تلاميذ يتيهون وسط عاصفة ثلجية بين الداخلية والبيت - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



دفاتر أخبار ومستجدات التربية الوطنية و التكوين المهني هذا الركن بدفاتر dafatir خاص بالأخبار والمستجدات الوطنية المتعلقة بقطاع التربية الوطنية والتعليم المدرسي و التكوين المهني

أدوات الموضوع

التربوية
:: مراقبة عامة ::
تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2008
المشاركات: 10,765
معدل تقييم المستوى: 1294
التربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداعالتربوية في سماء الإبداع
التربوية غير متواجد حالياً
نشاط [ التربوية ]
قوة السمعة:1294
قديم 06-02-2012, 21:01 المشاركة 1   
افتراضي تلاميذ يتيهون وسط عاصفة ثلجية بين الداخلية والبيت

تلاميذ يتيهون وسط عاصفة ثلجية بين الداخلية والبيت

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
01 فبراير 2012.
ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
تمر السنة الدراسية في دوار بقريت بالأطلس المتوسط متقطعة. التلاميذ والتلميذات يدرسون على إيقاع «تيقراوْ مرَّا مرَّا». سنة دراسية محكومة بالانخفاض الشديد لدرجة الحرارة وتساقط الثلوج. تطرد قساوة الطبيعة المعلمين والمعلمات في اتجاه مدنهم، وهو المعطى الذي يجعل أطفال قرى الأطلس «يقراوْ شهر ويريحو شهرين». أما الذين ينجحون في الانتقال إلى المرحلة الإعدادية ثم الثانوية فعليهم أن يكابدوا الانتقال إلى تيمحضيت وآزرو ليقيموا في «الداخلية» بعيدا عن ذويهم، مع احتمال تعرضهم لأذى العواصف الثلجية أثناء عودتهم لقضاء العطلة الأسبوعية ببقريت.. هذه بعض المغامرات التي عاشها تلاميذ المنطقة، وعينة من انطباعاتهم وردود فعل أولياء أمورهم… في انتظار وعي المسؤولين المركزيين بضرورة سنة دراسية جهوية خاصة بهذه المناطق.

التساقطات الثلجية الأخيرة بدوار بقريت القابع في أعالي الأطلس المتوسط، أنعشت الذكريات الأليمة.. أيقظتها من سباتها.. صارت المعاناة حكايات يرويها الذين كابدوها وتجرعوا آلامها.. لا بأس من استعادتها واسترجاع تفاصيلها..

انطلقت العاصفة الثلجية. نزل «باريير» الحاجز إعلانا عن إغلاق الطريق الرابطة بين تيمحضيت وبقريت. عزيز أوحمو ورفاقه ممنوعون من قضاء عطلتهم الأسبوعية على أَسِرَّة نومهم في الداخلية. عليهم أن يعودوا إلى منازل ذويهم بدوار بقريت المحاصر بالثلج. ماذا سيفعلون ووسائل النقل قد انعدمت تماما؟ حتى سيارات «الخطافة» انقطع أثرها. وحدهم أمام الطريق التي غمرتها الثلوج وعين الله التي ترعاهم.

تلاميذ في عاصفة ثلجية

عزيز أوحمو تلميذ من بقريت في عامه الثامن عشر. نجح في تجاوز المرحلة الابتدائية بفرعية الدوار كيفما اتفق. انتقل إلى الدراسة بإعدادية تيمحضيت. يقطع كل نهاية أسبوع أكثر من ثلاثين كيلومترا. مُكْرَه على أن يعود كل يوم سبت من تيمحضيت إلى دوار بقريت. الداخلية تغلق أبوابها في وجه التلاميذ القادمين من دواوير المنطقة، أو كما قال الفتى بنبرة ضاربة في الاضطراب حد اللعثمة «سيرو بحالكم»، ثم أردف موضحا «تيجريوْ علينا السبت والحد».

