توطئة
يحق لبلادنا أن تتبوأ مكانة أفضل مما هي فيه و يبدو طموحا مشروعا أن نصبو إلى أن نكون من بين الأمم المتقدمة و الرائدة على الصعيد العالمي.
و حتى لا يصبح هذا الطموح مجرد حلم طوباوي وجب أن نوفر كل الشروط الضرورية لتحقيق إقلاع طالما تأخر و رقي طالما استعصى.
هذا الإقلاع لكي يكون ذا مفعول و أثر ملموس يجب أن يشمل جميع المناحي من اقتصاد و طب و ثقافة و رياضة... و من البديهي القول أن كل هاته المناحي ما هي إلا طبقات بنيان أساسه الأوحد و الوحيد هو التعليم. فمتى اختل هذا الأساس أو كان هشا أو مغشوشا فمن العبث أن نبني فوقه.
أي تعليم نريد؟
في اعتقادنا أنه لا توجد وصفة قابلة للتطبيق في كل مكان و في أي زمان. إن تعليمنا عليه أن يساهم في بلوغ رؤية إستراتيجية لما نود أن نرى عليه وطننا مستقبلا.
و ما الفشل الذريع الذي نكتوي بناره اليوم إلا تجليا لغياب هاته الرؤية. فنحن أنشأنا المدارس و المعاهد و كوننا الأطر لتدريس أبنائنا و كأننا نقوم بذلك فقط من باب رفع العتب أو لأنه يجب فعل ذلك.
و حتى لا نطيل و لكي نذهب مباشرة إلى صلب الموضوع نقول أن السؤال السابق للتعليم الذي نريد يجب أن يكون: ما هو البلد الذي نريد أن نبني؟ إذاك سنقر تعليما يساهم في البناء بل كما أسلفنا يكون هو أساس هذا البناء.
و نظن أن كل المعطيات الجيوستراتيجية تدفع في اتجاه أن نكون بلدا في الأول صناعيا و في العمق فلاحيا، بلد منفتح على محيطه الإقليمي و الدولي و متجذر في عمقه الإفريقي.
و متى كان هذا التصور واضحا و هذا الأفق الإستراتيجي مبنيا على دراسات علمية و توقعات تنطلق من أرضية صلبة وفق مراحل و محطات محددة في المستقبل المنظور و المتوسط و البعيد، يسهل علينا اختيار نوعية التعليم الذي نريد.
و هكذا فإننا ندعو إلى تعزيز التوجه العلمي لدى الأجيال الصاعدة بالتركيز على مواد التفتح الذهني و إيلاء الأهمية المطلقة للرياضيات و باقي المواد العلمية.
و لبلوغ هذا الهدف وجب إعادة النظر بصفة جذرية في المناهج المتبعة المعتمدة أساسا على التلقين و على تكريس نمطية مقيتة في التفكير لدى التلميذ الذي ما إن يصادف مسألة رياضية مثلا لا تشبه ما رآه في التمارين التي تم إنجازها في القسم حتى يقف عاجزا عن حلها و يكون رد فعله هو: "لم يسبق لنا أن رأينا مثل هاته المسألة". فعوض أن نمكن التلميذ من آليات التفكير المنطقي و العلمي نغرس لديه أسلوب "تفكير" نمطي و عقيم أقصى ما يمكنه القيام به هو استنساخ نفس الحلول لمسائل تتكرر في المغزى مع تغيير لا قيمة له في المعطيات الرقمية.
هاته الثورة الصناعية التي نود أن تنطلق من أقسامنا الابتدائية لا بد لها أن تكون مدعومة و مرافقة بمنظومة فكرية خلاقة.
و نحن هنا نلمس جرحا أصبح كالدمل ينخر تعليمنا العليل أصلا، و نقصد بهذا مسالك العلوم الإنسانية التي كما يعرف الجميع أصبحت في الغالب الأعم ملاذ "الفاشلين دراسيا" ممن لم تسعفهم درجاتهم في ولوج المسالك العلمية. و لعمري فإن هذه من أكبر المصائب التي ابتلي بها تعليمنا، فمن يدلني على أمة متقدمة لا تنتج و بغزارة فكرا إنسانيا و فلسفيا ؟
التعليم... سؤال تقرير المصير
المواضيع المتشابهه
