أستاذ للتربية غير النظامية: علاقتنا بالوزارة علاقة ضبابية
أنور البقالي
صحافة اليوم : 18 - 05 - 2012
بادر مؤخرا مجموعة من أساتذة التربية غير النظامية بمدينة طنجة إلى التشكل في لجنة تحضيرية تمهيدا لعقد جمع تأسيسي لهذه الفئة التي لفتت الأنظار إليها بعد مشاركتها مع الطبقة العاملة في يومها الأممي حيث رفعت لافتة ضمنتها مطالبها إلى الجهات المعنية. "صحافة اليوم" اقتربت من هذه الفئة والتقت بمنير الكرودي ممثلا للجنة التحضيرية، وكان معه الحوار التالي...
منير الكرادي قال إنهم مهددون بشبح البطالة
أستاذ للتربية غير النظامية: علاقتنا بوزارة التربية الوطنية علاقة ضبابية
- بداية نود أن نقرب قراء الجريدة من هذه الفئة، فمن يكون أستاذ التربية غير النظامية؟
- في الحقيقة هو ليس بموظف عمومي، كما أنه ليس بمعطل، هو بمنزل ما بين المنزلتين. أما فاتح ماي فقد كان مناسبة لمجموعة من الأساتذة المحترمين لإبراز شريحة من المجتمع التي تعيش أوضاعا أقل ما يمكن أن يقال عنها مزرية وحاطة بالكرامة، مع العلم أنها تقدم خدمات جليلة لهذا الوطن المثخن بالجراح، تعاني في صمت رهيب، بعيدا عن الأضواء وعن أية التفاتة رحيمة يمكن أن تطالها أوتطال أوضاعها البئيسة. تستغل من طرف الوزارة الوصية بشكل يمكن أن نصفه باللاإنساني.
- ماهو دور أستاذ التربية غير النظامية تحديدا داخل المنظومة التربوية، إذا لم يكن بموظف تابع للوزارة؟
- يتحدد دوره أساسا في تأهيل الأطفال غير الممدرسين أو المنقطعين عن الدراسة لأسباب اجتماعية واقتصادية، من خلال سلسلة من الدروس والأنشطة الموازية، والتي من شأنها أن تعيد إدماجهم داخل التعليم النظامي، في إطار ما يسمى ب "الفرصة الثانية"، والتي أقرتها الوزارة لهؤلاء الأطفال من خلال سياسة محاربة الهدر المدرسي التي تنتهجها منذ مدة، بالموازاة مع برامج محو الأمية التي تستهدف بالأساس فئة الكبار.
في بداية كل موسم دراسي يقوم أستاذ التربية غير النظامية بحملة يجوب فيها الشوارع والأزقة بحثا عن الأطفال غير الممدرسين أوالمنقطعين، وتضمينهم في لائحة تشمل كل البيانات المرتبطة بهم، هذا إذا أخذنا بعين الإعتبار الوسائل التقليدية والمتخلفة في هذا الإطار دون مساعدة من أية جهة كانت، مما يجعل منها مهمة تكاد تكون مستحيلة لولا إصرار الأساتذة وعزيمتهم المتقدة، تدفعهم الغيرة والإيمان بالمهمة الجليلة الملقاة على عاتقهم، طبعا لا يمكن أن ننكر أيضا عامل الحاجة، وإن كان أقل أهمية فإنه في بعض الأحيان يعد حافزا مهما وربما أساسيا في ظل تفشي شبح البطالة بشكل صار يقلق الشباب حاملي الشواهد.
- ما هي العلاقة التي تجمع أستاذ التربية غير النظامية، القانونية طبعا، بوزارة التربية الوطنية؟
- فيما يرتبط بالعلاقة النظامية التي تجمع أستاذ التربية غير النظامية بوزارة التربية الوطنية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ضبابية، في ظل غياب قانون إطار يحدد حقوق وواجبات أستاذ التربية غير النظامية، هذا إذا أخذنا بعين الإعتبار طبيعة التعاقد الذي يمر بالضرورة عبر بعض الجمعيات التي لها شراكات مع الوزارة أو النيابة. إذ أن هذه الجمعيات هي التي تحتضن، إن لم نقل تحتكر العلاقة التعاقدية مع النيابة أو الوزارة، وليس لأستاذ التربية غير النظامية إلا علاقة تعاقدية مع هذه الجمعيات شروطها شروط إذعان، تختلف من جمعية لأخرى. مع العلم أن أستاذ التربية غير النظامية يخضع لزيارات تفقدية تفتيشية لمفتشي النيابة أسوة بزملائه الأساتذة النظاميين.
كما يتلقى دورات تكوينية في مختلف المناهج التربوية من تنظيم النيابة أو تحت إشرافها، بالإضافة إلى تكوينات تحت إشراف بعض المنظمات الدولية. وفي المقابل طبعا لا يتمتع أستاذ التربية غير النظامية بأية حقوق تحفظ له مكانته وكرامته وأمنه واستقراره.