واجه الفتية قدرهم صبيحة ذلك السبت. يستحيل أن يقضوا ليلتهم في العراء. منهم للثلج والبرد القارس. عليهم أن يعودوا إلى منازلهم ببقريت حيث ينتظرهم «الفورنو» والطعام. انطلقت رحلة العودة إلى بقريت يوم السبت على الساعة العاشرة صباحا. قطع التلاميذ أكثر من اثنين وعشرين كيلومترا سيرا على الأقدام والثلج يغمر أقدامهم إلى حد الركبتين.

«مغامرة نيت». قال عزيز. لم تتخلص نبرة صوته من الاضطراب. استعادة الذكرى الأليمة لها حُكْمها على التلميذ. تعقدت الأمور أكثر عندما أصيب أحدهم بنزلة برد شديدة. ارتفعت درجة حرارته وعجز عن الاستمرار في مقاومة الثلج. «ما قدرش يكمل معانا الطريق». قال في وصف حالة رفيقه. استسلم وسقط أرضا. تطوع عزيز وحمل زميله المريض على ظهره، لكن ثقل وزنه وصعوبة اختراق الثلوج، اضطراه إلى أن يطلب منه استجماع قواه ومحاولة السير على قدميه. أمسك به من يده، ثم عثر على سلك فربط زميله من حزام سرواله، وفعل الشيء نفسه، وجره خلفه حتى لا يسقط الفتى المحموم ويغمره الثلج.

شقوا الطريق في البرد القارس والثلج المتساقط. انضاف الجوع إلى الحساب ليزيد من حدة معاناتهم «قتلنا الجوع وما كاينينش الحوانت مين نشريو الماكلا». من حسن حظهم أنهم صادفوا في طريقهم فريقا من الصيادين جاؤوا إلى منطقة حيان لمزاولة هواية القنص. قصدهم التلاميذ المنكوبون، وطلبوا منهم أن يجودوا عليهم ولو بكسرة خبز. شكرا لهم «لقينا عندهم شي خبز عطاوه لينا».

تجاوزت عقارب الساعة الرابعة زوالا عندما وصلوا إلى الطريق الثانوية المتفرعة عن الطريق الوطنية التي تستمر في اتجاه الرشيدية. تجمدت أطرافهم، ولم تعد الأقدام قادرة على حملهم والسير بهم في اتجاه الدوار. تحالف ضدهم البرد والثلج والجوع ومرض زميلهم.

بدأت الظلمة تنشر سوادها على بياض الثلج الذي لم ينقطع سقوطه. هدهم التعب والجوع. كان نصيب عزيز مضاعفا لأنه مكلف برفيقه المريض. يتلعثم ويضطرب صوته «ضرب علينا المغرب» والدوار ما زال بعيدا. خارت قواهم وانخفضت درجة حرارة أجسادهم أو كما عبر عن ذلك قائلا «جمدنا صافي». انخفاض حرارة الجسم دليل على الخطر. تخونه الكلمات العربية «صافي بغينا نموتو نيت»! زلة لسان فتى أمازيغي لم يسعفه معجمه العربي على ترجمة انفعاله باللحظة. ترجمة تقريبية «كنا غادي نموتو». أشرفوا على تسليم الروح إلى باريها.

الطريق ما زالت طويلة ومنسوب الثلج المتساقط وصل ارتفاعه إلى الخصر. عليهم أن يعثروا على ملجأ يحميهم من موتهم المؤكد إن هم واصلوا طريقهم الثلجية. احتموا ببناية فصل دراسي مهجور يقع على جانب الطريق الفرعية قبل أن تنقلب إلى «بيست» يؤدي مباشرة إلى دوار بقريت. قال عزيز واصفا ما كابده وهو يجر رفيقه المريض «بالدراع باش وصلتو حتى للمدرسة»، ثم استدرك قائلا «كون حصل بوحدو يموت». هذا أكيد.

