الجندي الإسرائيلي يكره الكاميرا, وصور غزة ذاكرة للمستقبلبقلم .. نزار الفراوي :الرباط (و م ع) | المغربية
كشف العدوان الإسرائيلي على غزة , مرة أخرى, أن جنرال جيش الاحتلال لا يحب الكاميرا, وأن الجندي الباحث عن مجد جديد بين جثامين الأهالي لا يرتاح لوجود عين غريبة تسلط الضوء على حصاد الطائرات والدبابات... كأن هواية التدمير طقس سري, جذبة شيطانية لا تحلو إلا باستفراد القاتل بالضحية.
يبدو سلوك جيش الاحتلال الإسرائيلي إزاء وسائل الإعلام في غزة منسجما مع طبيعة الوسائل التي سخرتها إسرائيل منذ البدايات في بناء كيانها على قاعدة الترويع والإرهاب الممنهج للأهالي. من مذابح دير ياسين, وكفر قاسم, إلى مجزرة صبرا وشاتيلا, كان يطيب للعسكر أن يمارس هواية القتل والتدمير بعيدا عن فضول الغرباء صناع الرأي والشهادة.
الجنرال الاسرائيلي المعتد بنياشين الحروب الصغيرة على المخيمات وأحياء المدنيين العزل يعرف أن الصورة ذاكرة المستقبل ومستودع الحقائق المزعجة والنسخة المضادة لحقيقة الطرف القوي في الحرب غير المتكافئة, فكانت النتيجة مشهد المكاتب المدمرة والكاميرات المحطمة وأجهزة التسجيل المتلفة, التي اندمجت عضويا في فضاء طللي أطبق على جثامين, وأشلاء, ودمى أطفال مبتورة, ورجال إسعاف...وصحافيين.
قصة عسكري الاحتلال مع الصحافي طويلة, الأول يكره الثاني, والثاني لا يكره أحدا, وإنما يحرص على توثيق ما تراه العين, وتسمعه الأذن, وظيفته في العالم الذي سمي تفاؤلا بالقرية الكوكبية أن ينقل لقاطني الأرض نبض الأمكنة وتفاعلات الناس في السلم والحرب.
كل المواثيق والأعراف الدولية تكرس الاحترام الواجب للصحافيين في زمن الحرب, وأعتى الأنظمة العنيفة والمستبدة نأت بآلتها القمعية عن هؤلاء المغامرين بحياتهم ضدا على الظلام واللاعقاب, غير أن جيش الاحتلال كان له رأي آخر.
في2003 , قتلت قوات الاحتلال المصور الصحفي البريطاني جيمس ميلر (29 عاماً) الذي كان يعمل في مؤسسة للخدمات الإعلامية في رفح جنوب قطاع غزة. جنود الاحتلال أطلقوا النار على ميلر بينما كان يقوم بتصوير عملية توغل لدبابات الاحتلال في المدينة. كان يرتدي قميصاً يشير إلى أنه صحفي, إلا أن هذا لم يمنع الجنود من استهدافه بصورة متعمدة. ذاكرة الإعلاميين لم تطرد بعد إسم الصحفي الإيطالي ميكايلو تشيريلو الذي قتل هو الآخر في العام نفسه برصاص جنود اسرائيليين, خلال اقتحام دبابات قوات الاحتلال لمدينة رام الله.
وفي غزة تواصلت الملحمة بسقوط أربعة صحافيين في ساحة الواجب المهني, و*** مقر تلفزيون "الأقصى" (28 دجنبر) بالإضافة إلى إمطار برج " الجوهرة " الذي يحتضن حوالي 20 مؤسسة إعلامية بالقنابل (9 يناير) فضلا عن منع الصحافيين الأجانب من ولوج غزة.
وقد طلبت الفدرالية الدولية للصحافيين من الأمم المتحدة فتح تحقيق حول الهجمات الاسرائيلية ضد وسائل الاعلام بالقطاع , داعية إلى معاقبة انتهاكاتها للقانون الدولي ولقرار مجلس الأمن المتعلق بحماية وسائل الاعلام في مناطق النزاع. وهي تسعى حاليا إلى خلق لجنة دولية للدفاع عن الصحافيين بغزة, كما تم توجيه طلب لتقديم المساعدة الانسانية لفائدة عائلات العاملين في وسائل الإعلام.
في عدوان غزة, لم يكن المدنيون الأبرياء وحدهم الضحايا. القانون الدولي الإنساني سقط في امتحانه الميداني, علما أنه يؤمن في مختلف مواثيقه الاتفاقية والعرفية للصحفيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين طالما أنهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية.
فالمادة79 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام1949 تنص على: "1 ) يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين (...) : "2 ) يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا الملحق "البروتوكول" شريطة ألا يقوم بأي عمل يسيء إلى وضعهم كأشخاص مدنيين (...)." الجنرال له رواية مغايرة للأحداث. بما أن المهمة العسكرية كانت تدمير الثابت والمتحرك, فإن الصحافي يكون هو من وضع نفسه في فوهة المدفع, وبما أن الشهادة أمام التاريخ لن تكون في صالح الجيش الجرار, فإن الصحافي هو من أعلن الحرب ووضع القوات الإسرائيلية في موقف الدفاع عن النفس !!.