ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر
عن عبد الله بن الشخير رضي الله عنه قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ ألهاكم التكاثر قال: يقول ابن آدم مالي مالي, وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت ؟
أو لبست فأبليت ؟أو تصدقت فأمضيت؟
عن أبي هريرة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « إنه سيصيب أمتي داء الأمم » ،
قالوا : يا نبي الله ، ما داء الأمم ؟
قال : « الأشر والبطر ، والتكاثر والتنافس في الدنيا ، والتنعم والتحاسد ، حتى البغي ، ثم يكون الهرج »
====
*********
عن ميمون بن مهران قال : قرأ عمر بن عبد العزيز ألهاكم التكاثر ، فبكى ، ثم قال : حتى زرتم المقابر : ما أرى المقابر إلا زيارة ، ولا بد لمن يزورها أن يرجع إلى الجنة ، أو إلى النار
الرقة والبكاء/ابن أبي الدنيا
=========
قال ابن القيم:
أخلصت هذه السورة الموعد الوعيد والتهديد وكفى بها موعظة لمن عقلها
فقوله تعالى ألهاكم أي شغلكم على وجه لا تعتذرون فيه فان الالهاء عن الشيء هو الاشتغال عنه فان كان بقصد فهو محل التكليف
وان كان بغير قصد كقوله في الخميصة انها ألهتني آنفا عن صلاتي كان صاحبه معذورا وهو نوع من النسيان
وفي الحديث فلها عن الصبي أي ذهل عنه
ويقال لها بالشيء أي اشتغل به ولها عنه اذا انصرف عنه
واللهو للقلب واللعب للجوارح ولهذا يجمع بينهما ولهذا كان قوله ألهاكم التكاثر ابلغ في الذم من شغلكم,
فان العامل قد يستعمل جوارحه بما يعمل وقلبه غير لاه به فاللهو هو ذهول وإعراض
والتكاثر تفاعل من الكثرة أي مكاثرة بعضكم لبعض
و أعرض عن ذكر المتكاثر به ارادة لاطلاقه وعمومه وأن كل ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله و ما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في هذا التكاثر.
فالتكاثر في كل شيء من مال او جاه او رياسة او نسوة او حديث او علم ولا سيما اذا لم يحتج اليه والتكاثر فى الكتب والتصانيف وكثرة المسائل وتفريعها وتوليدها
والتكاثر أن يطلب الرجل ان يكون اكثر من غيره وهذا مذموم الا فيما يقرب الى الله فالتكاثر فيه منافسة فى الخيرات ومسابقة اليها
====
أخبر سبحانه أن التكاثر شغل أهل الدنيا وألهاهم عن الله والدار الآخرة حتى حضرهم الموت فزاروا المقابر ولم يفيقوا من رقدة من إلهاء التكاثر
وجعل الغاية زيارة المقابر دون الموت ايذانا بأنهم غير مستوطنين ولا مستقرين فى القبور وأنهم فيها بمنزلة الزائرين يحضرونها مدة ثم يظعنون عنها كما كانوا فى الدنيا زائرين لها غير مستقرين فيها ودار القرار هى الجنة أو النار...
ثم توعد سبحانه من ألهاه التكاثر وعيدا مؤكدا ، إذا عاين تكاثره قد ذهب هباء منثورا ، وعلم أن دنياه التي كاثر بها إنما كانت خداعا وغرورا ، فوجد عاقبة تكاثره عليه لا له ، وخسر هنالك تكاثره.
كما خسره أمثاله. وبدا له من اللّه ما لم يكن في حسابه ، وصار تكاثره الذي شغله عن اللّه والدار الآخرة من أعظم أسباب عذابه ، فعذب بتكاثره في دنياه ، ثم عذب به في البرزخ ، ثم يعذب به يوم القيامة
==
وتأمل ما فى هذا العتاب الموجع لمن استمر على إلهاء التكاثر له مدة حياته كلها الى أن زار القبور ولم يستيقظ من نوم الالهاء بل أرقد التكاثر قلبه فلم يستفق منه الا وهو فى عسكر الأموات وطابق بين هذا وبين حال أكثر الخلق
===
والتكاثر بأسباب السعادة الاخروية تكاثر لا يزال يذكر بالله ولقائه ,وعاقبته الكثرة الدائمة التى لا تزول ولا تفنى, وصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل منه قولا وأحسن منه عملا وأغزر علما واذا رأى غيره أكثر منه فى خصلة من خصال الخير يعجز عن لحاقه فيها كاثره بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة بها وليس هذا التكاثر مذموما ولا قادحا فى اخلاص العبد بل هو حقيقة المنافسة واستباق الخيرات