الثلج يتسرب من نافذة الفصل الدراسي المهجور. الكلاب تنبح. إذن المنازل قريبة ولكن كيف السبيل إليها. من حسن حظ التلاميذ المهددين بالموت، أن صاحب أقرب منزل إلى «المدرسة» أحسن قراءة نباح الكلاب، وقصد البناية المهجورة. وصل فوجد ستة تلاميذ محاصرين وفرائصهم تضطرب من شدة تشرب أجسادهم للبرودة وهم يخترقون الطريق التي غطتها الثلوج. سألهم الرجل عن سبب لجوئهم إلى الاحتماء بالفرعية فرد عليه عزيز «آسيدي حصلنا والطريق ما زال بعيدا علينا.. عفاك عتقنا». لن يخيب ظنهم فأهل المنطقة مضيافون وكرماء. كان الرجل المضياف منقذهم من موتهم المحقق. استضافهم في منزله طيلة ثلاثة أيام بنهاراتها ولياليها الطويلة. استضافهم وأكرمهم إلى أن توقفت الثلوج عن السقوط، ونجحت مصالح وزارة النقل والتجهيز في إزاحة الثلوج وفتح الطريق.

«أنا خرج فيا الديفو ف هاد الرجل». قال عزيز أوحمو، ثم رفع قدمه وكشف عن العطب الذي أصابها بعد أن انخفضت درجة حرارتها وانطلقت في التجمد «بردت وتجمدت صافي». النتيجة «ما بقيتش تنقدر نمشي بيها». ما زال إلى يومه هذا يعاني من تلك الإصابة، ويلاقي عسرا في استعمال رجله أثناء السير «ما تنتمشاش بيها مزيان.. والو.. بحال إلا ماتت».

حكيم ينجو بأعجوبة

كان حكيم يتابع دراسته في موسم 2009-2010 بالسنة الأولى من التعليم الثانوي بمدينة آزرو. قضى عطلته الأسبوعية بين أفراد أسرته ببقريت. حمل حقيبته زوال يوم الأحد رغم أن الثلج بدأ في السقوط على منطقة بقريت. توجه إلى الطريق الثانوية بحثا عن وسيلة نقل. ارتفعت حدة الثلوج المتساقطة. غمرت الطريق فارتأى أن يتقدم سيرا على قدميه في اتجاه الطريق الوطنية على أمل أن تكون مفتوحة ويصادف «خطافا» أو فاعل خير ينقله إلى آزرو، أو تيمحضيت على الأقل.

لم ترحمه الثلوج. تجاوزت خصره. صارت الفخ الذي وقع في شراكه. صار كالمُنْبَتّ. لم يقطع المسافة في اتجاه الطريق الوطنية أو «الكبيرة» كما يقول، ولم يعد يستطيع العودة من حيث أتى. قاوم الثلوج وتحدى عائقها إلى أن نجح في الوصول إلى ملتقى الطريقين. لا أثر لـ«*****رون». للأسف الطريقة الوطنية صارت قطعة من البياض الذي فرض سطوته على المنطقة. كأن الطريق المعبدة لا تمر من المكان الذي صار قطعة من ثلج لا تتوقف عن الارتفاع.

قرر العودة إلى منزل الأسرة ببقريت. أقرب طوق نجاة هو منزل عمه في منتصف الطريق إلى الدوار. لكن عليه أن يقطع عشرين كيلومترا من الثلج. لم يستسلم. استمراره في الحياة رهين بالمقاومة، والسير ثم السير رغم أنف الثلج والريح والانخفاض الشديد لدرجة الحرارة. إذا توقف ستهزمه الطبيعة القاسية المحيطة به، وسيسلم الروح لا محالة.

اللحظة غير قابلة للوصف. تحتاج إلى وسيلة أخرى غير اللغة للإحاطة بدقائقها. ملامح الولد، انفعالاته، التوتر البادي على طريقته في النطق بحروف الكلمات، وحركات يديه، بل حتى الضحك لا يخلو من ذلك الأثر المتبقي من التجربة الأليمة التي مر منها. يستعين بالشعار الرجاوي الذي جعل منه شالا ليعينه على صياغة الجمل المفيدة. ارتفعت حدة سقوط الثلوج. انعدمت الرؤية وسط البياض الهائل. غمرته الثلوج الرافضة للتوقف. يستحيل الاستمرار في السير. «صافي فشلت وما بقيتش قادر نحرك رجلي». صار نقطة ثابتة وسط ذلك الكم الهائل من الثلج. حاجز طبيعي يعوق تحركه ويثبته حيث هو كأنه قيد يقيده. لن يصل سالما إلى منزل عمه «إلا مشيت غادي نموت ف الطريق». سيكون الثلج قبره لا محالة.

