ذوق أبنائنا
بقلم: سعيدة كنافي
تجيش بداخلنا عواطف الأبوة لتحركنا حراكا يجعلنا نتسارع لتلبية احتياجات أبنائنا، فنختار أرقى ما ينمي عقولهم من علوم نافعة وتجارب مجدية في مجالات مختلفة متنوعة، وتحيرنا أجسامهم الصغيرة ولا يهدأ لنا بال حتى ننتقي معهم أجود الرياضات البناءة مع المأكل الصحي المغذي والملبس المريح الواقي و,,, لكننا قل ما نقيم وزنا لتربية الذوق في أحاسيسهم رغم ما بذلك من متعة وسعادة لا محدودة يمكن أن تسعهم ومن يحيطون بهم أو من يجعلهم القدر في طريقهم.
أفلا يمكن أن يكون ابني أروع مما هو عليه إن أضفت إلى لائحة اهتماماته لبنة من مقومات بناء شخصيته، وعلمته كيف يستشعر الجمال في كلامه الطيب، وابتسامته الرزينة، ونقاشه المسيج بآدابه، كيف يتذوق الجمال في مأكله الذي سخره الله عز وجل بألوان وأشكاله المنوعة، ليغتذي منه مدركا أن العبرة بكيفية الانتفاع منه لا بكمه، ووجهته لأن يبحث في مظاهر الجمال والنفع في عامل النظافة وهو يحمل مكنسة يطهر بها الأزقة والشوارع، في جامع الخبز اليابس إذ يطوف بأكياسه باحثا عما نعتبره بقايا وفضلات فيحولها إلى شيء أجدى وأكثر نفعا، في الإسكافي وبائع اللبن والعامل و،،، فيقدر لكل عمله ويعترف بدوره في الحياة، فلا يبخس الناس أشياءهم. سيكون لا محالة أفضل إن نبهته أن الجمال وحسن الذوق في ملبس نظيف، منظم، منسق، مرتب، بغض النظر عن ثمنه أو محل اقتنائه، وأن القبح في ملبس متسخ، مبعثر وشعر أشعت و حذاء مغبر,,, ما أرقى تأملاته لو تعلمت معه حب رؤية الورود ومصادقة كل نابت على وجه الأرض والتسبيح أمام روعة جمال إبداع الخالق فنرعى ونتعهد ونحمي كل مظاهر الجمال في الكون معا.
إن تحسيننا أذواق فلذات أكبادنا يتطلب منا أن نغرس في أنفسهم الثقة بأنهم الأبناء القادرين على صنع ما يرى الناس تحقيقه معجزة على وجه أرضنا الطيبة وأنهم قطعة من أمة تعقد عليهم آمال تعهدها ورعايتها والعناية بها، فيدركون أن القذارة في شوارعنا، والفوضى في الأماكن العامة والخاصة، والفقر والمعاناة والأنانية والحقد والمعاملة السيئة الجافة والخصومة كوارث تؤذي الحياة البشرية وإنما هي ناتجة عن فقدان الذوق الرفيع.
والذوق مراتب منطلقها رؤية الجمال في صورة جميلة، أو وجه جميل، أو حديقة جميلة، أو,,, لتصل إلى أرقى مستوياتها حيث يتجلى عشق الجمال في فضائل الأخلاق، في العزة والكرامة، وكره القبح في سوء الخلق، في الوضاعة والذلة، نفور من الظلم والظالمين، حب العدل والعادلين، حب الجمال في الأمة، نفور من مسببات البؤس والفقر، بحث عن سبل العدل والرخاء...
ونحن إذا اعتنينا بتربية الذوق في حس أبنائنا نرقى بهم في مدارجه لا محالة، فيصلون مستوى المصلحين تدرجا من الصغر فنراهم مستقبلا حيا أمام أعيننا بعقولهم المميزة وأجسادهم المعافاة القوية و,,, وأذواقهم الراقية يسهمون في النهوض بأمتنا، يعلون شأنها وكأننا بهم بمراكز المسؤولية يقدمون المثل والنموذج في الحكمة وحسن القول والمعاملة والرزانة، وحب الخير ورقة القلب، يعملون الواجب بإتقان، يوصلون الخير ويبحثون عن وجه النفع لمن يطرق بابهم,,,
كم تبدو لنا الصورة مثالية،جميلة منسقة مرتبة,,,لكن لا ننس أن نبع الجمال فيها لم يتأت إلا من مجهوداتكم الجبارة، وإراداتكم القوية التي ربت الذوق واعتنت به، نشدت يوما رفع شأن الأمة وبناء صرحها مجددا فرأته بأم عينيها اليوم حقيقة لا سراب، ابني وابنك بل أبناؤنا أبناء هذه الأمة الإسلامية المجيدة اليوم يتصدون لكل مظاهر الفساد التي يرون فيها قبحا ينفرون منه ليجعلوها على ظهر الأرض سعادة وصلاحا.