بنك معلومات مادة الفلسفة. (لكل الطلاب، المرجو الدخول) - الصفحة 5 - منتديات دفاتر التربوية التعليمية المغربية
تسجيل جديد
أبرز العناوين



أدوات الموضوع

salah123
:: دفاتري ذهبي ::

الصورة الرمزية salah123

تاريخ التسجيل: 2 - 9 - 2008
السكن: المغرب وطننا الحبيب
المشاركات: 1,231

salah123 غير متواجد حالياً

نشاط [ salah123 ]
معدل تقييم المستوى: 317
افتراضي
قديم 14-02-2009, 11:06 المشاركة 21   

طه عبد الرحمن أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين في العالم العربي الإسلامي منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي. ولد في مدينة الجديدة بالمغرب عام 1944، وبها درس دراسته الابتدائية، ثم تابع دراسته الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، ثم بجامعة محمد الخامس بالرباط حيث نال إجازة في الفلسفة، واستكمل دراسته بفرنسا بجامعة السوربون، حيث حصل منها على إجازة ثانية في الفلسفة ودكتوراه السلك الثالث عام 1972 برسالة في موضوع "اللغة والفلسفة : رسالة في البنيات اللغوية لمبحث الوجود"، ثم دكتوراه الدولة عام 1985 عن أطروحته "رسالة في الاستدلال الحجاجي والطبيعي ونماذجه". درَّس المنطق في جامعة محمد الخامس بالرباط منذ بداية السبعينيات. حصل على جائزة المغرب للكتاب مرتين، ثم على جائزة الإسيسكو في الفكر الإسلامي والفلسفة عام 2006.
أضيف:

يميز طه عبد الرحمن بين نوعين من السؤال الفلسفي، فهناك السؤال الفلسفي اليوناني القديم، والسؤال الأوربي الحديث.

فأما الأول، فقد كان عبارة عن عملية فحص وتمحيص، تبدأ بسؤال عام عن مفهوم ما يليه جواب ينبع عنه سؤال آخر وهكذا... وخير شاهد على هذا النوع من السؤال الفيلسوف اليوناني سقراط، التي كانت تنتهي به أسئلته التي تطول وتتشعب إلى إبراز التناقض بين أجوبة المحَاوَر. إن السؤال بهذا المعنى يولد الأفكار كما كان يقول سقراط، إنه خطاب المستقبل الذي يسعى نحو الامتلاء والاكتمال.
أما السؤال الثاني وهو السؤال الفلسفي الأوربي الحديث، يؤكد طه عبد الرحمن أنه سؤال النقد لا الفحص، لكونه يميل نحو تقليب القضايا والتحقق من تمام صدقها اعتمادا على العقل، إنه سؤال يوجب النظر في المعرفة ويقصد الوقوف على حدود العقل، وخير مثال على هذا النقد فلسفة كانط حيث سمي قرنه بقرن النقد.


حسام الدين
:: دفاتري بارز ::

الصورة الرمزية حسام الدين

تاريخ التسجيل: 17 - 1 - 2009
السكن: بركان
المشاركات: 149

حسام الدين غير متواجد حالياً

نشاط [ حسام الدين ]
معدل تقييم المستوى: 200
افتراضي
قديم 20-02-2009, 17:42 المشاركة 22   


منهجيّة تحليل النّص الفلسفي

في الإختبار يُقترح نصّ لفيلسوف مصحوبا بجملة من الأسئلة التّوجيهيّة:




- قد تختلف صياغات هذه الأسئلة من نصّ إلى آخر، لكنّ الأسئلة الأولى تدعو غالبا إلى إستخراج الأطروحة أو الفكرة المركزيّة للنّص، و كذلك نظام البرهنة عليها.



- يدعو كذلك نوع ثان من الأسئلة، إلى تعريف و تفسير بعض الكلمات و الصّيغ، أو مقاطع من جمل مستخرجة من النّص حتّى يقع الإنتباه إلى بعض المفاهيم المركزيّة.



- أمّا النّوع الثّالث من الأسئلة، فهو يدعو إلى إستئناف التّفكير، بعد عمليّة التّحليل بالطّبع، في فكرة معيّنة، حتّى ننتبه إلى محدوديّة أو نسبيّة الأطروحة التّي ينتهي إليها الكاتب ( قسم تقييمي ).


v كيف العمل ؟

يجب القيام بقراءة النّص، مع إعتباره يمثّل بالأساس حلاّ أو مجموعة من الحلول غير المفهومة إلى حدّ الآن، لمشكل هو الآخر مجهول، غير واضح و لم تقع صياغته بعد كإشكال بالنّسبة إلينا.


تتمثّل أهداف هذه القراءة، إذن في:


1. تمثّل الحلّ أو الإمساك ب: أطروحة النّص و الوسائل التّي إستعملها الكاتب في عمليّة الإثبات و البرهنة.

2. الكشف عن الإشكال أو الإشكالات التّي تقدّم أطروحة النّص حلاّ لها.

3. فحص القيمة الفلسفيّة للحلّ الذّي يقترحه النّص ( الجانب التّقييمي ).

4. عرض كلّ هذا العمل كتابيّا و بشكل منظّم لقارئ ممكن ( المصحّح ).

v العمل في المسودّة:

لكي نحقّق هذه الأهداف، يتعيّن علينا أن نقرأ النّص، و أن نطرح في نفس الوقت و بصفة مستمرّة أسئلة، نحاول أن نجد إجابة عنها في النّص ذاته. و يكون ذلك بتتبّع نظام معيّن يمكّن من بلوغ، بشكل متسلسل و منهجي كلّ الأهداف التّي أشرنا إليها سابقا.

1. الكشف عن مبحث النّص:
الهدف: التّعرّف على الموضوع الذّي يطرقه الكاتب في النّص.

