اشكالية مفهوم المجتمع المدني - الصفحة 5 - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

توفيق مدني
:: دفاتري جديد ::
الصورة الرمزية توفيق مدني

تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2009
المشاركات: 53

توفيق مدني غير متواجد حالياً

نشاط [ توفيق مدني ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 23-04-2009, 13:15 المشاركة 21   

يجب الحديث اولا عن الديمقراطية ....لان غياب ثقافة الديمقراطية من العراقيل الكبرى لنمو المجتمع المدنى الذي نريده جميعا لهدا البلد العزيز؟
وهي الشرط الضروري لبناء هذا المجتمع /المدنى اوالاهلى كما شاء الاخوة تسميته ؟mt2mt2mt2 مودتي لكم .


سهاد56
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية سهاد56

تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2009
السكن: marrakech
المشاركات: 574

سهاد56 غير متواجد حالياً

نشاط [ سهاد56 ]
معدل تقييم المستوى: 243
افتراضي
قديم 25-04-2009, 21:55 المشاركة 22   

الثقافة العربية المعاصرة

وآثارها على أداء مؤسسات المجتمع المدني


د. صالح سليمان عبد العظيم


مقدمة
ينضم مفهوم المجتمع المدني إلى إخوته من سلة المفاهيم الأخرى التي انتشرت خلال العقود الثلاثة الماضية، مثل: العولمة، والحركة النسوية، وثورة المعلومات. فمنذ نهاية السبعينيات في القرن الماضي ومع مطلع الثمانينيات لاقى مفهوم المجتمع المدني ترحاباً شديداً بين هؤلاء المعنيين بالتغيير السياسي في الدول النامية بشكلٍ عام، وفي الدول العربية بشكلٍ خاص؛ حيث أصبح المفهوم رأس الحربة في التغييرات الجديدة المنشودة، في ضوء ما يُسمح به لأفراد المجتمع المدني من إنشاء المنظمات التي يمارسون من خلالها تصوراتهم لتغيير المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا. فكون المفهوم يرتبط بملء الفراغ القائم بين الفرد من جانب ومؤسسات الدولة من جانب آخر قد منحه شهرة وذيوعاً كبيرين من حيث الرغبة في معادلة سلطة الدولة بمؤسسات جديدة تمارس حقوقها المختلفة في ضوء ما يراه المواطنون أنفسهم. (انظر عبد الصادق 2005، مؤتمر الاتجاهات المعاصرة 2004؛، بشارة 1998).
لقد جاء اتساع الاهتمام بمفهوم المجتمع المدني مترافقاً مع ضعف الثقة في الدولة كمتغير سياسي وحيد وحاكم منذ مرحلة الاستقلال في خمسينيات القرن العشرين وحتى أواخر السبعينيات، وهو الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى تبني الدعوة لتفعيل دور المجتمع المدني في الفضاء الاجتماعي العام الذي لم تستطع دولة ما بعد الاستقلال شغله بشكلٍ جيد ومُرضٍ؛ فما تمخض عنه مشروع دولة ما بعد الاستقلال جاء مخيباً للآمال على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
قام مشروع دولة ما بعد الاستقلال على احتكار كافة أوجه حياة المواطنين من خلال مقايضة توفير احتياجاتهم المعيشية مقابل الإذعان الضمني من جانبهم لمشروعها الوطني؛ فلقد احتكرت الدولة توفير كافة الاحتياجات الخاصة بمواطنيها، بما يتشابه مع ما تقوم به دولة الرفاه الاجتماعي، حيث أخذت على عاتقها توفير الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والغذائية، وسيطرت على الإعلام سيطرة مطلقة، وانفردت بالساحة السياسية انفراداً تاماً لا يسمح لغيرها بالتنافس معها، من خلال إنشاء أحزاب سياسية ذات توجهات أيديولوجية معارضة. وبمرور الوقت تضاعفت الصعوبات الجمة التي واجهتها دولة ما بعد الاستقلال - وعلى الأخص في الجانب الاقتصادي - الأمر الذي منعها أو أضعف من إمكانيات استمرارها في مشروعاتها التنموية والاجتماعية التي أعلنت عنها وأطلقتها منذ بداية الاستقلال. لقد أخلت الدولة بالكثير من الوعود التي أغوت بها مواطنيها، بينما استمرت قبضتها الخانقة على كافة أرجاء المجتمع، مما وسع من دائرة إمكانياتها الأمنية والرقابية والسلطوية على حساب الإمكانيات الأخرى (أبوسيف 2005: 54-80، غرايبة 2002: 18- 38، بشارة 1996).
كما أنه لا يمكننا هنا إغفال الضغوط الخارجية التي لعبتها القوى الرأسمالية العالمية - وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية - أثناء الحرب الباردة على العديد من دول العالم المستقلة حديثاً، ومن بينها الدول العربية، مثل الحالة المصرية الناصرية؛ فالضغوط الأمريكية الضخمة، ومساعداتها اللامتناهية لإسرائيل، كلها قد أدت إلى تعاظم دور الدولة التي بدت في هذا السياق المدافعة عن الوطن ضد القيود الاستعمارية الأمريكية.
لقد جاء فشل مشروع الدولة العربية المستقلة نتيجة لامتزاج ما يمكن أن نطلق عليه "جدل الداخل وجدل الخارج". فمن ناحية لا يمكن إهمال الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الدولة الوطنية، وعلى رأسها التضحية بالتعددية السياسية لصالح الإنجازات الاجتماعية التي لم تتحقق على النحـو المأمول في الكثير من هذه الدول، كما لا يمكن إغفال الضغوط الشرسة والعدوانية التي لعبتها الولايات المتحدة الأمريكية على الكثير من دول المنطقة منذ الستينيات وحتى الآن.
وفي هذا الإطار تعالت الأصوات المطالبة بتنحية الدولة أو تحجيم أدوارها الهائلة التي شملت كافة أنشطة المجتمع طوال العقود الثلاثة المنصرمة، وفتح الباب أمام منظمات المجتمع المدني على كافة أشكالها من أجل المشاركة في تنمية المجتمع وتفعيل مجالاته المختلفة. لقد جاء ذلك التصعيد متوافقاً مع التحولات الهائلة على مستوى العالم العربي في إطار ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية. وفي هذا السياق، وجد مفهوم المجتمع المدني التربة الخصبة التي يمارس من خلالها هيمنته وسطوته، سواء من خلال البحوث والمؤتمرات الأكاديمية، أو من خلال دعوات المنظمات المدنية المختلفة نحو المزيد من تفعيل أدوارها وأنشطتها المتنوعة. ولقد تفاوتت الدول العربية فيما بينها بخصوص المساحات المختلفة التي سمحت بها لمنظمات المجتمع المدني لممارسة أدوارها المجتمعية المختلفة، وجاء هذه التفاوت من خلال التطورات المختلفة التي مرت بها الدولة ذاتها، وطبيعة البنية السياسية والاجتماعية التي تنطوي عليها، فما حدث في مصر - على سبيل المثال - يختلف عما حدث في المملكة العربية السعودية، وما حدث في تونس يختلف - بالتأكيد - عما حدث في سوريا.
ورغم هذه التباينات النسبية فيما بين الدول العربية إلا أنه يمكن القول بوجود قدر ما من التشابهات البنيوية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فيما بينها، الأمر الذي يؤدي إلى خلق مشتركات ثقافية عامة. إن ما نقصده هنا بالمشتركات الثقافية يتجاوز المجتمعي اليومي المعيش إلى ما يشكل رؤى وتوجهات عامة تجاه العديد من القضايا المجتمعية التي يواجهها الأفراد والجماعات. ورغم أن هذه المشتركات الثقافية تتجاوز اليومي المعيش إلا أنها تتشكل به، وتتواصل من خلاله؛ فالموقف من المرأة ودورها المجتمعي يتشكل من خلال جملة الممارسات اليومية الخاصة بالتعامل معها، لكنه بشكل أو بآخر يُنتج توجهاً ثقافياً يتجذر في البنية الثقافية العربية ليشكل توجهاً عربيا عاماً تجاه المرأة وأوضاعها.
وهذه المشتركات الثقافية لا ينتهي تأثيرها بانتهاء البنيات الاجتماعية المعيشة التي أنتجتها، فما يحدث في الواقع أنها تستمر وتتواصل حتى بعد ضعف - وربما انهيار- هذه البنيات. فرغم الضعف الواضح في بنية الدولة في العالم العربي - مقارنة بما كان عليه الحال في أعقاب مرحلة ما بعد الاستقلال - إلا أن تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مازالت تظهر في جملة المشتركات الثقافية بين مختلف الدول العربية حتى الآن. ورغم اتفاقنا مع جرامشي حول دور أجهزة الدولة الأيديولوجية في التأثير على الأفراد والمجتمع مثل: الأسرة، والمدرسة، والجامعة، ووسائل الإعلام - فإن ما نقصده هنا بخصوص المشتركات الثقافية يتجاوز الدور الرسمي لأجهزة الدولة إلى رسوخ وتجذر يحفظ لهذه المشتركات استمراريتها وبقاءها، بحيث تصبح جزءاً لا يتجزأ من بنية التفكير والاعتقاد وربما التسليم. فالموقف من المرأة في العالم العربي- رغم دور الأجهزة الرسمية التعليمية والتربوية والإعلامية في تشكيله - إلا أنه - وربما بفعل هذه الأجهزة الرسمية - يخلق مشتركاً ثقافيا عربيا يحمل نفس المواصفات الرسمية بدرجة أو بأخرى، ويتجاوزها مستمراً في الوجود والتأثير المجتمعي. فما نقصده هنا بالمشتركات الثقافية لا يتعلق - فقط - بتأثيرات أجهزة الدولة الرسمية - وفقاً لجرامشي - لكنه يتجاوز ذلك إلى بنية مجتمعية أعمق وأكثر تأصيلاً، بحيث يمكننا أن نطلق عليها - تجاوزاً - المشتركات الثقافية الشعبية، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار أن كلمة شعبية هنا لا ترتبط بأية قيمة أخلاقية بقدر ما ترتبط بحجم الذيوع والانتشار والتأثير. (انظر حول القضايا التي تناولها جرامشي، أعمال الندوة التي عقدها مركز البحوث العربية في قضايا المجتمع المدني في ضوء أطروحات جرامشي 1992).
وفي ضوء ما سبق، تحاول الدراسة الراهنة الوقوف على أهم المشتركات الثقافية في العالم العربي المؤثرة على أداء وعمل منظمات المجتمع المدني. فمما لا شك فيه أن ثقافة أي مجتمع تلعب دوراً هاماً، إن بالسلب أو بالإيجاب، في بنية العمل التطوعي وإنشاء منظمات العمل المدني؛ فالثقافة التي تؤمن بمبدأ الحريات الفردية، وقدرة الأفراد على الفعل الاجتماعي المشترك - تساعد على تأسيس المزيد من منظمات العمل المدني، والإسهام بقدر أكبر ومتزايد في جهود العمل التطوعي. ولا يتعامل هذا النوع من الثقافات مع منظمات المجتمع المدني على أنها مضادة في تأسيسها لبنية المؤسسات الحكومية الرسمية، قدر ما يتعامل معها على أنها وجه آخر من وجوه التطور المجتمعي، يتكامل ويتضافر مع جهود السلطة الرسمية. والعكس صحيح تماماً بالنسبة لهذه النوعية من الثقافات التي لم يتكرس فيها مبدأ الإيمان بالحريات الفردية، والإيمان بحق المواطنين في تأسيس ما يناسبهم من جمعيات ومنظمات لتسيير شؤون الحياة اليومية والتغيير الاجتماعي والسياسي، حيث يتم التعامل مع العمل التطوعي والمنظمات المدنية بوصفها مهددة ومعادية لبنية السلطة الرسمية. وفي هذا السياق، ترفض الدولة إنشاء منظمات العمل المدني، وتلاحق النشطاء والراغبين في العمل التطوعي.
أولاً: استشراء ثقافة الهيمنة والاستفراد

