تؤكد الاتجاهات الحديثة في التعليم والتعلم باستمرار على مساعدة الطلاب على أن يتعلموا كيف يتعلمون, وعلى أن يصبحوا مستقلين في تعلمهم, وأن يفكروا لأنفسهم, ولعل من أهم الوسائل الفعالة في تنمية هذه المبادئ لدى الطلبة أسئلة المعلم, فلكي يصبح الطلبة مستقلين في تعلمهم عليهم أن يتعلموا أيضا كيف يطرحون الأسئلة, وهم يتخذون من المعلم نموذجا لهم في ذلك.
ويعتمد التواصل الصفي بين المعلم وطلابه بشكل كبير على الأسئلة التي يطرحها المعلم أثناء الدرس والتي يطلق عليها في العادة اسم الأسئلة الصفية, فهي الوسيلة التي تجعل التعلم الصفي فعالا, نشطا, متغيرا, مثيرا للتفكير.
وقد تكون هذه الأسئلة هي المدخل الذي يبدأ فيه الدرس حيث يوجه المعلم طلابه إلى القيام بالنشاطات التي تساعدهم في حل السؤال المطروح, وقد يستخدم هذه الأسئلة في توجيه الطلاب أثناء تنفيذ نشاطات التعلم, فالأسئلة الصفية تحيل الطالب من مشجع متلقي إلى عضو تعليمي فاعل ونشط له وجود في غرفة الصف. (( وتعد الأسئلة بمثابة أدوات شحذ لتفكير الطلبة, وهي مهارة ضرورية ولكنها تحتاج إلى إتقان استراتيجيات محددة لتحقيق الهدف )) (قطامي, 2001) فالمعلم الجيد هو الذي يستغل كل دقيقة لشد أذهان الطلبة لكي يجوبوا جوانب ذهنية مختلفة, ويدربهم على اكتشاف إمكاناتهم وقدراتهم الإبداعية.
· مهارات طرح الأسئلة
في غاية الأهمية أن يتجنب المعلمون نماذج الأسئلة غير الفعالة حيث أن مهارة طرح الأسئلة ونوعيتها أمر ضروري في التعليم الصفي, فإذا كنت تطرح أسئلتك بشكل يثير التفكير فإنك تعلّم بشكل جيد ((ومن خلال الاستخدام الماهر للسؤال يكمن الفن الجميل للتعليم ومن خلاله وبه يكون لدينا الدليل لتوضيح وتفعيل الأفكار وإثارة سريعة الخيال, والتفكير بالمثير, والحافز للعمل )) ( الحيلة,2002)
إن القدرة على توجيه الأسئلة الجيدة ليست موهبة فطرية لا يمتلكها إلا بعض المعلمين, وإنما هي مهارة يمكن أن تكتسب وتنمى بالممارسة, فالتدريس ذاته عملية تعلم.
ومن مهارات طرح الأسئلة أن يطرح المعلم السؤال بهدوء ليسمعه جميع الطلبة ثم اختيار أحدهم للإجابة عليه, وعلى المعلم أن يوجه سؤاله إلى الصف كاملا وليس إلى طالب محدد, فيوزع الأسئلة بشكل شامل, إذ إن المعلم إذا حدّد من سيجيب عن السؤال فإن ذلك سيدفع الطلاب إلى الإتكالية وعدم المتابعة,(( وإذا وجهه إلى الصف بأكمله فذلك يجعل كل طالب يتوقع بأنه سيتم اختياره لأن يجيب على السؤال )) (أبو لبدة, 1996 )
وعلى المعلم دائما تشجيع الطلاب الذين لا يرغبون في الإجابة إما بسبب الخجل أو التردد أو عدم المعرفة وذلك حتى يزداد شعورهم بالأهمية في التخطيط في الموقف التعليمي.