" عن ماذا يتحدّث الكاتب ؟ ما هو موضوع النّص ؟ بماذا يهتمّ النّص ؟ ".

2. ضبط و تعريف الكلمات المفاتيح في النّص:

الهدف: التّعرّف على الكيفيّة التّي بها يطرق الكاتب موضوعه. و يكون ذلك بإستخراج الكلمات الهامّة في النصّ و بتعريفها سياقيّا ( من خلال النّص ذاته ).


" ماذا تعني هذه الكلمة ؟ و في هذا النّص، مدلولها ؟ لماذا يستعمل الكاتب هذه الكلمة و ليس لفظة أخرى ؟ مع ماذا تتعارض هذه الكلمة ؟ "

3. إستخراج بنية النّص:

الهدف: الإنتباه إلى كيف يتقدّم النّص تدريجيّا من نقطة أوّليّة نحو حلّ معيّن.

يجب أوّلا الكشف عن تخطيط النّص، أي تقسيمه حسب أجزاءه و تفرّعاته الخاصّة به، لكي نتعرّف على التّمفصلات الموجودة بين هذه الأجزاء. يتمثّل العمل هنا، في تفكيك النّص، ثمّ بعد ذلك إعادة تركيبه لكي نفهم كيفيّة " إشتغاله "، تدرّجه و تقدّمه نحو الحلّ.

و لا يكون ذلك إلاّ إذا إنتبهنا إلى الرّوابط المنطقيّة مثل: إذن، بما أنّ، لأنّ الخ..، و أيضا إلاّ إذا تساءلنا عن ما يبرّر إنتقال الكاتب من جزء إلى آخر في النّص. و من المفيد هنا، أن نعنون كلّ أجزاء النّص المستخرجة، ثمّ بعد ذلك نصوغ بوضوح التّحوّلات الموجودة بين كلّ جزء و جزء في النّص.

4. الكشف عن أطروحة النّص:
الهدف: تبيّن الحلّ الذّي يقترحه الكاتب لتجاوز مشكل معيّن

" ماذا يثبت الكاتب ؟ ماذا يطرح ؟ عن ماذا يدافع ؟ ما هي الفكرة التّي يريد التّوصّل إليها ؟ بماذا يريد إقناعنا ؟ ماذا يريد أن يفهمنا ؟ ما هي، في آخر الأمر، الفكرة الأشدّ أهمّية و حضورا في النّص ؟ "

ملاحظة هامّة: بما أنّ تدرّج الأفكار، في النّص، لا يتوافق دائما مع التدرّج الخطّي لهذا الأخير، و بما أنّ الأطروحة

يمكن أن تُعرض بشكل متشظّي، فإنّه لا يجب أبدا أن نستشهد بجملة من النّص ( حتّى إذا كانت

الأخيرة في النّص ) على أنّها تمثّل الأطروحة.

بمجرّد الإنتهاء من هذه المرحلة، نمتلك الحلّ لمشكل النّص، دون أن نكون قد تبيّنّا الإشكال ذاته.

5. تحديد الإشكال:

الهدف: الكشف عن المشكل الذّي تمثّل الأطروحة حلاّ له. يقتضي منّا ذلك أن نرتقي من الحلّ إلى المشكل.


و يكون ذلك إمّا:


بشكل مباشر: " ما هو السّؤال الذّي تقدّم الأطروحة حلاّ له ؟ ".


بشكل غير مباشر: " ما هي الأفكار و المواقف المعارضة لأطروحة النّص ؟ إذا كانت الأطروحة خاطئة، فما هو الموقف البديل الذّي يمكننا إثباته ؟ ألا يمكن البرهنة على صحّة أطروحة مناقضة لأطروحة النّص ؟ ". بالإستناد إلى الإجابات التّي نقدّمها عن هذه الأسئلة، نحاول البحث عن السّؤال الذّي يمكن أن يقبل، كإجابات ممكنة عنه، في نفس الوقت، أطروحة النّص من جهة و الأطروحات المناقضة لها من جهة أخرى.

إستخراج الإشكاليّة بطريقة غير مباشرة يقتضي تشكيل مفارقة تحتوي مواجهة بين أطروحات متضادّة.


6. التّساؤل عن قيمة الأطروحة:


الهدف: التّفكير في قيمة الحلّ المقترح. ليس المطلوب هنا، في هذه المرحلة، إذن، أن نفهم ما ورد في النّص، بل التّساؤل عن ما إذا كان ينبغي علينا تبنّيه.


" الآن، و بعد أن فهمنا إلى أين يريد الكاتب التوصّل، و تبيّنّا طريقته في ذلك، بإمكاننا طرح هذا السّؤال: هل ما يثبته حقّ ؟ "


إذا فحصنا كلّ الإجابات الممكنة عن الإشكال المطروح ننتهي إلى هذا الأمر،: إمّا أن تكون أطروحة النّص أكثر تماسكا و صحّة و صلوحيّة من الأطروحات المناقضة الممكنة، و إمّا أن تكون بعض الأطروحات المعاكسة أكثر صحّة و صلابة من أطروحة النّص. لكن يبقى علينا إثبات هذا الأمر و البرهنة عليه..


§ في الحالة الأولى: يجب أن نثبت كيف تكون أطروحة النّص أكثر صلابة و يقينا من بعض التّصوّرات و المواقف التّي تتّسم بالتّلقائيّة و العفويّة و البداهة السّلبيّة.
ينبغي إذن، بصفة إجماليّة، أن نقوم بالبرهنة ( و ليس فقط بالإقرار ) على أنّ أطروحة النّص أكثر قيمة من جملة الآراء المعارضة لها.