ما الحل؟ عليه أن يعثر عن ملجأ يحتمي به من هذا العدو الذي لن يرحمه. تراءت له دار غير بعيدة. الحمد لله. استجمع ما تبقى له من قوة على مواجهة الثلج والبرد، وانطلق في شق طريقه خطوة خطوة نحو المنزل. هيء له أحيانا أنه يراوح مكانه ولا يتقدم خطوة واحدة. بعد مشقة عجز عن التعبير عنها بما أوتي من كلمات عربية، وصل أخيرا إلى الدار. دق الباب «ضيف الله حاصل ف الثلج». استقبله صاحب المنزل ولم يحتج إلى شرح ملابسات اضطراره إلى طلب «ضيف الله». أهل المنطقة مضيافون وترتسم على ملامحهم علامات الفرح والانتشاء وهم يستقبلون الضيوف.

يعترف بأن الرجل لم يخذله ولم يخيب أمله الأخير في النجاة من موت محقق. اعتبره واحدا من أبنائه «زيد دخل تسخن.. بحالك بحال ولادي». رحب به وطلب منه الجلوس على مقربة من «الفورنو» حتى يسري الدفء في أطرافه وتستعيد حرارتها الطبيعية. حكى حكايته. تلميذ من بقريت يريد أن يلتحق بالمؤسسة التي يتابع بها دراسته الثانوية بمدينة آزرو. وقف الثلج حاجزا سميكا بينه وبين هدفه المنشود.

قضى ستة أيام بالتمام والكمال ضيفا مكرما معززا عند الرجل. أمر قد لا يستسيغه البرانيون عن الأطلس المتوسط وكرم أهله وقدرتهم الأسطورية على العطاء. مكث في ضيافة أهل الدار إلى أن توقف الثلج عن السقوط، وحضرت المصالح المختصة في إزاحة الثلوج المتساقطة وفتح الطرق أمام مستعمليها. حضر في صباح اليوم السابع قائد المنطقة، وأشرف على سير عملية تخليص الطريق الثانوية المؤدية إلى بقيرت. طلب التلميذ من القائد أن يحمله على متن سيارته لأنه يريد العودة إلى منزل والديه حتى يطمئنهم.

اكتفى حكيم بتجميد ابتسامة غامضة على محياه بعد انتهائه من سرد وقائع مغامرته الثلجية، فعلق عزيز أوحمو على ما رواه ابن دواره «خاصك تشوف الثلج اللي طاح داك العام»، كأنه ينوب عنه في صياغة ما لم يستطع النطق به…

موسم دراسي استثنائي مدته ثلاثة أشهر!

حدُّوم طفلة تتقن التحكم في الشاقور وهي تقطع الخشب. الثلج تراكم على طول جذع الشجرة المدد خلف البنت النشيطة وهي تستخلص من الجذع تلك الأجزاء الصغيرة التي ينتظرها الفرن الطيني لطهي الخبز. قال والدها وهو يسرح ببصره في اتجاه جبل تيشوت أوبرشان المكسو بالبياض «عندنا كل شي تيخدم.. كبار وصغار». حتى بشرى أوحمو بنظاراتها الطبية لم يشفع لها سنها. بشرى غير معفية في عامها الخادس من نصيبها في العمل الجماعي. مهمتها حمل قطع الخشب في اتجاه المطبخ أو الفرن الطيني الواقع خلف البناية. انتهت من هذه المهمة وانتقلت مباشرة إلى قيادة «الحمارة» والتحكم في اللجام، بينما الجدة تمسك بـ«خنشة الغبار» حتى لا تسقط من على ظهر الحيوان. رحلة محفوفة بخطر الانزلاق بعد أن بسط الثلج سلطانه على الأرض في اتجاه حقل شجر التفاح.

