الرياضة المدرسية .. مشتل أبطال الأمس يكابد هشاشة البنيات التحتية

[nadiazou]

إبراهيم مغراوي من مراكش
منذ زمن طويل لم يرفرف العلم الوطني المغربي في المناسبات الرياضية العربية والعالمية؛ وسنوات كثيرة حالت بين مشاركة الفرق الوطنية في نهائيات إقليمية أو دولية، كما كان الحال في عهد سعيد عويطة ونوال المتوكل وهشام الكروج؛ ما يشير إلى أن الاهتمام بالرياضة المدرسية تضاءل إلى حد التلاشي أحيانا، حسب تصريحات متطابقة استقتها هسبريس من أساتذة للتربية البدنية وفاعلين رياضيين وبعض التلاميذ الأبطال.
وإذا كانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني دخلت في مشروع إصلاح البنية التحتية بالمؤسسات التعليمية، وصباغة الأقسام ومحيطها، فهل يسري هذا الأمر على الملاعب الرياضية؟.. ما يدفع إلى طرح مجموعة من التساؤلات، من قبيل: هل تستحضر الوزارة الرياضة المدرسية التي تحتضر مغربيا؟ أم أنها ستتركها تموت مع الأبطال المذكورين؟ وما هي الشروط القمينة بالنهوض بها؟
بنية تحتية ضعيفة
أوضح السعيد العطشان، وهو أستاذ مكلف سابق بمكتب التربية البدنية بإقليم الحوز، لهسبريس، أن جل المؤسسات التعليمية تعاني من بنية تحتية متدهورة، باستثناء ما أحدث أخيرا، مع غياب شبه كلي للمرافق المخصصة لمزاولة التربية البدنية بالمؤسسات الابتدائية، وضعف تواجدها بمؤسسات الإعدادية والتأهيلية، واستدل بالمدارس الابتدائية التي تمارس فيها الرياضة وسط حجرات الدراسة، ما ينعكس سلبا على العملية التعليمية.
"كرة القدم تمارس بملاعب يكسوها التراب، ما يسبب حالات مرضية، منها الحساسية؛ كما أن انتشار الأحجار بمعظمها، وسيادة الإسمنت، وغياب المستودعات، ووسائل الاستحمام، أمور لا تسمح لأساتذة التربية البدنية بتنمية المهارات التقنية لدى التلاميذ، الذين يفضلون الهجرة إلى ملاعب الأندية والقرب والخاصة إن وجدت، أو توفرت الإمكانيات المادية، بحثا عن فضاء أرحب لممارسة هواياتهم"، يقول العطشان.
"تهميش حصة الألعاب الجماعية "ASS" له نصيب مهم، إلى جانب غياب الحصص النظرية، وتعثر مشروع ثانوية الأبطال، وضعف تكوين الأطر التربوية، وتحفيز التلاميذ الأبطال لحظة المشاركة أو الفوز ببطولة إقليمية أو جهوية أو وطنية؛ كلها عوامل ساهمت سلبا في تراجع الرياضة المدرسية، وفي إنتاج أبطال يذكروننا بأبطال الزمن الذهبي للرياضة المدرسية؛ لأن تركيبة حركتها في بلادنا غير منطقية، وغير ملائمة، بسبب غياب رؤية وتخطيط يشارك فيه كل الفاعلين بالمجال"، يضيف المتحدث نفسه.

تهرب من تحمل المسؤولية
"البنية التحتية ليست الوحيدة التي تقف وراء تراجع المردودية في الرياضة المدرسية بجهة مراكش"، يقول أستاذ للتربية البدنية طلب من هسبريس عدم كشف هويته، موردا أن "جل الأطر التربوية يتهربون من تحمل المسؤولية في المكاتب المحلية والإقليمية والجهوية؛ ما أدى إلى تراجع النتائج، وحرمان المغرب من المشاركة في الإقصائيات العالمية".
وأضاف المصدر نفسه أن جل مدرسي التربية البدنية أصبحوا يبحثون عن مهام ذات مردودية مادية، بدل تأطير التلاميذ في مجالات رياضية عدة، مشيرا إلى عجز مكاتب الارتقاء بالرياضة المدرسية عن نسج علاقات وعقد شركات مع المجالس المحلية، لاستغلال ملاعب القرب والأندية الرياضية؛ واستدل على قوله بغياب لاعبين من جهة مراكش عند انتقاء المنتخب الوطني للمشاركة في كأس "دانون" للموسم الماضي.
وأورد المتحدث نفسه أن "المكتب الوطني للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية يلجأ إلى التحايل عبر استعارة الأبطال من أندية خارجية لتعويض الفشل الذي تعرفه المؤسسات التعليمية، باعتبارها أصبحت عاقرا في إنتاج الأبطال"؛ مستغربا "كيف يتم إقصاء المشرفين على الفرق التي فازت بالبطولات الإقليمية والجهوية لحظة مشاركتها في الإقصائيات الوطنية".

التأمين عائق
الحسين الحنشي، فاعل حقوقي بإقليم قلعة السراغنة، تساءل عبر هسبريس عن مآل التحويلات المالية التي ترسلها الجمعيات الرياضية بالمؤسسات التعليمية إلى المكتب الوطني للجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية، "الذي لا يولي أي اهتمام بالرقي بالبنية التحتية، التي تساعد على جعل المدارس مشتلا لاكتشاف الطاقات والأبطال"، منبها إلى "موت الألعاب الفردية بسبب غياب رؤية وتخطيط رياضي"، على حد قوله.
وأشار حنشي إلى مسألة التأمين التكميلي (8 دراهم لكل تلميذ قروي و12 لكل تلميذي حضري، و15 درهم لكل أستاذ)، مبرزا أن الأخير يتمتع بتأمين أساسي وتكميلي، ورغم ذلك يفرض عليه أن يؤدي المبلغ المذكور، أما التلميذ فهو محروم من المشاركة إذا لم يتوفر على التأمين.
وأورد المصدر الحقوقي عينه أن تعويضات شركة التأمين هزيلة للغاية، وأن من يستخلص ويشرف على تحضير ملف التأمين هم الإداريون، بينما تكتفي الشركة بجمع الأموال دون أدنى جهد يذكر.

أبطال من ألم
حمزة الشلح، عداء وطني وتلميذ سابق بإحدى الثانويات التأهيلية بمقاطعة سيدي يوسف بن علي، أكد لهسبريس أن "صناعة الأبطال تخضع للصدفة لا للتخطيط"، مؤكدا أن "البنية التحتية لا تشجع على جعل المؤسسات التعليمية مشتلا لهذه الغاية"، ومضيفا أن "ملاعب العدو الريفي مثلا يجب أن تكون بمعايير دولية".
وأشار البطل سابق الذكر إلى أن "جل التلاميذ يلجؤون إلى ملاعب الأندية الرياضية الخارجية، التي تنشط بالمركبات الرياضية، وتتلاعب بمصيرهم من خلال استغلالهم للحصول على المنح خلال مسابقات المضمار في عدة سباقات رياضية"، على حد قوله.
توضيح من مسؤول
في المقابل نفى محمد ددوشي، مدير الارتقاء بالرياضة المدرسية، فشل الرياضية المدرسية في إنتاج الأبطال، في كافة أنواع الأنشطة الرياضية، مؤكدا أن المشاركة في المسابقات الوطنية والدولية، ككأس دانون، وبلوغ الأطوار النهائية في العديد من البطولات، "خير دليل على عافية وصحة هذه الرياضة بالمؤسسات التعليمية"، ومشددا على أن الساعات المبرمجة كحصص دراسية كافية.

واستغرب المسؤول نفسه المطالبة بملعب معشوشب، "لأنه لا توجد دولة في العالم تتوفر على ملاعب معشوشبة في المدارس"، حسب تعبيره، وزاد: "هل تتحمل طاقة البلاد المائية تزويد هذه الملاعب بما تحتاجه من ماء لسقيها؟.. ما يتوفر من ملاعب كاف، وأن بعضها يحتاج إلى الترميم والإصلاح، وهو ما نحن منكبون عليه".
"استغلال ملاعب القرب لا يعني التلميذ حين يكون داخل المؤسسة، أما عندما يكون خارجها فيمكنه الاستفادة منها عبر جمعيات الأحياء أو الأندية الرياضية التي ينخرط فيها"، يقول ددوشي مبرزا أن "هذه الفئة تستفيد منها المؤسسات التعليمية حينما تحتاجها في منافسة ما، باعتبار حق التلاميذ في الانتماء إلى أي ناد أو جمعية رياضية خارج أوقات الدراسة".
ونفى ددوشي إقصاء أي إطار تربوي من الأساتذة الذين يشرفون على الفرق المؤهلة من مرافقة فرقهم للمشاركة في المنافسات، موضحا أنه "يستحيل القيام بذلك لأن مكاتب الارتقاء بالرياضة تدبر جماعيا"، وزاد: "لذلك قواعد تتمثل في اختيار الأستاذ الذي له عدد كبير من التلاميذ في رياضة ما".