ارتبطت سورة الزلزلة في ذاكرتي بهلع طفولي وطمأنينة تحل مع قراءتي لآياتها.
كانت صورة الزلازل ترهبني واتخذ أحد أقاربي خوفي هذا وسيلة للسخرية من سذاجتي الطفولية فصار يخبرني بأن الزلزال قادم وأن السبيل إلى إيقافه هو أن أستظهر السورة المذكورة عن ظهر قلب ومع أنها كانت في عمري ذاك تبدو طويلة إلى أنني كنت أفعل ماينصحني به دون أن أخطأ أو أتعلثم.
هذه السورةمن كتاب الله التي لايتجاوز عدد آياتها الثمانية ظلت في ذهني و قلبي وحين عدت كإنسانة راشدة لتصفح وتمعن ماورد فيها لم أزدد إلا إيمانا بالله الخالق الذي يعلم أسرار هذا الكون و يتحكم فيه كما يشاء.
الأرض التي تجمع البشر و تحمل أثقالهم وأثقالها و أحلامهم و دناهم وسهولها وجبالها يحركهاالله ويقلبها إذاأراد لتلفظ مابجوفها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:تلقي الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا.
لاشيء يصعب على البارئ وكل ماقد يخفيه حي أو ميت يظهر ساعة الحق حين لايفلت جبان أو شجاع ، كل الأوراق تنكشف وإذا حدثت الأرض أخبارها فلا أحد ينفي أويكذب كلامها قال الرسول الكريم صلوات الله عليه:فإن أخبارهاأن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا فهذه أخبارها.
سورة الزلزلة تحمل الصورة المهولة للأرض التي قد يعيث فيها الإنسان فسادا أويريد أن يجعل منها جنة لكنها تظل وفية لله وحده تأتمر بإمره وتخضع لحكمه وحده لاشريك له.
هذا كله ومع التذكير بالفناء والمواجهة والحساب فإن العدل الإلهي يتجلى في هذه السورة في أدق تشبيه وتمثيل يقول تعالى:‘فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ،و من يعمل مثقال ذرة شر يره
ورد في تفسير الطبري أن المقصود بمثقال ذرة مثقال نملة حمراء وفي تفسير ابن كثير أن مثقال ذرة يعني وزن أصغر النمل.
لاخطيئة صغيرة ولامعروف مهما كان ضئيلا يضيع حسابه سواء كان عقابا أو ثوابا.
أخرج سعيد ابن منصورعن المطلب ابن عبد الله بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في مجلس ومعهم أعرابي جالس :’ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره،ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
فقال الأعرابي يارسول الله! أمثقال ذرة؟
قال:نعم
فقال الأعرابي:واسوأتاه! ثم قام وهو يقولها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :’لقد دخل قلب الأعرابي الإيمان.
تأمل الأعرابي للآيتين أنار بالإيمان قلبه وفي ذلك قدوة لنا فنتأمل الصورة حين نقرأ الكلمات ونقف أمام التشبيه و الحكمة منه و نستشف المعنى و نختار الصواب.
ولعلي أختم هذا المقال بحكاية أبي بكر مع نزول هذه السورة : أخرج ابن أبي الدنيا في كتاب البكاء وابن جرير و الطبراني وابن مردودية والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال’:أنزلت إذا زلزلت الأرض زلزالها وأبو بكر رضي الله عنه قاعد فبكى ،
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :مايبكيك يا أبا بكر؟
قال:تبكيني هذه السورة.
فقال:لولا أنكم تخطئون و تذنبون فيغفر لكم، لخلق الله أمة يخطئون و يذنبون فيغفر لهم.
صدق رسول الله.