انتهى الأولاد والبنات من مهمة مساعدة جدتهم في تقطيع الخشب ونقل الحطب إلى داخل المنزل. كل حسب سنه وقدرة جسده على التحمل. التحقوا بمطبخ الدار. مرفق يستعمل للطبخ وجلوس أفراد الأسرة وتناول الطعام. تحلقوا حول «الفورنو» يستمدون من ناره الدفء المنشود في هذه العشية الباردة بدوار بقريت.

موسم دراسي استثنائي

التحقت الجدة بأحفادها وحفيداتها طلبا لنصيبها من الدفء. تأمل حسن أوحمو أبناءه وأبناء شقيقه، ثم قال كأنه يجيب عن سؤال لم يُطرح عليه «ولادنا ضاعو». صوته مثقل بنبرة الاحتجاج. أولاد وبنات بقريت لا يدرسون طيلة فصلي الخريف والشتاء. كيف يعقل ذلك؟! رفع الأب حجاب الستر عن سبب العجب حين أعلن قائلا «دابا القرايا ما كايناش»! تلاميذ بقريت في عطلة اضطرارية! ثم صاغ تعاطفه مع المعلمة متسائلا «كي دِّير المعلمة حتى هي؟!». تنخفض درجة الحرارة فينسحب المعلمون والمعلمات هربا من عدو لا يرحم، اسمه «أصميد». البرد القارس يطرد المعلمة «المعلمة حتى هي مسكينا.. ما تتصبرش للبرد.. مرَّا تتجي مرَّا ما تتجيش». تترك الفرعية وتهرب إلى العاصمة الرباط.

حسن أوحمو غاضب وقلق على مصير أطفال الأسرة والدوار «ما تيقراوش ف العام ثلاثة الشهورا صحاح». الطامة الكبرى أنهم «تينجحوهم واخا ما تيقراوش»! تدخل عزيز، شقيق حسن الأصغر، وقال موضحا «تنطلعو للثانوية ما تنفهمو والو»، ثم أردف المراهق الذي يتابع دراسته في السنة الرابعة إعدادي بتيمحضيت «تنكونو زركين ف الماط».

ما معنى «مدرسة بلا معلم؟». ما قيمتها؟ وما الفائدة المرجوة منها؟ نجحت الجدة في نطق بكلمة «مكرفسين». لخصت فيها كل ما كانت تود أن تعبر عنه بالأمازيغية التي تطاوع لسانها. ابتسمت واستعانت بأصابع يدها المسودة لتحجب ابتسامتها، ثم نطقت قائلة «تنفهم العربية.. باش نرد عليك.. والو». ابتسمت مرة أخرى كطفلة بريئة، وانطلقت في الحديث بالأمازيغية. ترجم عنها ابنها حسن قائلا «ما كاينش اللي يهدر على ولادنا».

هدى في عامها الثالث. تلعب. بل ترقص قرب موقد النار طلبا للمزيد من الإحساس بالدفء. تحلق أفراد الأسرة حول «الفورنو» بينما استمرت الطفلة الصغيرة في لعبتها. الحديث ذو شجون. عاد حسن إلى الموضوع الذي يقض مضجع راحة باله «الدراري هادي شهرين ما قراوش». مرة أخرى المعلمة «جرى عليها البرد والتلجا وما كاينش الضو». لن تعود في القريب العاجل، خاصة بعد أن سقط الثلج. ستنتظر إلى أن تتحسن الظروف بداية مارس القادم.