§ في الحالة الثّانية: يتعيّن علينا أن نقوم أوّلا بتوضيح كيف أنّ أطروحة النّص محدودة و نسبيّة ( الإمكان نقدها ) و ثانيا إبراز دواعي إستبدالها بأخرى. و يمكن أن نقوم بهذه العمليّة النّقديّة في رحلتين:


النّقد الدّاخلي للنّص: الكشف عن مواطن ضعفه و إثارة الإنتباه إلى بعض المقاطع التّي تغيب فيها الدقّة اللاّزمة و الوقوف على وجود بعض الإفتراضات اللاّ مبرهن عليها أو حتّى الخاطئة الخ.. و يكون ذلك أيضا بتبيان الإستتباعات السّلبيّة للحلّ الذّي يقدّمه النّص.

النّقد الخارجي للنّص: و يكون بمواجهة أطروحة النّص بأطروحة أخرى مناقضة يقع البرهنة عليها ( من المستحسن أن تكون مستمدّة من مرجعيّة فلسفيّة معروفة، معاصرة لكاتب النّص أو لاحقة له ).

v التّحرير:

1. المقدّمة:

بما أنّ النّص، المطلوب منّا تحليله، هو بالأساس نصّ فلسفي يثير إشكالا، يتوجّب علينا أن نتّخذ هذا الإشكال كمنطلق للعمل التّحريري. بذلك يكون الهدف المقصود من المقدّمة، في العمل الفلسفي، متمثّلا في تقديم النّص أوّلا و الإشكال الذّي يثيره ثانيا.

ينبغي إذن، أن نورد في المقدّمة هذه العناصر مع إحترام التّسلسل التّالي:

- مبحث النّص ( لا يجب أن نتغافل عن ذكر صاحب النّص ).

- المشكل الذّي يقوم النّص بفحصه.

- أطروحة النّص ( بشكل شديد الإقتضاب ).

- المخطّط الإجمالي للنّص أو للعمل. يمكن بسط هذا المخطّط في شكل جملة من الأسئلة التّي سيقع الإجابة عنها في باقي العمل.

2. الجوهر:

بما انّ النّص يقترح حلاّ لمشكل معيّن، ينبغي أن نتّخذ من تحليل أطروحة النّص و الأطروحة المناقضة ( إن أمكن )، خيطا ناظما لجوهر العمل التّحريري. كلّ ما عدى ذلك لا حاجة لنا به في العمل.

§ المقتضيات:

- الإستشهاد بمقاطع مختصرة من النّص.

- صياغتها بطريقة جديدة ( في حالة واحدة: إذا كان معناها في النّص غير واضح و غير جليّ من أوّل وهلة ). يجب الإنتباه، في هذا المجال، إلى أنّ هذه الصّياغة الجديدة، هدفها الأساسي هو إبراز أفكار النّص بطريقة واضحة و جليّة فحسب، دون أن نعتبر ذلك مغنيا عن عمليّة التّحليل. حين نكتفي بمجرّد صياغة أفكار النّص بطريقة مغايرة نقع في خطأ السّلخ ( Paraphrase ).

- تعريف و تفسير الكلمات الهامّة و المفاهيم الأساسيّة.

- تحليل الأفكار التّي عبّر عنها الكاتب، و ذلك عبر الكشف عن دلالاتها، مفترضاتها و إستتباعاتها. يتعيّن كذلك أن نوضّح موقع كلّ فكرة و وظيفتها في تدرّج النّص نحو حلّ الإشكال. و يقتضي ذلك الإجابة عن هذا السّؤال: كيف تمثّل هذه الفكرة حجّة يقع إستعمالها في الإجابة المدعّمة عن المشكل المطروح.

- التخلّص من عنصر إلى عنصر ( عبر طرح أسئلة مثلا ).

فيما يتعلّق بالجزء المخصّص لفحص قيمة الأطروحة عبر مواجهتها بأطروحات نقيضة، من الضّروري القيام بالبرهنة، سواء ضدّ الأطروحات المعارضة للنّص ( إذا كنّا نوافق الكاتب فيما ذهب إليه ) أو ضدّ أطروحة النّص ذاته. و لا يجب، في هذا المجال، أن يغيب عن أعيننا لا النّص و لا الإشكال الذّي يطرحه.

3. الخاتمة:

يتعيّن عليها أن تجيب نقطة بنقطة عن التّساؤلات المطروحة في المقدّمة. و يكون ذلك بحوصلة كلّ الأفكار الهامّة التّي إنتهى إليها جوهر الموضوع تحليلا و تقييما. يتوجّب كذلك تجنّب طرح أسئلة تفتح آفاقا وهميّة ( تعيدنا من جديد إلى إشكال النّص و كأنّنا لم نفعل شيئا )، أو إثارة أسئلة لا يوجد أيّ مبرّر لطرحها أو التّخلّص إلى أسئلة ليس في إمكاننا تقديم إجابة عنها أو على الأقلّ توجيه الإجابة عنها حسب ما تخلّصنا إليه، في التّحليل و النّقاش، من نتائج.

_________________



حسام الدين
:: دفاتري بارز ::

الصورة الرمزية حسام الدين

تاريخ التسجيل: 17 - 1 - 2009
السكن: بركان
المشاركات: 149

حسام الدين غير متواجد حالياً

نشاط [ حسام الدين ]
معدل تقييم المستوى: 200
افتراضي
قديم 20-02-2009, 17:49 المشاركة 23   

السؤال الفلسفي

منذ بداية وعي الإنسان لوجوده المختلف عن غيره منِ الكائنات الحية في هذا العالم. وقضية الخلق والخليقة تشغله وتلح على عقله وتدفعه للتفكير والبحث عن علل حدوث هذه الظواهر وماهية علاقته بها. بعد أن وجد نفسه ملقى وسط هذا العالم بغير إرادته ومفروضاً عليه أن يتعايش فيه ومعه بتفاعل وصراع، ساعياً بكل قدراته لتلبية حاجاته المادية والروحية.

لقد بذل الإنسان جهداً كبيراً من أجل أن يرتبط ويعيش في عالم مفهوم ومنظم، حيث تتغلب عليه حالة الفوضى والقلق لأول مواجهة مع الطبيعة.كما إنه دائم البحث عن مبررات وجوده الذي لا يستطيع أن يفهمه حتى هذه اللحظة، ولا يتوقف اجتهاده لمعرفة وكشف حقيقة العالم والحياة وبداياتها، وتشغله الغايات والنهايات، وتقصيه المعرفي دائماً مرتبط بتطوره النفسي والعقلي عبر التاريخ.

وما بحثه المضني عن مبررات وجوده والعالم الذي يحيط فيه إلا لكي يجعل لحياته معنى وهدف وغاية وسبب يعيش من أجله، بعد ما كانت حياته البدائية شبيه بحياة الحيوانات تحركه غرائزه القوية لإرضاء متطلباتها، ولم يكن عقله إلا تابع يضع الخطط والتدابير لإشباع حاجة الجسد وغرائزه. لكن عقل الإنسان لم يتوقف عن التقاط وخزن والتعلم مما يصله عن طريق الملاحظة والتجربة، لما يحدث حوله من ظواهر يتكرر بعضها، ومما يحدث من مصادفات تنمي وعيه وترتقي بإنسانيته وتنتشله تدريجياً من بدائيته وتروض غرائزه، وتنشط قدرته الفكرية وتجدد وتوسع معارفه.

لأن الفكر الإنساني في وثبته الدائمة لا يقف عند إطار، ولا يهدأ في مستقر يطمئن إليه، أو يركن لمعرفة يظنها مطلقة لا يأتيها الخطأ. فهو في حركة دائبة تتجاوز دائماً ما وصلت إليه معرفته.

لقد امتاز الإنسان بقدرته العقلية في تنمية معارفه وتنوعها، التي نقلت الإنسان من الحياة البدائية إلى التطور العلمي لأفاق واسعة، منتفعاً من اكتشافاتها في علوم الطب والعمران والطاقة، والفضاء وجزئيات الكون والنجوم المقزمة والمنطفئة، وفي العلوم الذرية والرياضية الفيزيائية، والبيولوجية وهندستها الوراثية والاستنساخ، وفي علوم الكمبيوتر ودراسة واستكشاف أعماق البحار والمحيطات وغيرها من العلوم الأخرى.

أن ديمومة هذه المعارف، وقدرة الإنسان على الإبداع والخلق الدائم، بدأت عبر دهشته التي تستفز منابع فكره، ليطرح سؤاله الفلسفي ماذا؟ أو لماذا؟ ومن أين أو من هو؟ وغيرها من الأسئلة.

فمن لا يسأل ويتساءل ويندهش ماذا يمكنه أن يعرف وأن يتعلم. لذلك يجتهد الإنسان في البحث عن أجوبة وتأويلات لأسئلته، التي أخذت في مراحلها الأولى تعليلاً وتأويلاً أسطورياً دينياً. يعتقد بعض المفكرين أن ميول الإنسان، لتعليل ما يحدث في الوجود تعلياً دينياً، لأن الإنسان متدين بفطرته. على سبيل المثال يرى هيجل - إن الإنسان وحده الذي يمكن أن يكون له دين، وأن الحيوانات تفتقر إلى الدين بمقدار ما تفتقر إلى القانون والأخلاق -. ويقول ولتر ستيس أيضاً - أن التدين عنصر أساسي في تكوين الإنسان، والحس الديني انما يكمن في أعماق كل إنسان، بل هو يدخل في صميم ماهية الإنسان -.

وربما هذا أحد أهم الأسباب برأي، التي أجد أن الكثير من الناس مدفوعين دائماً بفطرتهم، في البحث عن رمز يؤمنون به، أي كان هذا الرمز والصفة التي يحملها. لذلك نجد أن الإنسان بدأ يتجه إلى الدين بعد إمعانه النظر في حقيقة الوجود المجرد واعتباره سراً غامضا، يجب تفسيره. ومتى ما عجز عن تقديم تفسيراً طبيعياً له، فهو سوف يلتمس تفسيراً يكون ما ورائي من خارج الوجود يفسر به سبب وجود الأشياء. كما أن ميل العقل الفطري للإنسان للبحث عن شيء يكمن وراء حقائق الخبرة ويكون شمولي وكلي.

في الوقت الذي نجد أن الأسئلة قد رافقت الإنسان في كل مكان، لكنه أخذ طابعاً دينياً في أجوبته، في الوقت الذي كان مع اليونانيين قد نحا منحاً فلسفياً في أجوبته. فظهرت تفسيرات عقلية لأصل الوجود وعلى أسس طبيعية. وقد سميت حب الحكمة، حتى أطلق عليها فيثاغورس كلمة الفلسفة، وعلى كل من يبحث في معارف الكون أو الوجود يدعى فيلسوف. فظهر مفهوم الفلسفة كأسلوب ومنهج في المعرفة. والفلسفة بوصفها معرفة عقلية معارضة للتجريد، تسعى لبيان الحقيقة أو الفكرة، ولا تحتوي على عموميات فارغة، وتعتبر هي الكلي الذي يشمل الجزئي ولا ينفصل عن الفردي. وكلما تطورت الفلسفة تنتقل بمعرفتها من المجرد إلى العيني. وعن طريق قوة العقل نفذ الفكر وتغلغل في ماهية الأشياء وماهية الطبيعة والروح وطبيعة الله. وقد أثمر هذا في اتساع وعمق المعرفة العقلية.