وعلى المعلم بعد أن يطرح السؤال أن يطرح أسئلة أقل ويعطي زمن انتظار أطول للإجابة ما بين 3 إلى 5 ثوان قبل أن يسمح لأي طالب بإعطاء إجابة, وذلك (( لإعطائهم وقتا للاندماج المتفهم والتفكير في السؤال, لاسترجاع خبراتهم العقلية )) (قطامي, 2001 ) فإذا أعطى المعلم فرصة أقل من 3 ثوان فإن الإجابات غالبا ما تكون بعيدة كل البعد عن الإجابة الصحيحة المتعلقة بالسؤال, وستعتمد إجاباتهم على الذاكرة أكثر من اعتمادها على التفكير,وإذا كان الوقت أكثر من 5 ثوان فإن الطلبة سيشعرون بالملل والضجر وضياع الوقت دون فائدة, أما إذا كان الوقت ما بين 3 ثوان إلى 5 ثوان فإن ذلك سيؤدي إلى إعطاء إجابات ذات صلة بالسؤال وتنقص المحاولات الفاشلة للإجابة مما يؤدي إلى زيادة ثقة الطلاب بأنفسهم, وتؤدي إلى تعرف المعلم على طلابه من خلال إنصاته لهم, كما تؤدي إلى مزيد من المناقشة الصريحة عن طريق التفاعل مع الطلبة. وعلى المعلم أن يتذكر أنه عندما يسأل سؤالا فإن في ذهنه إجابة عنه, أما الطلاب على العكس من ذلك, لذلك يحتاج الطالب إلى وقت لفهم السؤال ومن ثم يسترجع أفكاره ويربط بينها ويقومها ويصل إلى الإجابة.
ومن المهارات أيضا وضوح السؤال بحيث تكون ألفاظه سهلة مألوفة, وأن يكون السؤال دقيقا محددا ليس فيه مجال للاجتهادات والتفسيرات البعيدة عن المطلوب. (( وأن يكون السؤال ضمن إطار الدرس وفي سياق الأهداف التي يسعى المعلم إلى تحقيقها من الدرس )) ( أبو لبدة, 1996 ) ولا ننسى أن يكون السؤال بمستوى تفكير الطلاب وضمن حدود خبراتهم.
قد يخطأ بعض الطلاب في الإجابة عن السؤال فعلى المعلم أن يعزز إجابة السؤال ويتجنب التهكم والسخرية, إذ إن ذلك يؤدي إلى كره المعلم وكره المادة وضعف ثقة الطالب بنفسه. وعندما يخطأ الطالب على المعلم أن يجد للطالب مبررا يسعفه في ذلك. وعلى المعلم أن يهتم بالأسئلة التي يثيرها الطلاب إذ إنها تساعد على الكشف عما يدور في عقولهم, واستثمارها يوجه المعلم إلى التدريس الجيد, فقد تكشف عن فهم وتفكير خاطئ في عقولهم نحو المادة المعطاة, أو تكشف عن حاجتهم لمعلومات إضافية. (( إذ إن الإجابات التي يتلقاها المعلم تتراوح ما بين عدم الإجابة على الإطلاق, أو لا أعرف, وبين الإجابة الكاملة المتقنة )) ( الحيلة, 2002 ) فإذا كان تفكير الطالب غير مكتمل أو مبنيا على فهم غير صحيح, ينبغي أن تكون استراتيجية المعلم بمساعدته على أن يفكر تفكيرا كاملا في السؤال, وأن يصحح له فهمه غير الصحيح. ويمكن استخدام بعض التوجيهات اللفظية مثل: ما الذي يمكنك أن تضيفه إلى ذلك, أو ما الأسباب الأخرى, وطرح أسئلة لدفع مستوى الإجابة إلى مستوى أعلى من مستويات التفكير.
ومن الأساليب الأساسية في عملية طرح الأسئلة وانتظار الإجابة, هي المدح والتحفيز والثناء من المعلم, فذلك يدفع الطلاب إلى التفكير والإجابة, لكن على المعلم أن يتجنب المدح الزائد والثناء الذي لا مبرر له, كأن يقول لأحدهم بأن إجابتك هي أروع إجابة بين إجابات زملائك, فمثل هذا يجعل الطلبة الآخرين يستصغرون إجاباتهم, ويخجلون من تقديمها, فتقل المشاركة.
