عروة بن الزبير
عروة بن الزبير كان من كبار التابعين، فهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن العوام.
أصيبت رجله بالآكلة، فجعلت عظامه تتآكل و يسقط عنها اللحم، فرآه الأطباء، فقرروا قطع رجله حتى لا يمتد المرض إلى بقية جسده، فلما بدءوا يقطعونها أغمي عليه، فقطعوها، و ألقوها جانبا، فبدأ نزيف الدم يشتد عليه، فغلوا زيتا ثم غمسوا عروق الرجل فيه حتى توقف الدم، ثم لفوا على الرجل خرقة، و انتظروا عند رأسه.
فلكا أفاق، نظر إلى رجله المقطوعة ملقية في طست، تسبح في دمائها، فقال : إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط و انا اعلم..فبدأ الناس يدخلون عليه و يعزونه في رجله، و يصبرونه على مصابه، فلما أكثروا عليه الكلام، رفع بصره إلى السماء، و قال: اللهم كان لي أطراف أربعة، فأخذت طرفا و أبقيت ثلاثة، فلك الحمد إذا لم تأخذ ثلاثة و تترك واحدا، اللهم و لئن ابتليت فلطالما عافيت، و لئن أخذت فلطالما أبقيت.
و كان حوله أولاده السبعة، يخدمونه، و يسلونه، فدخل أحدهم إلى أصطبل الخيول لحاجة، فمر وراء حصان عسيف فثار الحصان و ضرب الغلام بحافره، فأصابت الضربة أسفل بطنه، فمات، ففزع من حوله إليه، و حملوه، فلما غسل و كفن، جاء أبوه يتكئ على عكاز ليصلي عليه، فلما رآه قال: اللهم إنه كان لي بنون سبعة، فأخذت واحدا و أبقيت ستة، فلك الحمد إذا لم تأخذ ستة و تترك واحدا.
اللهم و لئن ابتليت فلطالما عافيت، و لئن أخذت فلطالما أبقيت.
فما أجمل هذا الرضا.
كم من الناس يمرض بطنه فيجزع و يصيح، و ينسى سلامة رأسه و رجله.
و كم منهم من تمرض عينه، فينسى سلامة لسانه و أذنه.
فاحمد الله على أن ابتلاك بمرض واحد، و لم يجمع عليك عشرة أمراض، و التفت إلى من حولك من المرضى و احمد الله الذي عافاك مما ابتلاهم به، و فضلك على كثير ممن خلق تفضيلا.
لا.. و لا يكفينا منك ذلك، فالمؤمل فيك أكثر، نريد منك أن تكون مهديا هاديا، صابرا مصبرا، لا ترى مريضا منكسرا إلا جبرته، ولا حزينا إلى أفرحته، و لا مشتكيا إلا و عظته، فتكون _ و أنت مريض_ منار خير لغيرك..و أنت أهل لذلك بإذن الله.