لقد سميت الفلسفة أم العلوم في بداياتها، لأنها احتوت في مباحثها على جميع العلوم والمعارف، ومنها قد تطورت واشتقت مثل الفيزياء والكيمياء والهندسة والرياضيات وعلم الحيوان والقانون والتاريخ والجغرافية والاجتماع والنفس وغيرها من العلوم.

لقد بدأت الفلسفة في اليونان حسب تصنيف المؤرخين الغربيين، التي تهدف لمعرفة العلل الأولى في الوجود، وقد أعتبر اليونانيين الفلسفة شكل من أشكال الوعي، والتفلسف نوع من التبصير، كما كانوا يعتقدون أن الفلسفة مدارها ترشيد الناس. فكانت على يد طاليس الذي قال أن - الماء أصل كل الأشياء- ومن بعده اناكسمندريس الذي قال -باللامتناهي- وهو المادة الأولى التي تجمع الأضداد الحار والبارد واليابس والرطب، وغيرها أما أنكسمانس فقال -أن أصل العالم مادة أولى هي الهواء، وهو متجانس لا متناه يحيط بالعالم ويحمل الأرض وتولد منه الأشياء بفعل التكاثف والتخلخل. وقال هيرقليطس -أن جوهر الأشياء هو قانون تغيرها وأن هذا القانون يتمثل في النار، ولا يوجد شيء في الوجود لا يدركه التغير إلا قانون التغير ذاته، والذي هو حكمة الكون(اللوغوس)، لأنه الشيء الوحيد الثابت في الجوهر. وأن العالم كله صراع بين الأضداد، الحياة والموت، الخير والشر، البداية والنهاية. والفيثاغوريون الذين قالوا أن العدد والنغم أساس الكون واصلاً لمادته، لأن كل ما تقع عليه العين مركب من أعداد وأكسنوفانس الذي كان ذو نزعة دينية توحيدية، وأن العالم يتحرك بقوة تفكير الله وحده. وأما بارمنيذس وتلميذه زينون فالحقيقة الوحيدة لديهم هي الوجود وهو وحده الموجود الحقيقي، فالوجود واحد والواحد هو الموجود، فقد أنكروا الصيرورة والتغير والتعدد، فهي غير موجودة ووهم. والوجود لا يعرف إلا بالعقل وحده، ولا يمكن للحواس أن تعرفه. وبعدهم أنباذوقليس الذي قال بالعناصر الأربعة الماء والهواء والنار والتراب، والعالم يتكون عن طريق الاتحاد والانفصال بفعل قوتين المحبة والكراهية. وثم جاء ديمقريطس الذي قال بنظرية الذرة التي طورها عن أستاذه لوقيبوس، فقد أعتبر أن العالم يحفل بوحدات متجانسة غير محسوسة متناهية الدقة هي الذرات، والذرة لا تتجزأ وهي قديمة، لأن العالم لا يخرج ويولد من اللاوجود. وتتركب الأشياء من الذرات، واختلاف الأشكال يرجع لاختلاف مقدار الذرات في الشكل وليس الطبيعة، وتخلق الأشياء عن طريق التجاذب والتنافر.

وقد تطورت الفلسفة على يد السوفسطائيين وسقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم، لكنها انحسرت وضيق عليها الخناق في العصور الوسطى المظلمة، حتى أحياها الفلاسفة المسلمين وقد سعوا كثيراً للتوفيق بينها وبين الإسلام، وكما أنهم أبدعوا بجانب ذلك فلسفة وفكراً إسلامياً، مستنيرين بمناهج الفلاسفة اليونانيين وخصوصاً أفلاطون وأرسطو وأفلوطين، بالإضافة للفلاسفة الآخرين لكن بشكل متفاوت. فقد بحثت الفلسفة حينها في جميع المعارف والعلوم.

لقد كان للفلسفة والعلم دوراً كبيراً في كشف الخلل والعقم وضيق الأفق واستبداد الرأي الواحد بسلطة الكنيسة. حينما أخذ بعض أصحاب العقول المستنيرة من الفلاسفة والعلماء الحديثين، في نقد وتشخيص مظالم محاكم التفتيش والفساد المتفشي في المجتمع، بالإضافة لعدم جدوى ما تطرحه الكنيسة من حلول وأجوبة أصبحت بالية ومستهلكة لا تنهض بالناس بقدر ما تشل تفكيرهم وحركتهم وتلغي مبادراتهم التنويرية.

فكان السؤال الفلسفي فعالاً، في بحثه عن الأسباب وما خفي. ويكفي مراجعة سريعة لتاريخ الفكر البشري، سنكتشف أن جميع الحركات الثورية والتنويرية النهضوية، التي غيرت مسار الناس وارتقت بإنسانيتهم، وروضت نفوسهم على أسس ومفاهيم وقيم أخلاقية وجمالية وعقلية وعلمية. كانت على يد الفلاسفة وبالإضافة لعلماء وفنانين وأدباء ورجال دين متفلسفين.

فبدون السؤال والتساءل ماذا سوف نعرف، وبدون الدهشة والحيرة والقلق، ما الذي سوف يستفز في نفوسنا وعقولنا السؤال؟ وإذا تردد السؤال في التجربة اليومية للإنسان العادي، فهو استفهام حول موضوع يستشعره السائل، ولكن لا يدري ما هو. قد يسأل عن رجل مثلاً من هو ليعرفه، وعن شيء لم يعرفه أو يراه ليستطيع استخدامه. لكن السؤال الفلسفي يختلف عن السؤال العادي في كونه لا غاية نفعية مباشرة له. ثم أن موضوع السؤال يظل فائضاً ما وراء حدوده، أي يصعب تعيينه أو تجسيده. ثم أن كل إنسان يمكنه أن يطرح أهم الأسئلة الفلسفية دون أن يكون عارفاً بتاريخ الفلسفة ولا بتقنيتها وأفكارها وأجوبتها. كما أن السؤال الفلسفي ليس حكراً على الفلاسفة وحدهم. ويستطيع كل إنسان أن يطرح أسئلته التي تقلقه ويسعى في البحث عن أجوبتها، التي ستكون هي أجوبته الذاتية واكتشافاته، كما يعتقد ويتصور. والسؤال الفلسفي ليس طلباً لمعلومة معينة يضيفها الفرد إلى ذاكرته من المعلومات الأخرى، بل طلباً لتلك الحقيقة التي تخصني أنا وحدي.

