كريستيانه أولريش*
الاثنين 08 ماي 2017
استأنفت أهم ثلاث مغانط مستخدمة في التجربة عملها على بعد 100 متر تحت الأرض.
تم الانتهاء من صيانة الآلاف من أجهزة الرصد الدقيقة وجعلها على أحدث مستوى؛ حيث سيبدأ هنا قريبا البحث عن حل أحد أكبر ألغاز الفيزياء؛ ألا وهو المادة المظلمة.
حمل الألماني كارل ياكوبس، مثل جميع العاملين في معجل هادرون التصادمي الكبير، أكبر معجل جزيئي للمنظمة الأوروبية للأبحاث النووية "سرن"، مقياسا للجرعة يقيس به كمية الإشعاع في أعماق مركز الأبحاث.
يشرف ياكوبس على إحدى التجربتين اللتين يحاول الباحثون من خلالهما العثور على ما لم يعثر عليه أحد من قبل؛ "فنحن عند أكثر خطوط التقنية تقدما"، بحسب ما أوضح ياكوبس أثناء هبوطه بمصعد كهربائي إلى باطن الأرض.
يعمل المعجل الجزيئي منذ عام 2009 حيث تجرى فيه أبحاث عن تكوين المادة، وبلغت إنجازات المعجل ذروتها عام 2012 عندما استطاع الباحثون إثبات وجود ما يعرف بجسيمات هيجز، الذي حلوا به مسألة بالغة القدم ألا وهي كيفية حصول أصغر مكونات الكون على حجمها. وتعود نظرية جسيمات هيجز إلى عام 1964، ولكن العلماء لم يستطيعوا إثباتها إلا عام 2012.
كان ياكوبس يشارك في التجارب التي أدت إلى إثبات وجود الجسيمات، وحصل مقابل ذلك على أعلى جائزة ألمانية للفيزياء التجريبية وهي وسام شترن جيرلاخ.
المعجل الجزيئي هو أكبر وسيلة علمية في العالم، وهو مسجل تحت هذا العنوان في موسوعة جينيس للأرقام القياسية.
يوجد المعجل في نفق دائري بطول نحو 27 كيلومترا، وهو يشبه مضمار سباق، بحسب ما وصفه ياكوبس، مبررا هذا الوصف بأن البروتونات تتحرك في هذا المعجل بسرعة الضوء تقريبا.
وتعمل الموجات الكهرومغناطيسية والمجالات المغناطيسية على تصادم هذه البروتونات من خلال تعجيل سرعتها إلى أكثر من 11 ألف دورة في الثانية.
"نريد أن نرى ما حدث في واحد على مليار من الثانية عقب الانفجار العظيم"، هو أحد أهم أهداف المشروع البحثي الأوروبي العملاق، بحسب ما أوضح ياكوبس.
قال ياكوبس ذلك بصوت يشبه الصياح؛ وذلك لأن أنظمة تبريد الأجهزة المغناطيسية تُحدث صخبا عاليا.
بدا العمال في هذا الجزء العملاق من النفق أقزاما مقارنة بالآلة الكبيرة التي يبلغ عرضها 24 مترا وطولها 45 مترا. ويبلغ قطر الأنبوبة الرئيسية التي تنطلق فيها الجزيئات نحو أربعة أمتار. وتصدر البروتونات من اسطوانة هيدروجين سعة 10 لترات.
يتم إطلاق البروتونات في أنبوب مفرغ من الهواء، وحثها على الدوران بسرعة بمساعدة مجالات كهربية ومغانط، عشرات المليارات من البروتونات، نصفها باتجاه دوران عقارب الساعة والنصف الآخر في الاتجاه العكسي.
يهتم الفيزيائيون فقط بجزء الثانية الذي تتصادم فيه البروتونات وما إذا كان هذا التصادم يؤدي إلى ما يبحثون عنه، ألا وهو المادة المظلمة، وما إذا كان ذلك يفسر لهم حقيقة الجزء الأكبر الذي نشأ عنه الكون الذي لا يتكون من اللبنات المعروفة للعلماء حتى الآن.
وردا على سؤال: لماذا كل هذا؟ أجاب ياكوبس بإجابة تشبه الرد الذي أجاب به باحث الطبيعة البريطاني مايكل فارادي (1791-1867) على وزير المالية البريطاني آنذاك عندما سأله عن السبب الذي يمكن أن يجعل الكهرباء شيئا مهما، قائلا: "لأنكم ربما فرضتم عليها ضرائب يوما ما".
أشار ياكوبس في هذا السياق إلى إنجازات البحث الفيزيائي، قائلا إنه لولا أبحاث فاراداي وزملائه في القرن التاسع عشر لما كان من الممكن تخيل العالم بصورته التي هو عليها الآن، وإن التأثير الكهرومغناطيسي المتبادل يسود حياتنا اليومية عبر أجهزة الهاتف المحمول وأجهزة الترانزستور، وغير ذلك.
كما أشار ياكوبس إلى أن أجهزة الرصد والكشف التي صنعها الفيزيائيون في مركز سرن من أجل تجاربهم تستخدم اليوم في الطب.
ويأمل ياكوبس في أن تكتَشف المادة المظلمة، وليس وقت نشأتها. ولكن الباحثين يعكفون الآن على جمع ملايين من البيانات التي يرصدونها وتنقيحها على مدى أشهر قبل انتظار نتائج التحليل التي تأتي بها أجهزة الحاسوب؛ "فنحن نعرف شكل بصمة المادة السوداء"، مضيفا أن مثل هذه الاكتشافات تصيب الباحثين أصحاب الأعصاب الباردة أنفسهم بالفزع، وتجعلهم يقفزون من فوق مقاعدهم إلى أجهزة حاسوبهم تماما كما حدث عندما أثبتوا وجود جسيمات هيجز "عندها قفزنا فوق الحاسوب".
أوضح ياكوبس أن هذا التصادم لا يؤدي إلى حدوث إشعاع، وأن ما يحدث فقط هو أن الميوونات المشحونة يمكن أن تأتي إلى الخارج عندما يبدأ المعجل العمل.
يمكن لهذه الميونات أن تضر جسم الإنسان بإشعاعها المؤين؛ لذلك لا يسمح لأحد بالهبوط إلى أسفل النفق عندما يشتغل المعجل.
ولكن الباحثين يقومون بقياس جرعة الإشعاع عند كل مرة يزورون فيها النفق، وكما كان متوقعا كانت نتيجة القياس التي أظهرها مقياس الجرعة "00.00"، مما يعني عدم وجود إشعاع.