لعب تسلط الدولة في مرحلة ما بعد الاستقلال دوراً كبيراً في استشراء ثقافة الهيمنة والاستفراد على كافة علاقات الجماعات والمؤسسات والبنى الاجتماعية. فمما لا شك فيه أن دولة ما بعد الاستقلال قد قبضت وهيمنت وتسلطت على كافة شؤون الحياة، بدءاً من الاقتصاد، مروراً بالسياسة، وحتى الثقافة والفنون. وبسبب تدخل الدولة في كافة أنشطة الحياة، وبشكلٍ خاص النشاط الاقتصادي من خلال فرض قبضتها على العديد من الأنشطة الاقتصادية، وتعهدها بسياسات تشغيل واسعة النطاق - فإنها قد وأدت أهمية العمل الحر لدى المواطنين الذي ارتضوا اللحاق بقطار التشغيل الحكومي، والاعتماد على المدخولات الشهرية الثابتة. هذه الحالة من الارتباط بخطط التشغيل الحكومية، كان لها تأثيراتها السلبية - أيضاً - من ناحية وأد الرغبة في العمل الجمعي المدني الحر بعيداً عن سلطة الدولة ورقابتها، وهو الأمر الذي انتقل وتراكم منذ الحصول على الاستقلال، وبداية استلام الدولة الوطنية لمقاليد الحكم. لقد وجد المواطنون أنفسهم في عهدة الدولة وكفالتها، الأمر الذي تعودوا عليه وأدمنوه بمرور الوقت، بحيث أصبحت الدولة بالنسبة لهم العائل الوحيد المُُطالب برعايتهم. (الجابري 1998: 48).
ولم يكن من الممكن أن يكون لهذا التدخل من قبل الدولة مثل هذا التأثير المهيمن لو أن الدولة ذاتها لم تقم بتقليص ممارسات المنظمات المدنية والجهود التطوعية بمثل هذا الشكل. وحتى المنظمات التي تركتها الدولة تعمل وتمارس أنشطتها، فإنها قد سمحت لها بذلك من خلال المراقبة المستمرة لها، ومن خلال توافق ما تقوم به مع خطط الدولة المرسومة وأهدافها المعلنة. لقد تسلطت الدولة وامتلكت الفضاء الاجتماعي العام برمته، مما جعلها تمثل الفاعل الوحيد على ساحة هذا الفضاء، والآمر الناهي لما يتم من خلاله.
إن هذا التدخل المفرط من قبل الدولة قد خلق حالة عامة بين المواطنين تتلخص في عدم قدرتهم على العمل الجمعي إلا من خلال ما تمليه مؤسسات الدولة الرسمية عليهم. ولذلك فقد تحولت التنظيمات الرسمية الخاصة بالدولة إلى مؤسسات لقتل الإبداع والحركة والطرح والنقاش. لقد وأدت الدولة كل هذه الطروحات الإنسانية من خلال بنية القرارت الفوقية التي تتدرج من أعلى قمة جهاز الدولة وحتى الموظفين الصغار في أدنى السلم الوظيفي. وعبر سنوات طويلة من هيمنة الدولة تكرست ثقافة الاستفراد التي تعني انفراد فرد ما بكل قرارات المؤسسة، وطاعة الآخرين له، وتنفيذ قراراته، بغض النظر عن النتائج السلبية المرتبطة بهذه القرارات.
تخلق هذه الحالة من الاستفراد والهيمنة فضاءً عاماً من اللامبالاة والأنامالية، حيث يصبح التوجه العام للمواطن هو تنفيذ ما يُملى عليه، بدون الدخول في أية نقاشات حوله، وبدون الرغبة في طرح بدائل أخرى له، حتى لو ظهر في الأفق أنها الأكثر صلاحية والأكثر نفعاً. بالطبع تؤثر هذه الثقافة العامة على بنية وأداء منظمات المجتمع المدني، بل وتؤثر - أيضاً - على إقدام الأفراد على تأسيس هذه المنظمات والتطوع للعمل فيها. فما الداعي هنا لإنشاء منظمات تتوسط العلاقة بين الفرد والدولة، تقوم بعملها بجهود تطوعية، إذا كانت الدولة ذاتها قد أطلقت يدها من أجل خدمة المواطن وتحقيق أهدافه؟ من هنا فلم يعد هناك أي دافع لدى الأفراد من أجل إنشاء تنظيماتهم المدنية، تعبيراً عن توجهاتهم ومشروعاتهم الخاصة بهم.