ومن المهارات الأساسية في عملية طرح الأسئلة وانتظار الإجابة الاستعانة بالإيحاءات غير اللفظية التي تشجع الطلبة على الاستمرار في الإجابة, كالنظر إلى الشخص المتكلم والاتجاه نحوه, أو الابتسام بشكل ملائم عندما يقدم إجابة جيدة تعبيرا عن الاستحسان أو الإيماء بالرأس تعبيرا عن الاستحسان أيضا. (( وعلى المعلم أن يعوّد طلابه على مهارة الاستماع وعدم المقاطعة, وفي ذلك تربية على أدب الحديث وقيمته لمهارة التفكير )) (قطامي, 2001 ) وأيضا عليه تجنب تكرار السؤال إلا إذا طلب بعض التلاميذ ذلك, فتكرار السؤال تجعل الطلاب غير منتبهين لما يقوله المعلم.
ومن المهارات أيضا طرح الأسئلة المتتابعة, فوعي المعلم بتتابع الأسئلة يؤدي إلى نضج الطلبة وقدراتهم والمعرفة المسبقة للطلبة بمحتوى المادة التي يجري تقديمها, وهنا على المعلم أن يستخدم مهاراته المهنية في اختيار التتابع المناسب للأسئلة.
· القيمة التربوية لمهارة طرح الأسئلة
إن القيمة التربوية لمهارة طرح الأسئلة تسهم في زيادة الوقت المستغرق للتعلم, وتقليل الوقت المستغرق في إدارة الصف وتنظيمه لتسهيل التعلم, ويمكن أن يكون للأسئلة الصفية مساهمات تعلمية, كالكشف عن استعداد الطلبة للتعلم, والتأكد من تحقق الأهداف الموضوعة, وإيجاد طرق اتصال مع الطلبة وتزويدهم بطرق جديدة للتعامل مع المادة الدراسية, وإثارة دافعيه الطلبة لتعلم المادة الدراسية, وتنمية اتجاهاتهم وميولهم, وضمان استمرارية نشاط العملية التعليمية, وضمان اشتراك الطلبة في النشاطات الصفية, وتشخيص نمو الطلبة كأفراد وتحقيق استقلاليتهم في التعلم والتفكير.
· تصنيف الأسئلة الصفية
تصنف الأسئلة الصفية ضمن فئات عديدة ومتنوعة, فمنها ما يصنف حسب نوعية الإجابة المتوقعة, ومنها ما يصنف حسب مستوى التفكير الذي تثيره, وقد تصنف حسب السبر الذي تهدف إليه.
· تصنيف الأسئلة حسب الإجابة المتوقعة لها:
1) الأسئلة محدودة الإجابة: وهي الأسئلة التي لا تحمل إلا إجابة واحدة صحيحة متفق عليها. وتعتمد هذه الأسئلة أكثر ما يكون على التذكر.
2) الأسئلة مفتوحة الإجابة: وهي الأسئلة التي يكون لها أكثر من إجابة صحيحة واحدة. (( ويندرج تحتها الأسئلة التي تتطلب حكما, أو تتطلب توقعا معينا, أو تفسيرا لسلوك أو لعمل ما )) (أبو لبدة, 1996 ) وتفيد هذه الأسئلة كثيرا في مشاركة الطلبة الواسعة والعديدة مهما كانت قدراتهم متدنية, فهي تؤدي إلى تحفز الطلبة على التعلم الذاتي, وتزيد من حبهم لموضوع الدرس وميلهم نحوه.
· تصنيف الأسئلة حسب مستوى التفكير الذي تثيره:
يدعى هذا التصنيف تصنيف "بلوم" نسبة إلى مصنفها. وهذه الأسئلة حسب تصنيف "بلوم" هي:
1) أسئلة المعرفة: والتي تستدعي من الطلبة تذكر الحقائق والمعلومات كما تعلمها.
2) أسئلة الفهم: والغرض منها مساعدة الطلاب على تنظيم الحقائق والمعلومات بشكل يؤدي إلى الفهم, وعلى الطالب أن يختار الحقائق الوثيقة الصلة بالموضوع للإجابة عن السؤال. ((كما أن يظهر فهما شخصيا للمادة بكونه قادرا على إعادة التعبير عنها )) ( الحيلة, 2002)
3) أسئلة التطبيق: وهي الأسئلة التي تهدف إلى تشجيع الطلاب على تطبيق المعلومات التي تعلموها من أجل التوصل إلى حل مشكلة معينة, وتتطلب هذه الأسئلة أن يطبق الطلاب قانونا أو عملية معينة للوصول إلى إجابة صحيحة.
4) أسئلة التحليل: وهي من أسئلة المرتبة العليا والتي تتطلب من الطلاب أن يفكروا بانتقاد وبعمق, فليس فقط عليهم التذكر وتنظيم المعلومات إنما تحليلها طبقا للأسباب والمسببات.
5) أسئلة التركيب: وهي أيضا من أسئلة المرتبة العليا, ويطلب من الطلاب فيها تشكيل علاقات ووضع الأشياء في أشكال جديدة وأصلية.
6) أسئلة الحكم أو التمييز: (( وهي الأسئلة التي يطلب فيها من الطلاب الاختيار من بين بدائل عديدة عن طريق إصدار حكم على صلاحية ذلك البديل )) (أبو لبدة,1996)
· تصنيف الأسئلة حسب السبر الذي تهدف إليه:
أسئلة السبر: (( هي الأسئلة التي تستعمل لتحفيز تفكير الطالب في أي مستوى من التصنيف, ولكنها من المحتمل أنها أكثر فعالية في مستويات التحليل والتركيب والتقويم )) (الحيلة, 2002 ) وتتطلب من الطلبة أن يعطوا دعما أكبر وأن يكونوا أوضح أو أكثر دقة وأن يقدموا تحديدا أكبر.
أنوع الأسئلة حسب نوعية السبر الذي تهدف إليه:
1) الأسئلة السابرة التشخيصية: وهي سلسلة من الأسئلة التي يطرحها المعلم على الطالب نفسه عندما يعطي إجابة خاطئة عن سؤال, أو لا يتمكن من الإجابة, وذلك من أجل تشخيصه وقيادته نحو الإجابة الصحيحة. وتكون هذه الأسئلة بمثابة تلميحات أو إشارات تقود الطالب نحو الجواب الصحيح للسؤال الذي طرح أولا.
2) الأسئلة السابرة التركيزية: في هذا النوع من الأسئلة يطرح المعلم سؤالا أو مجموعة من الأسئلة تركز على الطالب نفسه كرد فعل لإجابة صحيحة من أجل تأكيدها أو ربطها بموضوع آخر أو بدرس آخر.
3) الأسئلة السابرة التوضيحية: في هذا النوع يطرح المعلم سؤالا أو مجموعة من الأسئلة على الطالب نفسه, وذلك بناء على إجابة أولية غير تامة لسؤال سابق لتوضيح الجزء الصحيح من الإجابة وتوجيه الطالب نحو الإجابة التامة بإضافة معلومات توضيحية جديدة للمعلومات الأولية.
4) الأسئلة السابرة التبريرية: يستخدم هذا النوع من الأسئلة عندما يطرح المعلم سؤالا, ويعطى إجابة من نوع ما صحيحة كانت أم خاطئة, فيعقب المعلم بطرح سؤال على الطالب الذي أعطى الإجابة ليقدم مبررات لهذه الإجابة.
5) الأسئلة السابرة المحولة: وهي نمط من الأسئلة يحولها المعلم من طالب عجز عن تقديم إجابة لسؤال من الأسئلة السابرة أيّا كان نوعها إلى آخر يستطيع تقديم الإجابة الصحيحة لهذا السؤال, (( وذلك دون اللجوء إلى تكرار طرح السؤال بصيغته العادية بل عن طريق تحويله إلى طالب آخر)) (قطامي, 2001 )
هكذا نرى إن مهارة طرح الأسئلة الصفية هي إحدى المهارات الأساسية في التدريس بصورة عامة, ويحتاج إتقان هذه المهارة إلى معرفة نظرية بفنونها وأنواعها ومبادئها, وإلى ممارسة عملية وتدريب مكثف على طرحها
طرح الأسئلة
المواضيع المتشابهه
