إنفلونزا "الفوازير".. عفوا الخنازير

[ابن الاسلام]

إنفلونزا "الفوازير".. عفوا الخنازير
بقلم - هشام سليمان *
سلام اون لاين

لو أن لي بهم قوة أو آوي إلى ركن شديد لفعلتُ بهم الأفاعيل، أولئك الشناقيط، وأعني –أعزكم الله– بالشناقيط مسئولي منظمة الصحة العالمية، لأنهم بشكل رسمي رفعوا درجة الإنذار من إنفلونزا الخنازير للمستوى السادس، وهذه هي القاصمة؛ فالأمر لا يستدعي زيادة في التهويل والإفزاع، والأمر كله تحول من إحدى زواياه إلى أُحجية كبرى مركبة من عدد من الأحجيات الكبار اللائي يتكونَّ من أحجيات أصغر. أكبر هذه الأحجيات تلك التي تحيرك وتصدمك في آن واحد، عندما تقرأ على الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية على شبكة الإنترنت تقييمها الحالي لوضع إنفلونزا الخنازير بناء على النقاط الثلاث التالية:

1. أن معظم المصابين بالمرض الناجم عن فيروس (A- H1N1) يتعافون من العدوى دون حاجة إلى دخول المستشفى أو الحصول على الرعاية الطبية.
   
2. أن مستويات شدة المرض الناجم عن الفيروس تبدو، إجمالا، مماثلة للمستويات المرصودة أثناء فترات الإنفلونزا الموسمية.
   
3. أن المستشفيات ونُظم الرعاية الصحية في معظم البلدان تمكنت، إجمالا، من استيعاب أعداد من التمسوا الرعاية.

هنا تطل الأحجية الأولى "المكعبلة" متحدية عقل جنابك، وتدير رأسك وأنت تتساءل: إذاً ففيم الفزع والهلع؟ ولم الاستنفار والإنذار؟ ولم إطلاق وصف جائحة على الوضع من الأساس؟ وما الذي جد لرفع درجة الإنذار للمرحلة السادسة صعودا من الخامسة؟ بل وما الذي استدعى أصلا رفعها للثانية؟!.

طالع أيضاً:

خدعة إنفلونزا الخنازير (1)
خدعة إنفلونزا الخنازير (2)
خدعة إنفلونزا الخنازير (3)
المنظمة نفسها تقرر أن معظم المصابين يتعافون وحدهم وذاتيا (واللهُ الشافي) بلا طب ولا تطبيب، والداء يزول بلا دواء، إذا ما هو مصدر الخطورة المرعبة؟
والمنظمة أيضا تقول إن مستويات الاعتلال الشديد بإنفلونزا الخنازير في كل بلد، تماثل تلك المرصودة أثناء سريان الإنفلونزا الموسمية، ولو صح هذا فلماذا الثانية وباء بينما الأولى مجرد داء؟
والواقع أن هذا غير صحيح، فمثلا رصدت المنظمة 17855 إصابة بإنفلونزا الخنازير في أمريكا توفي منهم 45 حالة حتى 15 يونيو الحالي، أي في غضون شهرين تقريبا، بينما المعروف أن الإنفلونزا الموسمية تصيب سنويا ما يتراوح بين 25 مليونا و50 مليونا في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ويتوفي بسببها ما يتراوح بين 30 ألفا و40 ألفا، وغني عن البيان أن لا مجال للمقارنة هنا، سواء فيما يتعلق بالانتشار أو بشدة المرض، استنادا لعدد الوفيات وعدد حالات الإصابة بالعدوى.
ومع تسليمنا بأن المسألة مسألة آجال وأعمار بيد خالقها، فإنه من وجهة النظر الطبية المجردة هؤلاء الذين توفوا بسبب إنفلونزا الخنازير في أمريكا كانوا معتلين بالأساس، وحالتهم الصحية غير طيبة، وتفاقم اعتلالهم بالإصابة بها، بينما عدد الوفيات الذي تجاوز المائة بالمكسيك كان بسبب أن المرضى المصابين بإنفلونزا الخنازير لم يفكروا في العلاج إلا بعد أن تقدمت حالتهم المرضية، فضلا عن تدني الرعاية الطبية التي تلقوها، فهم أصلا كانوا يعانون من ظروف معيشية سيئة مكللة بسوء تغذية قاتل.

انتشار وليس حدة!

الأحجية الثانية تفترض أنه إذا كان رفع درجة الإنذار يستند للانتشار الجغرافي، وليس لشدة المرض، فلا نظن أن هناك حاجة لإقامة الدليل على ندرة غير المصابين سنويا -ولو لمرة واحدة- بالإنفلونزا الموسمية في كل دول العالم، ووفيات أمريكا وحدها بسبب الإنفلونزا الموسمية كافية للتفوق على الوفيات الناجمة عن إنفلونزا الخنازير إذا احتجنا للمقارنة خلال الفترة الزمنية ذاتها.
المنظمة تقول إنه حتى 15 يونيو الحالي فإن هناك نحو35928 حالة معظمهم في الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، ولم يتوف منهم سوى 163 حالة أيضا متركزين في نفس البلدين كما سلف بيانه، وموزعين على أكثر من 70 بلدا.
لماذا لا يوجد نفس القدر من الاستنفار والإنذار مع مرض كالملاريا الذي بلغ عدد المصابين به عام 2006 إلى 246 مليون حالة موزعين على 109 بلدان، توفي منهم حوالي مليون حالة معظمهم من أطفال إفريقيا، بمعدل وفاة طفل كل 30 ثانية، كما هو مدون بسجلات منظمة الصحة العالمية نفسها.
لماذا لا تقوم المنظمة ولا تقعد في مواجهة الكوليرا، وعدد المصابين بها ارتفع كما تقول سجلاتها عام 2006 إلى 236 896 حالة، توفي منهم 6311، وكان انتشارها على نحو 52 دولة، وكان معدل الزيادة في عدد المصابين بها يزيد عن عام 2005 بنحو 79%.
لماذا هذا السكون أو الصوت الخافت إزاء الحميات النزفية التي تسببها فيروسات خطيرة كتلك الناجمة عن فيروس إيبولا ولاسا وماربورج وهي أمراض من اسمها تضعضع الجسم بالحمى الجاسية، وينزف فيها المريض من شتى أنحاء بدنه، ثم ما يلبث أن يلفظ أنفاسه تحت وطأتها، ويمكنهم مطالعة أعراضها المرعبة، ولا مجال هنا لمقارنة أعراض الإنفلونزا البسيطة أمام تغول وتوغل أعراض الحميات النزفية.
الإيبولا على سبيل المثال، تؤكد سجلات منظمة الصحة العالمية اكتشاف 1850 حالة مصابة بها في وسط وغرب إفريقيا، توفي منهم 1200، ويمكنكم أنتم حساب معدل الوفيات الرهيب، وتخطى نطاق انتشار الفيروس المسبب لها أكثر من 3 دول (الجابون والكنغو والسودان وساحل العاج وزائر وأوغندا).
أما فيروس لاسا المسبب أيضا لإحدى الحميات النزفية الخطيرة فالمنظمة أيضا تقرر أن هناك ما بين 300 ألف إلى 500 ألف إصابة سنويا، يتوفى منهم 5000 حالة، وهو ينتشر في عدة دول بغرب إفريقيا.
وأخيرا وليس آخرا، هناك فيروس ماربورج الخطير المسبب لواحدة من أقسى الحميات النزفية المميتة والذي انتشر بشكل وبائي على مرتين؛ في ألمانيا ويوغوسلافيا القديمة عام 1976، ثم تغول في انتشاره الثاني بكل من أوغندا والكونغو وكينيا وجنوب إفريقيا وأنجولا وزيمبابوي.
لعل القاسم المشترك في تلك الحميات أن نطاق انتشارها هي وغيرها متركز بدرجة كبيرة في دول الجنوب الفقيرة، لاسيما بلدان إفريقيا المعدمة المطحونة، وربما كان هذا أحد الأسباب التي تدفع منظمة الصحة العالمية لتصعير خدها لتلك البلدان.

خطير.. ولا داعي لغلق الحدود!

الأحجية الثالثة هي: إذا كانت منظمة الصحة العالمية تستند في إطلاق نذير من الدرجة السادسة، وهو أعلى درجات التحذير على الانتشار الجغرافي للفيروس وسرعة هذا التفشي، وليس على الشدة أو الخطورة، فلماذا لا توصي المنظمة بإغلاق الحدود حتى الآن للحد من انتشار المرض الناجم عنه؟
ففي كل مراحل الإنذار ظلت المنظمة توصي بأن لا حاجة لإغلاق الحدود أو الحد من الانتقال بين بلدان العالم أو وقف خطوط الطيران والملاحة، حتى بعد أن بلغ الفيروس الحد الذي يستأهل أقصى درجات التحذير والإنذار حسب تقويم المنظمة للموقف العالمي؟
ثم ما هي وسيلة انتشار المرض على هذا النحو العابر للقارات؟ لماذا لا يوجد حديث عنها في أي مضمار طبي أو صحي؟ لم نسمع حتى الآن عن الناقل لهذا الفيروس، فقد كنا مثلا في أيام الهلع من الجمرة الخبيثة نسمع عن الطرود، وفي أيام إنفلونزا الطيور كان المؤسسات الطبية الصحية الرسمية وغير الرسمية تقنعنا أن الطيور هي الناقل لهذا المرض عبر الحدود والسدود؛ حيث تحمله معها أينما حطت أثناء هجراتها الموسمية.
لعل الإجابة على جزء من الأحجية الأخيرة أن الناس باتوا لا يفكرون في مثل تلك الأمور؛ بسبب انهمار النوازل عليهم، فما عاد يعنيهم كيف ينتشر؟ أو شيء من الأحجيات الأخرى، لقد تم إنضاج هؤلاء التعساء على نار هادئة استمرت من عاما 2001م، بداية من الجمرة الخبيثة، وصولا لإنفلونزا الخنازير!.

* كاتب في الشأن العلمي، ويمكنك التواصل معه عبر البريد الإلكتروني الخاص بصفحة علوم وتكنولوجيا [email protected]