باغي نمشي نقرا

الحسين أوحمو طفل في عامه الثاني عشر. جلس على مقربة من الفورنو وهو يضع كفيه السوداوين على خديه المحمرين كأنه يحمل ثقل هموم الدنيا على عاتقه الفتي. نظرات تائهة. وحده يعلم أين «يسرح» ودفء الموقد يسري في أوصاله. نظريا الحسين تلميذ يتابع دراسته في المستوى السادس من التعليم الأساسي. لماذا نظريا؟ يجيب الحسين ببساطة وعفوية الطفولة «ما تنمشيش للمدرسة». علاش ما تتمشيش؟ أجاب دون أن تغفل يداه عن أخذ نصيبهما من نار الموقد «ما كاينينش الأساتذة». كيفاش ما كاينينش؟!. «ما تيجِيوْش». شحال هادي ما مشيتيش للمدرسة؟ «هادي شي شهرين ما قريتش»! شهية الحسين مفتوحة للتمدرس أو كما يقول «أنا باغي نمشي نقرا»، لكن للأسف الشديد الأساتذة المدينيون لا طاقة لهم على تحمل قساوة الطبيعة في أعالي الأطلس المتوسط.

الحسين يحلم كأي طفل. يريد أن يصير أستاذا «باغي نمشي نقرا باش نولي حتى أنا أستاذ». حلم مشروع لكن الأستاذ الواقعي لا يحضر لأن القسم الذي يدرس فيه تنعدم فيه وسائل التدفئة والشروط الضرورية لتقديم الدروس في جو بارد والثلوج تحيط بالفرعية وتسيجها.

القسم ثلاجة

ختمت حدُّوم أوحمو عامها الحادي عشر. تدرس في «القسم الرابع». تعلن قائلة وهي تضم يديها إلى صدرها كأنها تجيب في حصة الدرس «هادي كتر من شهر ما قريتش». المعطف لا يقيها من تسرب «سم» البرد القارس إلى جسمها الصغير. يستحيل على المعلمة وتلاميذها البقاء داخل الفصل الدراسي أكثر من ساعة واحدة. حدوم طفلة صريحة لا تتقن المراوغة أثناء الإجابة عن الأسئلة. الحقيقة جاهزة دائما على طرف لسانها «عندنا جوج أقسام فيهم البرد بزاف». البرد عدو لا يرحم. يصير القسم ثلاجة تتجمد فيها أطراف الأجسام. يفقد التلاميذ ومعلمتهم التحكم في الأيادي «ما تنقدروش نكتبو.. تيضرونا صباعنا». تصير الأصابع قطعة متجمدة لا تسري فيها الحياة. بتعبير حدوم «صباعنا ميتين علينا».

حدوم لا تظلم معلمتها. تقدر ظروفها. تتعاطف معها في محنتها. تعجز المعلمة عن استعمال يديها وأصابعها. لا تطاوعها إن هي أرادت الكتابة على السبورة. تتكوم على كرسي جلوسها. تعمل ما في وسعها لاستمداد الدفء من الكم الهائل من الملابس التي ترتديها. دون جدوى. أصميد في الأطلس المتوسط لا يرحم معلمة شابة قادمة من الرباط. تضطر إلى الانسحاب مكرهة في اتجاه العاصمة.

الجميل في حدوم أنها لا تنهزم ولا تستسلم. تحذوها رغبة أسطورية في متابعة دراستها. «أنا باغا نقرا». التقط الأب جملتها الأخيرة، وتدخل موضحا أن تلاميذ بقريت يستيقظون كل صباح ويقصدون فرعية الدوار. يلتحقون بالقسمين الدراسيين، ثم يعودون خائبين لأن المعلمة لم تلتحق بعد.

فاضمة علي امرأة عجوز تجاوزت الثمانين من عمرها، تطوعت لإيواء المعلمة القادمة من العاصمة. تشرف شخصيا على تموين القسم بالخشب رغم أن المعلمة لم تحضر بعد. في انتظار التحاق المعلمة بعملها، تحمل إلهام شقيقها على ظهرها، وتقود أختها حادة لتعينها على السير السوي على بساط الثلج الذي أحاط بالمنزل الطيني البسيط.

