عنوان القصة:....قروع وقروعة
على كبر سنها رزقت السيدة فاطمة بطفلين أقرعين،وخوفا من العين والحسد سمتهما :قروع وقروعة،يا لجمالهما الأخاذ ويا لروعة ابتسامتهما.
فرح الأب بالتوأمين،كاد أن يصبح كلالة لولا لطف الله.وتمنى أن يكبرا بسرعة ليصبحا شابين يتحملان مسؤولية البيت،وتمر الأيام كسرعة البرق ويبدأ الشعر ينموا على رأسيهما فتزغرد الأم معلنة غبطتها بالحدث السعيد.لكن هذا لن يغير من اسميهما شيئا:قروع وقروعة.
وصل سن تمدرس الولدين،أخد الأب قروع الى مدرسة القرية مزهوا متأبطا كناش الحالة المدنية.
تساءل قروع وهو يجرّ جرا الي المدرسة : الى أين؟ أريد أختي ...أريد قروعة....واو..واو.......لكن كان الأب حاسما في القضية:البنت للبيت ولا شيئ غير البيت.بكت قروعة وتوسلت لأبيها..لكنه كان متشبتا برأيه،الرفض ثم الرفض.فانصاعت لقرار أبيها والحسرة تعصر قلبها والغصّة في حلقها.قبّلت يد أبيها
وانصرفت تجرّ خيبتها.
وتمر الأيام وقروعة منهمكة في أشغال البيت،لكن بالليل كانت تجلس بجانب قروع تشجعه وتواسيه.
ومرّت السنون على هذا الحال.كلما سمعت قروعة صياح الأب،تعلم بأن قروع لم يفلح في أداء واجباته المدرسية فتسرع إلى نجدة أخيها متوسلة طالبة الصفح عنه.
كانت قروعة مولوعة بتربية الحمام في سطح البيت تشجيعا من أمها.كلما أتيحت لها الفرصة تصعد لتنظف الخم وتطعم الحمام،فتجلس على كرسي خشبي وتبدأ بمناجاته بكلمات بالعربية الفصحى.فسمعتها جارتها الأستاذة ليلى وهي تكلم الحمام بلغة لاينطق بها إلا المتمرسين وعارفي كنه اللغة العربية،ومن باب الفضول سألتها من نافدة صغيرة تفصل بين المنزلين قائلة:
-أهذه قروعة؟صباح الخير يا ابنتي.
-صباح الخير والرباح يا أستاذة.
-متى دخلت المدرسة؟
-لم تطأ قدمي المدرسة يوما.
-وكيف تعلمت القراءة؟
-تعلمت خفية ولوحدي .
-أعصامية أنت؟قولي لي كيف تعلمت؟
-أتعلم من أخي قروع، أجلس بجانبه وأتعلم منه وهو لا يدري.
-عجبا ومن علّمك الكتابة ؟
-كنت أختلي بنفسي وأخربش.
-أتكتبين جيدا؟
-طبعا ،أحسن من أخي قروع.
-هل يعلم أحد أنك تحسنين القراءة والكتابة؟
-طبعا لا.
-سبحان الله.
كانت الأستاذة تحمل في يدها كتابا لطه حسين بعنوان الأيام فمنحتها إياه وقالت لها أسمعيني بعض الجمل.وبشغف كبير وحماس وإحساس منقطع النظير قرأت وبسرعة صفحات من الكتاب أدهشت الأستاذة بطلاقة لسانها واحترامها لقواعد القراءة الجيدة.فقالت:بورك فيك ،يا ابنتي.
-اسمعي يا ابنتي،تلامذتي لايحسنون القراءة مثلك،سأتدبر الأمر لتتعلمي رغم كبر سنك.كم عمرك الان؟
-تسع سنوات وخمسة أشهر وثلاثة أيام .
-ما شاء الله وبهذه الدقة؟
ابتسمت قروعة والفرح يشعّ من عينيها وتمنت لو كبرت البوتقة لتحضن الأستاذة ليلى.
وبعد أيام انتشر الخبر في مدرسة القرية .حاولت الأستاذة جاهدة إقناع الأب ففشلت .لكن الوعد الذي قطعت على نفسها أرّقها.وأخيرا وجدت الحل،"محاربة الأمية" فكرة رائعة،والأمر بسيط .بما أنها متطوعة في هذا المجال ستأخذ معها قروعة خفية.
وتمر الأيام وتتعاقب الشهور حتى أصبحت قروعة تقوم مقام الأستاذة في تعليم نساء وفتيات القرية اللائي يكبرنها سنا.وفكرت الأستاذة في تقديمها لإجتياز امتحان الشهادة الإبتدائية،وكذلك كان. كانت الأولى على صعيد الإقليم ،وحصلت على جوائز محفزة لمتابعة الدراسة بالإعدادي مع أبناء القرية.
كان الأب مزهوا وهو بجانب قروعة وهي تتسلم الجوائز،في هذه اللحظة شعر بالذنب تجاه ابنته قروعة فبكى وبكى معه الحضور وأقسم أن يكون سندا وعونا لقروعة حتى النهاية.بينما قروع التوأم فشل فشلا دريعا وغادر المدرسة في سن مبكرة والتجأ الى صناعة المعاول والفؤوس ونفخ الكير.
وتمر الأيام و تصبح قروعة أستاذة تعلّم أبناء القرى النائية.
" بالإصرار والعزم تصل ******* وبالكسل والخور تفشل "
بقلم:a.khouya
قروع وقروعة