لكن في الوقت الذي يمنع السؤال أو يستبعد فهو يتساوى مع منع الفرد عن تحقيق وجوده، وهذا سيظهر خطر الأنظمة المتسلطة كالأيديولوجيات حين تحاصر العقل بحلولها وأجوبتها. فهي تعمل بتعمد في إجهاض ولادة السؤال وبالتالي ستقضي على إمكانية مد الجسر بين الفرد وكيانه. وفي حالة انعدام ذلك الجسر أو انهياره كيف يستطيع الإنسان أن يستمر بدون كيانه. وكيف يستطيع الفرد العربي الممنوع من السؤال والمستبعد من قبل الخطاب الأيديولوجي والديني والعصبي السائد أن يحس، أن له ثمة كياناً.
لأنه من الممكن للإنسان أن يوجد ككل الأشياء الأخرى في الطبيعة، ولكن أن يكون، فذلك يتطلب تجربة أخرى يصير فيها الكائن لا يعيش مجرد عيش في الزمان، ولكن يعيش الزمان. وأن يحقق ويوجد كيانه المستقل، ويكون هو.

نحن بحاجة لحركة تنوير تنتشلنا من الوحل والتخلف والكسل وأحلام اليقظة والإتيكالية على عوامل خارجية غيبية أو دولية أو المساومة مع دكتاتور خرب كل شيء جميل، من اجل منافع شخصية. لأن التنوير يتعقب المخفي وليس المجهول. والمخفي هو ما كان مجهولاً ثم جرى العلم به. وأن التنوير إذا لم يكشف عن المخفي، عجز العلم عن كشف المجهول. وكذلك التنوير سيضيء العتمة والظلام ويكشف عن المخفي، من أجل إعادة بنائه أو إبداعه وتكوينه. وقد نعثر على المجهول تحت عباءة أو عمامة أو قبعة عسكري أو تحت حد السيف.

كما أن التنوير هو السعي الدائم نحو حرية التفكير، وإطلاق سراح العقل والاعتراف بالآخر، سعياً وراء مزيد من التقدم، وتخطي كل الحواجز التي تفترض خيمة اليقين القديم، وتفترض له مطلق الصحة، وتحصر إمكانية الفهم في تفهمه كما كان، وتحصر إمكانية التعليم في تعلمه كما هو. فالتنوير فعالية اجتماعية كفاحية تتطلب قتال الظلام في وضح النهار، وضرورة تعلم العلم. لأن التعليم ليس بتلقين المعلومات، بل تعلم مناهج البحث العلمي، ومعرفة ماهية المعرفة والعلم. لأن بمعرفتها يستطيع الفرد أن يغير وضعه ويرتقي بكيانه الفردي المستقل، ويساهم بعدها في نقد وتجديد البنية المعرفية للمجتمع. فمن الضروري لبناء مجتمع مستنير ومتحضر أن يتعلم أفراده الذين يمتلكون فضولاً معرفياً وعمق أخلاقي صادق ومبدئي، أن يُفعلوا السؤال والتساءل الفلسفي، ويعيدوا قراءة تاريخهم، ونقده وتشريح كل جوانبه حتى المقدس الذي فيه.

لأن نهضة الشعوب لا تأتي بالدعوات الصالحة والتمني، بل في المعرفة والعلم والكفاح


حسام الدين
:: دفاتري بارز ::

الصورة الرمزية حسام الدين

تاريخ التسجيل: 17 - 1 - 2009
السكن: بركان
المشاركات: 149

حسام الدين غير متواجد حالياً

نشاط [ حسام الدين ]
معدل تقييم المستوى: 200
افتراضي
قديم 20-02-2009, 17:57 المشاركة 24   

جيل دولوز، فيلسوف وناقد أدبي وسينمائي فرنسي. ولد في باريس في العام 1926 وتوفي في العام 1995 .عاش أغلب حياته في باريس. له العديد من الكتب التي تتناول الفلسفة وعلم الإجتماع. اهتم بوجه خاص بدراسة تاريخ الفلسفة وتأويل نماذج متعددة منه يعتبرها على غاية من الأهمية مثل فلسفات كانط ونيتشه وبرجسون وسبينوزا. وتمثل فلسفة جيل دولوز إلى جانب فلسفتي دريدا وفوكو تقليدا مستقلا في التفكير المعاصر يريد أن يقطع مع الهيجيلية والماركسية والبنيوية. ألف العديد من الكتب ومنها "نيتشه والفلسفة" (1962) و"فلسفة كانط النقدية" (1963) و "البرغوسنية" (1966) و"الاختلاف والمعاودة" (1968) و"منطق المعنى" (1963)، وقد ألف مع فليكس غارتي كتاب "ماالفلسفة" (1991). وله العديد من الدراسات حول الأدب والغن والسينما والتحليل النفسي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

جورج ويلهلم فريدريك هيغل

حياته
ولد بتاريخ 27 آب عام 1770 في عائلة بروسية تنتمي إلى البورجوازية الصغيرة. كان والده موظفاً في الدولة البروسية. وبعد أن أنهى دراساته الثانوية في مدينته الأصلية شتوتغارت دخل إلى كلية اللاهوت الشهيرة في مدينة توبنغين. وهناك درس التاريخ وفقه اللغة الألمانية والرياضيات بصحبة صديقه هولدرلين الذي سيصبح شاعراً كبيراً فيما بعد, وقد نشأت بينهما صداقة حميمة وعميقة.
أتم تعليمَه في توبينغر شتيفت (كلية الكنيسة البروتستانتية في فورتيمبيرغ)، حيث ربطته صداقة مَع فلاسفة المستقبل فريدريك شيلنغ وفريدريك هولدرلين. بعد ذلك جذبته وسحرته أعمالِ سبينوزا، كانت، و روسو، و الثورة الفرنسية.
ظهرت الفلسفة الحديثة، و الثقافة، و المجتمعَ في نظر هيغل عناصر مشحونة بالتناقضاتِ والتَوَتّراتِ، كما هي الحال بالنسبة للتناقضات بين الموضوعِ وجسمِ المعرفةِ ، بين العقلِ و الطبيعةِ، بين الذات والآخر، بين الحرية والسلطة ،بين المعرفة والإيمان،و أخيرا بين التنوير والرومانسية.

فلسفته

ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ ط§ط¶ط؛ط· ط¹ظ„ظ‰ ط§ظ„طµظˆط±ط© ظ„ط±ط¤ظٹطھظ‡ط§ ط¨ط§ظ„ط­ط¬ظ… ط§ظ„ط·ط¨ظٹط¹ظٹ
جيورج فيلهلم فريدريش هيجل


كان مشروع هيغل الرئيسي الفلسفي أَنْ يَأْخذَ هذه التناقضاتِ والتَوَتّراتِ ويضعها في سياق وحدة عقلانية شاملة ،موجودة في سياقاتِ مختلفةِ، دعاها "الفكرة المطلقة "أَو" المعرفة المطلقة".
طبقاً لهيغل، الخاصية الرئيسية في هذه الوحدةِ أنها تتُطوّرَ و تتبدى على شكل تناقضات Contradiction و إنكارات Negation . تولد التناقض والإنكار لَهُما طبيعة حركية في كل مجال من مجالات الحقيقة -- الوعي، التاريخ، الفلسفة، الفن، الطبيعة، المجتمع -- و هذه الجدلية هي ما تؤدي إلى تطويرِ أعمق حتى الوصول إلى وحدة عقلانية تتضمن تلك التناقضاتَ كمراحل وأجزاء ثانوية ضمن كل تطوري أشمل. هذا الكل عقلي لأن العقل وحده هو القادر على تفهم كُلّ هذه المراحلِ والأجزاءِ الثانوية كخطوات في عملية الإدراك . و هو عقلاني أيضا لأن النظام التطوري المنطقي الكامن يقبع في أساس و جوهر كل نطافات الواقع و الوجود و هو ما يشكل نظام التفكير العقلاني . تقوم فلسفة هيجل المثالية على اعتبار أن الوعي سابق للمادة بينما تقوم النظرية الماركسية على اعتبار أن المادة سابقة للوعي على اعتبار أن المادة هى من تحدد مدارك الوعي و بالتالي يتطور الوعي بتطور المادة المحيطة بالإنسان، كان ماركس أحد رواد حلقات عصبة الهيجيليين ثم انشق عنها مؤلفا فلسفته الخاصة به، لا تستطيع النظرية الماركسية بماديتها تفسير كل ما يدركه الوعي لأنها تفترض - على المطلق - بأن الوعي هو انعكاس كامل عن المادة و لكن إذا سألنا أنفسنا عن ماهية المادة التي أعطت الوعي بعض المفاهيم المثالية كالحق و العدالة و الرحمة فإنه لن تكون هناك أية مواد مزودة للوعي الإنساني لتلك المفاهيم، هناك حقائق مطلقة في هذا الكون كما أسماها هيجل على المجاز يعمل العقل البشري بكل من المادة و الوعي ضمن علاقة مركبة بينهما على اكتشاف تلك الحقائق و النواميس التي تجتاز في حقيقتها و ماهيتها حدود المادة القاصرة نفسهاعلى تفسير مثل تلك الظواهر إذا ما حاولنا فهمها بمادية مجردة، قد يمتد هذا الفهم إلى الميتافيزيق نفسه و هو ما أنكره ماركس تحت مسمى ( الدين أفيون الشعوب وزفرة العقول البائسة ).

التناقض والتعقيد

عرف عن هيجل ميله الحاد إلى التناقض والتعقيد, فقد دعا إلى الأخلاق ونادى بالمسيحية ولكنه في الوقت نفسه أنجب ولدا غير شرعي. تناقض هيغل إنعكس لاحقا على المعجبين به والناقدين له, فهو موجود في الماركسية وذا بصمة واضحة في الاجتهادات البروتستانتية وهو شاهد لدى الوجودين ومرجع للبراغماتين. انه هيجل المتناقض. يقول هيجل عن فلسفته أنها إحتوت الفلسفات السابقة جميعا. فهو أمتداد وليس نشوء جيد بل هو تفسير لما اراد من سبقه من الفلاسفة ان يقوله ولم تسعفهم التجربة الإنسانية في الإستدلال أو الإيضاح. يقول ولاس في ذلك " إن مايريد هيجل أن يقوله ليس جديدا ولا هو مذهب خاص, إنما هو فلسفة كلية عامة تتداولها الأجيال من عصر إلى عصر, تارة بشكل واسع, وتارة بشكل ضيق, ولكن جوهرها ظل هو هو لم يتغير, وقد ظلت على وعي بدوام بقائها وفخورة بإتحادها مع فلسفة أفلاطون وأرسطو ". إلا ان هذا لايعني بحال ان هيجل كإمتداد للسؤال المعرفي الأزلي كان مجرد تكرار. فهو مؤسس الديالكتيكية باعتبارها علما فلسفيا يعمم التاريخ لكامل المعرفة ويصوغ القوانين الأكثر شمولا لتطوير الواقع الموضوعي. ناقدا المنهج الميتافيزيقي, مستخلصاً قوانين ومقولات ديالكتيكية, ولكن أيضا ضمن إطار مثالي. لقد أقام هيجل في فلسفته متتالية من القوانين : تغير الكم إلى الكيف, التطور من خلال التناقض والصراع, نزاع المحتوى والشكل, اعتراض الإستمرارية, تغير الإمكانية إلى الحتمية. وهي اسس إستند إليها ماركس وأنجلس كما انها مهدت للإنطلاق العلمي وفتحت العقل البشري على الذرة والأوزان الذرية. لقد عارض هيجل إقفال كانط للباب المعرفي ونفى أن يكون هناك استحالة في معرفة الأشياء لسبب يتعلق بذات الأشياء أو بذات الطبيعة الكلية. فالقوةالخفية للعالم عنده لا تقف عطلة أمام التوسع المعرفي, كما أن الأشياء بذواتها ليست لها ممانعة معرفية. وهو أكد على وحدة الجوهر والمظهر نافيا الإنفصال الذي اسس عليه أفلاطون فلسفته. وهو ما قاده إلى انكار الانفصال المطلق بين العقل والحواس كما فعل اليونان القدماء او بين الحق و الباطل كما فعلت الأديان وتفعل اليوم الأصوليات الحديثة المتصارعة على المسرح الدولي.
لقد ميز هيغل بين ثلاث مفاهيم مبينا التداخل والانفصال فيها ،الحقيقة, والوجود, والوجود الفعلي.
وعبر علاقة معقدة بينها وصل إلى ان المعرفة مرتبطة بمدى إدراكنا للمادة وان هذا الإدارك متغير بتغير الزمن والتراكم المعرفي. فنحن نعطي للشيء تعريفه من خلال التصورات التي نملكها في مخزوننا الثقافي وتنطبق عليه. بيد أن تلك التصورات لا تشكل الحقيقة النهائية للشيء. وهو هنا يناقش أفلاطون القائل: لست أنا الذي يصنف الأشياء, لأن الفئات نفسها لها وجود مستقل عن ذهني, فالجانب الحقيقي في موضوعات الحس هو الكليات, ولكن المصدر الذي من خلاله نعرف الكليات ليس الاحساس وإنما العقل. لأن الإحساس لا يستطيع أن يزودنا بالتصورات بما أن التصورات تتكون عن طريق التجريد أو الإستدلال, ومن ثم فالعقل هو مصدر الحقيقة الوحيد. لأن الإحساس يعطينا الظاهر, اما العقل فيعطينا الحقيقة.
لقد أيد هيجل في نقاشه لمقولة أفلاطون تلك أن هناك إنفصالا بين الحسي والعقلي ولكنه ليس إنفصالا مطلقا, بل علاقة متداخلة. وأن المعرفة بكليتها ناتجة عن تلك العلاقة المتداخلة بني الحسي والعقلي. ومن هذا الاساس الجدلي نشأت فكرته عن الوحدة المطلقة بين الفكر والوجود وشكلت الأساس الذي قامت عليه فلسفته برمتها. لقد رأى هيجل ان الوصول إلى الوعي من المادة مستحيل, كما يرى الماديون, كما أن إستخلاص المادة من الوعي, كما تقول الأديان, مستحيل بدروه. لذا نظر إلى الوعي بوصفه نتيجة للتطور السابق لجوهر أولي مطلق لايشكل وحدة مطلقة للذاتي و الموضوعي دون أي تمايز بينهما, وعليه فالوحدة الأولية التي تشكل الأساس الجوهري للعالم هي وحدة الوجود والفكر. حيث يتمايز الذاتي والموضوعي, فكريا فقط.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ


elsamiha
:: دفاتري جديد ::

تاريخ التسجيل: 19 - 1 - 2009
المشاركات: 30

elsamiha غير متواجد حالياً

نشاط [ elsamiha ]
معدل تقييم المستوى: 0
افتراضي
قديم 21-02-2009, 18:09 المشاركة 25   

السلام عليكم اريد مساعدة و جزاكم الله خيرا
ما المقصود للمنظور القيمي للفلسفة
مامعنى ان الانسان كائن ثقافي
و شكرا اااا

إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مادة, معلومات, لكل, المرجو, الدخول, الفلسفة, الطلاب،, بنك

« بنك معلومات مادة التربية الإسلامية | دروس التربية الاسلامية للجذع المشترك العلمي »

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فلسفة العنف وعنف الفلسفة- على هامش وضع مادة الفلسفة في المدارس المغربية دفاتر نيت دفتر مشاكل وقضايا إصلاح التعليم بالمغرب 0 08-06-2011 18:03
فهرس مادة الفلسفة oussamabr التربية الاسلامية - الاجتماعيات - الفلسفة - التربية البدنية - التوثيق 17 01-06-2009 00:43
سؤال مفتوح في الفلسفة... المرجو الدخول !! striker87 التربية الاسلامية - الاجتماعيات - الفلسفة - التربية البدنية - التوثيق 8 31-05-2009 13:38
فرض في مادة الفلسفة نجمة التربية الاسلامية - الاجتماعيات - الفلسفة - التربية البدنية - التوثيق 1 02-04-2009 15:13


الساعة الآن 13:44


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر © 1434- 2012 جميع المشاركات والمواضيع في منتدى دفاتر لا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى بل تمثل وجهة نظر كاتبها
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات دفاتر تربوية © 2007 - 2015 تصميم النور اونلاين لخدمات الويب المتكاملة