وعبر سنوات طويلة من هيمنة وتسلط الدولة واستفرادها بالمسؤوليات المجتمعية المختلفة، التي تمت في الأغلب الأعم من خلال القرارات الفوقية التي يمليها ويفرضها المسؤولون الحكوميون، فقد أصبحت سمة الهيمنة والتسلط سمة مجتمعية عامة؛ فما يخضع له المواطن وينصاع له قد أصبح سمة حياته اليومية، كما قد أصبح - وهذا هو الأهم والأكثر خطورة - سمة تعاملاته مع الآخرين، حيث تصبح منطلقات هذا التعامل هي الاستبداد، والهيمنة، والتسلط. ولعل هذا هو ما نقصده بأن ما بدأته الدولة من خلال مشروعاتها التنموية القابضة على الفضاء الاجتماعي العام في مرحلة ما بعد الاستقلال، قد تمخض عن مشتركات ثقافية شعبية تتجاوز مؤسسات الدولة وأطرها المتنفذة إلى عموم أفراد المجتمع وجماعاته المختلفة.
وإذا كانت الدولة قد لعبت دوراً كبيراً في نشر ثقافة الهيمنة والاستفراد، بحيث أصبحت إحدى السمات الحاكمة للفضاء المجتمعي بشكل عام، فإن اللافت للنظر هنا أن هذه السمة قد صاحبت - أيضاً - منظمات العمل المدني التي ظهرت فيما بعد، بعد أن ضعفت الدولة، وقبلت بدرجة أو بأخرى - وتحت تأثير الضغوط الخارجية المتزايدة - بدور ما لهذه المنظمات. فاللافت للنظر هنا أن هذه المنظمات، الأحزاب السياسية والكثير من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المرأة ومنظمات العمل الاجتماعي العام، قد اصطبغت منذ نشأتها بسمتي الهيمنة والاستفراد.
فلم يتسم عمل هذه المنظمات بالديمقراطية والحوار وتداول المناصب والتغير والتطور المستمرين، لكنها - وفي الكثير من الأحيان - اتسمت بهمينة منشئيها عليها، واستفرادهم بالقرارات المختلفة الصادرة عنها. كما أن هذه المنظمات قد اتسمت - أيضاً - بفوقية القرارات بعيداً عن إشراك الأعضاء في اتخاذها من أجل التسيير الديمقراطي لعملها. ولعل ذلك هو ما نقصده باستمرارية البنية الثقافية حتى بعد زوال أو ضعف العوامل المسؤولة عن ظهورها. ففي حالة منظمات المجتمع المدني هذه، لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته الدولة منذ مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى الآن في نشر ثقافة الهيمنة والاستفراد، لكنه ورغم الضعف النسبي الذي انتاب مؤسسة الدولة منذ أواخر السبعينيات وحتى الآن، ورغم الضغوط الخارجية المتواصلة من أجل ضرورة الإصلاح السياسي في العالم العربي - فإن منظمات المجتمع المدني لم تحقق هذا القدر المنشود من التأثير في مواجهة هيمنة الدولة واستفرادها الواسع المدى بالفضاء المجتمعي العربي. (انظر بلقزيز 2002، ابراهيم 2000).
ورغم وجود الكثير من العوامل البنيوية غير المُدعمة للعمل الجمعي، والتي لعبت الدولة فيها دوراً كبيراً ومؤثراً، إلا أنه يمكن القول - أيضاً - بوجود عوامل داخلية خاصة ببنية المنظمات المدنية في العالم العربي، وعلى رأسها استشراء ثقافة التسلط والهيمنة والاستفراد. وإذا كان من المفترض أن تتجاوز هذه المنظمات مثالب عمل الدولة التسلطية في الفضاء الاجتماعي العام، بحيث تنطلق من أسس داعمة للحريات والتغيير الدوري لمواقع الرئاسة داخلها، فإن ما حدث جاء على النقيض تماماً؛ حيث أصبحت هذه المنظمات المدنية أوكاراً جديدة من أوكار تفريخ ثقافة الهيمنة والاستفراد. وبالطبع كلما تعاظمت أهمية المنظمة، وحجم التأثير المرتبط بها اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا زاد حجم الاستفراد والهيمنة الخاص بها، بحيث يمكن القول بأن الكثير من هذه المنظمات قد تحول من كونها منظمات للنفع العام إلى منظمات للنفع الخاص، المرتبط بحلقة ضيقة من القائمين على تسيير شؤونها لفترات زمنية طويلة.
ومن أبرز الأمثلة الواضحة على ذلك الأحزاب السياسية في العالم العربي، التي يحتكرها رؤساؤها لعقود طويلة من الزمن، بغض النظر عن مدى كفاءتهم ومدى ملاءمتهم الصحية للاستمرار في العمل والقيادة والعطاء. ورغم الدور الذي يقوم به نشطاء العمل المدني والتطوعي من إثراء للفضاء الاجتماعي العام، إلا أنهم هم أنفسهم محكومون ببنية الهيمنة والاستفراد التي تربوا عليها، وتشبعوا بأطرها المعرفية، الأمر الذي يجعلهم - في كثير من الأحيان، سواء وعوا بذلك أو لم يعوا - امتداداً لنفس البنية المهيمنة والاستفرادية التي أسست وأرست الدولة معالمها.

ثانياً: شيوع ثقافة الخوف من العمل الجمعي

خلقت الدولة تصوراً عاماً مفاده صعوبة العمل خارج الفضاء الاجتماعي العام الذي حددته، بل إنه يمكن القول بأن الدولة قد خلقت تصوراً مخيفاً مفاده أن العمل من خلال جماعات أخرى لا تمت لمؤسساتها الرسمية بصلة يحتاج إلى موافقتها والالتزام بالشروط التي فرضتها على العمل الجمعي عامة. ولا ينفصل ذلك بحال من الأحوال عما ذكرناه سابقاً من استشراء واسع المدى لثقافة الهيمنة والاستفراد، سواء من قبل الدولة ومؤسساتها الرسمية، أو من قبل القائمين على المنظمات المدنية ذاتها.
فالهيمنة المسبقة من قبل الدولة على كل الممارسات الاجتماعية والسياسية قد أدت إلى انسحاب المواطنين من العمل الجمعي والتطوعي خشية تعرضهم لقمع الدولة ومؤسساتها الأمنية المختلفة، بحيث أصبح الاقتراب من أية مؤسسة سياسية أو اجتماعية مدنية يعني الاشتباك والاصطدام الحتميين مع الدولة ومؤسساتها. كما أن انتقال بنية الهيمنة والاستفراد من الدولة ومؤسساتها إلى بنية منظمات المجتمع المدني المعاصر في العالم العربي قد أدى بالمواطنين إلى عزوفهم عن الانضمام لمثل هذه المنظمات، التي رأوا فيها امتداداً لهيمنة واستفراد الدولة ومؤسساتها المختلفة. كما أن النخبوية التي تمتع بها قادة منظمات المجتمع المدني في العالم العربي قد أدت بالكثيرين إلى الخوف حتى من الاقتراب من هذه المنظمات والعمل التطوعي من خلالها، وهو الأمر الذي يبرر في أحيان كثيرة أسباب الانضمام الواسع المدى من جانب المواطنين للمنظمات ذات التوجه الديني بالأساس؛ حيث يجدون سهولة في التعامل مع القائمين عليها، ناهيك عن إحساسهم بالإشباع الديني.
ورغم ارتباط الثقافة الإسلامية بعامة بالأعمال التطوعية الخيرية التي تهدف إلى فائدة الآخرين، إلا أن القيود الصارمة التي فرضتها الدولة على هذه الجهود الخيرية قد أدت إلى تقزيم ثقافة العمل الخيري التطوعي. فالمسلم المعاصر لم يحتفظ من هذه الجهود والممارسات الخيرية إلا بما يقر به الشرع من دفع للزكاة ومساعدة للفقراء والمحرومين، وإن حرص على أن يتم ذلك بشكلٍ خفي بينه وبين الله، ودون الارتباط بأية مؤسسات للعمل الخيري أوالتطوعي، وهو الأمر الذي قد يجلب له الكثير من المشكلات من قبل الدولة التي تعد على مواطنيها أنفاسهم أينما ذهبوا وتصرفوا وشاركوا. (حول دور الدين الإسلامي في تدعيم ثقافة العمل الخيري والتطوعي، انظر: أعمال الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية في الغانم 2003).
وإذا كان هذا هو حال الأغلبية المسلمة في العالم العربي تجاه منظمات العمل المدني، فإن الحال يزداد سوءاً بخصوص أبناء الأقليات العربية، المسيحية منها على وجه الخصوص؛ حيث يصبح العمل الجمعي والتطوعي، محل خوف كبير من جانبهم، وهو الأمر الذي يجعلهم أكثر ارتباطاً بمؤسساتهم الدينية المختلفة، وعلى رأسها الكنيسة، رافضين بدرجة أو بأخرى العمل من خلال أية مؤسسات مدنية أخرى خارج هذا السياق الديني الضيق.
أخطر ما تؤدي إليه إشاعة ثقافة الخوف من العمل الجمعي انتشار حالة من الانسحابية المطلقة التي تقود المواطنين إلى تجنب الاشتراك في أي عمل جمعي أياً كانت أهدافه ومراميه. فالرغبة في تجنب ما يثير الدولة ويثير حفيظة أجهزتها الأمنية يؤدي إلى إيثار السلامة والبعد عن المشكلات التي قد تتسبب فيها المشاركة في أي من منظمات العمل المدني. لا تقف مسألة الخوف عند مجرد الانضمام إلى أي من منظمات المجتمع المدني، والمشاركة في أنشطتها التطوعية، بل يتعداها إلى الخوف من مجرد الحديث مع الآخرين حول أية قضية اجتماعية، والعمل على إيجاد حلول لها. فاللافت للنظر هنا ضعف التواصل بين الأفراد، وإجراء حوارات بينهم فيما يخص حياتهم ويتعلق بتطويرها.
إن تشكيل المواطن من خلال ثقافة الخوف يؤدي إلى العديد من الأمراض الاجتماعية الخطيرة، والتي من أبرزها الصمت تجاه أوجه الفساد التي يراها تحدث أمامه ليل نهار. وإذا كان هذا المواطن يصمت تجاه المفاسد التي تحدث أمامه من خلال مؤسسات الدولة الرسمية التي يعمل من خلالها، فإن صمته سيتواصل بالتالي في المنظمات المدنية التي قد ينتمي إليها، ولعل ذلك يفسر لنا طبيعة الفضائح الضخمة والتسيب المالي الذي كثيراً ما نسمع عنه في العديد من هذه المنظمات، وعلى رأسها الأحزاب السياسية والمؤسسات الاجتماعية. إضافة إلى ذلك، تُشيع ثقافة الخوف حالة من الخضوع من جانب المرؤوسين تجاه الرؤساء، الأمر الذي ينفي وجود أي قدر من الحوار والجدل والنقاش حول ما يخص مصلحة العمل، وهو الأمر الذي ينتقل بالتبعية إلى ما يدور خلف كواليس منظمات المجتمع المدني.

ثالثاً: الانسحابية والانغلاق على الأسرة

تُلقي ثقافة الخوف بظلال كثيفة على انسحاب المواطنين من كل ما يمت بصلة للفضاء المجتمعي العام، والانكفاء والانغلاق على الأسرة، الأمر الذي يؤدي بدرجة أو بأخرى إلى ضعف المشاركة في العمل الاجتماعي التطوعي، والانتماء لأي من منظمات العمل المدني. فبديلاً عن أية إسهامات مجتمعية قد يقوم بها الأفراد، تصبح الأسرة هي محور العالم ومركزه، والمكان الطبيعي الذي يشعر فيه المرء بالانتماء الحقيقي؛ حيث يتصرف بحريته الكاملة أمام آخرين، لا يخشى منهم شيئاً، ولا يخاف تبعات سلوكه أمامهم.
تبث الأسرة قيم الأثرة والأنانية المفرطة للأبناء، حيث التعليمات المتواصلة من قبل الآباء لأبنائهم بعدم اشتراكهم في أي عمل جمعي، والتركيز - فقط - على مذاكرتهم، وضرورة حرصهم على تفوقهم. وتصبح الدعوة الدائمة من جانب الآباء للأبناء هي ضرورة الحرص على مستقبلهم وعدم اهتمامهم بالسياسة ومشاغلها، أو أية أنشطة اجتماعية أخرى. بالطبع بعد هذه الجرعات الفردية المكثفة من جانب الآباء لأبنائهم تستمر شحنة الأنانية الفردية المفرطة معهم، وتنتقل إلى أماكن العمل التي يعملون بها، حيث لا يهتمون سوى بمصالحهم الفردية الضيقة، والتي يورثونها بعد ذلك لأبنائهم، وهكذا دواليك.
اللافت للنظر هنا، هو ذلك التناقض الذي تنتجه الأسرة في العالم العربي بين تدعيم الترابط بين أفرادها المنتمين إليها من جهة، وإضعاف التماسك الاجتماعي العام من جهة أخرى، وهو الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن الأسرة تقوم بدورين متناقضين؛ فمن ناحية تمارس الأسرة دوراً هائلاً في تدعيم الترابط بين الأبناء، والحرص على مساعدة بعضهم البعض، ومن الأمثلة الواضحة هنا على هذا التوجه الأسري في العالم العربي ما يبرز من خلال النشاط الاقتصادي العائلي؛ فمعظم الأنشطة الاقتصادية الضخمة في العالم العربي هي أنشطة عائلية تقتصر على أفراد العائلة الواحدة، كما أن الكثير من مؤسسات العمل المدني هي مؤسسات تقوم على مبدأ التوارث أكثر من أي شيء آخر. ومن ناحية أخرى، يتعارض الحرص المفرط - وربما المَرضي - من جانب الأسرة على أعضائها، مع أية إمكانية للخروج من شرنقة الأسرة وحدودها الصارمة إلى الفضاء الاجتماعي العام والعمل مع آخرين لا يمتون إليها بصلة قرابة.
فالأفراد الذين تربوا على الانغلاق الأسري، والثقة في الأقارب، يصعب عليهم التعامل خارج هذا الإطار إلى حيث الفضاء الاجتماعي العام، الذي يفرض قواعد أخرى مغايرة للتعامل. فمن خلال هذه التعاملات الخارجية يهدف الأفراد إلى جذب الفضاء الاجتماعي العام نحو مصالحهم الأسرية الذاتية الضيقة، ويظهر هذا السلوك واضحاً في العديد من المؤسسات الرسمية الحكومية التي يتم توريث الوظائف فيها، بغض النظر عن صلاحية من يتم تعيينهم للعمل، ومدى المهارات التي يتحلون بها للقيام بالوظائف التي يرثونها عن ذويهم. ولا ينفصل العمل في منظمات المجتمع المدني – غالباً- عن مثل هذا التوجه الذي يميل إلى جذب الفضاء الاجتماعي العام لمصلحة القائمين على المنظمة أكثر من التفاعل الحقيقي الخلاق بين هذا الفضاء والمنظمة. ويرتبط بهذه المسألة تحول منظمات العمل المدني إلى جزر منعزلة لا توجد روابط حقيقية فيما بينها. وربما يمكن تأكيد هذا المنحى من خلال ظهور العديد من منظمات حقوق الإنسان في العديد من الدول العربية، بدون أن يكون بينها روابط تدعم من وحدة جهودها، ومن تفعيل تأثيرها. فمثلما تتحول الأسر إلى جزر منعزلة لا يهمها في النهاية سوى مصلحة أبنائها - بغض النظر عما يصيب الفضاء الاجتماعي العام - تتحول منظمات المجتمع المدني – أيضاً- إلى جزر متباعدة، وربما متنافسة، لا يجمع بينها سوى المصالح الشخصية للقائمين عليه.
تبدو مخاطر هذا الانسحاب والانغلاق الأسري في تحول أية علاقة خارج نطاق الأسرة إلى نموذج مطابق للعلاقات بين أعضاء الأسرة الواحدة. في هذا السياق، تتحول المؤسسات التي قد ينتمي إليها الأفراد إلى نموذج آخر يسير على نفس منوال العلاقات الأسرية. فبديلاً عن وجود قواعد موضوعية لتسيير شؤون المؤسسة، تتحول المؤسسة إلى نمط علاقات أبوي يستفرد فيه البعض، ويُملون قراراتهم على باقي الأعضاء الذين يجب عليهم أن ينصاعوا لهم. يرتبط بذلك ظهور الشللية داخل هذه المؤسسات؛ حيث تتحول العلاقات إلى ما يشبه مجموعة من الأسر المتنافرة التي تبغي كل منها تحقيق مصالحها على حساب كيان المؤسسة الكلي، والمصالح والأهداف الخاصة بها.
ورغم ما يظهر من قوة البنية الأسرية في العالم العربي حتى الآن، إلا أن اللافت للنظر أن الأسرة العربية قد واجهت في السنوات الأخيرة ما تواجهه المجتمعات العربية من تفكك وانهيارات وصعوبات؛ فالأسرة العربية تعاني من انعكاسات المشكلات الاقتصادية على بنيتها، كما تعاني من انعكاسات الحالة السياسية التي تتسم بالجمود والركود، كما تعاني من التأثيرات السلبية للإعلام العربي بعامة على بنيتها القيمية والأخلاقية. وفي ضوء كل ذلك، فقدت الأسرة الكثير من القيم الجمعية التي اعتادت أن تنشيء أبناءها عليها، وتحضهم على التمسك بها. من هنا يمكن القول بأن أفراد الأسرة قد فقدوا قدراً كبيراً من قيم الترابط الاجتماعي الأسري التي اعتادوا عليها. ولم ينتج ضعف البنية الأسرية أية إمكانيات حقيقية لتوجه الأفراد نحو إنشاء بنى اجتماعية جديدة عوضاً عما فقدوه من تفكك لبنية الأسرة. بل يمكن القول بأن الأفراد قد نقلوا سمات وخصائص البنيات الأسرية الجامدة والمنغلقة على ذاتها إلى ما أنشأوه من مؤسسات ومنظمات اجتماعية جديدة، الأمر الذي حولها في النهاية إلى كيانات اجتماعية منسحبة ومنعزلة عن الواقع الاجتماعي المعاش. (انظر حطب 1983).


رابعاً: الخوف والتوجس من الآخرين

نتيجة لكون الارتماء في أحضان الأسرة يخلق ثقافة متقوقعة على نفسها، تتجه للداخل وليس للخارج، يصبح التعامل مع كل ما هو جديد وغريب عن المحيط المألوف بالنسبة للمواطن محل خوف وتوجس وريبة وشك؛ فالأفراد الذين تربوا لفترات طويلة بين أحضان الأسرة وقيمها التقليدية الجمعية، حتى في ظل الضعف والترهل الذي أصاب بنية هذه القيم الأسرية، يصعب عليهم التعامل مع المحيط الاجتماعي الخارجي بسهولة ويسر، حيث يصيبهم هذا التعامل بالخوف والقلق وتوقع كل ما هو سلبي. فالفضاء الخاص بالأسرة غير منفتح على الفضاء المجتمعي العام، الأمر الذي يجعل انفتاح الأسرة على الفضاء الخارجي انفتاحاً غير متناغم ومضطرب؛ فانفتاح الأسرة على الفضاء العام لا يعمل إلا في ضوء التوجهات المرجعية التي اكتسبها أفرادها - سابقا - من خلال التنشئة الأسرية، والتي تحيل إلى الخوف والتوجس من الآخرين، والريبة والشك فيهم، لذلك يصعب على الأفراد أن ينشئوا علاقات جديدة ومرنة مع هذا الفضاء الاجتماعي العام، حيث تقيده دائماً أطر التوجهات الأسرية الحاكمة لأفكارهم وسلوكياتهم تجاه هذا الفضاء.
وربما لعبت الثقافة المخابراتية التي أنتجتها الدولة في العالم العربي دوراً كبيراً في إنتاج هذا الخوف والتوجس عند التعامل مع الآخرين من قبل المواطنين. ففي وقت من الأوقات كانت ملاحقة الشيوعيين هي الفريضة الملقاة على عاتق الدولة في العالم العربي، وفي وقت آخر أصبحت ملاحقة الإسلاميين هي القاسم المشترك بين كافة الأجهزة الأمنية العربية. ومن خلال هذه الملاحقات المتواصلة والمستمرة خلقت الدولة عبر ترسانة مؤسساتها الأمنية والمخابراتية والتجسسية حالة من القلق لدى المواطن الذي أصبح يستريب حتى في أقربائه أنفسهم بوصفهم يتجسسون عليه لصالح الأجهزة الأمنية.
بالتأكيد يحتاج التخلص من هذا الخوف إلى وقت طويل تُعاد فيه صياغة العلاقة بين الفرد وباقي أفراد أسرته من ناحية، وبينه وبين الدولة ومؤسساتها المختلفة من ناحية أخرى. وإلى أن يتم ذلك، ستظل حالة الخوف والريبة هذه سمة الكثير من العلاقات التي ينسجها الأفراد مع الفضاء الاجتماعي العام، وبشكل خاص عضوية المنظمات المدنية والمساهمة في الأعمال التطوعية.
لقد انعكست حالة الريبة والتوجس هذه على بنية منظمات المجتمع المدني ذاتها؛ فالبعض يخشى التعامل معها تجنباً لما قد ينجم عن ذلك من إثارة حفيظة الأجهزة الأمنية، كما أن البعض الآخر يستريب ويتوجس في بنية هذه المنظمات وطبيعة القائمين عليها، حيث يرى أن الكثير من هذه المنظمات لا يشكل سوى امتداد للدولة ذاتها، بأشكال وصور عديدة يصعب الكشف عنها، بحيث تتعاون هذه المنظمات مع الأجهزة الرسمية الحكومية من أجل مساعدتها على تحقيق أهدافها وتنفيذ أجندتها، أو على الأقل تستخدم هذه الأجهزة الرسمية هذه المنظمات من أجل تلميع صورتها أمام الآخر الغربي الذي يحاول فرض أجندته الإصلاحية على الدول العربية.
ومما زاد من حدة الخوف والتوجس نحو منظمات المجتمع المدني الجديدة في العالم العربي، وبشكلٍ خاص ما يتعلق منها بالإصلاحات الديموقراطية، مثل الأحزاب السياسية ومنظمات حقوق الإنسان - الاتهامات التي كالتها الدولة لها بخصوص تعاونها مع الخارج، وتلقي البعض منها تمويله من حكومات خارجية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي. وهي اتهامات كانت صحيحة في بعض الأحيان ومتجاوزة في أحيان أخر، لكنها خلقت مناخاً مضاداً للانضمام لمنظمات العمل المدني من جانب المواطنين. ومما ساعد على استفحال وطأة هذه الاتهامات التي كالتها الدولة لهذه المنظمات المدنية الموقف الشعبي المضاد للولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى في العالم العربي.


خامساً: ضعف ثقافة احترام حقوق الإنسان والتسامح على المستوى الشعبي

لا ينفصل كل ما سبق عن وجود مناخ عام وبيئة مضادة لثقافة احترام حقوق الإنسان، والتسامح تجاه الآخرين. فالبيئة التي تتعرض لضغوط اقتصادية وسياسية واجتماعية تؤدي لا محالة إلى عدم احترام حقوق الإنسان، وإلى تقييد حرية الرأي وما يرتبط بها من ممارسات وأنشطة مختلفة. ولا يمكن الحديث عن ثقافة لاحترام حقوق الإنسان بين ليلة وضحاها؛ حيث يحتاج الأمر إلى فترات زمنية طويلة، وإلى تكاتف لكافة القوى الرسمية والمدنية والشعبية في سبيل تدعيم الأخذ بثقافة احترام حقوق الإنسان، والدفاع عنها.
وبسبب الهيمنة المفرطة للدولة وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة، وبسبب ما تقوم به أجهزة الإعلام الرسمية من تدعيم لسيطرة الحزب الواحد والصوت الواحد والتوجه الواحد - يصبح قبول الأفراد بأية أصوات خارج هذا الإطار مثيراً للجدل فيما بينهم، ومثيراً للمشكلات، بل إن هذه القبول يثير الجدل بين الفرد وبين نفسه كونه يقوم بفعل مخالف ومغاير للمعايير والأسس التي ارتبط بها وتعلمها وتربى عليها. من هنا فإنه يصعب عليه قبول آراء جديدة تختص بحماية الآخرين، وحقهم في التعبير عن آرائهم، طالما أنه هو نفسه قد تربى على ما تقول به الدولة من جانب، وما تبثه الأسرة من جانب آخر، آخذين في الاعتبار ذلك التماهي والتوحد الذي يحدث في أحيان كثيرة بين الدولة والأسرة في العالم العربي.
ورغم أن مسألة احترام حقوق الإنسان مسألة منغرسة في صلب الثقافة الإسلامية، إلا أن مجريات الأمور تسير في العالم العربي بشكل يتعارض مع ما ينادي به الإسلام من ضرورة احترام الإنسان في أفكاره وآرائه، وضرورة النقاش والحوار معه تجنباً للعنف وإراقة الدماء. فمنذ قيام ونشأة دولة ما بعد الاستقلال في العالم العربي، سادت وهيمنت ثقافة القمع بشكلٍ غير مسبوق، وهو الأمر الذي دفع بالعديد من الأفراد إلى أقبية السجون، ولعب دوراً كبيراً في انتشار ثقافة التعذيب التي اقترفتها ومارستها العديد من الأنظمة العربية.
إن خطورة هذا المنحى المتعاظم من قبل دولة ما بعد الاستقلال أنه أفضى إلى اعتماد مبدأ العنف بين الأفراد أنفسهم في حسم صراعاتهم، سواء أكان عنفاً ماديا ملموساً، أم عنفاً رمزيا. والأمثلة على ذلك عديدة يمكن الإشارة إلى بعضها من خلال ممارسات التيار الإسلامي الحالية، ومن خلال الخطاب العنيف للكثير من الأقليات في العالم العربي الذي يرتكب عنفاً رمزياً لا يقل خطورة في نتائجه عن العنف المادي الذي تمارسه الجماعات الأخرى.
وتتعارض هذه الحالة مع العمل المدني الذي يقوم في جوهره على حرية العمل والاختيار والحركة والنشاط بقناعة كاملة بأن الآخرين يحترمون، وربما يقدرون، ما نقوم به طالما أن ما نقوم به لا يتعارض مع الفضاء الاجتماعي العام بدرجة أو بأخرى. يحتاج العمل المدني إلى سياق عام من الإيمان بحرية الآخرين في أن يشكلوا التنظيمات والمؤسسات ذات النفع العام التي يرون أهميتها للمحيط الاجتماعي الذي نشأوا فيه ويتعاملون من خلاله، ويهدفون إلى تطويره.
ومن أسف أن سياق عدم احترام حقوق الإنسان، والانغلاق على الذات، وعدم الانفتاح على الآخر، قد انتقلت عدواها إلى الكثير من مؤسسات المجتمع المدني في العالم العربي. وربما تمنحنا الكثير من منظمات حقوق الإنسان والأحزاب السياسية أمثلة على واقع حقوق الإنسان في العالم العربي. فالكثير من هذه المنظمات تمر بالكثير من المشكلات الداخلية، وصلت في بعض الأحيان إلى حد التشاجر والاقتتال من أجل كرسي الرئاسة، كما أن الكثير منها محل شبهة من حيث التمويل والتعامل مع دول غربية، من أجل العمل على تنفيذ أجندتها الخاصة بها، وليس العمل من أجل حقوق المواطنين التي يدّعون أنهم يعملون من أجلها. كما أن الكثير من الأحزاب السياسية – أيضاً- إما أنها أحزاب توريثية، مما يجعلها تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان وحقوقه في العمل والمشاركة، وإما أنها أحزاب ديكورية نشأت بأوامر من الدولة ذاتها، وتستفيد ماديا وإعلاميا مما تغدقه الدولة عليها نظير استمراريتها الديكورية المدجنة من قبل الدولة وأجهزتها الرسمية المختلفة.


سادساً: تعريف الثقافة العربية

يشير البعض إلى صعوبة وجود ما يُسمى بالمجتمع المدني في العالم العربي؛ بسبب ما يطلقون عليه "تريف المدينة"، والتي تعني غلبة الطابع الريفي على المدن، وعدم وجود مدن حقيقية ذات ثقافة مدينية حضرية على منوال المدن الأوروبية. ففي الغرب استطاعت المدينة - عبر التحولات التاريخية الضخمة التي مرت بها منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن - أن تفرض قيمها التحديثية على كافة أرجاء المجتمع، بحيث يمكن القول بأن المدينة الأوروبية قد جرّت الريف وراء قيمها التحديثية الصناعية البورجوازية. بينما استطاع الريف في العالم العربي - وعلى النقيض من ذلك - أن يجر المدينة نحو ثقافته؛ بحيث يمكن القول إن الريف في العالم العربي هو الذي استوعب المدينة وفرض عليها أنماطه التفكيرية وطرائقه الثقافية. (انظر الفالح 2002؛ 1998: 51-100).
ومما لا شك فيه أن الثقافة الريفية تضرب بجذورها في تربة المجتمع، بأسسها المحافظة الانسحابية غير القابلة للانفتاح المرن والتعامل الحر مع الآخرين. فالثقافة الريفية - المرتبطة أساساً بالعمل الزراعي المستقر والراكد في الوقت نفسه - هي ثقافة متقوقعة على الداخل، تتسم بالخوف من السلطة والتعامل مع الغرباء، والتسليم بالواقع المعيش، وعدم الرغبة في تغييره أو الاشتباك معه بأي شكل كان.
وتنتشر الثقافة الريفية في المجتمعات العربية بشكلٍ عام، بغض النظر عن تسارع النمو الحضري في الكثير من دول المنطقة. فرغم ظهور المدن في العالم العربي وتناميها المنقطع النظير - مثلما هو الحال في منطقة الخليج - إلا أن غلبة الثقافة الريفية التقليدية المحافظة مازال هو الإطار القيمي الحاكم لمجمل العلاقات اليومية المعيشة بين الأفراد بعضهم البعض، وبينهم وبين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني.
ونحن لا نقصد بتريف الثقافة العربية ما ينجم - فقط - عن انتقال الثقافة التقليدية من الريف إلى المدينة، والتي تنتج عن تلك الهجرة الواسعة النطاق من الأولى إلى الثانية، على الرغم من تأثير تلك الهجرة على بنية المجتمع الحضري، لكننا نقصد بذلك وجود بنية ريفية عامة تصبغ المجتمع بشكلٍ عام بنمط تفكير تقليلدي ومحافظ إلى حد كبير، حيث يستوي في ذلك الريف مع المدينة. فالمسافة بين نمط التفكير والبنيات الثقافية لدى سكان الريف وسكان المدينة ليست كبيرة في الكثير من الدول العربية على الرغم من اتساع الشقة فيما بينهما على مستوى الخدمات الاقتصادية والاجتماعية.
وهذا الشكل التقليدي من البنيات الثقافية لا يدعم وضعية العمل الجمعي التطوعي القائم على الاختيار الواعي الحر، بعيداً عما تفرضه قيود البنية ومحدداتها. فمن أهم سمات هذه البنية التقليدية الريفية أنها تفرض سياجاً أبوياً يدعم التقيد بالأطر المحددة سلفاً وعدم الخروج عليها، وهو الأمر الذي يتعارض مع أوليات العمل المدني التطوعي القائم على المبادرات والحريات الفردية كما أسلفنا الذكر.
ورغم ما ذكرناه سابقاً حول دور الدولة في استشراء ثقافة الهيمنة والاستفراد، ودورها الواضح في إشاعة ثقافة الخوف وعدم احترام حقوق الإنسان، فإن البنية التقليدية المحافظة، بغطائها الريفي الواضح، تمثل الحاضنة التي توفر عنصري التأثير والاستمرار لما تقوم به الدولة. فلم يكن من الممكن للدولة أن تلعب هذا الدور الضخم في تشكيل الأفراد وثقافتهم وفق أهوائها وأغراضها، لو لم يوجد مثل هذا المهاد الثقافي التقليدي الراكد.
وتنطوي هذه الثقافة التقليدية على العديد من العناصر المعيقة لمجريات العمل المدني التطوعي؛ فهى ثقافة جمعية تؤكد في جوهرها على المنحى الأبوي، كما أنها تتأسس على علاقات جمعية مغلقة، بحيث لا تستطيع أن تمارس هذا التوجه الجمعي خارج فضائها الخاص بها، فهي جمعية ليس بالمعنى الإيجابي، حيث ترتكز على العصبية بأشكالها المختلفة التي قد تكون عصبية الدم، أو عصبية الجيرة، أو عصبية الدين، أو عصبية المصالح... إلخ. وهذا الشكل من أشكال الجمعية الضيق، لا يتيح التعامل مع الآخرين ممن يخالفون توجهاتنا ومعتقداتنا وأفكارنا، بحيث تستحيل هذه الجمعية في النهاية إلى قالب صارم يقولب من ينتمون إليه، ولا تسمح، وفقاً للمقاييس الخاصة بها، للآخرين بالانضمام إليه.
تدعم هذه الثقافة التقليدية الشكل الأبوي في أبرز تجلياته الذكورية هيمنةً وتسلطاً، مما يعيق أحد أهم آليات العمل الجمعي المدني المتمثلة في الحوار والنقاش وتبادل الآراء. ففي الجوهر من هذه الثقافة التقليدية مركزية أبوية تنتقل من أصغر الوحدات الاجتماعية مثل الأسرة، إلى غيرها من الوحدات الاجتماعية الأخرى مثل مؤسسات العمل والتعليم والتربية والإعلام، حيث تتسم هذه الوحدات جميعها بالتراتبية التي تكرسها هذه الثقافة التقليدية، وتتناقلها عبر الأجيال المختلفة. (انظر حول الثقافة الأبوية شرابي 1992، حجازي 1984).
وتتسم هذه الثقافة الأبوية بالعديد من السمات والخصائص المعيقة لتطور المجتمع بعامة، ولمؤسسات المجتمع المدني بخاصة، فأولاً: تتسم هذه الثقافة بالاستبداد المضاد في جوهره لطبيعة العمل المدني وتوجهاته التطوعية التي تهدف إلى النفع العام، وهذا الاستبداد يقود - لا محالة - إلى ما يمكن أن نطلق عليه "ثقافة القطيع"، حيث يُساق الكل خلف توجهات فردية أو نخبوية ضيقة، لا تعبر في الغالب الأعم عن الصالح العام، ولا تعبر عن تمايز الأفراد وتباين مشاربهم وتطلعاتهم، وهي من أهم مرتكزات وأسس العمل المدني. وثانياً: يكرس هذا النوع من الثقافات الطاعة العمياء للقائمين على المؤسسات الرسمية، وبالتبعية للمؤسسات المدنية التطوعية. وثالثاً: ترتكز الثقافة الأبوية على نخبوية العمل، سواء أكان ذكوريا أم أنثويا؛ فاللافت للنظر هنا، أن الثقافة الأبوية لا تختص بالهيمنة الذكورية فقط، لكنها تتعداها – أيضاً- إلى ما يمكن أن نطلق عليه "الهيمنة الأنثوية". وربما يتضح ذلك بشكلٍ جلي - لا يحتمل النقاش والتأويل - من خلال منظمات العمل المدني النسوية، وما يحدث فيها من خلافات بين المتنافسين من النساء حول منصب الرئاسة، وما يرتبط بذلك من منافع أخرى خفية أو معلنة.
ورغم ذلك، فإن المرأة في العالم العربي هي من أكثر الكائنات عرضة لمظالم البنية الثقافية العربية، من حيث تهميشها، وعدم الاعتداد بعملها، سواء أكان داخل البيت أم خارجه. فما زالت الثقافة الذكورية العربية في مجملها تأبى مشاركة المرأة في سوق العمل، ناهيك عن أدوارها المأمولة في تسيير شؤون العمل المدني، وتأسيس المنظمات الأهلية وفقاً للأجندة النسوية والمجتمعية الخاصة بها. وكما أن المرأة تواجه هيمنة الثقافة الذكورية، فإنها تعاني - أيضاً - من أدران الثقافة العربية في أبعادها النخبوية والسلطوية - التي أشرنا إليها سابقاً - والتي انتقلت بالتبعية إلى منظمات العمل المدني التي أسستها المرأة وفقاً لتصوراتها الخاصة بها. فبديلاً عن القيادة الديموقراطية لهذه المنظمات النسوية، إذا بها تحمل السمات التسلطية والنفعية نفسها التي تحملها الثقافة العربية. وبالطبع، نحن لا ننتظر من منظمات العمل المدني النسوية أن تكون أفضل من غيرها من المنظمات الذكورية الأخرى، فالجميع يحمل نفس قسمات الثقافة التسلطية النخبوية السائدة.
ومما يساعد على استشراء الثقافة الأبوية في العالم العربي ما يرتبط بطاعة كبار السن واحترامهم، حتى لو كانوا على قدر كبير من الاستبداد والتحكم. إن استئساد كبار السن، كل في موقعه ومؤسسته الرسمية والمدنية، ساعد على الركود الهائل في البنى الثقافية العربية، المؤيدة لقيم الثبات والاستقرار، والمضادة في جوهرها لقيم التطور والتغيير والعمل المدني الحر. فمن غير المتصور دخول العناصر الشابة صغيرة السن إلى مضمار القيادة وفقاً للثقافة الاستبدادية في العالم العربي التي تؤله كبار السن، حتى ولو كانوا عوائق لمسيرة العمل وتطوره. وفي هذا السياق، تترابط وتتكامل تأثيرات الثقافة التقليدية الريفية مع الدور الذي لعبته دولة ما بعد الاستقلال، في إضعاف دور المجتمع المدني، والنيل من مؤسساته المدنية. فالثقافة التقليدية تصبح عماد تكريس ثقافة الاستبداد الرسمية من قبل السلطة السياسية، وضمانة استمراريتها. كما أن السلطة السياسية تعيد إنتاج أسوأ عناصر الثقافة التقليدية بما يضمن دوام هيمنتها وتنفذها.
خــاتـمة

تتسم الثقافة العربية - في ضوء ما سبق - بمجموعة من السمات تعيق العمل المدني بشكلٍ عام، والتطوعي منه بشكلٍ خاص. وتنبثق جملة هذه السمات من الدور المركزي الذي لعبته دولة ما بعد الاستقلال في إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الأفراد، بما يضمن لها هيمنتها وتسلطها. إضافة إلى ذلك، لعبت بنية الثقافة العربية التقليدية دوراً هاماً ومؤثراً في الالتقاء بسلطة الدولة من حيث تدعيم قبضتها وضمان استمراريتها، وفي كلتا الحالتين دفع الأفراد ثمناً باهظاً من حرياتهم الشخصية وأدوارهم المجتمعية، وعلى رأسها إمكانية تأسيس منظمات العمل المدني الحر الذي يستهدي بتوجهاته ومشاربه الخاصة.
لقد انعكست بنية الهيمنة والاستبداد، ليس فقط على بينة المؤسسات الرسمية الحكومية، لكنها تعدت ذلك إلى ثقافة العمل المدني الحر، والمنظمات المرتبطة به، الأمر الذي أفضى بالكثير من هذه المنظمات إلى أن تكتسب نفس سمات المؤسسات الرسمية الحكومية من حيث استشراء ثقافة التسلط والاستبداد، والخوف والتوجس والريبة من الآخرين والشك فيهم، وضعف ثقافة احترام حقوق الإنسان والتسامح على المستوى الشعبي، والموقف السلبي من عمل المرأة ومشاركتها في مؤسسات العمل المدني خارج منزلها.
لا يعني ما سبق أن هذه السمات جزء طبيعي من بنية الثقافة العربية المعاصرة، فما حدث لبنية هذه الثقافة، وتأثيراتها على العمل التطوعي المدني، هو انعكاس للتطورات والتحولات التاريخية التي مرت بها المجتمعات العربية منذ الخمسينيات وحتى الآن.
الأمر الذي انعكس على البنيات الاجتماعية التي تتوسط المسافة بين الفرد والدولة مثل الأسرة والمؤسسات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني. ويعني ذلك - في التحليل الأخير - أن كل ما اكتنف البنية الثقافية في العالم العربي قابل - أيضاً - للتطور والتغيير نحو الأفضل إذا ما تغيرت الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحيطة ببنية هذه الثقافة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

المراجع

§ إبراهيم، سعد الدين. 2000. المجتمعالمدنيوالتحول الديمقراطي في الوطن العربي. القاهرة: دار قباء.
§ أبو سيف، عاطف. 2005، ط1. المجتمع المدني والدولة: قراءة تأصيلية مع إحالة للواقع الفلسطيني. الأردن، عمان: دار الشروق.
§ بشارة، عزمي. 1998. المجتمعالمدني : دراسةنقدية (مع إشارة للمجتمعالمدنيالعربي(. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
§ ــــــــــ. 1996. مساهمة في نقد المجتمع المدني. رام الله، مواطن: المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية.
§ بلقزيز، عبدالإله. 2001. في الديمقراطية والمجتمعالمدني : مراثي الواقع، مدائح الأسطورة. الدار البيضاء: أفريقيا الشرق.
§ الجابري، محمد عابد. 1998. "المجتمع المدني: تساؤلات وآفاق" ص 39-53، في حمودي، عبدالله (إشراف)، ط1. وعي المجتمع بذاته، عن المجتمع المدني في المغرب العربي. المغرب: دار توبقال للنشر.
§ حجازي، مصطفي. 1984. التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور. بيروت معهد الإنماء العربي.
§ حطب، زهير. 1983. تطور بنى الأسرة العربية والجذور التاريخية والاجتماعية لقضاياه المعاصرة. بيروت: معهد الإنماء العربي.
§ حمودي، عبد الله (إشراف). 1998، ط1. وعي المجتمع بذاته، عن المجتمع المدني في المغرب العربي. المغرب: دار تـبقال للنشر.
§ شرابي، هشام. 1992. النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي. ترجمة محمود شريح. بيروت مركز دراسات الوحدة العربية.
§ الصبان، ريما وآخرون. 1999. قضايا وهموم المجتمع المدني في دول مجلس التعاون: المؤسسات، التشريعات، الأقليات. الكويت: دار القرطاس للنشر.
§ عبد الصادق، على. 2005. المجتمع المدني: دراسة في تطور المفهوم وإشكالياته في الخطاب العربي المعاصر. أبو ظبي: مكتب نائب رئيس مجلس الوزراء لشؤون الإعلام.
§ الغانم، إبراهيم البيومي (محرر). 2003، ط1. نظام الوقف والمجتمع المدني في الوطن العربي. بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية والأمانة العامة للأوقاف بدولة الكويت في الفترة من 8-11 أكتوبر 2001. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
§ غرايبة، مازن خليل. 2002، ط1. المجتمع المدني والتكامل، دراسة في التجربة العربية. سلسلة دراسات استراتيجية. العدد 75. الإمارات: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
§ الفالح، متروك. 2002. المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية: دراسة مقارنة لإشكالية المجتمعالمدنيفي ضوء تعريف المدن. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية.
§ ـــــــــــ 1998. "المجتمع والديمقراطية والدولة في الجزيرة العربية، دراسة مقارنة لإشكالية "المجتمع المدني" على ضوء تريف "المدينة العربية"" ص ص 51- 100، في الصبان، ريما وآخرون. قضايا وهموم المجتمع المدني في دول مجلس التعاون: المؤسسات، التشريعات، الأقليات. الكويت: دار القرطاس للنشر.
§ "قضاياالمجتمعالمدنيفي ضوء أطروحات جرامشي" 1992. مركز البحوثالعربية، الجمعية العربية لعلم الاجتماع. القاهرة: مؤسسة عيبال للدراسات والنشر.
§ "قضايا الإصلاح في العالم العربي" القاهرة: مكتبة الإسكندرية 12-14 مارس 2004.
§ مؤتمر الاتجاهات المعاصرة في إدارة مؤسسات المجتمع المدني في الوطن العربي. 2004. القاهرة: المنظمة العربية للتنمية العربية.
نقله ونسقه المسمى سهاد56من الموقع التالي:d8sd8sd8s
http://www.medadcenter.com/Readings/ItemDetails.aspx?ID=57


djabba1
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية djabba1

تاريخ التسجيل: 2 - 7 - 2007
السكن: مكناس و العرائش و وجدة
المشاركات: 716

djabba1 غير متواجد حالياً

نشاط [ djabba1 ]
معدل تقييم المستوى: 277
افتراضي
قديم 27-04-2009, 19:46 المشاركة 23   

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ


توفيق مدني
:: دفاتري جديد ::
الصورة الرمزية توفيق مدني

تاريخ التسجيل: 25 - 1 - 2009
المشاركات: 53

توفيق مدني غير متواجد حالياً

نشاط [ توفيق مدني ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 28-04-2009, 11:39 المشاركة 24   

مشكور الاخ الكريم سهاد56 على الاضافات ........تحية ومودة.....


سهاد56
:: دفاتري فعال ::

الصورة الرمزية سهاد56

تاريخ التسجيل: 11 - 1 - 2009
السكن: marrakech
المشاركات: 574

سهاد56 غير متواجد حالياً

نشاط [ سهاد56 ]
معدل تقييم المستوى: 243
افتراضي
قديم 02-05-2009, 06:47 المشاركة 25   

*****تتسم الثقافة العربية بمجموعة من السمات تعيق العمل المدني بشكلٍ عام، والتطوعي منه بشكلٍ خاص. وتنبثق جملة هذه السمات من الدور المركزي الذي لعبته دولة ما بعد الاستقلال في إعادة صياغة العلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بين الأفراد، بما يضمن لها هيمنتها وتسلطها. إضافة إلى ذلك، لعبت بنية الثقافة العربية التقليدية دوراً هاماً ومؤثراً في الالتقاء بسلطة الدولة من حيث تدعيم قبضتها وضمان استمراريتها، وفي كلتا الحالتين دفع الأفراد ثمناً باهظاً من حرياتهم الشخصية وأدوارهم المجتمعية، وعلى رأسها إمكانية تأسيس منظمات العمل المدني الحر الذي يستهدي بتوجهاته ومشاربه الخاصة.
لقد انعكست بنية الهيمنة والاستبداد، ليس فقط على بينة المؤسسات الرسمية الحكومية، لكنها تعدت ذلك إلى ثقافة العمل المدني الحر، والمنظمات المرتبطة به، الأمر الذي أفضى بالكثير من هذه المنظمات إلى أن تكتسب نفس سمات المؤسسات الرسمية الحكومية من حيث استشراء ثقافة التسلط والاستبداد، والخوف والتوجس والريبة من الآخرين والشك فيهم، وضعف ثقافة احترام حقوق الإنسان والتسامح على المستوى الشعبي، والموقف السلبي من عمل المرأة ومشاركتها في مؤسسات العمل المدني خارج منزلها******d8sd8sd8s

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مفهوم, المجتمع, المدني, اشكالية

« نصف قرن من العمل الجمعوي بالمغرب | يوم دراسي اقيم بسطات حول البيئة »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اسم الكتاب: المجتمع المدني أشرف كانسي كتب إلكترونية 3 07-03-2009 11:36
لصاحب المجتمع المدني abdelmounaim taounate دفاتر المواضيع العامة والشاملة 1 20-02-2009 00:10
المجتمع المدني: عودة مفهوم أو التبشير به أيوب بنجماعي ثقافة العمل الجمعوي 2 07-02-2009 11:04
المجتمع المدني و أزمة التأهيل أشرف كانسي ثقافة العمل الجمعوي 2 22-01-2009 23:39
ناصيف نصارعن مفهوم المجتمع المدني التربوية ثقافة العمل الجمعوي 1 28-02-2008 12:27


الساعة الآن 20:14


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة