تكتسي جملة " الشعب يريد إسقاط النظام" صبغة خاصة، بحيث أضحت وصفة سحرية اكتشفت مجموعة من الدول العربية أنها المفتاح للتخلص من الاستبداد والظلم اللذين رزحت تحت وطأتهما شعوب هذه الدول. تعيش التجربة السياسية في العالم العربي حالة غريبة من الاحتقان بسبب غياب شامل وكلي لنموذج الدولة الحديثة التي تقوم على أساس الديمقراطية وسلطة المؤسسات، الشيء الذي تولد عنه ربيع الثورة العربي من خلال رهانه على أن السلطة والسيادة هي حتما سلطة وسيادة الشعوب تحت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام".
ونظرا لحمولة جملة "الشعب يريد إسقاط النظام" في قاموس الثورات العربية، سنحاول استقصاء الوظائف الإعرابية والدلالات اللغوية لهذه الجملة سواء تعلق الأمر من جانبها المرتبط بالدراسات البنيوية أو من زاوية البنية الخارجية للجملة.
يركز المهتم بالدراسات البنيوية في ما يخص هذه الجملة على البنية الداخلية والاهتمام باللغة بعيدا عن المؤثرات الخارجية باعتبار أن "الشعب يريد إسقاط النظام" هي بنية متكاملة يتم دراستها في إطار واحد دون الاهتمام بالأرضية أو الظرفية التي أنتجت هذه الجملة.
وفي هذا الإطار، ومن منظور بنيوي تُعرب جملة "الشعب يريد إسقاط النظام" على الشكل الآتي:
- الشعب: مبتدأ مرفوع بالضمة
- إسقاط: مفعول به منصوب والفاعل مستتر تقديره هو
- النظام: مضاف إليه مجرور والجملة الفعلية "يريد إسقاط النظام" خبر مرفوع.
ومن جهة أخرى، تندرج جملة "الشعب يريد إسقاط النظام" في إطار ظرفية أرادت فيها الشعوب العربية التخلص من الأنظمة المستبدة بسبب القهر السياسي والقهر الاجتماعي والعوز الاقتصادي. فثار إذن الشعب العربي، وجهر صراحة بإسقاط الأنظمة وبإسقاط الاستبداد.
ومن خلال البنية الخارجية لجملة "الشعب يريد إسقاط النظام" وِفْقَ مقاربتي التفكيك والتركيب يمكن لنا استقصاء وظائف إعرابية ساخرة:
- الشعب: مبتدأ مرفوع بالضمة. فهو إذن مرفوع الهامة يمشي ومرفوع فوق كل أعناق الشباب
- يريد: فعل مضارع... فعل عزم وإرادة، والشعب فاعل والإرادة هي فعله.
- إسقاط: مفعول به منصوب. والفاعل مستتر تقديره هو الشعب... هذا الشعب منتصب القامة يمشي وفي كفّيْهِ قَصْفة زيتون وعلى كتفه نعش النظام. هذا الشعب الذي قلبه أحمر، ثائر... بستان فيه العوسج والريحان.
- النظام: مضاف إليه مجرور وبكسرة ظاهرة على آخره، وكسر وانكسار النظام يتجلى في طغيانه. وهنا لم يعد النظام مفعولا لأجله ولا مطلقا دائم وإنما يقع عليه فعل الفاعل وهو الشعب كضمير مستتر. هذا الشعب المقهور هو من دفع اليوم مسار مجتمعه صوب المرحلة التي طالما تلاعب بها الحكام المستبدون.
عن هبة بريس