- هل يمكن أن تبسط بين يدي قراء جريدتنا طبيعة الفئة المستهدفة من هذا البرنامج الذي يبدو على قدر من الأهمية؟
- هي فئة تنتمي إلى الهامش، مقصية اجتماعيا، مسحوقة اقتصاديا، ينخرها الفقر، وتدكها التمزقات الأسرية، يعشش الجهل بين جنباتها، وتضرب الأمية أطنابها بين صفوفها، تنتشر الجريمة بين أوساطها، من مادية وأخلاقية، وتعمها جميع أشكال الإنحرافات السلوكية، ناهيك عن المخدرات بجميع أنواعها. هي فئة/منتوج لأشكال السياسات العمومية المنتهجة بوطننا الذي يرزخ في الدرك الأسفل من الترتيب في سلم التعاسة والشقاء حسب تقارير الواقع قبل تقارير المنظمات الدولية.
وأستاذ التربية غير النظامية في خضم هذه الأمراض الإجتماعية يحاول جهد أيمانه أن ينتشل هؤلاء الأطفال من هذه البرك الآسنة، ويحاول في ذات الآن أن يرسم لها طريقا مغايرا للحياة، يعيد لهؤلاء الضحايا الأبرياء من الأطفال في وضعية صعبة، البسمة والأمل في غد تباشيره لا تؤشر على أي تغيير في الأفق، لكن يكفي أستاذ التربية غير النظامية شرفا أن يؤهل هؤلاء الأطفال لتحديات المستقبل، فلربما تحمل مشعل التغيير غدا. نظرا للدور المتعدد التخصصات الذي يضطلع به، فهو المربي والمساعد الإجتماعي والطبيب النفسي...
- هل يمكن أن تطلع قراءنا بمطالب أساتذة التربية غير النظامية، خصوصا وأنكم تبدون جد متذمرين؟
- أستاذ التربية غير النظامية عندما يلج هذا المجال، ويحتك بهذه الحالات الصعبة، ويعيش معها أوضاعها بأدق تفاصيلها، ويقاسمها مرارتها وبؤسها، لا يمكن إلا أن يكون ساخطا على طبيعة السياسة الإجتماعية بالمغرب، خصوصا عندما يتزاوج هذا الإحساس بما تعانيه هذه الفئة، من إقصاء إجتماعي ممنهج، بإحساس الغبن والإستغلال البشع لأستاذ التربية غير النظامية الذي يقع على عاتقه ترقيع فشل السياسات التعليمية لما يفوق نصف قرن، وشرعنة، عبره وبه، الدعم الهائل الذي تتلقاه النيابات والوزارة الوصية في إطار هذا البرنامج، سواء وطنيا أو أجنبيا، من خلال شراكات، ناهيك عن تلميع صورة السياسة التعليمية بالمغرب.
بالمقابل نجد أستاذ التربية غير النظامية لا يتمتع حتى بأبسط حقوقه المادية المتعاقد بشأنها مع الجمعيات، في تغييب تام ومتواطئ بشأن حقوقه الشغلية. بل إن أستاذ التربية غير النظامية لم يتلق حتى تعويضاته بخصوص هذا الموسم الدراسي لحد اليوم، ولا يبدو أن هناك إرادة جادة لتمكين أساتذة التربية غير النظامية من مستحقاتهم، وهذا ما لاحظناه لما تقدمنا بطلب لقاء مع السيد النائب لنيابة طنجة-أصيلة ونائب الفحص أنجرة، إذ قدموا لنا جملة من التبريرات الواهية لكي لا نطرح جملة المشاكل التي نتخبط فيها، وعلى رأسها صرف مستحقاتنا، وتمكيننا من الشواهد لهذا الموسم، والحد من سياسة الطرد والتعسف في حق بعض أساتذتنا، ولعل نموذج عبد المجيد المكناسي خير مثال بالفحص أنجرة وجلال البراح بمدينة مراكش، وهو أمر لا يمكن إلا أن يساهم في مزيد من التوتر والإحتقان...
- كيف تقيمون هذا البرنامج أو ما اصطلح عليه ب "الفرصة الثانية"؟
- يحز في أنفسنا أن نرى أحيانا مجهوداتنا تذهب سدى. فكم من طفل يتم تأهيله ولا يلتحق بفصله في التعليم النظامي، أو ينقطع عن متابعة مصاره الدراسي.
إن نجاعة وفعالية هذا البرنامج لا يمكن أن تقاس إلا بالمردودية، والتي بدورها لا يمكن أن تكون جيدة في ظل غياب برامج إجتماعية موازية، تطال أسر هذه الفئة وتحسن من أوضاعهم المعيشية والإقتصادية، عبر توفير فرص شغل حقيقية لذويهم يضمن لهم الإستقرار الأسري.
- ما هي الخطوات المقبلة والعازمين على اتخاذها مستقبلا؟
- نحن اليوم كلجنة تحضيرية لجمعية أساتذة التربية غير النظامية ومحو الأمية، مقبلين على محطة تأسيسية، وسنعلن عن أشكالنا النضالية في حينها.
أستاذ للتربية غير النظامية: علاقتنا بالوزارة علاقة ضبابية
المواضيع المتشابهه