هدر بالإكراه



ميمون مقوري تحدى البرد القارس في عامه الخامس عشر على طريقته الخاصة. حلق شعر رأسه بالكامل. «صلع» بالعربية المغربية. مشهد يضاعف من الإحساس بوقع «أصميد» في أعالي الأطلس المتوسط المكسوة بالثلوج. أعلن الولد وهو يخفي يديْه في جيبَيْ معطفه الشتوي «ما تنقراش». غادر الدراسة بعد انتقاله إلى السنة الثانية من التعليم الأساسي.
ميمون فلاح صغير. يحرث الأرض مستعينا بـ«الزوُّجَا» المشكلة من بغلين اثنين. يذهب إلى الغابة لجمع الحطب. يرعى قطيع الغنم. هذه الأيام سقط الثلج وغطى المراعي، بالتالي فميمون يكتفي بالإشراف على علف الأغنام والبقرات.
ميمون يتقاسم العمل هو مع والده، ولا يفكر في الهجرة إلى المدينة. يرتبط ببقريت أو كما قال بعفوية الطفولة وبساطة ناس الأطلس «غادي نبقى تنموت هنا»، بينما أقاربه منهمكون في تحميل قطع الحطب على متن الحمار الصبور.


من تلميذ إلى فلاح
سعيد مقوري يفضل الأعمال التي لا تضطره إلى الابتعاد كثيرا عن محيط الدار. أضاف «الشابو» إلى الطاقية حتى يضمن لرأسه الدفء المطلوب، واعترف بأنه لا يهمه أن تكون تلك الأعمال شاقة وتستمر طيلة ساعات النهار. ما يهمه بالدرجة الأولى أن يظل قريبا من المطبخ، وأن يكون الأكل رهن إشارته خاصة عندما تنخفض درجة الحرارة ويسقط الثلج.
أما الرعي وجمع الحطب فيتطلبان منه الاستيقاظ قبل الساعة الخامسة صباحا، ثم الانطلاق في اتجاه الغابة، والاكتفاء بقنينة شاي والخبز والبيض المسلوق، وأحيانا علبة سردين مصبر، في انتظار عودته إلى المنزل مع غروب الشمس.
راكم سعيد في عامه التاسع عشر، أو «دزعتاعش سنة» كما يعلن عن ذلك بلكنته الأمازيغية، خبرة كبيرة في مجال الأعمال الفلاحية. سوى جلبابه واطمأن على «الحزام» الذي تمنطق به حتى لا يعوق اللباس حركته وهو يقود الحمار المحمل بالحطب، ثم كشف عن كونه تابع دراسته بإعدادية عين اللوح إلى السنة الرابعة من التعليم الإعدادي. اضطر إلى وضع نقطة نهاية لمساره الدراسي منذ أربعة أعوام، وعاد إلى بقريت ليرث مهنة والده وأجداده «رجعت للفلاحا وتمَّارَا». قال قبل أن يستدرك مصوبا «ماشي طلعت ليا القرايا في الراس». رغبته في الدراسة كانت كبيرة، لكن ما يحز في نفسه هو ذلك الحرمان الذي عاشه وهو في القسم الداخلي بعيدا عن أهله «التكرفيس والبرد ف لا نتيرْنَا.. حتى الماكلا ما تتشبع ف كرشك».
أمر الحمار بالتحرك «آرّا.. زِيد»، ثم ختم كلامه وهو يتبع الحيوان «صافي دابا ما كاين غير الفلاحة». الثلج لا يرحم. أدنى حركة خاطئة تؤدى إلى فقدان التوازن ثم الانزلاق والسقوط أرضا. هذا ما وقع لسعيد وهو يحاول التحكم في حركة الحمار أثناء رحلة نزوله من المرتفع في اتجاه السفح.


تلميذات سابقات
مباشرة بعد قنطرة الواد الكبير أو «أسيف أمقران»، خرير المياه الجارية والبنات منهمكات في الصبين على طريقة أهل المنطقة كلما انخفضت درجات الحرارة وسقطت الثلوج. أوقدت أمينة النار على ضفة واد أتاكا أعوام لـ«تسخين الماء». يستحيل على البنت أن تستعمل الماء البارد. ستتجمد يداها. «يموتو عليا يدي» كما قالت وهي تتطمئن على اليدين اللتين تغير لونهما من كثرة تعرضهما للبرد.
ختمت أمينة مسيرتها الدراسية في نهاية السنة السابعة من التعليم الأساسي بإعدادية تيمحضيت البعيدة بأكثر من خمسة وثلاثين كيلومترا عن منزل أسرتها. لم تتحمل البعد والإقامة في القسم الداخلي. عادت للاستقرار في القرية حيث تفرغت في عامها الثالث عشر للأشغال المنزلية وجمع الحطب والرعي.
نجية حسمت الأمر في السنة الثانية ابتدائي أو «الزَّاوْجا» بلغتها. سقطت وهي ترعى الغنم فأصيبت في قدمها. منذ تلك الحادثة التي أقعدتها شهرا كاملا، توقفت عن الذهاب إلى الفصل الدراسي.
غرفت نجية الماء مباشرة من الواد وملأت القدر الذي اسود لونه من كثرة ما تلقى من دخان الحطب المحترق، فهي اليوم المكلفة برعاية موقد النار والاهتمام بالحطب المطلوب لاستمراره في تسخين الماء، بينما أمينة «تفرك» قطع الملابس مستعينة بـ«الفراكَا» في انتظار أن تزودها رفيقتها بالماء «السخون».
أما مبارك أوحمو فتوقف عن متابعة مشواره الدراسي في السنة الأولى من التعليم الثانوي. ناب عنه حسن أوحمو ليصف حالته «خويا الصغير خرج من الخامسة.. ضاع.. ما قرا ما تعلم الفلاحة».


جمال زايد









آخر مواضيعي

0 ورشة التقاسم و التعميق و التصويب في مجال tice
0 مقاربة النوع بمنظومة التربية والتكوين الدورة الخامسة لمسابقة الفن والآداب في خدمة المساواة
0 مشروع دعم تكوين المكونين في اللغة الفرنسية
0 المراسلة رقم 006-15 الصادرة بتاريخ 26 يناير 2015 بشأن تكوين الأساتذة المتدربين في الإسعافات الأولية و الإنقاذ
0 'الدروس الخصوصية' تسقط 18 أستاذا في نيابتي سطات وسلا
0 المراسلة رقم 225-14 الصادرة بتاريخ 10 دجنبر 2014 بشأن تنظيم المسابقة الوطنية الخامسة لفن الخطابة
0 المراسلة رقم 227-14 الصادرة بتاريخ 11 دجنبر 2014 بشأن الاحتفال بأسبوع الساحل
0 المراسلة رقم 226-14 الصادرة بتاريخ 10 دجنبر 2014 بشأن الثقافة المقاولاتية
0 هذه خطة بلمختار لـ«إنقاذ» التعليم في أفق 2030
0 غاز البوتان يتسبب في مقتل معلمة شابة باقليم شفشاون

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الداخلية, تلاميذ, بأحدث, بين, يتيهون, عازفة, والبحث, وسط

« ثلاثة مواسم دراسية بدون ترسيم لأساتذة فوج 3 غشت | الاعداد 336-337-338 من "ومضات اخبارية- لاكاديمية مكناس »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عازفة على رصيف المجانين بنت الريفـ الشعر والزجل 10 02-08-2014 03:45
طلب تبادل من بلدية قلعة اكونة الى بلدية ورزازات -ابتدائي talisse طلبات الابتدائي 2 03-07-2009 06:59
عاصفة غضب. amine al oumma الشعر والزجل 5 01-01-2009 20:58
عاصفة مطرية قوية جدا ستضرب غدا و بعد غد!! azraqbleu الأرشيف 17 31-10-2008 22:14
تلاميذ المستوى السادس بمدرسة الآفاق بلدية انزكان يحتجون على ما طالهم من تهميش ghayour المستوى السادس 3 31-10-2008 13:51


الساعة الآن 23:01


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة