيء، بل تحملني أنا مسؤولية البحث عن أفرادها الذين لا يلتفتون إلينا".
"كاين الله".. هكذا أجاب رب الأسرة المكلومة في أبناءها حين سألته هسبريس عن مدى تفاعل المصالح الخارجية لوزارة التربية الوطنية ووزارة الشؤون الاجتماعية والأسرة والتضامن، وغيرها من المؤسسات الرسمية ذات صلة، ليضيف: "أنا بين مطرقة أبنائي وسندان المؤسسة التي أعمل بها وعاتبها لكونها لم تقدم لي السند والدعم اللازمين رغم المراسلات المتكررة التي وجهتها نحوها".
"أريد من الناس أن يعلموا بمعاناتي ومعاناة أبائي.. فأنا مواطن كباقي المواطنين ممن لهم الحق في الرعاية، لكني أشعر وكأني غير موجود في بلدي، وبلغت مع ذلك درجة يأس إلا من رحمة الله تعالى" يتحدث سي براهيم والدموع تسيل من مقلتيه دون أن ينسى كفاح زوجته معه وهو يشيد بما بصمت عليه في مشوارهما الاجتماعي ضمن الأسرة التي نشأت في كلميم.